الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الحادي عشر الأمر المعلق بشرط أو صفة هل يقتضي تكرار
المأمور به بتكرار الشرط أو الصفة أو لا
؟
أصحاب المذهب الثاني - في المطلب السابق - وهم القائلون: إن
مطلق الأمر يقتضي التكرار - قالوا: إذا عُلِّق الأمرُ بشرط كقولك:
" إن قام زيد فقم "، أو علق الأمر بصفة كقولك: " اعط الناجح
درهماً "، فإنه يقتضي التكرار من باب أوْلى؛ لأنهم إذا قالوا: إن
الأمر المطلق يقتضي التكرار، فإنه إذا علق بشرط أو صفة يقتضي
التكرار كلما تكرر الشرط، أو تكرر وجود الصفة.
أما أصحاب المذهب الأول - وهم القائلون: إن الأمر المطلق لا
يقتضي التكرار بل المرة الواحدة: فقد اختلفوا في ذلك على مذهبين:
المذهب الأول: أن الأمر المعلق بالشرط أو الصفة لا يقتضي
التكرار.
وهذا هو مذهب أكثر القائلين: إن الأمر المطلق لا يقتضي التكرار،
وهو الحق؛ لما يلي من الأدلة:
الدليل الأول: أن العرف دلَّ على أن الأمر إذا علق بشرط، فإنه
لا يتكرر بتكرر الشرط؛ فإنه لا يعقل منه إلا فعل مرة واحدة، بيانه:
أن السيد إذا قال لعبده: " إن دخلت السوق فاشتر تمراً "، فإنه لا
يعقل منه تكرار شراء التمر، وإن تكرر دخوله السوق.
كذلك لو قال الرجل لزوجته: " إن دخلت الدار فأنت طالق "،
فإنه لا يتكرر وقوع الطلاق بتكرر دخولها.
وكذلك قوله لوكيله: " طلق زوجتي إذا دخلت الدار "، فإنه لا
يعقل من هذا أن يطلقها كلما دخلت الدار، وإنما يطلقها مرة واحدة،
وإن تكرر دخولها الدار.
الدليك الثاني: أن أهل اللغة فرقوا بين قول القائل: " اعط زيداً
درهماً إذا طلعت الشمس "، وبين قوله: " اعط زيداً درهما كلما
طلعت الشمس " في أن العبارة الأولى تفيد أنه لا يتكرر الإعطاء
بتكرر طلوع الشمس، وأن العبارة الثانية تفيد: أنه يتكرر الإعطاء
بتكرر طلوع الشمس؛ بسبب كلمة " كلما "، فلو كان الأمر المعلق
بشرط يقتضي التكرار بتكرار الشرط: لما كان بين العبارتين فرق.
الدليل الثالث: قياس الأمر المعلق على شرط على الخبر المعلق
على شرط، بيانه:
أنه لو قال شخص: " زيد يدخل الدار إن دخلها عمرو "،
فتكرر دخول عمرو، ودخلها زيد مرة واحدة، فإنه يكون صادقا
بهذا الخبر، ولو لم يدخلها زيد إلا مرة واحدة.
فكذلك لو قال لزيد: " ادخل الدار إن دخلها عمرو "، فلو كرر
عمرو الدخول، ودخلها زيد مرة واحدة، فإنه يكون ممتثلاً للأمر،
ويخرج بها عن العهدة، ولا فرق بينهما.
المذهب الثاني: أن الأمر المعلق بالشرط أو الصفة يقتضي التكرار.
وهو مذهب بعض القائلين: " إن الأمر المطلق لا يقتضي التكرار ".
أدلة هذا المذهب:
الدليل الأول: الوقوع؛ حيث إنه وقع ووجد في كتاب الله أوامر
معلقة بشروط وصفات تتكرر بتكرر الشروط والصفات من ذلك:
قوله تعالى: (إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم)، وقوله:
(وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا)، وقوله: (الزانية والزاني
فاجلدوا) ، فكلما قام المسلم إلى الصلاة فلا بد له من الوضوء،
وكلما وجدت صفة السرقة في مسلم فإنه يجب قطع يده، وكلما
وجدت صفة الزنى في مسلم فإنه يجب الجلد، فهنا تكرار الفعل
بتكرر الشرط والصفة.
جوابه:
يجاب عنه بأجوبة:
الجواب الأول: أنا لا نُسَلِّمُ أن قوله تعالى: (إذا قمتم إلى الصلاة..) يقتضي التكرار، حيث لا يقتضي تكرار الوضوء بتكرار
الصلاة: فقد يصلي الإنسان عدة صلوات بوضوء واحد، وقد يتوضأ
ولا يصلي.
الجواب الثاني: سلمنا أن فيما ذكر تكرار، ولكن هذا التكرار لم
يعقل من ظاهر هذه الآيات، وإنما جاء هذا التكرار من أدلة خارجية
كالإجماع أو القياس أو غيرهما.
الجواب الثالث: أنه كما وجدتم في الشريعة أحكاما تقتضي
التكرار بتكرر الشرط، كذلك وجدنا في الشريعة أحكاما لا تقتضي
التكرار بتكرر الشرط وهو: الحج والعمرة، فإن الاستطاعة توجد،
ولا يجب الحج الثاني.
الجواب الرابع: أنه تكرر الحد بتكرر السرقة والزنا لأنهما علتان،
والعلة يتبعها حكمها كلما وجدت.
الدليل الثاني: قياس التعليق بالشرط على التعليق بالعلَّة،
والجامع: أن كل واحد منهما سبب فيه، ثم الحكم يتكرر بَتكرر
العِلَّة، فكذلك يتكرر بتكرر الشرط.
جوابه:
هذا القياس فاسد؛ لأنه قياس مع الفارق؛ لأنه يوجد فرق بين
العلَّة والشرط من حيث إن العلَّة تقتضي الحكم، وتدل عليه،
والشرط لا يدل على الحكم، ولا يقتضيه، فلم يتكرر بتكرره
بدليل: ما قلنا سابقا وهو: أن من طلق امرأته بشرط دخول الدار لم
يكن دخولها في المرة الثانية شرطا في الطلاق.
بيان نوع الخلاف:
الخلاف هنا معنوي؛ حيث أثر هذا الخلاف في بعض الفروع
الفقهية، ومنها:
1 -
لو قال لوكيله: " إن دخلت زوجتي الدار فطلقها "
هل يتكرر الطلاق بتكرر الدخول؟
اختلف في ذلك على قولين:
القول الأول: أنه لا يطلقها إلا طلقة واحدة، وإن تكرر الدخول.
القول الثاني: أنه يطلقها كلما تكرر دخولها، فإن دخلت ثلاث
مرات يطلقها ثلاث مرات.
2 -
هل تجب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم كلما ذكر؟
اختلف في ذلك على أقوال:
القول الأول: أن الواجب هو: الصلاة على النبي مرة واحدة في
المجلس الذي يتكرر فيه ذكره عملاً بقوله صلى الله عليه وسلم: "بَعُد من ذكرت عنده فلم يصل علي "
لأن الأمر المطلق بشرط لا يقتضي التكرار بتكرار الشرط.
القول الثاني: أن الواجب هو الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم كلما ذكر في المجلس الواحد؛ لأن الأمر المطلق يقتضي التكرار بتكرار الشرط.
القول الثالث: أن الواجب هو الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم مرة واحدة في العمر كله؛ لأن الأمر المعلق بشرط لا يقتضي التكرار بتكرار الشرط.