الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والثوب الذي يستر بها المرأة رأسها وعنقها عند إرادة الصلاة، والدِّرعْ (ق 160) أي: القميص السابغ، أي الكامل، والسبغ بالسين الهملة والباء الموحدة، والغين المعجمة القصاء المشتمل الذي يُغَيَّبُ بتشديد الياء التحتية، أي: يستر ظهور قدمَيْها.
هذا رواية عن أبي حنيفة، لكن ظهورهما وبطونهما ليسا بعورة في أصح الروايتين عند أبي حنيفة لعموم الضرورة، كما في (مراقي الفلاح).
قال ابن عبد البر: هذا الحديث في (الموطأ) موقوف ورفعه عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار.
قال السيوطي: أخرجه أبو داود من طريقه عن محمد بن زيد عن أمه، عن أم سلمة، أنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم: تصلي المرأة في درع وخمار وليس عليها إزار؟ قال: "إذا كان الدرع سابغًا يغطي".
ثم رواه من طريق مالك موقوفًا.
قال محمد: وبهذا كله نأخُذُ، أي: نعمل ونفتي، فإذا صلَّى الرّجلُ في ثوب واحد أي: إزار وقوله: توشَّحَ به توشُّحًا قيد اتفاقي لا احترازي، أو قيد، وهو بالتاء الفوقية والواو والشين المعجمة المشددة، والحاء المهملة: ثوب يلفه الرجل بجميع جسده جاز، وهو أي: جواز صلاة الرجل في ثوب واحد، قولُ أبي حنيفة.
ولا أظن في المسألة خلافًا إلا أنه يكره عندنا أن يصلي وليس على كتفه شيء، إلا إذا لم يكن معه ثوب آخر، كذا قاله علي القاري.
لما فرغ من بيان أحكام الصلاة في الثوب الواحد، وصلاة الضحى، شرع في بيان أحكام صلاة التهجد والوتر وكميتها وكيفيتها، فقال: هذا
* * *
باب صلاة الليل
بيان أحكام صلاة التهجد والوتر من الليل. . أخذ المصنف هذه الترجمة من قوله تعالى في سورة الذاريات: {كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ} [الذاريات: 17]، يعني: أن المتقين يذكرون الله ويصلون أكثر الليل، وينامون أدناه، كما في (عيون التفاسير).
ومن قوله صلى الله عليه وسلم: "رحم الله امرأة قامت بالليل، فصلت ثم أيقظت زوجها فصلى"، وقال صلى الله عليه وسلم:"أفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل"، والأحاديث في هذا كثيرة.
164 -
أخبرنا مالك، أخبرنا نافع، عن ابن عمر، أن رجلًا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف الصلاة بالليل؟ قال:"مَثْنَى مَثْنَى، فإذا خشى أَحُدُكم أن يُصبح فَلْيُصَلِّ ركعةَ واحدة تُوتِرُ له ما قد صلَّى".
• أخبرنا مالك، وفي نسخة: محمد قال: ثنا، رمزًا إلى حدثنا، وفي نسخة: ثنا، وفي نسخة أخرى: محمد أخبرنا، أخبرنا نافع، وفي نسخة: قال: ثنا، وليحيى عن مالك عن نافع وعبد الله بن دينار، كلاهما مولى عبد الله بن عمر، وفي نسخة أخرى: أخبرني نافع، عن ابن عمر، رضي الله عنهما.
قال ابن حجر: ولم يختلف على مالك في إسناده، إلا أن في رواية مكي بن إبراهيم عن مالك أن نافعًا وعبد الله بن دينار أخبراه، كما في (الموطأ) للدارقطني، وأورده الباقون بالعنعنة، ذكره السيوطي، أن رجلًا للنسائي من أهل البادية لم أقف على اسمه، وللطبراني في (الصغير) أن ابن عمر، لكن يكره عليه رواية عبد الله بن شقيق، عن ابن عمر، كذا قاله الزرقاني.
سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يخطب: كيف الصلاة بالليل؟ قال السيوطي (1): وفي رواية: محمد بن نصر، قال: يا رسول الله، كنتَ تأمرنا أن نصلي بالليل، فكيف الصلاة بالليل؟ قال:"صلاة الليل مَثْنَى مَثْنَى"، أي: اثنين اثنين، وكرر للمبالغة، أي: مرتين مرتين، وهو غير منصرف، للعدل والوصف.
ولمسلم من طريق عقبة بن حارث، قال: قلت لابن عمر: ما معنى مثنى مثنى، قال: تسلم من كل ركعتين، ذكره السيوطي.
وليحيى: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مثنى مثنى".
(164) أخرجه: البخاري (991)، ومسلم (749)، وأبو داود (1326)، والترمذي (461)، والنسائي (1694)، وابن ماجه (1176)، ومالك (269).
(1)
انظر: تنوير الحوالك (1/ 110).
قال السيوطي (1): زاد أصحاب السنن، وابن خزيمة من طريق علي الأزدي، عن ابن عمر: وصلاة النهار: مثنى مثنى. انتهى.
وورد في بعض الأحاديث ما يدل على أن الأربع أفضل في الوقتين، وهو قول أبي حنيفة، وفي بعضها: أن الأربع في النهار، وركعتان في الليل، وبه قال صاحباه، ومذهب الشافعي: أن الركعتين أفضل في الوقتين.
