الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الخامس إذا ورد النهي بعد الأمر فماذا يقتضي
؟
لقد سبق في مبحث الأمر أن قلنا: إن الأمر إذا ورد بعد النهي فقد
اختلف فيه هل يقتضي الإباحة أو يقتضي الوجوب.
ولكن هنا عكس المسألة السابقة، والكلام عنها يحتاج إلى تفصيل
هوكما يلي:
القائلون بأن صيغة الأمر بعد النهي للوجوب اتفقوا على أن النهي
بعد الأمر للتحريم؛ لأن النهي يقتضي التحريم كما سبق بيانه،
فوروده بعد الأمر لا يمنعه من إفادته للتحريم، فيجب العمل بالمقتضي
السالم عن المعارض، فتكون صيغة النهي الواردة بعد الأمر للتحريم
كما لو وردت ابتداء.
أما القائلون: إن صيغة الأمر الواردة بعد النهي للإباحة، فهم
الذين اختلفوا في هذه المسألة وهي: " ماذا تقتضى صيغة النهى بعد
الأمر؛ " على مذهبين:
المذهب الأول: أن صيغة النهي الواردة بعد الأمر تقتضي التحريم.
وهذا هو الحق، وهذا خلاف ما قلناه سابقاً في مسألة: " الأمر
الوارد بعد النهي "، فقد قلنا هناك: إن الأمر الوارد بعد النهي
يقتضي الإباحة، وهنا قلنا: إن النهي الوارد بعد الأمر يقتضي
التحريم، وذلك لوجود الفرق بينهما من وجوه:
الوجه الأول: أن دلالة النهي على التحريم أقوى من دلالة الأمر
على الوجوب، ولا يلزم من العمل بما هو أقوى العمل بما هو
أضعف، ولذلك يقول عليه السلام: " ما اجتمع الحلال والحرام إلا
غلب الحرام الحلال ".
الوجه الثاني: أن الأصل في الأشياء العدم، فالقول بأن النهي
بعد الأمر يقتضي التحريم فيه عمل بالأصل.
الوجه الثالث: أن الشارع قد اعتنى بدرء المفاسد أشد من عنايته
من جلب المنافع والمصالح، فالقول بأن النهي بعد الأمر للتحريم فيه
عمل بهذا الأصل.
المذهب الثاني: أن - صيغة النهي الواردة بعذ الأمر تقتضي الإباحة
- مثل: صيغة الأمر الواردة بعد النهي؛ حيث قلنا: إنها تقتضي
الإباحة.
دليل هذا المذهب:
أن تقدم الأمر على النهي يعتبر قرينة على أن الفعل مأذون فيه،
وليس ممنوعاً، وبذلك تكون صيغة النهي ليس مراداً منها - حقيقتها،
بل تكون مجازاً في الإباحة لهذه القرينة.
جوابه:
إن هذا الدليل يفهم منه قياس " النهي الوارد بعد الأمر " على
"الأمر الوارد بعد النهي "، وهذا لا يصح؛ لأن النهي الوارد بعد
الأمر يختلف عن الأمر الوارد بعد النهي، فلو قال السيد لعبده: "لا
تدخل هذه الدار "، ثم قال له: " ادخلها " هذا يعتبر إذنا بالدخول
بعد أن حرم عليه الدخول.
بخلاف ما لو قال له: " ادخل هذه الدار "، ثم قال له:" لا تدخلها "، فإنه يعتبر تحريما بعد وجوب.
ثم إن الذي يُبين الفرق ما ذكرنا فيما سبق من الوجوه.
بيان نوع الخلاف:
الخلاف هنا معنوي كما هو ظاهر، فلو قال السيد لعبده: - "ادخل
هذه الدار " ثم قال له: " لا تدخلها "، فإن دخلها بعد ذلك فهل
يستحق العقوبة؛
بناء على المذهب الأول: يستحق العقوبة بدون قرينة.
وبناء على المذهب الثاني: لا يستحق العقوبة إلا بقرينة تستوحب
ذلك.