الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثامن في الدليل الثامن - من الأدلة المختلف فيها -
- الاستقراء
-
تعريفه:
الاستقراء في اللغة: مأخوذ من قولهم: " قرأت الشيء قرآنا "
أي: جمعته وضممت بعضه إلى بعض، وهو يرجع إلى التتبع،
يقال: " استقرأت الأشياء " إذا تتبعت أفرادها.
تعريفه في الاصطلاح:
وهو في الاصطلاح: تصفح وتتبع الجزئيات ليحكم بحكمها على
كلي يشملها.
أو تقول هو: الاستدلال بثبوت الحكم في الجزئيات على ثبوته في
الأمر الكلي الجامع لتلك الجزلْيات.
هذا عند المناطقة.
أما الأصوليون فيعرفونه بأنه: تتبع الحكم في جزئياته على حالة
يغلب على الظن أنه في صورة النزاع على تلك الحالة.
* * *
أنواعه:
الاستقراء نوعان:
النوع الأول: استقراء تام، وهو: ثبوت الحكم في كلية بواسطة
إثباته بالتتبع والتصفح بجميع الجزئيات ما عدا صورة النزاع.
النوع الثاني: استقراء ناقص، وهو: ثبوت الحكم في كلية
بواسطة إثباته بالتتبع والتصفح لأكثر الجزئيات ما عدا صورة النزاع.
حجيته:
النوع الأول من نوعي الاستقراء، وهو الاستقراء التام اتفق
العلماء على حجيته؛ لكونه يفيد القطع؛ حيث إنه ثبت عن طريق
استقراء جميع الجزئيات.
وأما النوع الثاني - وهو: الاستقراء الناقص - فقد اختلف العلماء
في حجيته على مذهبين:
المذهب الأول: أنه حُجَّة، أي: أن الاستقراء الناقص يفيد الحكم
ظنا.
وهو مذهب الجمهور، وهو الحق؛ لأن تصفح وتتبع أكثر
الجزئيايت مع تماثلها في الأحكام يوجد ظنا غالبا بأن حكم ما بقي من
الجزئيات - وهو قليل - كذلك؛ حيث إنه معلوم: أن القليل يلحق
بالكثير الغالب والعمل بالظن الغالب واجب، لما روي عن النبي
صلى الله عليه وسلم أنه قال: " نحن نحكم بالظاهر، والله يتولى السرائر "، وهذا وإن كان واردأ في صيغة الخبر، لكن المراد به الأمر، فالحديث أثبت أن العبرة بالظاهر، والظاهر هو: أن حكم الباقي الذي لم يتتبع ولم يستقرأ كحكم غيره مما تتبع واستقرئ، وعلى هذا يجب اعتبار
الاستقراء حُجَّة عملاً بهذا الظاهر، فكان حجة يجب العمل به.
وانما قلنا: إن الاستقراء الناقص يفيد الحكم ظنا، ولا يفيده قطعا؛
لجواز أن يكون حكم ما لم يستقرأ بخلاف حكم ما استقرئ، فنظراً
إلى هذا الاحتمال الضعيف قلنا: إنه يفيد الحكم ظنا.
المذهب الثاني: أن الاستقراء ليس بحُجَّة، فلا يفيد الحكم قطعا
ولا ظنا، وهو مذهب فخر الدين الرازي وبعض العلماء.
دليل هذا المذهب:
أنه يجوز اختلاف الجزئيات في الأحكام، واستقراء بعض
الجزئيات - وإن كثرت - وترك بعض الجزئيات الآخر يعتبر استقراء
جزئي، لا يثبت ذلك الحكم في الباقي المتروك؛ نظرا لجواز أن
يكون حكم الأجزاء التي لم تستقرأ مخالفا لما استقرئ، فينتج: أن
الحكم على الباقي بواسطة هذا الاستقراء باطل.
جوابه:
إن هذا الاحتمال الذي ذكرتموه هو الذي جعلنا نقول: إن
الاستقراء الناقص يفيد الحكم ظنا؛ إذ لولا هذا لقلنا: إنه يفيده
قطعا، فالباقي الذي لم يستقرأ قليل، والذي تم استقراؤه كثير،
والقليل النادر ملحق بالغالب الكثير - كما قلنا - فهذا يوجد ظنا عند
المجتهد بأن حكم الباقي يماثل حكم ما استقرئ، فنحن نظرنا إليه من
هذه الحيثية.
بيان نوع الخلاف:
الخلاف هنا معنوي، حيث إنه انبنى على اعتماد الاستقراء وكونه
حُجَّة خلاف في بعض الفروع، منها:
1 -
أن أكثر مدة النفاس ستون يوما، وهو مذهب الإمام الشافعي
وكثير من أصحابه، ودليلهم: الاستقراء؛ حيث إنه قد وجد - بعد
الاستقراء والتتبع - أن بعض النساء يرين النفاس هذه المدة،
والاعتماد في هذا الباب على الوجود.
وخالف في ذلك أبو حنيفة، وأحمد في المشهور عنه، وكثير من
أتباعهم، فذهبوا إلى أن أكثر النفاس أربعون يوما، ولم يحتج
هؤلاء بالاستقراء، بل احتجوا بما صح عن أم سلمة أنها قالت:
"كانت النفساء تجلس على عهد النبي صلى الله عليه وسلم أربعين يوما وليلة ".
2 -
أن أكثر مدة الحمل أربع سنوات، وهو مذهب جمهور
العلماء، ودليلهم الاستقراء؛ حيث إنا نرجع فيما لم ينص على
حكمه إلى الوجود، وقد وجد الحمل لأربع سنوات كنساء بني
عجلان.
وخالف في ذلك أبو حنيفة وكثير من أصحابه، حيث ذهبوا إلى
أن أكثر مدة الحمل سنتان، وحجتهم قول الصحابي؛ حيث روي
عن عائشة قولها: الولد لا يبقى في البطن أكثر من سنتين، ولو
فلكة مغزل.