الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث السابع في الدليل السابع - من الأدلة المختلف فيها -
وهو: العرف
تعريفه:
العرف في اللغة: بمعنى المعرفة، وهو ضد النكرة، وهو: كل
ما تعرفه النفس من الخير وتطمئن إليه.
والعرف في الاصطلاح: ما يتعارفه أكثر الناس، ويجري بينهم
من وسائل التعبير، وأساليب الخطاب والكلام، وما يتواضعون عليه
من الأعمال، ويعتادونه من شؤون المعاملات مما لم يوجد في نفيه،
ولا إثباته دليل شرعي.
***
تقسيمات العرف:
ينقسم العرف إلى عدة تقسيمات باعتبارات مختلفة من أهمها ما يلي:
التقسيم الأول: ينقسم العرف باعتبار من يصدر منه إلى ثلاثة
أقسام:
القسم الأول: العرف العام، وهو: ما تعارف عليه أكثر الناس
في جميع البلدان مثل عقد الاستصناع في أحذية وألبسة، ونحو
ذلك.
القسم الثاني: العرف الخاص، وهو: ما تعارف عليه أكثر
الناس في بعض البلدان مثل: إطلاق لفظ الدابة على الفرس عند
أهل العراق، بينما ذلك يختلف في مصر.
القسم الثالث: العرف الشرعي، وهو: اللفظ الذي استعمله
الشارع مريداً منه معنى خاصا، مثل " الصلاة "، فإنها في الأصل:
الدعاء، ولكن الشارع أراد بها شيئاً مخصوصا.
التقسيم الثاني: ينقسم العرف باعتبار سببه ومتعلقه إلى قسمين:
القسم الأول: العرف القولي وهو اللفظي، وهو: أن يتعارف
أكثر الناس على إطلاق لفظ على معنى ليس موضوعا له بحيث يتبادر
إلى الذهن عند سماعه من غير قرينة، ولا علاقة عقلية، مثل لفظ
"الدابة "، فإنه في اللغة يطلق على كل ما يدب على الأرض، وقد
خصصه بعضهم بالفرس، وبعضهم بالحمار.
القسم الثاني: العرف الفعلي، وهو: ما كان موضوعه بعض
الأعمال التي اعتادها الناس في أفعالهم العادية، أو معاملاتهم،
مثل: بيع المعاطاة - وهو: أن يقول: أعطني بهذا الدينار خبزاً
فيعطيه ما يرضيه، فهذا بيع صحيح ثبت عن طريق العرف.
حجية العرف:
لقد اختلف في العرف على مذهبين:
المذهب الأول: أن العرف حُجَّة، ودليل شرعي تثبت عن طريقه
الأحكام الشرعية.
ذهب إلى ذلك كثير من العلماء.
وهو الحق، ولكن ليس على إطلاقه، بل هو حُجَّة بشروط هي
كما يلي:
الشرط الأول: أن يكون العرف عاما أو غالبا.
الشرط الثاني: أن يكون العرف مطرداً أو أكثريا.
الشرط الثالث: أن يكون العرف موجوداً عند إنشاء التصرف.
الشرط الرابع: أن يكون العرف ملزما، أي: يتحتم العمل
بمقتضاه في نظر الناس.
الشرط الخامس: أن لا يعارضه تصريح بخلافه.
الشرط السادس: أن لا يخالف العرف دليلاً شرعيا معتمداً.
فإن توفرت هذه الشروط في العرف كان حُجَّة، أما إن تخلفت أو
تخلف واحد منها فلا يكون حُجَّة.
وقلنا: إنه حُجَّة للأدلة التالية:
الدليل الأول: أنه بعد الاستقراء والتتبع لأحكام اللَّه عز وجل
وجدنا أنه سبحانه قد اعتبر العادات - التي هي وقوع المسببات عن
أسبابها العادية - ورتب عليها أحكاما شرعية، فشرع القصاص
والنكاح والتجارة؛ لأنها أسباب للانكفاف عن القتل، وبقاء النسل،
ونماء المال عادة وعرفا.
الدليل الثاني: أن ورود التكاليف بميزان واحد في الخلق يدل على
أن الشارع اعتبر العادات والأعراف المطردة فيهم، ولو لم يعتبرها لما
كان هناك مانع من اختلاف التشريع، واختلاف الخطاب.
المذهب الثاني: أن العرف ليس بحُجَّة، ولا يصلح أن يكون دليلاً
تُبنى عليه الأحكام، وهو مذهب بعض العلماء.
دليل هذا المذهب:
هو نفس دليل القائلين: إن سد الذرائع ليس بحُجَّة، وهو أن
العرف ليس من الأدلة المعتمدة في حديث معاذ، فلا يكون دليلاً
شرعا.
جوابه:
إن العرف راجع إلى الاستحسان الذي سبق حيث قلنا: إن جميع
الأئمة قد أخذوا به على التعريف الأول الذي ذكرناه هناك، وهو:
العدول بحكم المسألة عن نظائرها" لدليل خاص، وقلنا: إن من
أنواعه: الاستحسان بالعرف والعادة، فإذا قلنا: إن الاستحسان
حُجة فينبغي أن نقول: إن العرف حُجَّة ولا فرق بين الموضعين.
بيان نوع الخلاف:
الخلاف هنا معنوي؛ حيث إن اعتبار العرف دليلاً شرعيا كان له
أثره في بعض المسائل الفقهية، ومنها:
1 -
أن بيع المعاطاة - وهو: دفع ثمن المبيع للبائع وأخذ المبيع
عن تراض بينهما، دون أن يتلفظ أحدهما بشيء - جائز عند أكثر
العلماء، ودليلهم: العرف؛ لأن البيع قد ورد الشرع بحله مطلقا،
ولم يشترط فيه شيء من الألفاظ، ولم يبين كيفيته، فيرجع ذلك
إلى العرف.
وخالف في ذلك الكثير من الشافعية، وقالوا: لا يجوز بيع
المعاطاة؛ لأن الشارع شرط الرضى لصحة البيع، وهو أمر خفي لا
يعرف إلا بالإيجاب والقبول.
2 -
أن الأجير الصانع لعمل ما يستحق أجرة المثل وإن لم تذكر
الأجرة عند العقد إذا كان منتصبا للعمل، هذا عند الإمام أحمد
وأبي حنيفة مستدلين بالعرف؛ لأن العرف الجاري في هذا يقوم مقام القول
عملاً بالقاعدة: " المعروف عرفا كالمشروط شرطا ".
بينما خالف بعض العلماء في ذلك وقالوا: لا يستحق الأجير شيئا
إذا لم تذكر الأجرة عند العقد، ويعتبر متبرعا؛ لأن صاحب الثوب
مثلاً لم يلتزم للصانع عوضا باللفظ.