فالأولى: أن بعضها ركعتين بتسليمة، وبعضها أربع بلا فصل، فإذا خشى أَحدُكُم أن يُصبح أي: أن يدخل في الصباح، فَلْيُصَلِّ ركعةَ واحدة أي: ركعة واحدة مضافة إلى ركعتين مما مضى، قوله: تُوتِرُ له مجهول، على أنه صفة لركعة واحدة، أي: تجعل وترًا ما قد صلَّى، من شفع قبلها.
* * *
165 -
أخبرنا مالك، حدثنا الزُّهري، عن عُرْوَة، عن عائشة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي من الليل إحْدى عَشْرة ركعة، يُوتِرُ منهن بواحدة، فإذا فرغ منها اضطجع على شقه الأيمن.
• أخبرنا مالك، وفي نسخة: محمد أخبرنا، حدثنا الزُّهري، أي: محمد بن مسلم بن مالك الزهري، يكنى أبا بكر، من الطبقة الرابعة من الطبقات السبعة من أهل المدينة، وهو تابعي، عن عُرْوَة بن الزبير بن العوام، من التابعين، من الطبقة الثانية من الطبقات السبعة من أهل المدينة، كما قاله أبو الفرج عبد الرحمن بن الجوزي، الحنبلي في طبقاته (2).
عن عائشة، رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أي: أحيانًا أو غالبًا يصلي من الليل، وفي نسخة: بالليل، أي: فيه مبتديًا من إجرائه إحْدى عَشْرة ركعة، بسكون الشين
(1) انظر: تنوير الحوالك (1/ 112).
(165)
أخرجه: البخاري (6310)، ومسلم (736)، وأبو داود (1335)، والترمذي (440)، والنسائي (685)، وابن ماجه (1198)، وأحمد (23537)، ومالك (264).
(2)
انظر: صفة الصفوة (2/ 85).
المعجمة، وبنو تميم تكسرها يُوتِرُ منها بواحدة، أي: منضمة إلى شفع قبلها، فإذا فرغ منها، أي: من تلك الواحدة، أو من صلاة الليل، اضطجع على شقه الأيمن، للاستراحة ليقوم نشيطًا لصلاة الصبح.
قال السيوطي: كذا رواه جماعة الرواة (للموطأ)، وأما أصحاب الزهري فرووا هذا الحديث منه إسناده، هذا فجعلوا الاضطجاع بعد ركعتي الفجر لا بعد الوتر، قيل: إنه الصواب دون ما قاله مالك.
قال ابن عبد البر: ولا يدفع ما قاله من ذلك لوضعه من الحفظ والإِتقان ولثبوته في ابن شهاب، وعلمه بحديثه. انتهى.
ولا يخفى أنه لا منع من الجمع؛ فإنه عليه السلام كان يضطجع تارة التهجد إذا كان في الوقت سعة، وأخرى بعد سنة الفجر إذا كان أدركه الصبح. والله أعلم.
* * *
166 -
أخبرنا مالك، حدثنا عبد الله بن أبي بكر عن أبيه، عن عبد الله بن قيس بن مَخْرَمَة، عن زيد بن خالد الجُهنيّ، قال: قلت: لأرْمُقَنَّ صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم اللَّيْلَةَ، قال: فتوسَّدْتُ عَتَبَتَهُ أو فُسْطَاطَهُ، قال: فقام يصلي ركعتين خفيفتين، ثم صلَّى ركعتين طويلتين، ثم صلى ركعتين دونهما، ثم صلى ركعتين دونهما، ثم صلي ركعتين دون اللتين قبلهُما، ثم أوْتَر.
• أخبرنا مالك، حدثنا وفي نسخة: ثنا، رمزًا إلى: حدثنا، وفي نسخة أخرى: بنا، رمزًا إلى أخبرنا عبد الله بن أبي بكر أي: محمد بن عمرو بن حزم الأنصاري، فقيه، ثقة، مدني، تابعي من الطبقة الثالثة من أهل المدينة، كان على قضاء المدينة، فلما ولي عمر بن عبد العزيز بن مروان بن الحكم ولاه إمرة المدينة، قالت امرأته: ما اضطجع على
(166) أخرجه: مسلم (765)، وأبو داود (1366)، وابن ماجه (1362)، وأحمد (2172)، ومالك (268)، والنسائي في الكبرى (396)، وابن حبان (2608)، والبيهقي في الكبرى (4459)، والطحاوي في شرح معاني الآثار (1/ 290)، وعبد بن حميد (273).
