الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
موطأ محمد وما يمتاز به
قال الدكتور/ نذير حمدان (1):
"يمتاز بروايته عن شيخه أبي حنيفة، واجتهاداته التي خالفه فيها وصاحبه في الأصول والفروع، وشهد له العلماء بالإِمامة في الفقه والعربية، قال الشافعي: كنتُ أظنُ إذا رأيته يقرأ القرآن كأنَّ القرآن نزل بلغته، وسمعتُ منه أكثر من سبعمائة حديث، وكان إذا حدَّث أهل بلده بحديث مالك امتلأ منزله، وكثر الناس حتى يضيق عليه الموضع وكان يجلس في مسجد الكوفة وهو ابن عشرين سنة.
ومنهج محمد في الموطأ كما يلي:
1 -
أن يذكر ترجمة الباب ويذكر متصلًا به روايته عن الإِمام مالك موقوفة كانت أو مرفوعة.
2 -
لا يذكر في صدر العنوان إلا لفظ (الكتاب) أو (الباب)، وقد يذكر لفظ الأبواب، وليس فيه لفظ الفصل إلا في موضع اختلفت فيه النسخ، ولعله من أرباب النسخ.
3 -
أن يذكر بعد الحديث أو الأحاديث اجتهادًا مخالفًا أو موافقًا لمالك أو غيره من علماء الحجاز والعراق، معبرًا عن ذلك بقوله: وبه نأخذ - وعليه الفتوى - وبه يُفتى - وعليه الاعتماد - وعليه عول الأمة - وهو الصحيح - وهو الظاهر - وهو الأشهر، ونحو ذلك، لكثرة ما ذكره من غير روايات مالك، وما اجتهد فيه: اشتهر بموطأ محمد.
(1) انظر: "الموطآت"(ص: 95 - 100).
4 -
لم يذكر مذهب أبي يوسف في موطئه، بل ولا في كتاب الآثار له وليس معنى ذلك مخالفة أبي يوسف له أو موافقته في المسألة وإن كانت عادته في كتابه "الجامع الصغير" أنه يريد موافقته له عند عدم ذكره.
5 -
يريد بقوله: (لا بأس): الجواز، وبقوله:(ينبغي كذا وكذا): المعنى الأعمّ الشامل للواجب والسنة الؤكدة، كما يريد (بالأثر): الأعم من المرفوع والوقوف على الصحابة ومن بعدهم.
6 -
فيه بعض أحاديث ضعيفة، وبعضها ينجبر بكثرة الطرق، وبعضها شديد الضعف، لكنه غير مضر لورود مثل ذلك في صحاح الطرق.
ويمكن القول: إن موطأ محمد مصنّف حديث الحجازيين، ورأي وأثر العراقيين، وهو إلى كونه في الفقه المقارن بين المذهب المالكي والحنفي، فهو يُعنى برواية محمد بن الحسن عن شيخه أبي حنيفة، وهكذا رفعًا أو وقفًا، والتي تُعدّ قسمًا من مسند أبي حنيفة الذي ينفرد به صاحبه محمد بن الحسن.
كما أن موطأ محمد يطلع على اجتهاداته في المذهب أصولًا وفروعًا ومخالفته شيخه وصاحبه أبا يوسف، وحبذا لو عزلت منه الأحاديث الشديدة الضعف وجُرِّد من الموضوعات إن وُجدت، وعضدت آثاره المرسلة والموقوفة، وبعد هذا وذاك فلعل عرض كل مسألة فقهية على حديث مالك وأثره وعلى قول علماء المدينة يؤكد على التزامه بسنيّة المذهب الحنفي (المحمدي) الذي التمس لمسائله حديث المدينة وفقهها ويبعد عنه شبهة إيغاله بالرأي كما كان خصومه يتهمونه به.
ومما يلاحظ خلوُّ موطأ محمد من كثير من مسائل مالك التي لم يقدم لها بالسنّة والآثار فلا يذكر فيه أبواب كاملة مثل: باب ما يكره من الدواب، والإِجارة، والقراض وهما من أصول أبواب البيوع، إلى جانب اختلاف تسميات الكتب والأبواب وتأخّر بعضها وتقديم الأخرى، وبخاصة في الكتب التي بعد الحج فإن عدد أحاديثه وآثاره وأسانيده عن شيوخه ورواته من التابعين والصحابة تختلف عن موطأ يحيى الليثي السابق المشهور، كما سأفصل ذلك بعد قليل.
ويكفي للدلالة على اختلاف الموطأين أنه: بالإِضافة إلى ما سبق فإن موطأ محمد اقتطع منه (كتاب العقول)، و (كتاب القدر)، و (كتاب العين)، و (كتاب الشعر)، وغيرها إذا استثنينا منه بعض الآثار المبثوثة في أبواب أخرى.
وأحصى (اللكنوي) أحاديث موطأ محمد ورواته من الصحابة من طريق مالك وغير مالك حسب كتبه وأبوابه فقال: وقد اجتهدت في جمعها، وسهرت في عدِّها.
