الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولما فرغ من بيان حكم حال الرجل والمرأة يتوضآن من إناء واحد، شرع في بيان حكم الرعاف، فقال: هذا
* * *
باب في بيان الوضوء من الرُّعاف
الوضوء من الرعاف، بضم الراء مصدر كنصر ومنع وكسر وعنى وسمع، وهو دمٌ يخرج من الأنف، وأيضًا الدم بعينه، كذا في (القاموس).
وفي (المصباح): الرعاف (1): خروج الدم، والظاهر أنه المراد هنا أو قيس عليه غيره من النجاسات.
36 -
أخبرنا مالك، حدثنا نافع، عن ابن عمر: أنه كان إذا رَعَفَ رجع فتوضأ ولم يتكلم، ثم رجع فَبَني على ما صلى.
• محمد قال: أخبرنا، وفي نسخة: ثنا بدل حدثنا، وفي أخرى: أنا بدل أخبرنا مالك قال: ثنا، أي: حدثنا كما في نسخة نافع، عن ابن عمر، رضي الله عنهما أنه كان إذا رَعَفَ بفتح العين المهملة وبضمها، أي: إذا خرج من أنف المصلي، رجع، أي: انصرف من صلاته من غير مكث ولو مكث قدر ركن ثم توضأ، يلزم أداء جزء من الصلاة مع الحدث فتبطل، فتوضأ، والحال: ولم يتكلم، فإنه في حكم الصلاة، ثم رجع إلى مصلاه، إن احتاج الرجوع إلى مصلاه، وإلا توضأ فَبَني على ما صلى في مكان توضأ فيه.
وعند الشافعي تفسد فلا يبنى على ما صلى؛ لأن الانحراف عن القبلة ينافيها.
* * *
(36) صحيح، أخرجه: مالك (79).
(1)
انظر: مختار الصحاح (ص 104)، والغريب للخطابي (2/ 389)، ولسان العرب (9/ 123).
37 -
أخبرنا مالك، أخبرنا يزيدُ بن عبيد الله بن قُسَيْطٍ: أنه رأى سعيد بن المسيَّب رَعف وهو يصلي، فأتى حُجْرة أُمَّ سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، فأُتي بوَضُوء فتوضأ، ثم رجع فبني على ما قد صلى. . . . . .
• محمد قال: أخبرنا، وفي نسخة: ثنا، وفي أخرى: نا بدل حدثنا، وأخبرنا مالك، قال، أي: مالك، حدثنا، وفي نسخة: نا بدل أخبرنا يزيدُ بن عبيد الله بن قُسَيْطٍ (1)، بضم القاف، وفتح السين المهملة مصغرًا، ابن أسامة الليثي أبي عبد الله المدني، روى عن أبي هريرة، وابن عمر، وجمع، ووثقه النسائي، وابن سعد وغيرهما، وروى عنه: الجمع، ومات سنة اثنين وعشرين ومائة وله تسعون سنة، كذا قال الزرقاني: أنه رأى سعيد بن المسيَّب رَعف في حال صلاته، وهو، أي: والحال: أنه يصلي، فأتى، أي: جاء حُجْرة بضم الحاء المهملة وسكون الجيم والراء والتاء، أي: البيت، والمضاف إلى أُمَّ سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، فأُتي بضم الهمزة وكسر التاء، أي: فجيء بوَضُوء بفتح الواو، أي: بماء الوضوء فتوضأ، ثم رجع إلى مصلاه، فإن بيت أم سلمة، رضي الله عنها أقرب إلى المسجد، وأقل المشي في أثناء الصلاة لا يفسدها إذا كان بعذر فبني على ما قد صلى.
قال ابن مالك في (تسهيله) كلمة "قد" تدخل على الماضي المتوقع، أي: المنتظر فيفيد الناظر. انتهى.
يعني أنها دخلت على صلى، وأفادت العلم ليزيد بن عبد الله بن قسيط، وهو رأي سعيد بن المسيب، أنه صلى ركعة أو ركعتين وخرج (ق 39)، من أنفه الدم في حال صلاته، فانصرف عن صلاته ودخل بيت أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم وتوضأ ونظر يزيد بن عبد الله بن قسيط إلى سعيد بن المسيب، هل يترك ما صلاه ويستأنفه أم يبني على ما صلى، فلما بنى على ما صلى علم أن البناء على ما صلى لازم عند أبي حنيفة، رحمه الله.
اعلم أن المصلي إذا سبقه حدث توضأ، وأتم ولو بعد التشهد عند أبي حنيفة، رحمه الله خلا بابهما حيث قال: إذا قعد ثم فرضه.
(37) صحيح، أخرجه: مالك (81).
(1)
انظر: التقريب (2/ 673).
وقال مالك والشافعي: يستأنف الصلاة؛ لأن الحدث ينافيها، والانحراف عن القبلة يفسدها، فصار كالحدث عمدًا.
ولنا ما روى ابن ماجه: عن ابن أبي مليكة، عن عائشة رضي الله عنها، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"من أصابه قيء أو رعاف أو قلس أو خروج شيء بسبب جشاء أو سلعة، أو مذي، فلينصرف وليتوضأ ثم ليبني على صلاته وهو في ذلك لا يتكلم"(1).
