الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثامن بيان نوع القرينة التي تصرف الأمر من الوجوب إلى غيره
لقد اتفق القائلون: " إن الأمر المطلق يقتضي الوجوب " على أنه
لا يصرف عنه إلا بقرينة، ولكنهم اختلفوا في نوع هذه القرينة على
مذهبين:
المذهب الأول: أن أيَّ قرينة قوية تصرف الأمر من الوجوب إلى
غيره، وهذا مطلق، أي: سواء كانت نصاً، أو إجماعا، أو
قياساً، أو مفهوماً، أو فعلاً، أو مصلحة، أو ضرورة، أو سياق
كلام، أو أية قرينة مقالية أو حالية تصلح أن تصرف الأمر من
الوجوب إلى غيره، وهذا هو الحق؛ لأن القرينة مما ذكرنا تعتبر
دليلاً شرعياً، فلو لم نأخذ بها للزم من ذلك ترك دليل شرعي قد
ثبت، وهذا لا يجوز.
المذهب الثاني: أن القرينة التي يؤخذ بها لصرف الأمر من
الوجوب إلى غيره هي: نص آخر، أو إجماع فقط.
وهو مذهب الظاهرية وعلى رأسهم ابن حزم.
دليل هذا المذهب:
أن النص الآخر والإجماع دليلان يقويان على صرف الأمر من
الوجوب إلى غيره، أما غيرهما من القرائن فليست في مستواهما من
القوة، فالعدول عن الوجوب بغيرهما انحراف عن الطريق الصحيح
وتقول على اللَّه ورسوله، وخروج على مدلولات الخطاب في لغة
القرآن والسُّنَّة.
جوابه:
لا نسلم أن غير النص والإجماع لا يصلح أن يكون قرينة تصرف
الأمر من الوجوب إلى غيره، بل كل قرينة معتبرة شرعا تصلح أن
تكون صارفة كما صلحت أن تكون دليلاً إلى حكم شرعي يعمل،
ولا فرق، فإن منعتم أن تكون أية قرينة صارفة فامنعوا أن تكون
دليلاً، وهذا يلزم منه: ترك أكثر أدلة الشريعة، وهذا إبطال لها،
وهذا لا يجوز.
بيان نوع الخلاف:
الخلاف هنا معنوي، حيث أثر في بعض الفروع الفقهية، ومنها:
1 -
مكاتبة العبد الرقيق.
فذهب الجمهور إلى أن مكاتبة الرقيق المسلم الذي فيه خير
للإسلام مندوب إليها؛ والأمر الوارد في قوله تعالى:
(فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيراً) مصروف من الوجوب إلى الندب؛
لإقرار النبي صلى الله عليه وسلم بعض الصحابة، حيث إنهم لم يعتقوا عبيدهم مع أن فيهم خيراً للإسلام والمسلمين، ولأنه يترتب على ذلك تعطيل الملك وتحكم المماليك في المالكين.
أما أصحاب المذهب الثاني - وهم الظاهرية - فقالوا: إن المكاتبة
واجبة، وعلى السلطان أن يجبر المالكين على المكاتبة؛ لأن الأمر
الذي في الآية السابقة للوجوب، ولا يوجد صارف من النص، أو
الإجماع له.
2 -
وليمة العرس هل هي واجبة؟
فأصحاب المذهب الأول يقولون: إن وليمة العرس ليست واجبة
والأمر الوارد في قوله صلى الله عليه وسلم لعبد الرحمن بن عوف حين تزوج -:
" أولم ولو بشاة " مصروف عن الوجوب إلئ الندب؛ لأنه طعام
لسرور حادث فأشبه سائر الأطعمة.
أما أصحاب المذهب الثاني وهم الظاهرية فيقولون: إن الوليمة
واجبة؛ لأن الأمر الوارد في الحديث السابق مطلق، والأمر المطلق
للوجوب، ولا يوجد صارف من نص أو إجماع.
3 -
الأكل من هدي التطوع هل هو واجب أو لا؟
أصحاب المذهب الأول - هم الجمهور - قالوا: إن الأكل من
الهدي ليس بواجب بل هو مندوب، والأمر الوارد في قوله تعالى:
(فإذا وجبت جنوبها فكلوا منها) مصروف من الوجوب إلى الندب
والقرينة الصارفة هي أن الآية قد جاءت مبطلة لما كان عليه العرب
في جاهليتهم؛ حيث إنهم كانوا لا يأكلون من النسك، فأذن الله
سبحانه في الأكل، وندب إليه؛ لما فيه من مخالفتهم.
أما أصحاب المذهب الثاني - وهم الظاهرية - فقد ذهبوا إلى أن
الاكل واجب؛ لأنه مأمور به في الآية السابقة، والأمر يقتضي
الوجوب ولا صارف له.