الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب في بيان أحكام الاغتسال يوم الجمعة
بيان أحكام الاغتسال يوم الجمعة، أي: لصلاتها على الأصح، والجمهور على ضم ميم الجمعة، وقُرئ بإسكانها، والضم هو الأصل، والإِسكان تخفيف، فكلاهما مصدر بمعنى الاجتماع.
وقال مكي: فيه لغة ثالثة، وهي فتح الميم على نسبة الفعل إليها، كأنها تجمع الناس، كما يقال: رجل لعنة، إذا كان يلعن الناس، كما قاله الشيخ "زادة" في (حاشية بيضاوي).
57 -
أخبرنا مالك، حدثنا نافع، عن ابن عمر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا أتى أحدكم الجمعةَ فليغتسل".
• أخبرنا مالك، كذا في نسخة، وفي نسخة: محمد قال: ثنا رمزًا إلى حدثنا، وفي نسخة أخرى: أنا رمزًا إلى أخبرنا، أخبرنا نافع، وفي نسخة: حدثنا، وفي نسخة أخرى: قال: ثنا رمزًا إلى حدثنا، وفي (ق 62) نسخة: قال: أنا، رمزًا إلى أخبرنا، عن ابن عمر، رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: قال: إذا أتى أي: إذا أراد أن يجيء أحدكم الجمعةَ بالنصب، والمعنى: إذا حضر يومها، أو أراد أن يحضر صلاتها، وجواز نصب أحدكم ورفع الجمعة، والمعنى: إذا أدرك يومها أو صلاتها، وإضافة أحد إلى ضمير الجمع تشعر بعموم الرجال والنساء والصبيان، والمشهور من مذهب مالك وهو رواية: ابن القاسم عنه: أن الغسل يسن لمن أتى الجمعة، ممن تجب عليه أولًا من مسافر، أو عبد، أو امرأة، أو صبي إذا أتوها.
ولمالك في المختصرات: من لا تلزمه إن حضرها، لابتغاء الفضل شرع له الغسل، وسائر آداب الجمعة، وإن حضرها لأمر اتفاقي أو لمجرد الصلاة، فلا، وذكر الإِيتاء إليها لكونه الغالب، وإلا فالحكم شامل لمن كان مقيمًا بالجامع، فليغتسل استحبابًا، والحديث رواه الشيخان والنسائي عن ابن عمر أيضًا.
(57) صحيح، أخرجه: البخاري (877)، ومسلم (844)، والترمذي (492)، والنسائي (1376)، وابن ماجه (1088)، وأحمد (4452)، والدارمي (1536)، ومالك (231).
وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه: "أيعجز أحدكم أن يجامع أهله في كل يوم جمعة، فإن له أجرين، أجر غسله، وأجر امرأته"(1)، أخرجه البيهقي في الشعب.
فظاهره: أن الغسل يعقب المجيء وليس بمراد، وإنما المراد: إذا أراد أحدكم أن يأتي الجمعة فليغتسل، رواه بهذا اللفظ الليث عن نافع، عند مسلم، ونظيره قوله تعالى في سورة المجادلة:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً} [المجادلة: 12].
فإن معناه: إذا أردتم المناجاة بلا خلاف، ويقوي رواية الليث حديث أبي هريرة السابق:"من اغتسل يوم الجمعة ثم راح"، فهو صريح في الرواح عن الغسل.
وبهذا علم فساد قول من حمله على ظاهره وتمسك به، على أن الغسل لليوم لا للصلاة، كما قاله علي القاري والزرقاني.
قال السيوطي: يقول الحافظ ابن حجر: رواية نافع عن ابن عمر مشهورة جدًا، وقد اعتنى بتخريج طرق أبو عوانة صحيحة، فساق من طريق سبعين نفسًا، رواه عن نافع.
قال: وقد تتبعت ما فاته، وجمعتُ ما وقع لي من طرقه، في جزء مفرد فبلغت أسماء من رواية نافع مائة وعشرين نفسًا، فيما يستفاد منه هنا ذكر سبب الحديث، في رواية إسماعيل بن أمية عن نافع عند ابن عوانة: كان الناس يغدون في أعمالهم، فإذا كانت الجمعة جاءوا وعليهم ثياب متغيرة، فتشاكوا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:"من جاء منكم الجمعة فليغتسل"، انتهى.
