الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولما فرغ مما يعرض للنساء في منامهن، مما يوجب الغسل، وهو الاحتلام، شرع في بيان حكم ما يعرض لهم ما يوجب الغسل، وهو دم الاستحاضة، فقال: هذا
* * *
باب المستحاضة
في بيان أحكام المستحاضة، وهو يحتمل أن يكون وصفًا، أو يكون مصدرًا ميميًا، والاستحاضة دم يرى في أقل من المدة، وما زال عليها وعلى عادتها.
82 -
أخبرنا مالك، حدثنا نافع، عن سليمان بن يَسَار، عن أمِّ سلمةَ زوج النبي صلى الله عليه وسلم، أن امرأةً كانت تُهرَاقُ الدَّمَ على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاستفْتَتْ لها أمُّ سلمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالَ:"لتَنْظُر الليَالي والأيام التي كانت تَحيضُ من الشهر قبل أن يُصيبها الذي أصابَها، فَلْتَتْرُك الصلاةَ قدرَ ذلك من الشَهر، فإذا خَلَّفَتْ ذلك فَلْتَغْتَسِلْ، ثُمَّ لِتَسْتَثْفِرْ بثوب فَلْتُصَلِّ".
قال محمد: وبهذا نأخُذُ، وتَتَوضأ لِوَقْتِ كل صلاةِ، وتصلي إلى الوقت الآخر، وإن سال دمُها، وهو قولُ أبي حنيفة.
• أخبرنا، وفي نسخة: محمد قال: ثنا رمزًا إلى حدثنا، وفي نسخة أخرى: محمد: ثنا مالك، حدثنا، وفي نسخة: قال: ثنا، أي: قال مالك: حدثنا نافع، عن سليمان بن يَسَار، عن أمِّ سلمةَ زوج النبي صلى الله عليه وسلم، أن امرأةً، قال أيوب (ق 85) السختياني: هي فاطمة بنت أبي حبيش، بالتصغير، قال الشيخ ولي الدين العراقي: اللاتي استحضن على عهد
(82) أخرجه: أبو داود (274)، والنسائي في المجتبى (208)، (353)، والدارمي (782)، ومالك (135)، والنسائي في الكبرى (214)، وعبد الرزاق في مصنفه (1182)، والدارقطني (1/ 207)، والشافعي في المسند (1453)، والطبراني في الكبير (23/ 272) حديث (583)، وأبو يعلى (6894)، والبيهقي في الكبرى (1621)، (1622)، وأبو نعيم في الحلية (9/ 157)، وزوائد عبد الله (26176)، وقال البيهقي: هذا حديث مشهور أودعه مالك بن أنس الموطأ، وأخرجه أبو داود في كتاب السنة إلا أن سليمان بن يسار لم يسمعه من أم سلمة.
رسول الله صلى الله عليه وسلم تسع: فاطمة هذه، وأم حبيبة وأختها حمنة، وأختها زينب أم المؤمنين إن صح، وسهلة بنت سهل، وسودة أم المؤمنين، وأسماء بنت مرشد الحارثية، وزينب بنت أبي سلمة، وباوية بنت غيلان الثقفية. انتهى.
وتعقب ابن حجر في (شرح البخاري) بأن زينب بنت أبي سلمة كانت صغيرة في زمنه صلى الله عليه وسلم؛ لأنه دخل على أمها في السنة الثالثة، وهي ترضع، ثم عد منها ابن حجر: أسماء بنت عميس، وقال: رواه الدارقطني.
كانت تُهَرَاقُ أي: تُصاب، وهو مضارع مجهول، الدَّمَ، تمييز وإن كان معرفة وله نظائر، كقوله تعالى في سورة البقرة:{إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ} [البقرة: 130]، أي: تهراق: وهي دماءه ويجوز الرفع، أي: تهراق دمها، على العوض عن المضاف إليه، يعني: صارت مستحاضة، كما نقله علي القاري، عن السيوطي.