فراشه منذ أربعين سنة، مات سنة خمس وثلاثين ومائة من الهجرة، وله سبعون سنة، كما قاله أبو الفرج عبد الرحمن بن الجوزي في (طبقاته)، عن أبيه، أي: أبي بكر هو محمد بن عمرو بن حزم الأنصاري، النجاري بالنون والجيم المشددة، المدني، القاضي، اسمه وكنيته واحد، وقيل: يكنى أبا محمد، ثقة، عابد، كان في الطبقة الخامسة من طبقات التابعين، مات سنة عشرين ومائة (ق 162) من الهجرة، عن عبد الله بن قيس بن مَخْرَمَة، بفتح الميمين وبينهما خاء معجمة ساكنة فراء وهاء، عن زيد بن خالد الجُهنيّ، بضم الجيم وفتح الهاء والنون، نسبة إلى قبيلة جهينة، مدني، صحابي، شهير، مات بالكوفة سنة ثمان وستين ملأ الهجرة وله خمس وثمانون سنة، قال: قلت أي: في نفسي، أو بعض أصحابي، لأرْمُقَنَّ بفتح اللام الابتدائية، كاللام في قوله تعالى في سورة آل عمران:{لَلَّذِي بِبَكَّةَ} [آل عمران: 96]، وفتح الهمزة وسكون الراء المهملة وضم الميم، وفتح القاف والنون الثقيلة، أي: لأرقبن وأنظرن البينة، وعدل عن الماضي فلما رمقت استحضارًا بتلك الماضية عند المخاطبين واستقرارًا في قلوب السامعين، صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم اللَّيْلَةَ، أي: في هذه الليلة، حتى أرى أنه صلى الله عليه وسلم كم يصلي؟ وكيف يصلي ما صلاه؟ قال: فتوسَّدْتُ عَتَبَتَهُ أي: فوضعت رأسي على عتبة بابه صلى الله عليه وسلم كما وضعت رأسي على وسادتي، والتزمت على بابه كيلا يفوتني من فعله وقوله: شيء، فاعتبر يا مسكين واسمع أقوال الصحابة وأحوالهم، أو فُسْطَاطَهُ، بضم الفاء وكسر السين المهملة والطاءين بينهما ألف: سترة باب البيت من شعر وأو للشك من الراوي، والمعنى: إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحضر لازم باب بيته كالعتبة، وإن كان في السفر لازم قريب سترة باب خيمته صلى الله عليه وسلم وأترقبه متى يخرج من بيته فيصلي، بهذا المعنى يندفع وهم التجسس المنهي عنه، قال أي: الراوي، فقام أي: النبي صلى الله عليه وسلم يصلي ركعتين خفيفتين، أي: تهوينًا على النفس على الطاعة وتمرينًا لها على العبادة، وتدريجًا لها على الإِطالة في غير الملالة، ثم صلَّى ركعتين طويلتين، كذا في الأصل مرتين، وفي (الشمائل) للترمذي: ثلاث مرات للمبالغة في طولها، فكأنه قال: قدر ركعتين طويلتين مرتين أو ثلاث مرات، ثم صلى ركعتين دونهما، أي: أقل في الطول، ثم صلى ركعتين دونهما، وهذا الطريق البدلي كما كان الأول من باب الترقي، فسلك المسلمون في باب التخلي والتحلي، ثم صلى ركعتين دون اللتين قبلهُما، كذا في نسخة، وكذا في (المصابيح) برواية زيد بن خالد الجهني، وكذا في مسلم والترمذي، والنسائي برواية قتيبة.
وكذا في سنن أبي داود برواية القعنبي، فيكون صلاة التهجد عشر ركعات ثم أوْتَر؛ فذلك ثلاث عشرة ركعة، فهذا يدل على أنه أوتر بثلاث؛ لأنه صلى عشرًا في خمس دفعات، كما قاله ابن الملك في (شرح المصابيح)، ويؤيده ما قاله مالك في (الموطأ) فتلك ثلاث عشرة ركعة.
* * *
167 -
أخبرنا مالك، أخبرنا محمد بن المُنْكَدِر، عن سعيد بن جُبير، عن عائشة، أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"ما من امرِئ تكون له صلاة بالليل يَغْلبُه عليها نومٌ إلَّا كتب الله له أجر صلاته، وكان نومه عليه صدقة".
• أخبرنا مالك، وفي نسخة: محمد، وفي نسخة أخرى: ثنا رمزًا إلى: حدثنا، أخبرنا محمد بن المُنْكَدِر، على صيغة اسم الفاعل، عن سعيد بن جُبير، بضم الجيم وفتح الموحدة، وسكون التحتية والراء، وهما تابعيان جليلان، أما محمد بن المنكدر فمن الطبقة الرابعة من أهل المدينة، وأما سعيد بن جبير، (ق 163) يكنى أبا عبد الله فمن الطبقة الثانية من أهل الكوفة، ومنقبة محمد بن المنكدر، أن المنكدر دخل على عائشة فقالت له: ألك ولد، قال: لا، فقالت: لو كان عندي عشرة آلاف درهم لوهبتها لك، فما أمست حتى بعث إليها معاوية بعشرة آلاف درهم، فاشترى منها جارية، فهي أم محمد وأبي بكر وعمر، وكان لمحمد بن المنكدر جار مبتلى فكان يرفع صوته من الليل يصيح، وكان محمد يرفع صوته بالحمد، فقيل له في ذلك، فقال: يرفع صوته بالبلاء، وأرفع صوتي بالنعمة.
(167) أخرجه: أبو داود (1314)، والنسائي في المجتبى (1783)، وأحمد (23820)، ومالك (248)، والنسائي في الكبرى (1457)، والطبراني في الأوسط (6172)، والبيهقي في الكبرى (4827)، والطيالسي في مسنده (1527)، وابن المبارك (1237).
قال المنذري: رواه مالك وأبو داود والنسائي، وفي إسناده رجل لم يسم وسماه النسائي في رواية له الأسود بن يزيد، وهو ثقة ثبت وبقية إسناده ثقات، ورواه ابن أبي الدنيا في كتاب التهجير، بإسناد جيد، رواته محتج بهم في الصحيح، (الترغيب)(1/ 231).