* * *
58 -
أخبرنا مالك، حدثنا صفوانُ بن سُلَيْم، عن عَطاءٍ بن يَسَارٍ، عن أبي سعيد الْخُدْرِيَّ: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "غُسْلُ يوم الجمعة واجِبٌ على كل مُحْتَلِمٍ".
(1) أخرجه: البيهقي في الشعب (2991) من طريق بقيَّة، وقد قال البيهقي: في روايات بقيَّة نظر.
(58)
صحيح، أخرجه: البخاري (858)، ومسلم (846)، وأبو داود (341)، والنسائي (377)، وابن ماجه (1089)، والدارمي (1537)، ومالك (230).
• أخبرنا مالك، كذا، وفي نسخة: محمد قال: ثنا رمزًا إلى حدثنا، وفي نسخة: أنا، وفي نسخة: ابنا رمزًا إلى أخبرنا، حدثنا كذا في نسخة، وفي نسخة: قال: ثنا رمزًا إلى حدثنا صفوانُ بن سُلَيْم (1)، بضم السين المهملة: المدني أبو عبد الله الزهري، مولاهم، تابعي ثقة، مفتي عابد، مات سنة اثنتين وثلاثين، ومائة، وله اثنتان وسبعون سنة، عن عَطاءٍ بن يَسَارٍ، بفتح التحتية، وخفة المهملة، عن أبي سعيد أي: سعد بن مالك بن سنان الْخُدْرِيَّ: رضي الله عنه، صحابي ابن صحابي، وقد تابع مالك على رواية الدراوردي عن صفوان، هكذا أخرجه أبو بكر المروزي في كتابه الجمعة: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "غُسْلُ يوم الجمعة ظاهر إضافته لليوم؛ لأن الغسل لليوم (ق 63) لا للجمعة، وهو قول جماعة، وهو مذهب: مالك والشافعي، وأبي حنيفة، وغيرهم، أنه للصلاة لا لليوم.
وقد روى مسلم هذا الحديث، بلفظ: الغسل يوم الجمعة، كذا رواه الشيخان من وجه آخر، عن أبي سعيد، وظاهره: أنه حديث وجد الغسل فيه كفى؛ لأنه جعلَ اليوم ظرفًا للغسل، ويحتمل أن اللام للعهد، فيتفق الروايتان، واجبٌ أي: مسنون متأكد.
قال ابن عبد البر (2): ليس المراد أنه فرض، بل هو مؤَّل بالنسبة، أو في المروءة، أو في الأخلاق الحميدة، كقول العرب: وجب حقك.
ثم أخرج بسنده عن أشهب: أن مالكًا سُئل عن غسل يوم الجمعة واجب هو؟ قال: هو حسن وليس بواجب.
وأخرج عن ابن وهب: أن مالكًا سئل عن غسل يوم الجمعة، واجب هو؟ قال: هو سنة ومعروف، وقيل: إنه في الحديث واجب، قال: ليس كل ما جاء في الحديث فيكون كذلك، وظاهر الحديث منسوخ بقوله صلى الله عليه وسلم:"مَنْ توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت، ومن اغتسل فهو أفضل"، رواه أنس بن مالك، والحسن البصري، كما سيأتي كذا قاله الشرنبلالي في (إمداد الفتاح)، و (مراقي الفلاح).
على كل مُحْتَلِمٍ على صيغة اسم الفاعل، أي: بالغ، وإنما ذكر الاحتلام لكونه الغالب، فيدخل النساء على الحمل على الحقيقة.
(1) انظر: التقريب (1/ 255).
(2)
انظر: شرح الزرقاني (1/ 303).
إن الاحتلام إذا كان معه الإِنزال يوجب الغسل، سواء كان يوم الجمعة أم لا، ونقله المنذري والخطابي عن مالك.
فرضية الغسل حقيقة ورده عياض، وغيره، بأن ذلك ليس بمعروف في مذهبه.
* * *
59 -
أخبرنا مالك، حدثنا الزهري، عن ابن السَّبَّاقِ: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يا معشر المسلمين، هذا اليوم يومٌ جعله الله عيدًا للمسلمين، فَاغْتَسلوا، ومن كان عنده طِيبٌ فلا يَضُرُّهُ أن يَمَسَّ منه، وعليكم بالسِّواك".
