الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عطف وعائشةَ رضي الله عنها، من إناء واحِدٍ، يسارعان الغُسْل جميعًا، بفتح الغين المعجمة، وهو مصدر، أي: يتبادران ويتسارعان فيه، ويجوز أن يكون بضم الغين، أي: في مائه واستعماله.
فهذا أي: الحديث، يدل على جواز استعمال الرجل فضل غسل بكسر الغين المرأةِ الجُنُب، أي: وفي معناه الحائض والنفساء، وهو أي: القول بجواز الوضوء وغيره بفضل غُسل المرأة الجُنُب، هو قولُ أبي حنيفة، رحمه الله.
لما فرغ من بيان ما يدل على جواز غسل الرجل، ووضوئه بسؤر المرأة، شرع في بيان ما يدل على جواز الوضوء بسؤر الهرة، فقال: هذا
* * *
باب الوضوء بسؤر الهرة
في بيان ما يدل على جواز الوضوء بسؤر الهرة، بماء أبقاه الهرة بعد ما شربت منه.
90 -
أخبرنا مالك، أخبرنا إسحاق بن عبد الله بن طلحة، أن امرأته حُمَيْدَةَ ابنة عُبَيْد بن رِفَاعةَ أخبرتْه عن خالتها كَبْشَةَ ابنةِ كعب بن مالك - وكانت تحت أبي قَتَادَةَ -: أن أبا قَتَادَة أمرها فسكَبَتْ له وَضوءًا، فجاءت هِرَّةٌ فشربت منه، فأصْغَى لها الإِناءَ فشربتْ، قالت كَبْشَةُ: فرآني أنْظرُ إليه، فقال: أتَعْجَبِينَ يا ابنة أخي؟ قالت: قلت: نعم، قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إنها ليست بِنَجَسٍ، إنها من الطَوَّافِينَ عليكم والطَّوَّافات".
قال محمد: لا بأس بأن يُتوَضَّأ بفضْل سُؤرِ الهرَّة، وغيرُه أحب إلينا. وهو قولُ أبي حنيفة.
(90) أخرجه: أبو داود (75)، والنسائي في المجتبى (68)(339)، وابن ماجه (367)، والدارمي (736)، ومالك (43)، والنسائي في الكبرى (63)، وابن حبان (1299)، وابن أبي شيبة (8/ 409)، وعبد الرزاق في مصنفه (353)، وابن خزيمة (104)، والدارقطني (1/ 70)، والشافعي في المسند (11)، والبيهقي في الكبرى (1202)، وزوائد المسند (22074).
• أخبرنا، وفي نسخة: محمد قال: ثنا رمزًا إلى حدثنا، وفي نسخة أخرى: محمد أخبرنا مالك، أخبرنا وفي نسخة: قال: ثنا، أي: قال مالك: ثنا، وفي نسخة أخرى: أخبرني، بالإِفراد، إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، زيد بن سهل الأنصاري من ثقات التابعين، المدني، قال الواقدي: كان لا يقدم عليه أحدًا في الحديث، سمع أنس بن مالك، وأبا مرثد وغيرهما، مات سنة اثنين وثلاثين ومائة (1). أن امرأته أي: زوجة إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، حُمَيْدَةَ (2) بضم الحاء وفتح الميم، مصغر عند رواية (الموطأ)، إلا أن يحيى الليثي قال: إنها بفتح الحاء، وكسر الميم نبه عليه أبو علي ابنة عُبَيْد بالتصغير، ابن رِفَاعةَ بكسر الراء، أخبرتْه أي: حميدة، عن خالتها كَبْشَةَ بفتح الكاف والشين المعجمة بينهما موحدة ساكنة، بنت كعب وفي نسخة: ابنةِ كعب بن مالك الأنصاري، قال ابن حبان: لها صحبة، وتبعه المستغفري، وكانت أي: والحال أن كبشة بنت كعب بن مالك تحت أي: زوجة عبد الله بن أبي (ق 92) قَتَادَةَ الأنصاري، اسمه: الحارث، ويقال: عمرو، ويقال: النعمان بن ربعي، بكسر الراء، وسكون الموحدة، بعده مهملة السلمي بفتحتين، المدني، شهد أحدًا