وبينا هو ذات ليلة قائم يصلي إذا يبكي فكثر بكاؤه حتى فزع أهله، وسألوه ما الذي أبكاك؟ فاستحجم عليهم، فتمادى في البكاء، فأرسلوا إلى ابن أبي حازم، فجاء فقال: يا أخي ما الذي أبكاك؟ فقال: مرت بي آية من كتاب الله في سورة الزُمَر: {وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ} [الزمر: 47]، أي: ظهر لهم وقت البعث ما لم يكونوا يحتسبون في الدنيا أنه نازل بهم من العقاب، بدل ما يحتسبون من الثواب؛ لأن أعمالهم مع كثرتها لا تنفعهم مع شركهم، كذا في (عيون التفاسير)، فبكى ابن أبي حازم، واشتد بكاؤه، فقال بعض أهله: جئنا بك لتفرج عنه فزدته، فأخبرهم ما أبكاهما.
قال: إن الله تعالى يحفظ المؤمن في ولده وولد ولده وفي دويرته، ودويرات أحواله فما يزالون في حفظ وعافية ما كان بين أظهرهم منقبة سعيد بن جبير أنه كان إذا قام إلى الصلاة كأنه ولد، وكان يبكي الليل حتى غشى، وسمع ويردد هذه الآية بضعًا وعشرين مرة في سورة البقرة:{وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ} [البقرة: 281].
وكان يختم في كل ليلتين، وكان يخرج في السنة مرتين، مرة للحج، ومرة للعمرة.
قال: لدغتني عقرب، فأقسمت أمي على أن أسترقي فأعطيت الراقي يدي التي لم تلدغ، وكرهت أن أحنثها، وكان له ديك يقوم من الليل بصياحه، فلم يصح ليلة حتى أصبح، فلم يصل تلك الليلة، فشق عليه فقال: ما له قطع الله صوته، فلم يسمع له صوت بعدها، فقالت له أمه: يا بني لا تدع على شيء بعدها.
قال: إن الخشية أن تخشى الله حتى تحول خشيتك بينك وبين معصيتك، فتلك الخشية.
والذكر: طاعة الله، فمن أطاع الله فقد ذكره، ومن لم يطعه فليس بذاكر، وإن أكثر التسبيح والتلاوة كذا ذكره أبو الفرج عبد الرحمن بن الجوزي في (طبقاته)(1).
عن عائشة، رضي الله عنها، أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ما من امرِئ أي: شخص تكون له صلاة بالليل أي: بطريق الورد، يَغْلبُه عليها أي: على صلاته نوم.
قال الباجي - من المالكية: هو على وجهين: أحدهما: أنه يذهب به النوم فلا يستيقظ، والثاني: أن يستيقظ، ويمنعه غلبة النوم من الصلاة، فهنا حكمة: أن ينام حتى
(1) انظر: صفة الصفوة (2/ 140).
يذهب عنه مانع النوم، إلَّا كتب الله أي: أثبت له أجر صلاته، (ق 164) بناء على حسن نيته، وقد ورد:"نية المؤمن خير من عمله". فإن الباجي يريد التي اعتادها، ويحتمل ذلك عندي وجوهان: أحدهما: أن يكون له أجرها غير مضاعف، ولو عملها لكان له أجرًا مضاعفًا؛ لأنه لا خلاف أن الذي يصلي أكمل حالًا وأفضل مآلًا، ويحتمل أن يريد أن له أجر نيته، أي دون أداء طاعته، ويحتمل أن يكون له أجر من تمنى أن يصلي مثل تلك الصلاة، ولعله أراد أجر تأسفه على ما فاته منها. انتهى.
قال ابن عبد البر (1): في الحديث دليل على أن المرء يجازى على ما نوى من الخير، وإن لم يعمله، كما لو عمله، وأن النية يعطى عليها كالذي يعطى على العمل، إذا حيل بينه وبين ذلك العمل بنوم أو نسيان أو غير ذلك من وجوه الموانع، فيكتب له أجر ذلك العمل، وإن لم يعمله، فضلًا من الله ونعمة، كما نقله علي القاري عن السيوطي (2). وكان نومه عليه صدقة، قال الباجي: يعني أنه لا يحتسب عليه، ويكتب له أجر المصلين، ذكره السيوطي، والحديث رواه أحمد وأبو داود، والنسائي، عن عائشة رضي الله عنها.
* * *
168 -
أخبرنا مالك، حدثنا داود بن الحُصَيْن، عن عبد الرحمن الأعرج أن عمر بن الخطاب قال: من فاته من حِزْبه شيء من الليل فقرأه من حين تزول الشمس إلى صلاة الظهر فكأنَّه لم يَفتْهُ شيء.
• أخبرنا مالك، حدثنا وفي نسخة: ثنا، رمزًا إلى حدثنا داود بن الحُصَيْن، بضم الحاء المهملة وفتح الصاد والياء الساكنة والنون، الأموي، مولاهم، يكنى أبا سليمان المدني، ثقة، إلا في عكرمة، ورُمي برأي الخوارج، كان في الطبقة السادسة (3) من طبقات التابعين
(1) انظر: شرح الزرقاني (1/ 345)، والتمهيد (12/ 264).
(2)
انظر: تنوير الحوالك (1/ 106).
(168)
أخرجه: النسائي في المجتبى (1791)، ومالك (458)، والنسائي في الكبرى (1465)، وعبد الرزاق في مصنفه (4748)، وابن المبارك (1247) موقوفًا.
(3)
انظر: التقريب (1/ 162).