• أخبرنا مالك، وفي نسخة: محمد قال: ثنا رمزًا إلى حدثنا، وفي نسخة: قال: ثنا رمزًا إلى حدثنا الزهري، أي: ابن شهاب، عن عبيد بالتصغير، عن ابن السَّبَّاقِ: بسين مهملة وتشديد الموحدة: المدني، أبي سعيد، من ثقات التابعين، وأشرافهم، روى له الستة، وفي (التقريب) وغيره: أنه ثقفي، وهو مرسل وقد وصله ابن ماجه، من طريق صالح بن أبي الأخضر، عن الزهري، عن عبيد بن السابق، عن ابن عباس، رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: في يوم جمعة، وهو من الجمع، وهو جمع جمعة، ويجمع أيضًا على جمعات، مثل عرفة عرفات، يا معشر المسلمين، قال النووي: المعشَر، بفتح الميم وسكون العين المهملة، وفتح الشين المعجمة والراء، والطائفة التي يشملهم وصف، فالشباب: معشر، والشيوخ: معشر، والنساء: معشر، والأنبياء عليهم السلام: معشر، وما أشبهه، هذا أي: اليوم، اليوم يومٌ جعله الله عيدًا للمسلمين، أي: هذه الأمة المسلمة خاصة، جزم به أبو يوسف في (شرف المصطفى)، وابن سراقة، وذلك أنه سبحانه خلق العالم في ستة أيام، ولكل يوم منها اسمًا يخصه، وخص كل يوم بنصف من الخلق أوجده فيه، وجعل كل يوم كمال الخلق مجمعًا، وعيدًا للمؤمنين، يجتمعون فيه لعبادته، وذكره، والتفرغ لشكره، والإِقبال على خدمته، وذكر ما كان في ذلك اليوم، وما يكون من المعاد.
(59) إسناده ضعيف لإرساله، أخرجه: ابن ماجه (1098) مسندًا لكن فيه صالح بن أبي الأخضر: ضعيف، ومالك (146)، وابن أبي شيبة (2/ 6) مرسلًا، والشافعي في المسند (272)، والبيهقي في الكبرى (6053).
وقال الراغب: والعيد ما يعاود مرة بعد أخرى، وخصَّه الشرع: بيومي الأضحى والفطر، ولما ذلك اليوم مجعولًا في الشرع للسرور، واستعمل العيد في كل يوم مرة أيما كان.
قال ابن عبد البر (1): في أن من حلف أن يوم الجمعة يوم عيد، لم يحنث.
قال عبد الحق في (شرح الأحكام): العرف لا يقتضيه.
(ق 64) وكذا لو حلف على فعل شيء يوم عيد ولا نية له بر بفعله يوم الجمعة، فَاغْتَسلوا، مسنونًا مؤكدًا، لحضور صلاة الجمعة، ومن كان عنده طِيبٌ فلا يَضُرُّهُ أن يَمَسَّ منه، إذ هو مستحب للقادر عليه، وقد كان يُعرف خروجه صلى الله عليه وسلم إلى الصَلاة برائحة الطيب، إذا مشى، وأوجبه أبو هريرة، رضي الله عنه يوم الجمعة، ولعله إيجاب سنة وأدب.
وعليكم بالسِّواك، أي: الزموه لتأكد استحبابه، وهو بكسر السين على الأفصح، مذكر، وقيل: مؤنث، وأنكره الأزهري، مشتق من ساك إذا دلك أو من جاءت الإِبل تساوك هزلًا، أي: تمايل، ويطلق على الفعل وهو المراد هنا، وعلى الآلة، ويجوز إرادته بتقدير مضاف، أي: استعماله، وأل فيه لتعريف الحقيقة، لا للاستغراق وللعهد؛ لأن السواك كان معهودًا لهم على هيئات وكيفيات، فتحمل العود إليها، والأول أقرب.
قالت عائشة رضي الله عنها: كان صلى الله عليه وسلم إذا دخل عليَّ أول ما يبدأ به السواك، وسمعته يقول:"السواك مطهرة للفم، مرضاة للرب"(2).
وكان ربما استاك من الليل مرارًا، وقد علم أن هذا الحديث مرسل، وأن ابن ماجه وصله بذكر ابن عباس رضي الله عنهما، كما قاله الزرقاني، وصورة الحديث المرسل: أن يقول التابعي سواء كان كبيرًا أو صغيرًا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كذا، أو فُعِلَ بحضرته كذا، ونحو ذلك.
