الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الأول
في " الواو
"
حرف الواو تأتي للمعاني التالية:
أولاً: أنها تأتي عاطفة:
واتفق على أنها تفيد الجمع.
ولكن اختلف العلماء هل تفيد الترتيب والمعية مع كونها تفيد
الجمع على مذاهب:
المذهب الأول: أنها لمطلق الجمع من غير إشعار بخصوصية المعية
أو الترتيب، أي: أن الواو تدل على جمع المعطوف والمعطوف عليه
في حكم واحد من غير ملاحظة حصولهما معا، أو أن أحدهما قبل
الآخر، فإذا وجد ترتيب أو معية، فإنما هو من خارج دلالة الواو.
وهو مذهب أكثر أهل اللغة، وأكثر علماء الشريعة.
وهو الحق، للأدلة التالية:
الدليل الأول: أن أهل اللغة يستعملون الواو في أبنية يمتنع فيها
الترتيب مثل قولهم: " تقاتل زيد وعمرو "، فلو كانت للترتيب لما
حسن هذا؛ حيث لا ترتيب فيه؛ حيث إن المفاعلة إنما تصح عند
صدور الفعلين دفعة واحدة، وكذلك قولهم: " جاء زيد وعمرو
قجله "، فلو كانت " الواو " للترتيب: للزم التناقض؛ لأن قوله:
"قبله " يقتضي تقديم مجيء عمرو، والواو تقتضي تأخيره، وإذا
استعملوه فيما يمتنع فيه الترتيب وجب أن يكون حقيقة في غير
الترتيب؛ لأنها الأصل في الإطلاق، وإذا كان حقيقة في غير الترتيب:
وجب أن لا يكون حقيقة في الترتيب؛ دفعا للاشتراك.
الدليل الثاني: قوله عليه الصلاة والسلام: " لا تقولوا ما شاء
الله وشاء فلان قولوا: ما شاء اللَّه ثم شاء فلان "، فلو كانت الواو
للترتيب لما نهاه عن العطف بها، وأمرهم أن يأتوا بلفظ " ثم "،
وهذا بدل على أن الواو لمطلق الجمع.
الدليل الثالث: الاستقراء دلَّ على أن الواو لمطلق الجمع، بيانه:
أنه بعد الاستقراء وتتبع كلام العرب والقرآن والسُّنَّة وجدنا أنها لا
تأتي للمعية، ولا للترتيب، من ذلك قوله تعالى:
(وادخلوا الباب سجداً وقولوا حطة)، وقوله:
(وقولوا حطة وادخلوا الباب سجداً) ، فإن هاتين الآيتين وردتا في سورة واحدة وفي قصة واحدة فلو كانت الواو للترتيب لوقع تناقض بين الآيتين؛ لما فيه من جعل المتقدم متأخراً، والمتأخر متقدما.
الدليل الرابع: أنه احتج المبرد بقول حسان بن ثابت:
وما زال في الإسلام من آل هاشم
…
دعائم عز لا ترام ومفخر
بها ليل منهم جعفر وابن أمه
…
. علي ومنهم أحمد المتخير
فلو كانت الواو للترتيب لما قدم جعفر وعليا على النبي صلى الله عليه وسلم.
الدليل الخامس: قوله تعالى: (إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا)
فقدم عيسى على أيوب ويونس، ومعلوم أنهما كانا قبله، وكذلك
قدم سليمان على داود، وقد أوحي إليه قبله، فلو كانت الواو
للترتيب لما كان هذا.
الدليل السادس: أنه لو قال: " رأيت زيداً وعمراً "، فإنه يسبق
إلى الفهم السامع أنه رآهما معا، ولا يسبق إلى الفهم أنه رأى زيداً
قبل عمرو، وسبق الفهم يدل على الحقيقة، إذن الواو لا تكون
للترتيب حقيقة.
الدليل السابع: أن أهل اللغة قد فرقوا بين قولنا: " جاء زيد
وعمرو "، وقولنا: " جاء زيد ثم عمرو "، فلو كانت الواو
للترتيب لما كان بينهما فرق.
المذهب الثاني: أنها للجمع بقيد الترتيب، فإذا قال: " جاء زيد
وعمرو " دلَّ على أن مجيء زيد قبل مجيء عمرو، وهو مذهب
بعض أهل اللغة، وبعض الشافعية والحنفية والحنابلة.