على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، أي: في زمانه، فاستفْتَتْ لها أمُّ سلمة رضي الله عنها، أي: سألت وطلبت أم سلمة لأجل امرأة، هي: فاطمة بنت أبي حبيش الفتوى من رسول الله صلى الله عليه وسلم، كذا في هذه الرواية، وفي حديث عائشة السابق أن السائلة هي: فاطمة، ولأبي داود عن عروة - كذلك - عن فاطمة نفسها، أنها قالت: سألتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم. وفي حديث آخر: أن أسماء بنت عميس سألت لها.
قال الحافظ ولي الدين العراقي: ولعل الجمع بينها أن فاطمة سألت كلًا من أم سلمة وأسماء، تسألهما، فسألتا مجتمعتين، أو سألت كل واحدة منهما مع عدم علمها بسؤال الأخرى. فقالَ: أي: رسول الله صلى الله عليه وسلم، "لتَنْظُرِ أي: لتتأمل ولتقدر إلى عدد الليَالي والأيام التي كانت تَحِيضُ من الشهر أي: جنسه على حسب عادتها، قبل أن يُصيبها، أي: قبل إصابة الاستحَاضة الذي أصابَها، أي: الآن، فَلْتَترُكِ الصلاةَ وكذا الصوم قدرَ ذلك، بكسر الكاف، أي قدر عادة حيضها من الشهر، من لياليه وأيامه، فإذا خَلَّفَتْ بفتح الخاء واللام المشددة المفتوحة، والفاء المخففة، والتاء الساكنة، أي: جاوزت ذلك أي: قدر العادة، ودخلت في أيام الاستحاضة فَلتَغْتَسِلْ، أي: لانقطاع حيضها، ثُمَّ لِتَسْتَثْفِرْ بكسر لام الأمر، وفتح التاء الفوقية، وسكون السين المهملة، وفتح التاء الفوقية، وسكون التاء المثلثة الساكنة، وكسر الفاء والراء الساكنة، لتشد فرجها بثوب أي: بخرقة عريضة بعد أن تحتشي
قطنًا، وتوثق طرفي الخرقة في شيء تشده على وسطها، فيمنع بذلك سيلان الدم فَلْتُصَلِّ، أي: بعذرها.
قال محمد: وبهذا نأخُذُ، أي: نفتي، وتَتَوضأ أي: المستحاضة إذا كانت صاحبة عذر، لِوَقْتِ كل صلاةِ، أي: تتوضأ لكل صلاة، وفي نسخة: لكل وقت صلاة، وفي نسخة غير مصححة: لكل صلاة، وتصلي بهذا الوضوء إلى الوقت الآخر، بمد الهمزة، يعني: تصلي بوضوءها في الوقت ما شاءت من الفرائض أداءً وقضاءً، ومن النوافل والواجبات، كالوتر وصلاة الطواف، فيبطل وضوءها بخروج (ق 86) الوقت، فقط عند: أبي حنيفة، ومحمد، وعند زفر بدخوله فقط.
وقال أبو يوسف: بهما وإن وصلية، سأل أبي: وإن سال دمُها، واستمر سيلانها، وهو أي: القول بأن تصلي المستحاضة بالوضوء الواحد في الوقت فقط، قول لأبي حنيفة رحمه الله.
وقال المصنف في (الآثار)(1): إنها تتوضأ لكل وقت صلاة، وتصلي في الوقت الآخر، وهو قولُ لأبي حنيفة.
* * *
83 -
أخبرنا مالك، أخبرنا سُميٌ مولَى أبي بكر بن عبد الرحمن، أن الْقَعْقَاعَ بن حَكيم وزيد بن أسْلَم أرسلاه إلى سعيد بن المسَّيب؛ يسألُه عن المُسْتَحَاضَة، كيف تغتسلُ؟ فقال سعيدٌ: تَغْتَسِلُ من طهر إلى طهر، وتتوضأ لكل صلاة، فإن غَلَبَها الدم اسْتَثْفَرَتْ بثوب.
قال محمد: تغتسلُ إذا مضتْ أيامُ أقرائِها، ثم تتوضأ لكل صلاةٍ، وتصلي حتى تأتِيها أيامُ أقرائِهَا، فتدعُ الصلاةَ، فإذا مضتْ اغتسلتْ غُسْلًا
(1) انظر: الآثار (1/ 35).