وبعد أن يقسم الموطأ إلى مجموعات ويحصي كل مجموعة على حدة يقول: فجميع ما في هذا الكتاب من الأحاديث المرفوعة والآثار الموقوفة على الصحابة ومن بعدهم، مسندة كانت أو غير مسندة (1280)، منها عن مالك (1005)، وبغير طريقه (175)، منها عن أبي حنيفة (13)، ومن طريق أبي يوسف (4)، والباقي عن غيرهما.
ثم يقول: وليعلم أني أدخلت في هذا التعداد كل ما في هذا الكتاب من الأخبار والآثار، سواء كانت مسندة أو غير مسندة، بلاغيّة أو غير بلاغيّة، وكثيرًا ما تجد فيه آثارًا متعددة عن رجل واحد، أو عن رجال من الصحابة وغيرهم، بسند واحد، وتجد أيضًا كثيرًا من المرفوع، والآثار بسند واحد فذكرت في هذا التعداد كلّ واحد على حدة.
وإذًا فمن اختلاف الموطأ هذا عن غيره زيادة (175) حديثًا مرفوعًا وأثرًا لصحابي أو تابعي، وهي بغض النظر عن درجة صحتها وحسنها برهان آخر على اعتماد فقه العراق على السنّة والآثار مع ملاحظة أن (13) منها مرويّ عن طريق أبي حنيفة الإِمام، ومما انفردت به نسخة موطأ محمد هذه حديث مالك: أخبرنا أبو الرجال محمد بن عبد الرحمن عن أمه: عمرة بنت عبد الرحمن، أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم كانت أعتقت جارية لها عن دُبُر منها، وأن عائشة بعد ذلك اشتكت ما شاء الله أن تشتكي، ثم إنه دخل عليها رجل سندي فقال لها: أنت مطبوبة، قالت له عائشة: ويلك، ومن طبَّني؟ قال: امرأة من نعتها كذا وكذا وصفها.
ومما انفردت به أيضًا نسخة محمد الحديث المشهور الذي أخرجه مالك، قال: أخبرنا يحيى بن سعيد، أخبرني محمد بن إبراهيم التيمي، قال: سمعتُ علقمة بن وقّاص يقول: سمعتُ عمر بن الخطاب يقول: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إنما الأعمال بالنية، وإنما لامرئ ما نوى؛ فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها، أو امرأة يتزوجها، فهجرته إلى ما هاجر إليه".
يقول (اللكنوي): هذا الحديث ليس في رواية غير محمد من الموطآت، وظن ابن حجر في (فتح الباري)، وفي (التلخيص الحبير)، أن الشيخين أخرجاه عن مالك، وليس في (الموطأ)، وقد نبه السيوطي على خطئه في (التنوير)، والحديث مشهور رواه أكثر من مئتي رجل كما ذكره الحافظ في (النخبة)، وتلك المنفردات تدفعنا إلى التعرف على اختلاف هذا الموطأ عن غيره في الإِسناد، فعلى الرغم مما قيل عن إسنادات موطأ محمد فإن فيه أحاديث موصولة الانقطاع في رواية يحيى، ومنها: مالك أخبرنا، أخبرنا أبو الزبير، عن جابر بن عبد الله أن عمر بن الخطاب قضى في الضّبُع بكبش، وفي الغزال بعنز، وفي الأرنب بعَنَاق، وفي اليربوع بِجَفْرة.
والحديث منقطع في رواية يحيى لعدم الواسطة بين أبي الزبير: محمد بن مسلم بن تَدْرُس الأسدي المكي، وبين عمر، فهو يروي عن جابر، وابن عمر، وابن عباس، وابن الزبير، ولا يروي عن عمر.
ويحصي المعلق في الموطأ (269) حديثًا نبويّا و (366) أثرًا أو قولًا لصحابي وتابعي، وهذا الإِحصاء لا يعبر بدقة عن عدد أحاديث (الموطأ) أو آثاره، كما أورده اللكنوي سابقًا، فقد أسقط أحاديث وآثارًا كثيرة منها الأوامر والنواهي والأقضية والأفعال.
وعلى كل حال؛ فإن مما يوسع الاختلاف بين (موطأ محمد) و (موطأ يحيى) من ناحية الحديث والآثار نصّا وإسنادًا بطريق الإِمام مالك وحده: ما تقدم الكلام عنه في اختلاف الموطأين.
ومن شروح هذه الرواية:
1 -
فتح المغطى شرح الموطأ: للقاري الهروي (ت 1014 هـ).
2 -
شرح الموطأ: إبراهيم بن حسين بيري زادة (ت 1096 هـ)، وهو بمثابة تخريج لأحاديث الموطأ على مذهب الحنفية.
3 -
المهيأ في كشف أسرار الموطأ، وهو شرح على روايات الموطأ المختلفة: عثمان بن يعقوب الإِسلامبولي الكمّاخي، وأتمه سنة 1166 هـ.