(1) انظر: شرح الزرقاني (1/ 193).
(2)
أخرجه: النسائي في المجتبى (5)، وأحمد (23683)، والدارمي (688)، والنسائي في الكبرى (4)، وابن حبان (1067)، وابن أبي شيبة (1/ 196)، وابن خزيمة (135)، والطبراني في الأوسط (278)، وأبو يعلى (4569)، والبيهقي في الكبرى (138)، والشعب (2118).
كما قاله ابن حجر في (نخبة الفكر)، وصورة استعمال السواك: وهو السواك طولًا على ظاهر عرض السن الأيمن أعلا، ثم الأسفل، ثم الأيسر كذلك، ثم على وجه اللسان، بعد ما يجعل إبهامه الأيمن وخنصره تحت السواك، والباقي فوقه، ولا يقبض القبضة عليه، فإنه يورث البواسير، ولا يستاك بطرفي المسواك، ولا يمص لأنه يورث العمى، ولا يوضع عرضًا لأنه يورث الجنون، وإن استاك يغسله، وإلا فالشيطان يستاك به، ولا يستاك مضطجعًا؛ فإنه يورث كبر الطحال، كما قاله القستهاني في (جامع الرموز)، والاستياك مستحب في جميع الأوقات، ويتأكد استحبابه عند قصد التوضؤ فيسن أو يستحب عند كل صلاة، كما عند غيره.
ويؤيده ما في الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم قال: "لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة"(1).
وقد صح من غير طريق الحاكم: "ركعتان بسواك، أفضل من سبعين ركعة بلا سواك"(2)، رواه الحميدي بإسناد كل رجاله ثقات.
ووقته المسنون في ابتداء الصلاة، وعند المضمضة على قول الأكثر.
وقال غيرهم: قبل الوضوء، وهو من سنن الوضوء عند أبي حنيفة، وعند الشافعي من سنن الصلاة، وفضله يحصل، ومن استاك بالإِصبع أو خرقة خشنة عند فقد السواك، وعند ضرره بفمه يجزئ، أي: يكفي من السواك.
قال عليّ رضي الله عنه: التشويص بالمسبحة والإِبهام سواك، وتقوم العلك مقامه، للنساء لرقة بشرتهن، وينبغي أن يكون لينًا وطول الشبر من شجر مر، ويجوز أن يكون أقصر من الشبر كما صرح به في كتاب (الشافعي).
وقال الحكيم الترمذي: لا يُزاد على الشبر، وإلا الشيطان ركب عليه، كما في (المحيط)، وأن يكون من شجر الزيتون، فإن منه سواك الأنبياء عليهم السلام، كما في (الينابيع).
(1) أخرجه: البخاري (887)، ومسلم (252).
(2)
أخرجه: البيهقي في الكبرى (78)، وفيه الواقدي وهو غير محتج به.
أو من حَيّثِ الخوخ، ويستحب الاستياك لتغيير الفم، والانتباه من النوم وإلى الصلاة، (ق 65) ودخول البيت، واجتماع الناس، وقراءة القرآن، والحديث، لقول الإِمام: إنه من سنن الدين، كما قلنا في (سلم الفلاح شرح نور الإِيضاح)
* * *
60 -
أخبرنا مالك، أخبرني المَقْبُرِيُّ، عن أبي هريرة أنه قال: غُسْل يوم الجمعة واجب على كل مُحْتَلِم كَغُسْلِ الجنابة.
• أخبرنا مالك، وفي نسخة: محمد قال: ثنا رمزًا إلى حدثنا، قال: كذا في نسخة، أخبرني بالإِفراد، المَقْبُرِيُّ، بضم الميم وضم الموحدة، وفتح: نسبة إلى المقبرة، لكثرة زيارته إياها، واسمه: سعيد بن أبي سعيد بن كيسان، المدني التابعي المتفق على توثيقه، روى له جمعٌ كثير، واختلط قبل موته بأربع سنين وفاته سنة ثلاث وعشرين ومائة، وكان سماع مالك ونحوه من قبل الاختلاط، عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: غُسْل بضم الغين المعجمة وسكون السين المهملة، ومضاف إلى يوم وهو مضاف إلى الجمعة إضافة لامية، أي: الغسل ليومها أو لصلاتها، واجب على كل مُحْتَلِمٍ أي: مكلف، كَغُسْلِ الجنابة: أي: في الصفة والكيفية، لا في الوجوب.