من أهل المدينة، مات سنة خمس وثلاثين ومائة، عن عبد الرحمن بن هرمز الأعرج، يكنى أبا داود المزني، مولى ربيعة بن الحارث، ثقة، ثبت عالم، كان في الطبقة الثالثة من طبقات التابعين، من أهل المدينة، مات سنة سبع عشرة بعد المائة من الهجرة (1)، أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: من فاته من حِزْبه أي: من ورده شيء أي: من قراءة أو صلاة أو نحوها من الليل أي: من أوله أو أوسطه أو آخره بأن نام عنه أو غلبته ضعف أو حصل له مانع، فقرأه أي: تدارك تلك القراءة ونحوها من حين تزول الشمس أي: إذا انتقلت من المكان التي طلعت فيه.
كما روى ابن شهاب عن السائب بن يزيد، وعبد الله بن عبد الله، عن عبد الرحمن بن عبد القاري عن عمر: من نام عن حزبه فقرأ ما بين صلاة الفجر وصلاة الظهر كتب له كأنما قرأ من الليل، وهذا أولى من حديث داود بن حصين، لأن زوال الشمس إلى صلاة الظهر وقت ضيق لا يسع الحزب. رواه مسلم والأربعة (2) من طريق يونس عن ابن شهاب به مرفوعًا، كما قاله السيوطي (3). إلى صلاة الظهر فكأنَّه لم يَفتْهُ شيء.
قال ابن الملك: والمعنى: من فاته حزبه بأن غفل عنه وشيء منه، أو ذهب عن الوقت الذي كان يفعله فيه ففعله في وقت آخر كتب له من الأجر مثل ما لم يفت؛ لأن تعين ذلك الوقت إن لم يكن يقينًا من الشارع وهو الله، وإنما كان باعتبار فعله وجميع الأوقات، وبالنسبة إليه سواء، فعلى هذا تخصيص الليل بالذكر؛ لأن ورد العابدين يوجد فيه غالبًا، فإن قلت: كان التشبيه في كأنه يفضي أن يكون الأجر فيه لقص وليس كذلك.
قلت: هذا من قبيل التشابه لأن تعيين ذلك الوقت، (ق 165) ولم يكن بتعيين الشارع حتى يكون التفويت منقصًا بوقوعه، ولو كان التعبير بطريق الندب يكون تشبيهًا. انتهى.
ولا يخفى أن صلاة التهجد من تعيين الشارع بطريق الندب، وكذا تأخير الوتر إلى
(1) انظر: التقريب (1/ 352).
(2)
أخرجه: مسلم (747)، وأبو داود (1313)، والترمذي (581)، وابن ماجه (1343) عن عمر موقوفًا.
(3)
انظر: تنوير الحوالك (1/ 159).
آخر الليل لمن لم يثق بالانتباه، وقد يجب التلاوة على بعض القراء من الحفاظ خوف النسيان في الليل لاشتغاله في ضروريات معاشه في النهار.
كما أشار إليه في قوله تعالى في سورة المزمل: {إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا (6) إِنَّ لَكَ فِي النَّهَارِ سَبْحًا طَوِيلًا} [المزمل: 6، 7]، وبهذا يتعين أن صلاة الليل والتلاوة فيه أفضل فيكون تشبيه الناقص بالكامل، وإلحاقه به في محله، ثم الظاهر المتبادر أن تدارك ما فات في الليل يكون في جميع أجزاء النهار.
كما في حديث رواه الترمذي في (شمائله)(1) عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم إذا لم يصل بالليل ومنعه من ذلك النوم أو غلبته عيناه صلى من النهار ثنتي عشرة ركعة، لا أنه مخصوص في التدارك أفضل، وأصله قوله تعالى في سورة الفرقان:{وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا} [الفرقان: 62]، ففي تفسير البغوي: قال ابن عباس والحسن وقتادة، يعني خلفًا وعوضًا يقوم أحدهما مقام الآخر، فمن فاته عمل في أحدهما قضاه في الآخر كما قاله علي القاري (2).
* * *
169 -
أخبرنا مالك، حدثنا زيد بن أسْلَمْ، عن أبيه، أنه قال: كان عمر بن الخطاب يصلي في كل ليلة ما شاء الله أن يصلي، حتى إذا كان من آخر الليل أيْقظ أهلَه للصّلاة، ويَتْلو هذه الآية {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى} [طه: 132].
• أخبرنا مالك، حدثنا زيد بن أسْلَمْ العدوي، يُكنى أبا عبد الله وأبا أسامة، مولى عمر بن الخطاب رضي الله عنه، مدني، عدوي، عالم ثقة في أكابر التابعين، وكان من الطبقة الثالثة، مات سنة ست وثلاثين ومائة (3)، عن أبيه، أنه أي: أسلم، قال: كان عمر بن
(1) انظر: الشمائل (268).
(2)
انظر: تفسير البغوي (3/ 375).
(169)
صحيح، أخرجه: مالك (252)، وعبد الرزاق في مصنفه (4743)، والتهجد (213).
(3)
انظر: التقريب (1/ 189).