وروى ابن أبي شيبة نحوه، موقوفًا على جماعة من الصحابة كالصديق، والفاروق، والمرتضى، وابن مسعود، وغيرهم، رضي الله عنهم أجمعين.
فإن قيل: قال الدارقطني: الحفاظ يروونه عن ابن أبي مليكة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهو الصحيح، أجيب: بأن الحديث المرسل حجة عند الجمهور، وإذا اعتقد فعند الكل نعم الاستئناف أفضل ليقع أداء الصلاة على الوجه الأكمل؛ لأن الخروج عن شبهة النزاع مستحب بالإجماع، وقيل: المنفرد يستأنف والإِمام والمقتضي يبنيان؛ صيانةً لفضيلة الجماعة، ثم العود إلى مكان الصلاة أفضل عند الكرخي والفضلي لتصير صلاته مؤداة من مكان واحد.
وقيل: الإِمام حيث توضأ أفضل، إن أمكن تقليلًا للمشي.
وفي نوادر ابن سماعة: إن العود يفسدها؛ لأنه مشي بلا حاجة.
* * *
38 -
أخبرنا مالك، أخبرنا يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب: أنه سُئل عن الذي يَرْعُفُ، فَيكثُر عليه الدم، كيف يصلي؟ قال: يوْمِئ برأْسه إيمَاءً في الصلاة.
• محمد قال: أخبرنا، وفي نسخة: ثنا بدل حدثنا مالك، قال: ثنا، كذا في نسخة، وفي نسخة أخرى: أنا بدل أخبرنا يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب، قال أهل
(1) أخرجه: ابن ماجه (1221) بسند ضعيف.
(38)
صحيح الإسناد.
الصناعة: لفظ "قال" إن كان مكتوبًا قبل حدثنا الثاني والثالث، وهلم جرا يكون بيانًا لحدثنا مالك، كقوله تعالى:{فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَاآدَمُ} [طه: 120]، فاستغنى عما يقال في أمثاله أنه جواب: ما حدثكم، كما نقله علي القاري، عن عصام الدين في (شرح الشمائل) للترمذي.
أنه سُئل سعيد بن المسيب عن الذي يَرْعُفُ، بضم العين وفتحها، أي: يخرج من أنفه الدم، فَيكثُر عليه الدم، أي: بحيث لا ينقطع، كيف يصلي؟ وإن كان معذورًا إلا أنه إذا انحنى في الركوع والسجود، ويخشى عليه من تكثر خروج الدم، قال: يوْمِئ برأْسه إيمَاءً في الصلاة، أي: الركوع والسجود فيها، ويجعل إيمائه إلى السجود أخفض من إيمائه إلى الركوع، وفي نسخة: لفظ إيماء بعد قوله: برأسه.
* * *
39 -
أخبرنا مالك، أخبرنا عبد الرحمن بن المجبَّر، أنه رأى سالم بن عبد الله بن عمر: يُدْخل أصبُعَه في أنفه ثم يخرجها وفيها شيء من دم فيغسله، ثم يصلي ولا يتوضأ.
قال محمد: وبهذا كلِّه نأخذ فأمَّا الرُّعَاف: فإن مالك بن أنس كان لا يأخذ بذلك وكان يرى: إذا رَعَفَ الرجلُ في صلاته أن يغسل الدمَ، ويستقبلَ الصلاة.
وأما أبو حنيفة: فإنه كان يقول بما رَوَى مالكٌ عن ابن عمر، وعن سعيد بن المسيَّب: أنه ينصرفُ، فيتوضأُ: ثم يَبْني على ما صلى إن لم يتكلم، وهو قولنا.
وأما إذا كثر الرُّعاف على الرجل فكان إن أومأ برأْسه إيماء لم يرعف، وإن سجد رعف أومأ برأسه إيماءً وأجْزأه، وإن كان يرعَفْ على كل حالٍ سجد.
وأما إذا أدخل الرجلُ أصبعه في أنفه فأخرج عليها شيئًا من دم، فهذا
(39) صحيح الإسناد.
لا وُضوءَ فيه، لأنه غير سائل ولا قاطر، وإنما الوضُوءُ في الدم مما سال أو قَطَرَ. وهو قولُ أبي حنيفة.
• محمد قال: أخبرنا، وفي نسخة: ثنا، بدل حدثنا مالك، أخبرنا وفي نسخة: ثنا بدل حدثنا عبد الرحمن بن المجبَّر، بضم الميم وفتح الجيم وتشديد الموحدة المفتوحة والراء المهملة، وإنما قيل له: المجبر، لأنه سقط (ق 40) فانكسر، وجبر رأسه عبد الرحمن بن عبد الرحمن بن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، أنه رأى سالم بن عبد الله بن عمر: أحد فقهاء المدينة، ومن سادات التابعين وعلمائهم وثقاتهم، مات بالمدينة سنة ست ومائة يدخل أصبعه بتثليث الهمزة والموحدة فيكون، تسع لغات والمشهور كسر الهمزة وفتح الموحدة يُدْخل أصبُعَه أي: في أنفه شك الراوي، ثم يخرجها أي: أصبعه وفيها أي: في أصبعه، وفي نسخة فيها بغير أي: قليل من أي: فيقتله بكسر التاء، أي: يفركه، وينقضه لما في نسخة، أي: يحرك الدم المتجمد، الذي أخرجه من أنفه بعد قتله ويرميه بطرف أصبعه، ثم يصلي ولا يتوضأ، أي: بعده، وإنما جرى بثم لترتيب الأخبار لا لترتيب الحكم.
