الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثاني عشر إذا كرر لفظ الأمر بشيء واحد مثل: " صل ركعتين
صل ركعتين " فهل يقتضي التكرار
؟
لقد اختلف في ذلك على مذهبين:
المذهب الأول: أنه لا يقتضي التكرار، فلفظ الأمر الثاني لم يأت
بجديد؛ حيث إنه دلَّ على ما دلَّ عليه لفظ الأمر الأول، ولفظ
الأمر الأول اقتضى الوجوب، فلا يجوز حمل لفظ الأمر الثاني على
واجب غيره.
وهو مذهب بعض الشافعية، وبعض الحنابلة كأبي الخطاب وابن
قدامة، وهو الحق عندي؛ لما يلي من الأدلة:
الدليل الأول: قياس الأمر المكرر على النذر المكرر، والخبر
المكرر، واليمين المكرر، بيان ذلك:
أنه لو كرر النذر وقال: " لله علي أن أصوم، لله علي أن أصوم "
لم يجب عليه إلا صوم يوم واحد فقط، فلا أثر لتكرار اللفظ.
كذلك لو قال: أإني قد تصدقت، إني قد تصدقت "، فإنه
يصدق لو لم يتصدق إلا مرة واحدة بدرهم واحد.
كذلك لو قال في - اليمين: " والله لأصومن والله لأصومن "،
فإنه يبر بصوم يوم واحد فقط، فلم يكن للفظ الأمر الثاني أثر، وقد
وقع أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال:
" واللهِ لأغزون قريشا، واللهِ لأغزون قريشا، واللهِ لأغزون قريشاً "،
فلم يكن لهذا التكرار من أثر؛ حيث إنه غزاهم غزوة واحدة وهي غزوة الفتح.
فإذا كان الفعل لا يتكرر في هذه الأمور، فكذلك لفظ الأمر لا
يقتضي تكرار الفعل ولا فرق.
الدليل الثاني: أن السيد لو قال لعبده: " اسقني ماء اسقني ماء "
فإن لو أسقاه مرة واحدة فإنه يستحق المدح، ولو لامه السيد وقال
له: " اسقني مرات " لانتقده عقلاء أهل اللغة، وذلك لأن الأمر وإن
تكرر فإن الواجب الفعل مرة واحدة.
المذهب الثاني: أنه يقتضي التكرار.
وهو مذهب أكثر الحنفية، وبعض الشافعية، وبعض المعتزلة
كالقاضي عبد الجبار.
دليل هذا المذهب:
أن الغرض بالأمر هو: استدعاء الفعل؛ لأنه هو المطابق لصيغته،
ولا يخلو الأمر الثاني إما أن يكون قد فعل استدعاء للفعل الأول أو
لغيره، فإن فعل لاستدعاء الأول فقد حصل الغرض بالأول، فالثاني
يكون عبثا، فوجب حمله على فعل آخر؛ لئلا يكون عبثا.
جوابه:
أنا لا نُسَلِّمُ حمله على فعل آخر، بل يكون الأمر الثاني تأكيداً
للأول، والتأكيد. مقصود بلغة العرب والقرآن كقوله تعالى:
(فسجد الملأئكة كلهم أجمعون) .
بيان نوع الخلاف:
الخلاف هنا معنوي، وهو ظاهر في بعض الفروج الفقهية، ومنها:
1 -
أنه لو قال لوكيله: " طلق زوجتي طلق زوجتى "، فإنه لا
يطلقها إلا مرة واحدة، لأن ذلك لا يقتضي التكرار.
2 -
أنه لو قال لزوجته: " طلقي نفسك طلقي نفسك "، فإنها
لا تطلق نفسها إلا بواحدة فقط، لأن ذلك لا يقتضي التكرار.
هذا على المذهب الأول.
أما على المذهب الثاني فيلزم منه: أنه يطلقها أكثر من طلقة وتطلق
نفسها أكثر من طلقة.
شروط كونه لا يقتضي التكرار:
لقد مثلت لهذه المسألة بقول القائل: " صل ركعتين صل ركعتين،
مشيراً إلى أنه يشترط في الأمر المكرر ما يلي:
1 -
أن يكون الفعلان من نوع واحد، فإن كانا من نوعين
مختلفين مثل: " صل ركعتين، صم يومين " كان الأمران للتأسيس.
2 -
أن يكون الفعل قابلاً للتكرار، فإن كان غير قابل للتكرار
مثل: " صم هذا اليوم صم هذا اليوم "، فإنه يحمل على أن الثاني
مؤكد للأول.
3 -
أن لا يكون بين الأمرين حرف عطف، فإن كان بينهما
عاطف مثل: " صل ركعتين وصل ركعتين " كان الأمران للتأسيس؛
لأن العطف يقتضي المغايرة.