الخطاب رضي الله عنه يصلي في كل ليلة ما شاء الله أن يصلي، وما موصولة، وشاء صلتها، والله فاعله، وأن مصدرية، ويصلي مفعول شاء، والالتفات إلى الاسم الجليل لتربية المهابة وألا يزان بدور أن المشبه على عنوان الألوهية المتتبعة لسائر الصفات، كما فصلناه في تفسير سورة الأعلى في (نور الأفئدة). حتى إذا كان من آخر الليل أيْقظ أهلَه أي: عياله للصّلاة، أي: لإِدراك شيء من صلاة السحور والاستغفار فيه، ويحتمل أن يكون إيقاظه لصلاة الصبح، وإنما كان فإنه امتثل الآية، وفيه أهله منه ما كان هو يفعله، ويَتْلو هذه الآية في سورة طه {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ} أي: مطلقًا، أو صلاة الليل والنهار، أشقها وأصعبها، يؤيده قوله:{وَاصْطَبِرْ} أي: اصبر {عَلَيْهَا} أي: على مجاهدتها، {لَا نَسْأَلُكَ} أي: لا نكلفك {رِزْقًا} بتحصيله لنفسك ولا لغيرك، {نَحْنُ نَرْزُقُكَ} أي: رزقًا حسنًا من حيث لا تحتسب، {وَالْعَاقِبَةُ} أي: الجنة {لِلتَّقْوَى} ولأهلها. لقوله تعالى: {وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} [القصص: 83].
روى ابن مردويه عن أُبَيّ قال حين نزلت هذه الآية: كان صلى الله عليه وسلم يأتي بباب عليّ رضي الله عنه فيقول: "الصلاة رحمكم الله: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} [الأحزاب: 33].
* * *
170 -
أخبرنا مالك، أخبرنا مَخْرَمَة بن سليمان الوَالبيّ، قال: أخبرني كرَيْب مولى ابن عباس أن ابن عباس أخبره: أنه بات عند ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، وهي خالته، قال: فاضطجعت في عَرْض الوسادة، واضطجع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأهله في طولها، قال: فنام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا انتصف الليل أو قبله بقليل أو بعده بقليل، جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمسح النوم عن وجهه بيده، ثم قرأ العشر الآيات: الخواتِم من سورة آل عمران، ثم قام إلى شَنٍّ معلَّق،
(170) صحيح أخرجه: البخاري (183)، (4571)، ومسلم (863)، وأبو داود (1367)، والترمذي (232)، والنسائي في المجتبى (1620)، وابن ماجه (1363)، وأحمد (2165)، ومالك (267).
فتوضأ منه فأحسن وُضوءه، ثم قام يصلي، قال ابن عباس: فقمت فصنعت مثل ما صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم ذهبت فقمت إلى جانبه، قال: فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده اليمنى على رأسي، وأخذ بأُذني اليمنى بيده اليمنى فَفَتَلَهَا، قال: فصلى ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين، ثم أوْتَرَ، ثم اضطَجَعَ حتى جاءه المؤذِّن، فقام فصلى ركعتين، خَفيفتين، ثم خرج فصلى الصبح.
قال محمد: صلاة الليل عندنا مَثْنى مَثْنَى، وقال أبو حنيفة: صلاة الليل إن شئت صلَّيْتَ ركعتين، وإن شئت أربعًا، وإن شئت صليت ستّا، وإن شئت ثمانيًا وإن شئت ما شئت بتكبيرة واحدة، وأفصل ذلك أربعًا أربعًا. وأما الوتر: فقولنا وقول أبي حنيفة فيه واحد، الوترُ، ثلاثٌ لا يُفصَلُ بينهن بتسليم.
• أخبرنا مالك، وفي نسخة: محمد أخبرنا، وفي نسخة: بنا رمزًا إلى أخبرنا، أخبرنا مَخْرَمَة بإسكان الخاء المعجمة، وفتح غيرها، ابن سليمان الوَالبيّ، بكسر اللام والموحدة، المدني، روى عن ابن الزبير وأسماء بنت أبي بكر وعده جماعة، وثقه ابن معين وغيره (1).
قال الواقدي: قتلته الحرورية بقديد سنة ثلاثين ومائة وهو ابن سبعين سنة، قال: أخبرني أي: وحدي، كرَيْب بالتصغير مولى ابن عباس روى عن مولاه، وابن عمر، وزيد بن ثابت، وأسامة، وعائشة، وميمونة، وأم سلمة، وعنه ابناه رشدين، ومحمد، وعبد بن الأشج، ومكحول، وموسى بن عقبة، وآخرون، وثقه ابن معين، وابن سعد، والنسائي، واحتج به الجماعة، مات سنة ثمان وتسعين (2). أن ابن عباس رضي الله عنهما، أنه كان عالمًا فقيهًا وحديثًا وعربية وأنسابًا وشعرًا وتفسيرًا، روى الطبراني في (الكبير) أنه قال: دعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "نعم ترجمان القرآن أنت"، ودعا لي جبريل مرتين (3).
(1) انظر: التقريب (2/ 575).
(2)
انظر: التقريب (2/ 493).
(3)
أخرجه: الطبراني في الكبير (11108)، فيه عبد الله بن فراش، وهو ضعيف.
وعنه: وضع صلى الله عليه وسلم يده على كتفي ومنكبي، ثم قال:"اللهم فقهه في الدين، وعلمه التأويل"(1) رواه أحمد والطبراني برجال الصحيح.
وعنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وضع يده في صدره فوجد بردها في صدره، ثم قال:"اللهم احش جوفه علمًا وحلمًا"(2).
وعنه: ضمني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى صدره، وقال:"اللهم علمه الحكمة"، وفي رواية "الكتاب"(3)، رواهما البخاري.