أدلة هذا المذهب:
الدليل الأول: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما خرج إلى السعي قرأ قوله تعالى: (إن الصفا والمروة من شعائر الله)، ثم قال: " ونبدأ بما بدأ الله
به "، فرتب النبي صلى الله عليه وسلم الفعل على ما اقتضاه اللفظ، وهذا يدل على أن الواو للترتيب.
جوابه:
إنه على تقدير صحة الحديث: فإن الجواب واضح؛ إذ لو كانت
الواو للترتيب لفهم الصحابة مدلولها، ولما احتاجوا إلى سؤال النبي
صلى الله عليه وسلم، حيث إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقل ما قاله إلا بعد سؤال سائل.
الدليل الثاني: أنه لما قال سُحيم عبد بني الحسحاس:
عميرة ودع إن تجهزت غازياً
…
كفى الشبيب والإسلام ناهيا
قال له عمر بن الخطاب رضي الله عنه: لو قدمت الإسلام
على الشبيب لأجزتك.
وجه الدلالة: أنه لو لم تكن الواو للترتيب لما أنكر عمر ذلك -
وهو من أهل اللسان - فدل ذلك على أن الواو للترتيب.
جوابه:
إن هذا الإنكار إنما كان على وجه الأدب في تقديم الأهم في
الذكر، لا لأن الواو تقتضي الترتيب؛ جمعا بين الأدلة.
المذهب الئالث: أنها للجمع بقيد المعية، وهو مذهب بعض
المالكية والحنابلة.
دليل هذا المذهب: الوقوع؛ حيث وقع أن " الواو " قد جاءت
بمعنى " مع " في كلام العرب، من ذلك قول أبي الأسود الدؤلي:
لا تنه عن خلق وتأتي بمثله
…
عار عليك إذا فعلت عظيم
وقوله تعالى: (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ) .
فإن الواو - هنا - قد استعملت بمعنى " مع "، والاستعمال دليل
الحقيقة.
جوابه:
إن استعمال " الواو " في غير المعية أكثر، والكثرة يرجح بها،
فتكون " الواو " لغير المعية، ولا تستعمل للمعية إلا بقرينة، وقد
حصل هنا، فقد استعملت للمعية بقرينة، ولا نزاع عند دلالة
القرينة.
بيان نوع الخلاف:
الخلاف معنوي؛ حيث تأثر بهذا الخلاف كثير من مسائل الفقه،
ومنها: أنه لو قال لزوجته: " إن دخلت الدار وكلمت زيداً فأنت
طالق ".
فيلزم على المذهب الأول: أنه لا يقع الطلاق حتى تدخل وتكلم،
ولا فرق في أيهما المقدم؛ لأن الواو لمطلق الجمع، وهو مذهب
الشافعية والحنابلة، وهو الصحيح.
ويلزم على المذهب الثاني: أنها لا تطلق إلا إذا قدمت الدخول
على الكلام؛ لأن الواو للترتيب.
ويلزم على المذهب الثالث أنها لا تطلق إلا إذا كانت تكلم زيداً
أثناء دخولها؛ لأن الواو للمعية.
ثانيا: أن الواو تأتي بمعنى " مع "، وتسمى؛ واو المفعول معه
مثل: " سرت والليل "، ويكون ما بعدها منصوبا.
ثالثا: تأتي الواو بمعنى " أو " كقوله تعالى: (فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع)، وقوله:(أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع)
رابعا: تأتي " الواو " للاستئناف، كقوله تعالى:(ثم قضى أجلاً وأجل مسمى عنده)، وقوله:(هل تعلم له سميا ويقول الإنسان) ،
وقوله تعالى: (وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به) ، وقد سبق بيانه في المحكم والمتشابه.
خامسا: تأتي الواو بمعنى " رب " كقول الشاعر: جران العود:
وبلدة ليس بها أنيس
…
إلا اليعافير وإلا العيس
أي: رب بلدة.
سادسا: تأتي الواو للقسم مثل قوله تعالى: (والفجر وليال عشر) .
سابعا: تأتي الواو بمعنى الحال مثل: " جاء زيد وهو يضحك،.
ثامناً: تأتي الواو بمعنى " إذْ " مثل قوله تعالى: (ثم أنزل عليكم من بعد الغم أمنة نعاسا) إلى قوله: (وطائفة قد أهمتهم أنفسهم)
أي: إذ طائفة قد أهمتهم أنفسهم.
والواو عند التجرد تكون للعطف المتضمن مطلق الجمع كما قلنا
في الأول، ولا تستعمل في غير ذلك من المعاني إلا بقرينة.