الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثاني هل للنهي صيغة موضوعة في اللغة
؟
لقد اختلف في ذلك على مذهبين:
المذهب الأول: أن النهي له صيغة موضوعة في اللغة تدل بمجردها
عليه، وهي:" لا تفعل ".
وهو مذهب كثير من العلماء وهو الحق عندي؛ لدليلين:
الدليل الأول: إجماع أهل اللغة على أن للنهي صيغة وهي: " لا
تفعل "، بيانه:
أن السيد لو قال لعبده: " لا تدخل هذه الدار "، فإنه يعقل منه
كفه عن الدخول، وإذا دخلها فإنه يستحق العقوبة، ولو رآه العقلاء
من أهل اللغة وهو يعاقبه، وسألوه عن سبب معاقبته وقال: إني
أعاقبه؛ لأنه عصاني: فقد نهيته عن دخول الدار بقولي: " لا
تدخل هذه الدار " فدخلها: لوافقوه على أن العبد قد استحق تلك
العقوبة، دون منكر لذلك، فكان هذا إجماعا منهم على أن ذلك
اللفظ وضمع للنهي.
الدليل الثاني: أن أهل اللغة قد قسموا الكلام إلى: " أمر "،
و"نهي "، و " خبر "، و " استخبار "، وجعلوا للأمر:" افعل "،
وجعلوا للنهي: " لا تفعل "، وللخبر:" قد فعلت "،
وللاستخبار " هل فعلت؟ ".
المذهب الثاني: أنه لا صيغة للنهي في اللغة، وإنما صيغة "
" لا تفعل " مشتركة بين الأمر وغيره، ولا يحمل على أحدهما إلا
بقرينة.
وهو مذهب أكثر الأشاعرة؛ بناء على مذهبهم الفاسد: " إن
الكلام معنى قائم في النفس " كما قالوا في الأمر.
دليل هذا المذهب:
أن هذه الصيغة ترد والمراد بها الكف عن الفعل، وترد والمراد بها
الدعاء كقوله: (ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به) ، وترد والمراد بها
الإرشاد كقوله تعالى: (لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم)
وترد والمراد بها غير ذلك، وليس أحد هذه المعاني بأوْلى من الأخرى
ولا يجوز ترجيح أحدها بلا مرجح، فوجب التوقف فيها حتى يرد
دليل يبين المراد كاللفظ المشترك.
جوابه:
يجاب عنه بجوابين:
الجواب الأول: أنه إذا وردت صيغة: " لا تفعل "، وهي مجردة
عن القرائن فلا يفهم منها إلا الكف عن الفعل، ولا نحمله على
غيره من المعاني إلا بقرينة من شاهد الحال وغيره، فهي تكون حقيقة
في الاستدعاء وطلب الترك مجازاً في غيره، كلفظ " الأسد " المطلق
فهو حقيقة في الحيوان المفترس، ولا يحمل على الرجل الشجاع إلا
بقرينة.
الجواب الثاني: إنكم قستم صيغة: " لا تفعل " على اللفظ
المشترك وهذا القياس فاسد؛ لأنه قياس مع الفارق؛ حيث إن اللفظ
المشترك كالعين لا يفهم منه معنى معين، أما صيغة:" لا تفعل "
فإنه يفهم منها معنى معين وهو: طلب الترك.
بيان نوع الخلاف:
الخلاف معنوي؛ فأصحاب المذهب الأول يجعلون صيغة: " لا
تفعل " من باب الظاهر؛ حيث إن لها معنيان: " معنى راجح وهو
طلب الترك "، و " معنى مرجوح وهو عدم إفادتها لذلك "،
فرجحوا إفادتها لطلب الترك وعملوا على ذلك بدون قرينة.
أما أصحاب المذهب الثاني فإنهم جعلوا صيغة: " لا تفعل " من
باب المجمل، وهو الذي لا معنى له راجح، ويترتب على ذلك:
عدم العمل بصيغة: " افعل " إلا بقرينة.