أخبره أنه بات عند ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، وهي خالته، أي: أخت أم ابن عباس، وسبب وروده، وزاد شريك بن أبي نمر عن كريب، عند مسلم، فرقبتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف يصلي. زاد أبو عوانة: من هذا الوجه "بالليل".
ولمسلم من طريق عطاء عن ابن عباس، قال: بعثني العباس إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
وزاد النسائي من طريق حبيب بن أبي ثابت عن كريب في إبلٍ أعطاه إياها من الصدقة، أي: صدقة التطوع، أو ليستولي طرفه في مصالح غيره، وأسلم عن الضحاك بن عثمان عن مخرمة، فقلت لميمونة إذا قام صلى الله عليه وسلم فأيقظيني، فكأنه عزم في نفسه السهر ليطلع على الكيفية التي أرادها، ثم خشي أن يغلبه النوم فوصى، أي: ميمونة أن توقظه، وفيه فضل ابن عباس وقوة فهمه وحرصه على تعلم أمر الدين وتعليمه، كذا قاله الزرقاني (4).
قال: أي: ابن عباس: فاضطجعت أي: وضعت جنبي بالأرض في عَرْض بفتح العين على المشهور وبضمها أيضًا، وأنكره الباجي - من علماء المالكية - نقلًا ومعنى قال: لأن العرض: هو الجانب، وهو لفظ مشترك، وردَّه العسقلاني بأنه لما قال في طولها، تعين المراد، وقد صحت به الرواية. الوسادة، بكسر الواو، ما يتوسد به، ويسمى المخدة، وهو
(1) أخرجه: أحمد (2393)، والطبراني في الكبير (10614)، والأوسط (1444)، والصغير (543).
(2)
أخرجه: الطبراني في الكبير (10585)، قال الهيثمي: رواه الطبراني وفيه من لم أعرفه (8/ 276).
(3)
أخرجه: البخاري (3756).
(4)
انظر: الزرقاني (1/ 355).
ما يضعون وجوههم أو رؤوسهم عليه للنوم، وعن محمد بن نصر: وسادته صلى الله عليه وسلم من أدم أي: من جلد مدبوغ، حشوه ليف، ذكره السيوطي وكذا فراشه.
وعن عائشة رضي الله عنها: أنها قالت: إنما كان فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي ينام عليه من أدم حشوه ليف، أي: ليف النخل، كما قاله الترمذي في (شمائله)(1).
واضطجع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأهله أي: ميمونة خالة ابن عباس (ق 167) في طولها، أي: الوسادة. قال ابن عبد البر: كان ابن عباس - والله أعلم - مضطجعًا عند أرجلهما وعند رأسهما.
وقال الباجي: وهذا ليس بالبين؛ لأنه لو كان كذلك لقال توسدت عرضها، وقوله: اضطجعتُ في عرض: يقتضي أن العرض محل لاضطجاعه، وفي رواية طلحة بن نافع عند ابن خزيمة: ثم دخل صلى الله عليه وسلم مع أهله ميمونة وفي فرشها، وكانت ليلة صائفا، وفيه يبيت الصغير عند محرمه، وأن زوجها عندها، والاضطجاع مع الحائض، وترك الاحتشام في ذلك بحضرة الصغير، وإن كان مميزًا بل مراهقًا.
وللبخاري في التفسير من رواية شريك عن كريب، فتحدث صلى الله عليه وسلم مع أهله ساعة، ولأبي زرعة الرازي في (العلل): عن ابن عباس: أتيتُ خالتي ميمونة، فقلتُ: إني أريد أن أبيت عندكم، فقالت: كيف وإنما الفراش واحد، والحال أنه من مسح، أي: صوت يعبر عنه بالملاس، هذا خلاصة ما في (الشمائل).
فقلتُ: لا حاجة لي بفراشكم، أفرش نصف إزاري، وأما الوسادة فإني أوضع رأسي مع رأسكما من وراء الوسادة: فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتحدثت ميمونة بما قلت، فقال: هذا شيخ قريش.
قال: أي: ابن عباس رضي الله عنهما: نام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا انتصف الليل أي: تقريبًا، أو قبله بقليل أو بعده بقليل، وأو للشك في حقيقة مقداره، وفي رواية الشيخين: فلما كان ثلث الليل الأخير أو بعضه، جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمسح النوم أي: أثره من باب إطلاق المسبب أو عينه من باب إطلاق الحال على المحل، "إذا" ظرفية، وقبله
(1) انظر: الشمائل (329).
ظرف لجلس، أي: جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم وقت الانتصاف، أي: وقت نصف الليل أو قبله بقليل، أو بعده بقليل، فمسح عن وجهه بيده.
وفي (الموطأ) لمالك: حتى إذا انتصف الليل أو قبله بقليل أو بعده بقليل استيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم فجلس يمسح النوم عن وجهه بيده، بالإِفراد، فإن جعلت إذا ظرفية، فقبله ظرف لاستيقظ أي: استيقظ وقت الانتصاف أو قبله، وإن جعلت شرطية فمتعلق بفعل مقدر، واستيقظ، جواب الشرط، أي: حتى إذا انتصف الليل أو قبله أو بعده استيقظ فمسح النوم عن وجهه بيديه. كما قاله الزرقاني.