(83)
أخرجه: أبو داود (301)، والدارمي (810)، ومالك (137).
واحدًا، ثم توضأتْ لكل وقتِ صلاةِ، وصلتْ حتى يدخلَ الوقتُ الآخر ما دامت ترى الدمَ. وهو قولُ أبي حنيفة والعامة من فقهائنا.
• أخبرنا وفي نسخة: محمد: أخبرنا، وفي نسخة: ثنا رمزًا إلى حدثنا مالك، وفي نسخة: قال ثنا، سُميٌ (1) بلفظ التصغير، مولَى أبي بكر بن عبد الرحمن، أي: ابن الحارث بن هشام، ثقة، روى له الجميع، مات مقتولًا بقديد سنة ثلاثين ومائة، أن الْقَعْقَاعَ (2) بقافين بينهما عين مهملة ساكنة ثم ألف فعين، ابن حَكيم الكتاني المدني، تابعي وثقه أحمد ويحيى وغيرهما، روى له مسلم، وزيد بن أسْلَم: مدني من أكابر التابعين، مولى عمر بن الخطاب رضي الله عنه، روى عنه الثوري، ومالك، وابن عيينة، مات سنة ست وثلاثين ومائة، أرسلاه، أي: سُمَيًّا إلى سعيد بن المسَّيب؛ وهو من سادات التابعين، يسأْلُه جملة حالية أو استئنافية، عن المُسْتَحَاضَة، وهي ذات دم نقص أو زاد على أكثره، أو أكثر النفاس، أو زاد على عادتها في أقلهما، وتجاوز أكثرهما والحبلى التي لم تبلغ تسع سنين، كذا قاله في (مراقي الفلاح)(3).
كيف تغتسلُ؟ أي: امرأة ذات دم استحاضة، وكلمة "كيف" ظرف منصوبة محلها بما بعدها على الحال لفظ "تغتسل" معلق بها، وهي وما بعدها بدل من المستحاضة بدل اشتمال، والمعنى: أن القعقاع وزيد بن أسلم أرسلا سميًا سائلًا عن كيفية غسل المستحاضة، فقال سعيدٌ: تَغْتَسِلُ أي: امرأة ذات دم استحاضة من طهر، عند وقت انقطاع الحيض، إلى طهر، أي: انتهاء الطهر، وهو وقت ابتداء سيلان دم الحيض الثاني، وهو بطاء مهملة فيهما، وقيل: بطاء معجمة، وهو تصحيف (4)، وتتوضأ لكل صلاة، أي:
(1) انظر: التقريب (1/ 231).
(2)
انظر: التقريب (2/ 487).
(3)
انظر: مراقي الفلاح (ص 57، 58).
(4)
قال أبو داود: ورُوي عن ابن عمر وأنس بن مالك "تغتسل من ظهر إلى ظهر"، وكذلك رواه داود وعاصم عن الشعبي عن امرأته إلى قمير عن عائشة، إلا أن داود قال:"كل يوم"، وفي حديث عاصم:"عند الظهر" وهو قول سالم بن عبد الله والحسن وعطاء، قال أبو داود: قال مالك: =
وقت كل صلاة، فإن غَلَبَها الدم اسْتَثْفَرَتْ بكسر الهمزة والسين المهملة الساكنة، ثم تاء فوقية مفتوحة، ثم تاء مثلثة ساكنة وفاء مفتوحة وراء وتاء تأنيث، أى: تشد فرجها بثوب، كذا في نسخة.
وفي رواية أبي داود، عن القعنبي عن مالك، بلفظ: استذفرت بثوب، بذال المعجمة بدل المثلثة، فقيل: إنه مثل الاستثفار، قلبت الثاء ذالًا، وهو الثفر والذفر، وقيل: معناه: فلتستعمل طيبًا، يزيل به هذا الشيء عنها.
والزفر: بفتح المعجمة والفاء، كل رائحة زكية من طيب أو نتن، وسمى الثوب طيبًا؛ لقيامه مقامه في إزالة الرائحة.
