الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثاني هل المشترك ممكن وثابت وواقع في اللغة
؟
لقد اختلف في ذلك على مذاهب:
المذهب الأول: أن المشترك ممكن وثابت في اللغة وواقع.
وهو مذهب جمهور العلماء، وهو الحق عندي؛ لقيام الدليل
على إمكانه وجوازه، وقيام الدليل على وقوعه.
أما الدليل على إمكانه وجوازه: أن المشترك يمكن أن يقع من
واضعين بأن وضع أحدهما لفظا لمعنى، ثم وضع آخر ذلك اللفظ
لمعنى آخر، كالعين مثلاً، فيمكن أن يكون أحدهما وضعه للجارية،
والآخر وضعه للناظرة والباصرة، ثم اشتهر ذلك اللفظ بين الطائفتين
في إفادة ذينك المعنيين.
ويمكن أن يقع من واضع واحد لغرض الإبهام؛ وذلك لأن
المقصود من الوضع قد يكون التصريح، وقد يكون الإبهام، حيث
يستلزم التصريح مفسدة، وهي اطلاع الغير على أشياء لم يرد اطلاعه
عليها، فوضعوا للأول - وهو المراد التصريح به - الألفاظ المفردة،
ووضعوا للثاني - وهو المراد إبهامه - الألفاظ المشتركة.
وأما الدليل على وقوعه فهو: أن القرء " يطلق علي " الطهر "
و" الحيض "، فهو إما أن يكون متواطئا، أو يكون حقيقة في
أحدهما مجازاً في الآخر، أو مشتركا.
أما الأول - وهو كونه متواطئا - فهو باطل؛ لأن شرط التواطؤ:
اتحاد المعنى، وهاهنا ليس كذلك.
أما الثاني - وهو كونه حقيقة في أحدهما مجازاً في الآخر - فهو
باطل أيضا؛ لأنه لو كان كذلك لتبادر المعنى الحقيقي إلى الذهن،
ولكن الحق: أن الذهن - عند سماع هذا اللفظ مجرداً عن القرينة -
يتردد بين " الطهر "، و " الحيض ".
فلم يبق إلا الثالث وهو: أنه مشترك؛ وذلك لتردد الذهن بين
ذينك المعنيين والتردد علامة الاشتراك.
المذهب الثاني: أن المشترك واجب، وهو مذهب بعض العلماء.
دليل هذا المذهب:
أن المعاني غير متناهية؛ لأن الأعداد أحد أنواع الموجودات وهي
غير متناهية، والألفاظ متناهية؛ حيث إنها مركبة من الحروف المتناهية
والمركب من المتناهي متناه، فإذا وزعت المتناهية على المعاني غير
المتناهية لزم الاشتراك؛ حيث سيكون للفظ الواحد عدة معان
بالضرورة.
جوابه:
يجاب عنه بجوابين:
الجواب الأول: أنا لا نُسَلِّمُ أن المعاني غير متناهية؛ لأن المراد
بالمعاني الأجناس، وهي متناهية.
سلمنا ذلك، لكن لا نُسَلِّمُ أن الألفاظ متناهية.
الجواب الثاني: لو سلمنا المقدمتين فإنا نقول: إن المقصود
بالوضع: ما حصل في العقل، وهو متناه، وهو لا يلزم الاشتراك.
المذهب الثالث: أن المشترك ممتنع وليس بواقع، وهو لبعض العلماء.
دليل هذا المذهب:
أن المشترك لا يفهم الغرض والمعنى المقصود من الواضع، وإذا
كان كذلك فإنه يؤدي إلى المفسدة، وما كان مؤديا إلى المفسدة وجب
أن لا يكون، فيكون المشترك - حينئذ - مفسدة فيمتنع وقوعه.
جوابه:
أنا لا نُسَلِّمُ أن اللفظ إذا كان مشتركا لم يفهم الخاطب الغرض والمقصود
والمعنى المراد من الواضع؛ لجواز أن يعرف مراد المتكلم بالقرائن.
وإن سلمنا: أن اللفظ المشترك لا يفهم الغرض المراد، فلا نسلم
أن المقصود من الوضع في جميع المواضع هو الفهم التفصيلي؛
لجواز أن يكون التعريف الإجمالي مقصوداً في بعض الصور، كما
في أسماء الأجناس كالحيوان، والإنسان، فإنها تدل على ما وضعت
له إجمالاً، ولا تدل على تفاصيل ما تحتها.
بيان نوع الخلاف:
الخلاف لفظي في هذه المسألة؛ لاتفاق أصحاب المذاهب على أن
" القرء " متردد بين " الطهر "، و " الحيض "، وهما ضدان.
أما أصحاب المذهب الأول والثاني فواضح.
أما أصحاب المذهب الثالث فقد يسمونه باسم آخر كالمشكل مثلاً.
تنبيه: المشترك وافع في القرآن الكريم مثل: " القرء " و "عسعس "
و" الصريم "، وواقع في السُّنَّة مثل ما روي:" أن النبي صلى الله عليه وسلم أقام العشاء حين غاب الشفق "، والقرء، وعسعس، والصريم،
والشفق ألفاظ مشتركة، وقد سبق بيان ذلك في الباب الثاني وهو
في: أدلة الأحكام.