لكن هذا على رأي الجمهور: أنه سنة مؤكدة، وهذا قد رواه مالك موقوفًا، كما ترى على أبي هريرة رضي الله عنه.
وقد حكى المنذر عنه وعن عمار بن يسار وغيرهما الوجوب الحقيقي وهو قول الظاهرية، ورواية عن أحمد، فلا يؤول قول أبي هريرة، لأنه مذهبه، قال في (التمهيد) (1): وقد رفعه رجل لا يُحتج به عن عبيد الله بن عمر، عن سعيد، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم.
* * *
(60) صحيح، أخرجه: مالك (228).
(1)
انظر: شرح الزرقاني (1/ 300).
61 -
أخبرنا مالك، أخبرني نافع أن ابن عمر كان لا يَرُوحُ إلى الجُمُعَةِ إلا اغتسل.
• أخبرنا مالك، وفي نسخة: محمد قال: أخبرنا مالك بن أنس، أخبرني نافع أن ابن عمر رضي الله عنهما: كان لا يَرُوحُ إلى الجُمُعَةِ، أي: لا يريد الذهاب إلى صلاة الجمعة، إلا اغتسل، أي: وجوبًا أو استحبابًا.
* * *
62 -
أخبرنا مالك، أخبرنا الزهري، عن سالم بن عبد الله، عن أبيه، أن رجلًا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل المسجد يوم الجُمُعَةِ وعُمر بن الخطاب يخطُبُ الناسَ، فقال: أيَّةُ سَاعَةٍ هذه؟ فقال الرجل: انْقَلَبْتُ من السُّوقِ فسمعت النداءَ، فما زدْتُ عَلَى أنْ توضأتُ، ثم أقْبَلْت، قال عمر: والوُضُوء أيضًا؟ وقد علمتَ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمُرُ بالغُسْل.
قال محمد: الغسل أفضلُ يومَ الجُمُعَةِ، وليس بواجبٍ، وفي هذا آثارٌ كثيرة.
• أخبرنا مالك، وفي نسخة: محمد قال: ثنا رمزًا إلى حدثنا، أخبرني، وفي نسخة: قال: ثنا الزهري، أي: ابن شهاب، عن سالم بن عبد الله، عن أبيه، أي: عبد الله بن عمر بن الخطاب.
قال السيوطي: ترك يحيى لفظ عن أبيه في موطئه، فذكره عن مالك مرسلًا، والصواب أن يذكره كما ذكره أصحاب الزهري عن سالم عن أبيه، أن رجلًا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يعني: عثمان بن عفان، رضي الله عنه، كما بيَّنه غير واحد، دخل المسجد
(61) صحيح.
(62)
صحيح، أخرجه: البخاري (878)، ومسلم (845)، والترمذي (490)، وأحمد (314)، ومالك (222)، والشافعي في المسند (62)، (1168)، والبيهقي في الكبرى (1444).
يوم الجُمُعَةِ وعُمر بن الخطاب يخطُبُ الناسَ، جملة حالية، ولعل المعنى: وهو يريد أن يخطب، وفي رواية جويرية: أن عمر بينما هو قاىم في الخطبة إذ دخل رجل من المهاجرين الأولين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فناداه عمر منكرًا عليه: فقال: أيَّةُ سَاعَةٍ هذه؟ بفتح الهمزة وفتحها مشددة وتاء تأنيث، أي: يستفهم بها، والساعة: اسم لجزء من الزمان المقدر، ويطلق على الوقت الحاضر، وهو المراد هنا، وهو استفهام توبيخ وإنكار، كأنه يقول له: لما تأخرت إلى هذه الساعة، وقد ورد التصريح بالإِنكار في رواية أبي هريرة، بلفظ: فقال عمر: لم تُحبسون عن الصلاة؟
وفي مسلم: تعرض به عمر فقال: ما بال رجال يتأخرون بعد النداء، قال الحافظ: والذي يظهر أن عمر قال ذلك كله، فحفظ بعض الرواة ما لم يحفظ الآخر، ومراد عمر التلميح أو الإِشارة إلى ساعات التبكير التي وقع الترغيب فيها، وأنها إذا وقعت انقضت صلاة الملائكة الصحف، وهذا من أحسن التعريفات (ق 66) ووافق الكنايات.
