الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب التاسع عشر هل يجوز الأمر من اللَّه تعالى بما يعلم أن المكلَّف
لا يتمكن من فعله
؟
مثل: إذا أمر اللَّه تعالى عبده بالحج هذا العام، وهو يعلم أن هذا
المأمور يموت في شوال - أي قبل الحج - فهل يجوز ذلك؟
اختلف في ذلك على مذهبين:
المذهب الأول: أنه يجوز الأمر من اللَّه تعالى بما يعلم أن المكلَّف
لا يتمكن من فعل المأمور به.
وهو مذهب جمهور العلماء، وهو الحق؛ لأن الأمَّة مجمعة على
أن الصبي إذا بلغ فإنه يجب عليه أن يعلم ويعتقد كونه مأموراً بشرائع
الإسلام منهياً عن الزنا والسرقة والقتل في الحال، فإذا عزم على
فعل المأمور بها، وعزم على ترك المنهي عنها: يكون مثابا على ذلك
متقربا إلى اللَّه بذلك، وإن لم يحضره وقت صلاة أو زكاة، ولا
حضر من يمكن قتله، أو الزنا بها، أو مال تمكن سرقته، ولكن
يعلم نفسه أنه مأمور ومنهي بشرط التمكن؛ لأنه جاهل بعواتب
أمره، وعلمه بأن اللَّه - تعالى - عالم بعاقبة أمره، وأنه لا يتمكن
من فعل المأمور به لا يدفع عنه وجوب هذا الاعتقاد.
المذهب الثاني: لا يجوز الأمر من الله - تعالى - بما يعلم أن
المكفَف لا يتمكن من فعل المأمور به.
وهو مذهب المعتزلة.
دليل هذا المذهب:
أن الأمر إذا قيد بشرط يؤدي إلى أن يكون وجود الشيء مشروطا
بما يوجد بعده، وهذا ممتنع، أي: يمتنع تعليق الأمر بشرط مستقبل؛
لأن الشرط لا بد أن يكون حاصلاً مع المشروط، أو قبله.
جوابه:
إن هذا ليس شرطاً لوجود ذات الأمر، وقيامه بذات الأمر، بل
الأمر موجود قائم بذات الأمر سواء وجد الشرط، أو لم يوجد،
وإنما هو شرط لكون الأمر لازما واجب التنفيذ، وليس ذلك من
شرط كونه موجوداً.
ولهذا قلنا: إن الأمر أمر للمعدوم بتقدير الوجود، وإن لم يبلغه
بشرط بلوغه، فليس البلوغ شرطا لقيام نفس الأمر بذات الأمر، بل
البلوغ شرط لزوم التنفيذ.
بيان نوع الخلاف:
الخلاف هنا معنوي؛ حيث أثر في بعض الفروع الفقهية، ومنها:
1 -
لو قال: " إن شرعت في الصوم فزوجتي طالق "، ثم
شرع ومات في أثناء صوم أول يوم، فإنه بناء على المذهب الأول
يلزمه الطلاق؛ لأن هذا صوم في الحال، وتمام ذلك مقيد بالشرط.
أما على المذهب الثاني: فإنه لا يلزمه الطلاق؛ لأن بعض الصوم
ليس بصوم، والفاسد لا يحسب شيئاً.
2 -
لو علمت المرأة بالعادة أنها تحيض في أثناء يوم من رمضان
فإنه يلؤمها الصوم، ويجب عليها الشروع في ذلك اليوم الذي علم
الله أنها تحيض فيه؛ لأن المرخص في الإفطار لم يوجد، والأمر لا
زال قائماً، هذا على المذهب الأول.
أما على المذهب الثاني: فإنه لا يلزمها أن تصوم ذلك اليوم؛ لأن
بعض اليوم غير مأمور بصيامه.
فوائد جواز الأمر من اللَّه تعالى بما يعلم أن - المكلف لا يتمكن من فعل
المأمور به:
قد يقول قائل: أنتم قلتم: يجوز الأمر من اللَّه تعالى بما يعلم أن
المكلَّف لا يتمكن من فعل المأمور به، فما فائدة ذلك؟
أقول - في الجواب عن ذلك -: إن في ذلك فوائد، ومنها:
1 -
أن فيه استصلاحا لحاله يدعوه إلى فعل الطاعات، ويزجره
عن فعل المعاصي.
2 -
أن فيه إصلاحا لغير المأمور بحثٍّ أو زجر.
3 -
أن في هذا امتحانا وابتلاء للمأمور ليشتغل بالاستعداد فيثاب
على العزم على امتثال الأمر، ويعاقب على العزم على الترك.
وهذه الفوائد هي نفس فوائد مسألة: " جواز النسخ قبل التمكن
من الفعل " التي سبقت في باب النسخ؛ لأن هذه المسألة فرع عن
تلك، فكما قلنا: ْ يجوز النسخ قبل التمكن من الفعل، فكذلك
يقال: يجوز الأمر من اللَّه تعالى بما يعلم أن المكلَّف لا يتمكن من
فعله.