وإن رُوي بالدال المهملة فمعناه: تدفع عن نفسها الذفر بإسكان الفاء وهو الرائحة الكريهة؛ فإن قيل: سئل سعيد بن المسيب عن كيفية اغتسال المستحاضة، فأجاب: بذكر وقته، قلت: وقت من جملة صفاته، وهيئاته، وكيفية اغتسال غيرها، وإنما يخالف غيرها في الوقت.
فأجاب: بذكر ما خالفه فيه غيرها، وأنه فهم من السائل استبعاد اغتسالها مع جريان الدم منها.
فأجابه: بأن جريان الدم منها، لا يمنع من اغتسالها في وقته، وهو وقت انقطاع الدم، كما قاله الزرقاني (1).
قال محمد: تغتسلُ إذا مضتْ أيامُ (ق 87) أقرائِها، بفتح الهمزة جمع قرء، وهو الحيض، ثم توضأ لكل صلاةٍ، أي: في وقت كل صلاة، فاللام للوقت كما في سورة أسرى:{أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} [الإسراء: 78]، ودلوكها يعني: زوالها، وتصلي،
= إني لأظن حديث ابن المسيب إنما هو "من صهر إلى طهر"، ولكن الوهم دخل فيه فقلبها الناس فقال:"من ظهر إلى ظهر".
ورواه مسور بن عبد الملك بن سعيد بن عبد الرحمن بن يربوع، وقال فيه:"من طهر إلى طهر" فقلبها الناس "من ظهر إلى ظهر".
(1)
انظر: شرح الزرقاني (1/ 183).
أي: يدخل الوقت الآخر، ما دامت ترِى الدم، ويستمر على ذلك حتى يأتيها أيام أقرائها، أي: زمان عادتها، فتدعُ الصلاةَ، أي: فتتركها، فإذا مضتْ أي: أيام عادتها، اغتسلتْ غُسْلًا واحدًا، أي: لانقطاع حيضها، ثم توضأتْ لكل وقتِ صلاةِ، وصلتْ حتى يدخلَ الوقتُ الآخر ما دامت ترى الدمَ. أي: مستمرًا وهي على عذرها، وهو قولُ أبي حنيفة رحمه الله والعامة من فقهائنا.
* * *
84 -
أخبرنا مالك، أخبرنا هشام بن عُروة، عن أبيه، قال: ليس على المُسْتَحَاضة أن تَغْتَسل؛ إلا غُسْلًا واحدًا، ثم تتوضأ بعد ذلك للصلاة.
• أخبرنا، وفي نسخة: قال: ثنا رمزًا إلى حدثنا، وفي نسخة ثنا مالك بن أنس، عن هشام بن عُروة، بن الزبير بن العوام، قال: ليس على المُسْتَحَاضة أن تَغْتَسل؛ إلا غُسْلًا واحدًا، واستثنى علماؤنا من ذلك: المتحيرة التي نسيت أيام عادتها، ثم تتوضأ بعد ذلك أي: غسل الواحد لكل صلاة، وفي نسخة: للصلاة، أي: وقت كل صلاة.
وفي شرح (مختصر الطحاوي)(1): روى أبو حنيفة، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لفاطمة بنت أبي حبيش:"توضئي لكل وقت صلاة"، ولا شك أن هذا محكم بالنسبة إلى كل صلاة، لأنه لا يحتمل غيره.
واختلفوا في المستحاضة:
فقال أبو حنيفة: ترد إلى عادتها؛ وإن كان لها عادة وإلا فتمكث أقل الحيض وهو ثلاثة أيام، إلا إذا كانت مبتدأة، وجاوز دمها أكثر الحيض، فتمكث أكثر الحيض، وهو عشرة أيام، ثم وطئ المستحاضة جاز عند أبي حنيفة، ومالك، والشافعي، وتصلي وتصوم إجماعًا.
(84) أخرجه: مالك (138)، والبيهقي في الكبرى (1690).
(1)
انظر: شرح معاني الآثار (1/ 106).