وفهم عثمان بن عفان رضي الله عنه، فبادر إلى الاعتذار عن التأخير، فقال الرجل: أي: عثمان بن عفان رضي الله عنه، اعتذارًا: انْقَلَبْتُ أي: رجعت من السُّوقِ هذا الزمان، وكان الصحابة يكرهون ترك العمل على مخالفة لليهود والنصارى، فإنهم بتركهم الأعمال يعظمون يوم السبت والأحد، كما ذكره السيوطي، فسمعت النداءَ، أي: الأذان بين يدي الخطيب، وفي رواية جويرية: إني شُغِلتُ فلم أنقلب، أي: لأهلي حتى سمعتُ التأذين، فما زدْتُ في التوقف ولم أشتغل بشيء بعد أن سمعت الأذان، عَلَى أنْ توضأتُ، أى: لضيق الوقت، ثم أقْبَلْت، أي: توجهت وجئت.
قال عمر، إنكارًا آخر على ترك السنة المؤكدة، وهي: الغسل، والوُضُوء بالنصب، واخترت الوضوء دون الغسل، أيضًا، مصدر آض، أي: عاد ورجع، فهو مفعول مطلق، حذف عاملها وصاحبها، أي: ارجع إلى الأخبار ولا أقتصر على ما قدمت، أو حال حذف عاملها وصاحبها، أي: أخبر أيضًا فيكون حالًا من ضمير المتكلم، كما ذكره السيوطي.
والمعنى: اكتفيت بتأخير الوقت، وتفويت الفضيلة، حتى تركت الغسل، واقتصرت على الوضوء، أو بالرفع: على أنه مبتدأ خبره محذوف، أي: الوضوء أيضًا
مقتصر عليه، والواو في الوضوء عاطفة، وهمزة الاستفهام الإِنكاري مقدرة بقرينة ما سبق، أي: ألم يكفك أن يفوتك فضل المبادرة إلى الجمعة، حتى أضفت إليه ترك الغسل، واخترت الوضوء والمناسب للمقام أن يكون التقدير ترجع ولا تقتصر بصيغة الخطاب ليلائم قول الخطاب. وقد أي: والحال أنك علمتَ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمُرُ بالغُسْل، أي: أمرًا مؤكدًا يوم الجمعة لصلاتها أو مطلقًا.
قال محمد: الغسل أفضل يومَ الجُمُعَةِ، وليس بواجبٍ، وفي هذا، أي: والحال ثبت في حق فضيلة الغسل يوم الجمعة، آثارٌ، أي: أحاديث كثيرة، كذا في جميع الروايات، ولم يذكر المصنف الأمور إلا في رواية جويرية بنت أسماء، عن نافع، عن ابن عمر، عند الطحاوي وغيره: أن عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، قال: أما علمت أنا كنا نؤمر؟ وللطحاوي عن ابن عباس، أن ابن عمر قال: لقد علمت أنا أُمِرْنَا بالغسل، قلت: أنتم أيها المهاجرون الأولون أم الناس جميعًا؟ قال: لا أدري، رواته ثقات إلا أنه معلول.
وفي رواية أبي هريرة في الصحيحين وغيرهما أن عمر قال: ألم تسمعوا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا راح أحدكم إلى الجمعة فليغتسل"(1)، وهذا ظاهر في عدم تخصيص الغسل بالمهاجرين الأولين، ولم أقف في شيء من الروايات على جواب عثمان بن عفان، رضي الله عنه، عن ذلك، والظاهر: أنه سكت اكتفاءً بالاعتذار الأول؛ لأنه قد أشار إلى أنه كان زاهلًا عن الوقت، وأنه بادر عند سماع النداء وإنما ترك الغسل لأنه يعارض عنده إدراك سماع الخطبة، والاشتغال بالاغتسال، وكل منهما مرغب فيه، فآثر سماع الخطبة، ولعله كان يرى فرضيته فلذلك آثره.
