الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الخامس بيان أن الاشتراك خلاف الأصل
الاشتراك مرجوح عند السامع، أي: إذا دار اللفظ بين كونه
مفرداً، وكونه مشتركا حمل على الانفراد دون الاشتراك، فالأصل
في كل لفظ أن يكون له معنى واحد فقط، أما أن يكون للفظ الواحد
أكثر من معنى - وهو: المشترك - فهو خلاف الأصل.
ودلَّ على أن اللفظ الذي له معنى واحد راجح، وأن اللفظ الذي
له أكثر من معنى مرجوح أدلة، من أهمها:
الدليل الأول: الاستقراء والتتبع للألفاظ العربية أثبت أن أكثرها
ألفاظ منفردة ليس لها إلا معنى واحد، والكثرة تفيد الظن والرجحان
فيكون اللفظ المنفرد بمعنى واحد أكثر وجوداً من اللفظ الدال على
معنيين فأكثر - وهو المشترك - فيكون مرجوحا؛ نظراً لقلته.
الدليل الثاني: لو كان الاشتراك راجحاً على انفراد اللفظ بمعنى
واحد أو مساويا له للزم من ذلك أمران باطلان:
أولهما: التسلسل وهو باطل.
بيانه: أنه لا يمكن فهم المعنى من اللفظ إلا بعد الاستفسار من
المتكلم عما أراده من ذلك اللفظ المشترك؛ لاحتمال أن يكون قد أراد
بذلك اللفظ معنى غير ذلك المعنى الذي فهمه السامع، وهذا
الاستفسار لا يكفي؛ لأن المستفسر منه سيأتي بلفظ يحتاج - أيضا -
إلى استفسار، وهكذا إلى ما لا نهاية له، وهذا تسلسل، والتسلسل
باطل، فهذا يدل على أن الاشتراك باطل، ونظراً لذلك فإنه لا ينظر
إلى هذا الاحتمال، ويفهم من اللفظ معناه بدون أي استفسار؛
لكونه هو الراجح.
ثانيهما: عدم الاستدلال بنصوص الكتاب والسُّنَّة على ظن
الحكم، وهو ظاهر - البطلان.
بيانه: أنه لا يصح الاستدلال بالنصوص من الكتاب أو السُنَّة على
الظن بالحكم المطلوب؛ وذلك لاحتمال أن يكون الشارع قد أراد من
النص معنى يخالف المعنى الذي فهمه السامع.
وعدم الاستدلال بالنصوص على ظن الحكم باطل؛ لأنه يترتب
على ذلك ذهاب الشريعة كلها؛ حيث إن هذين الأصلين - وهما
الكتاب والسُّنَّة - يعتبران الدليلان الأصليان لإثبات الأحكام
الشريعة، وغيرهما من الأدلة راجعة إليهما، وبذلك يكون الاشتراك
مرجوحاً.
الدليل الثالث: أن الاشتراك يؤدي إلى مفسدة ترجع إلى السامع،
وهي: أن السامع قد لا يفهم المعنى المراد؛ لعدم القرينة الدالة عليه،
ولا يستفسر من المتكلم؛ لأمور هي:
1 -
هيبة المتكلم لعظمته،
2 -
أن السامع يرى أن الاستفسار مشعر بجهله،
3 -
أنه مصاب بمرض قد منعه من الاستفسار،
4 -
أن وقته ضيق.
فيفهم السامع ذلك اللفظ فهماً غير صحيح، ثم يحكيه لغيره،
ثم غيره يحكيه لغيره وهكذا، وفي ذلك إفشاء للجهل وفساد كبير.
الدليل الرابع: أن الكلام بالمشترك يؤدي إلى ضياع شيء كان
ينبغي المحافظة عليه: فقد يتكلم المتكلم بالمشترك ويعتمد على فهم
السامع، فيفهم السامع خلاف ما أراده، فيترتب. على هذا الخطأ في
الفهم ضياع أموال للمتكلم، فمثلاً لو قال السيد لعبده: " أعط
الفقير عيناً " وهو يريد من العين: الماء، واعتقد في ذلك على فهم
العبد، فأعطى العبد الفقير ذهبا، فإن السيد يخسر ذلك المال،
وهذا نتج عن الكلام باللفظ المشترك، فبان أن المشترك مرجوحا،
فيكون خلاف الأصل.