وفي رواية (الصحيحين) قيد فنظر في السماء ثم قرأ بالعشر آيات الخواتِم، جمع الخاتمة بالجر صفة الآيات، وفي نسخة: الخواتيم بالياء، وكذا في الشمائل للترمذي من هذا الطريق، وإضافة العشر إلى الآيات من قبيل الصفة إلى موصوفها، واللام تدخل في العدد المضاف نحو الثلاثة الأثواب من سورة آل عمران، أولها:{إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [آل عمران: 190]، إلى آخر السورة، فيه حل القراءة للمحدث حدثًا أصغر، هو إجماع عليه، كذا في المناوي، ثم أي: بعد قراءة هذه الآيات، قام إلى شَن بفتح الشين المعجمة وتشديد النون، أي: مائلًا إلى قربة بالية، معلَّق، أي: معلقة إلى جدار أو خشبة لتبريد مائها أو المحافظة (ق 168) من قطعها، فتوضأ منه أي: من مائه فأحسن وُضوءه، أي: أتمه بأن أتى بمندوباته، ثم قام يصلي، أي: حال كونه مصليًا، ولمحمد بن نصر: ثم أخذ ردائه حضرميًا فتوشحه ثم دخل البيت فقام يصلي، قال ابن عباس، رضي الله عنهما، فقمت أي: من مرقدي، فصنعت مثل ما صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم، أي: من مسح الوجه من النوم وقراءة العشر آيات، والقيام إلى الشن والتوضؤ منه، ثم ذهبت أي: إلى قربه صلى الله عليه وسلم، فقمت إلى جانبه، أي: جانبه، كما في نسخة، وفي رواية الشيخين: فقمتُ فتوضأتُ فقمت عن يساره، قال: أي: ابن عباس: فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده اليمنى على رأسي، للتبرك وتنزيل الرحمة عليه، وأخذ بأُذني بضم الهمزة وسكون الذال المعجمة اليمنى بيده اليمنى فَفَتَلَهَا، أي: دلكها، زاد محمد بن نصر: فعرفت أنه إنما صنع ذلك ليؤنسني بيده في ظلمة الليل، وقيل: فعل ذلك إيقاظًا له وتنبيهًا له من النعاس، وقيل: ليتنبه بهيئة الصلاة، وموقف الإِمام، والأول أظهر، ذكره السيوطي.
وقال الشمني: لو قام المؤتم منفردًا عن يساره الإِمام، أو خلفه كره، لما روى الجماعة
عن كريب مولى ابن عباس، قال: بتُّ عند خالتي ميمونة فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل، فقمتُ عن يساره، فأخذني بيمينه فأدارني من ورائه، فأقامني عن يمينه، فصليت معه. وفي الحديث دليل على أن العمل القليل لا يبطل الصلاة، وأن صلاة الصبي صحيحة، وأن له موقفًا من الإِمام كالبالغ، وأن الجماعة في غير المكتوبات جائزة.
أقول: وقد صرح في (الفروع) اتفاق الفقهاء بكراهية الجماعة في النوافل، إذا كان سوى الإِمام الأربعة.
قال في (الكافي): إن التطوع بالجماعة إنما تكره إذا كان على سبيل التداعي، أما لو اقتدى واحد بواحد، أو اثنان بواحد لا تكره، واقتدى ثلاثة بواحد اختلف فيه، وإن اقتدى أربعة بواحد كره اتفاقًا، كذا في (الوسائل شرح الشمائل).
ثم قام فصلى ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين، ست مرات، فتكون اثني عشرة ركعة، وفي العطف بثم إشارة إلى أنه صلى الله عليه وسلم فصل بين كل ركعتين، وبه صرح في رواية طلحة بن نافع، عن ابن عباس، عند ابن خزيمة، قال: ويسلم من كل ركعتين، ولمسلم من رواية علي بن عبد الله بن عباس، التصريح بالفصل أيضًا، وأنه صلى الله عليه وسلم استاك بين كل ركعتين إلى غير ذلك، كذا قاله الزرقاني.
ثم أي: بعد ما صلى النبي صلى الله عليه وسلم اثنتى عشرة ركعة من النوافل، أوْتَرَ، أي: صلى الوتر ثلاث ركعات، ثم أي: بعد ما صلى صلاة الوتر ثلاثًا، اضطَجَعَ أي: رقد فنام حتى نفخ حتى جاءه المؤذِّن، وهو بلال كما سُمِّي في رواية البخاري على ما ذكره السيوطي. فقام فصلى ركعتين خَفيفتين، يعني سنة الفجر، ثم خرج من بيت ميمونة إلى المسجد، فصلى صلاة الصبح، أي: فرضه بجماعة، والحديث رواه الترمذي في (الشمائل).
قال محمد: صلاة الليل عندنا يعني: نفسه، وأبا يوسف مَثْنى مثنى، أي: ثنتين ثنتين، وهو أفضل، كرره تأكيدًا في بيان الحكم، وهما لا ينصرفان للعدل من عدد مكررة هي ثنتين ثنتين وللوصف (ق 169) بنيتا، وأن أصولهما لم تبن لتكرر العدل، فإنهما معدولتان باعتبار الصيغة والتكرير وهما نكرتان تدخل عليهما لام التعريف كالمثنى والثلاث والرباع، كذا قاله عبد الله بن محمد البيضاوي (1)، وغيره في تفسير قوله تعالى
(1) انظر: البيضاوي (2/ 142).