قال الحافظ: وفي هذا الحديث من الفوائد القيام في الخطبة على المنبر، وتفقد الإِمام رعيته، وأمره لهم بمصالح دينهم، وإنكاره على أهل الفضل، وإن كان عظيم المحل، ومواجهته (ق 67) بالإِنكار ليرتدع من دونه بذلك، وأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أثناء الخطبة لا يفسدها، وسقوط الإِنصات عن المخاطب بذلك، والاعتذار إلى ولاة الأمور، وإباحة الغسل والتصرف يوم الجمعة قبل النداء ولو أفضى إلن ترك فضيلة البكور إلى الجمعة؛ لأن عمر لم يأمر برفع السوق لأجل هذه القضية.
(1) انظر: شرح الزرقاني (1/ 302).
واستدل به مالك على أن السوق لا يُمْنَع يوم الجمعة قبل النداء، لكونها كانت في زمان عمر، وذهب إليها مثل عثمان، وفيه شهود الفضلاء السوق ومعناه التجارة فيها، وأن فضيلة التوجه إلى الجمعة إنما تحصل قبل النداء.
قال عياض: وفيه أن السعي إنما يجب بسماع الأذان، وأن شهود الخطبة لا يجب، وهو مقتضى قول أكثر المالكية.
وتعقب بأنه لا يلزم من التأخير إلى سماع النداء فوات الخطبة، بل قول عثمان: ما زدتُ على أن توضأت، يشعر بأنه لم يفته شيء من الخطبة، كما قاله الزرقاني.
* * *
63 -
قال محمد: أخبرنا الربيع بن صَبِيح البَصْريُّ، عن الرَّقَاشِيَّ، عن أنس بن مالك، وعن الحسن البَصْري، كِلَاهما يَرْفَعُهُ إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"من توضأ يوم الجُمُعَةِ فبهَا ونِعمَتْ ومن اغتَسل فالغسل أفْضل".
• قال محمد: أخبرنا، وفي نسخة: محمد قال: ثنا رمزًا إلى حدثنا الربيع بن صَبِيحٍ بفتح وكسر فيهما عن سعد؛ وفي نسخة: عن يزيد الرَّقَاشِيِّ، بفتح الراء، عن أنس بن مالك، وهو من أكابر الصحابة، وعن الحسن البَصْري، وهو من أجلاء التابعين، كِلَاهما يَرْفَعُهُ أي: الحديث، إلى النبي صلى الله عليه وسلم فيكون من طريق الحسن: مرسلًا، وفي نسخة: يرفعان، نظرًا إلى معنى كلًا، وأفرد في الأولى وهو الأول نظرًا إلى لفظه، ومنه قوله تعالى في سورة الكهف:{كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا} [الكهف: 33]. يرفع كل واحد من أنس بن مالك، والحسن البصري الحديث، أشار المصنف إلى تحويل تقوية للحديث؛ بأن عطف بالواو، وقوله: عن الحسن البصري، على قوله عن أنس بن مالك.
(63) مرسل، أخرجه: الترمذي (497)، والنسائي في المجتبى (1379)، وابن ماجه (1091)، وأحمد (19664)، والنسائي في الكبرى (1684)، والطبراني في الكبير (6817)، والأوسط (4525)، وأبو يعلى (4086)، والبيهقي في الكبرى (1451).
وقال: أخبرنا سعيد الرقاشي، عن أنس بن مالك، وعن الحسن البصري، أنه قال: من توضأ يوم الجُمُعَةِ فبهَا، أي: خيار الرخصة أخذ، ونِعمَتْ أي: هذه الخصلة، فقد ورد أن الله يحب أن تُؤتى رخصه، كما يحب أن تُؤتى عزائمه (1)، رواه أحمد وغيره، ومن اغتسل أي: يوم الجمعة، فالغسل أفْضل؛ لأنه سنة مؤكدة على أنه في النظافة أسهل.
والحديث رواه الترمذي، والنسائي عن قتادة مرفوعًا.
* * *
64 -
قال محمد: أخبرنا محمد بن أَبَان بن صالح، عن حمَّاد، عن إبراهيم النَّخَعِيِّ قال: سألتُهُ عن الغُسْلِ يوم الجُمُعَةِ والغُسْل من الحِجَامة، والغسلِ في العيديْن قال: إن اغتسلْتَ فَحسَنٌ، وَإنْ تركتَ فليس عليك، فقلت له: ألم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من رَاحَ إلى الجُمُعَة فليغتسل"، قال بلى: ولكن؛ ليس من الأمور الواجبة؛ إنما هو كقول الله جل وعز: {وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ} [البقرة: 282]، فمن أشْهَدَ فقد أحْسَنَ، ومن تَركَ فليس عليه، وكقول الله جل وعز ههنا:{فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ} [الجمعة: 10]، فمن انتشر فلا بأس، ومن جلس فلا بأس، قال حمّادٌ: ولقد رأيت إبراهيم النَّخَعِيِّ يأتي العيديْن وما يغتسل.