كما يقال: بلغني ما صنعت اليوم ما صنعت الأمس، أي: ثم أخبرك أن الذي صنعت أمس أعجب، كذا قاله ابن هشام في (مغني اللبيب).
قال محمد: وبهذا كلِّه نأخذ أي: نعمل ونفتي، فأمَّا الرُّعَاف، أي: الدم الخارج من أنف المصلي، فإن مالك بن أنس كان لا يأخذ به، أي: لا يفتي بذلك، أي: ينقض الوضوء، وكان يرى، أي: يذهب إلى أنه إذا رَعَفَ أنف الرجلُ في صلاته، أي: بدم يقطر له أن يقطع صلاته، وأن يغسل الدمَ الذي أصاب ثوبه، ويستقبلَ الصلاة، أي: بسبب العمل الكثير، وهو غَسلُ الدم، وبمكثه قدر ركن في صلاته بعد إصابة ثوبه بدم زائد على قدر الدرهم، أو باستدباره القبلة بغير عذر، كما في كتب المالكية، وتبعه الشافعي في ذلك.
وأما أبو حنيفة رحمه الله، فإنه كان يقول بما رَوَى مالكٌ عن ابن عمر، رضي الله عنهما، كما تقدم، وعن سعيد بن المسيَّب، أي: على ما سبق أنه، أي: المصلي إن سبقه الحدث ينصرفُ، من غير مكث، فيتوضأُ: ثم يَبْني على ما صلى إن لم يتكلم، وهو قولنا، أي: قول أصحاب أبي حنيفة رحمه الله.
وأما إذا كثر الرُّعاف بضم المثلثة، أي: غلب بحيث لم يكن له دفعُه فكان، أي في شأن الرجل إن أومأ بالهمزة، أي: أشار برأْسه إيماء وأجزأه، أي: كفاه الإِيماء عن الركوع والسجود.
وإن كان الدم يرعف، أي: يقطر على كل حال، أي: سواء سجد أو ركع.
وأما إذا أدخل الرجلُ أصبعه في أنفه فأخرج عليها، أي: على إصبعه، شيئًا أي: قليلًا من الدم، أي: غير سائل، فهذا لا وُضوءَ فيه؛ لأنه غير سائل ولا قاطر، أي: فيكون معفوًا عنه، وإنما الوضُوءُ الواجب في الدم مما سال، أي: ما يجب تطهيره في وضوء، أو غسل، أو قَطَرَ، أي: لم يسل متتابعًا، وهو قولُ أبي حنيفة رحمه الله.
اعلم أن الخارج النجس من غير السبيلين كالرعاف والقيء والفصد والحجامة، لا وضوء عنه، عند مالك والشافعي.
وقال أبو حنيفة رحمه الله بوجوبه، بالدم السائل وبالقيء إذا ملأ الفم.
وقال أحمد: إن كان كثيرًا نقض، رواية واحدة، وإن كان يسيرًا ففيه روايتان، ومن الأدلة لمذهبنا حديث:"الوضوء من كل دم سائل"(1)، رواه الدارقطني وابن عدي.
وروى ابن ماجه، عن عائشة رضي الله عنها، مرفوعًا:"من أصابه قيء، أو رعاف، أو قلس، أو مذي، فلينصرف، وليتوضأ ثم ليبن على صلاته، وهو في ذلك لم يتكلم"، والقلس، بفتح القاف وسكون اللام والسين: طعام أو ماء يدفعه المعدة في المرتبة الأولى، سواء كان ملأ الفم أم لا، وما تدفعه في المرتبة الثانية يقال له: قيء، كذا قاله محمد الواني في (ترجمة الجوهري)، وفي (مصنف) عبد الرزاق (2): أخبرنا الثوري عن أبي إسحاق، عن الحارث، عن علي رضي الله عنه، قال: إذا وجد أحدكم رزًا أو رعافًا أو قيئًا فلينصرف وليتوضأ فإن تكلم استقبل، وإلا اعتد بما مضى.
والرز، بكسر الراء المهملة والزاي المعجمة المشددة: صوت خفي، كذا نقله علي
(1) أخرجه: الدارقطني (1/ 157)، وقال: عمر بن عبد العزيز لم يسمعه من تميم الداري، ولا رآه، ويزيد بن خالد، ويزيد بن محمد: مجهولان.
(2)
أخرجه: ابن أبي شيبة (2/ 100)، وعبد الرزاق في مصنفه (3606)، والدارقطني (1/ 156).