وما بعدها، ولم يشهد بدرًا، ومات سنة أربع وخمسين على الأصح الأشهر: أن أبا قَتَادَة، أي: الحارث بن ربعي الأنصاري، فارس رسول الله صلى الله عليه وسلم، أمرها أي: كبشة، بصب ماء الوضوء على أعضاء الوضوء، حين دخل عليها، وطلبت منه أن يأمرها بصب ماء الوضوء، طلب برضاء زوجها عبد الله بن أبي قتادة، وأمرها به، فسكَبَتْ له أي: صبت لأجله وَضوءًا، بفتح الواو، أي: الماء الذي يتوضأ به، فجاءت هِرَّةٌ فشربت منه، أي: بعض الماء في الإِناء، أو من طرفه، فمن ابتدائية، فأصْغَى بغين معجمة على وزن أطغى، أي: أمال أبو قتادة لها لأجل الهرة الإِناءَ، ولعله لقلة الماء أو لسعة الإِناء، والأظهر أن قوله: فشربت منه، أي: أرادت أن تشرب منه، ولم تقدر عليه، فأصغى لها الإِناء، حتى لا يتكرر، فشربتْ، وفي نسخة: فشربت منه، قالت كَبْشَةُ: فرآني أي: أبو قتادة أنْظرُ إليه، أي: إلى نفسه، وإلى نعله نظر المنكر، على صيغة اسم الفاعل، أو نظر للتعجب، فقال أتَعْجَبِينَ يا ابنة أخي؟ أي: في الدين أو في الرهط أو في
(1) انظر: التقريب (1/ 44).
(2)
انظر: التقريب (2/ 860).
الصحبة؛ لأن أباها صحابي مثله، وسلمى من قبيلة، وهو أحد الثلاثة. قالت: أي: كبشة، قلت: نعم، أعجب، قال: لا تعجبي، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إنها أي: الهرة ليست بِنَجَسٍ، بفتح الجيم من النجاسة.
قال الله تعالى في سورة التوبة: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ} [التوبة: 28]، كما نقله الزرقاني (1)، عن السيوطي (2): إنها من الطَوَّافِينَ عليكم أي: من الذين يداخلوكم ويخالطونكم، قاله أبو عمر، وفي نسخة: إنما هي من الطوافين عليكم والطَّوَّافات.
قال البوني: الطوافين الخدم، والطوافات: الخادمات.
وانظر إلى قوله تعالى في سورة الواقعة: {يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ} [الواقعة: 17]، و [الإنسان: 19]، فالهرة في اختلاطها كبعض الخدم.
وروى ابن ماجه، والحاكم، وابن عدي، عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا:"أن الهرة لا تقطع الصلاة، إنما هي من متاع البيت"(3).
وهذا يدل على أنها طاهرة ما دامت تدخل في البيوت، فنجاسة سؤرها ساقطة، لعلة الطواف المنصوصة في قوله صلى الله عليه وسلم:"إنها ليست نجسة، إنها من الطوافين عليكم"، فيكون من قصر الموصوف على الصفة، والقصر في اللغة: الحبس.
وفي اصطلاح المعانيين: تخصيص شيء بشيء بأداة الحصر، وهي هنا كلمة إنما، وقصر الموصوف على الصفة، وهو أن لا يتجاوز الموصوف الآخر. والمراد بالصفة هنا الصفة المعنوية، أعني القائم بالغير نحو العلم حسن، والجهل قبيح، فالهرة مقصورة على الصفة الطهارة، ما دامت في البيوت، وكذا سؤرها إن لم يكن في فمها نجاسة.
وقال علي القاري، وعن أبي يوسف: إن سؤر الهرة ليس بمكروه، لما رواه
(1) انظر: شرح الزرقاني (1/ 82).
(2)
انظر: تنوير الحوالك (1/ 35، 36).
(3)
أخرجه: ابن ماجه (369)، وابن خزيمة (103)، (828)، والحاكم (935)، والبيهقي في الكبرى (1223).
وقال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط مسلم.