• قال محمد: أخبرنا وفي نسخة: محمد قال: ثنا رمزًا إلى حدثنا محمد بن أبَان تصرف وتمنع، ابن صالح، عن حمَّادٍ، أي: ابن سليمان: كوفي تابعي، روى عنه شعبة، والثوري، وهو إسناد أبي حنيفة رحمه الله في الحديث والفقه، عن إبراهيم النَّخَعِيِّ بفتحتين، نسبة إلى قبيلة باليمن. قال لي حماد: سألتُهُ أي: النخعي، عن الغُسْل يوم
(1) أخرجه: أحمد (5832)، وابن حبان (354)، وابن خزيمة (2027)، والطبراني في الكبير (10030)، والأوسط (5302)، والبيهقي في الكبرى (5516)، والشعب (3889).
(64)
ضعيف، فيه محمد بن أبان، ضعفه أبو داود، وقال البخاري: ليس بالقوي، انظر: ميزان الاعتدال (6/ 41).
الجُمُعَةِ والغُسْل من الحِجَامة، أي: من أجلها حين فرغها، والغسلِ في العيديْن، أي: في حكمها وجوبًا واستحبابًا، قال: إن اغتسلْتَ فَحَسَنٌ، أي: في الكل، وإن كان حسن الغسل من الحجامة دون البقية، وَإنْ تركتَ، أي: الغسل في الجميع، ولو بلا ضرورة، فليس عليك، أي: لا عقاب؛ إذ ليس بواجب.
فقلت له: ألم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم: من رَاحَ إلى الجُمُعَةِ، أي: أراد الرواح إلى الجمعة، أي: صلاتها، فليغتسل، أي: وظاهر الأ مر الوجوب، ولا يصرف إلى غيره إلا بدليل، قال: أي: النخعي، بلى: أي: قال هذا الحديث (ق 68) ولكن؛ ليس أي: مضمون قوله فليغتسل من الأمور الواجبة؛ أي: من الأمور الإِرشادية، وبقرينة ما سبق من الحديث، وإنما هو أمر بالغسل في الحديث للشفقة، إنما هو كقول الله جل وعز:{وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ} [البقرة: 282]، ولذا قيل: إنها أرجى آية من القرآن؛ لأنها تدل على كمال الرحمة؛ لئلا يقعوا في المخاصمة والمنازعة، فمن أشْهَدَ فقد أحْسَنَ؛ لأن أمره محمول على الاستحباب عند الجمهور، ومن تَرَكَ أي: الإِشهاد فليس عليه، أي: شيء من التبعة، وكقوله في سورة الجمعة:{فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ} [الجمعة: 10]، فإن أمره محمول على الإِباحة، بلا خلاف، فمن انتشر فلا بأس، أي: بفعله، ومن جلس فلا بأس، بل هو الأفضل، نظرًا إلى الاعتكاف في المسجد، وغيره من الفوائد.
قال: حمّادٌ: ولقد رأيت إبراهيم النَّخَعِيِّ يأتي العيديْن أي: يحضر صلاته وما يغتسل، أي: لأجلها، أحيانًا بعذر أو بغير عذر، والله أعلم.
* * *
65 -
أخبرنا محمد بن أبَانَ: عن ابن جُريج، عن عطاء بن أبي رَبَاح، قال: كنا جلوسًا عند ابن عباس، فحضرتِ الصلاةُ - أي: الجمعة - فدعَا بَوضوءٍ فتَوضأ، فقال له بعض أصحابه: ألا تغتسل؟ قال: اليومُ يومٌ باردٌ، فتوضأ.
(65) ضعيف، من أجل محمد بن أبان، وقد تقدم حاله.
• قال محمد: أخبرنا، وفي نسخة: محمد قال: ثنا رمزًا إلى حدثنا، وفي نسخة أخرى: قال الشيخ: هكذا في كتابي: محمد بن أبَانَ: عن ابن جُريج، بضم الجيم وفتح الراء والباء الساكنة بعد جيم مصغر، عن عطاء بن أبي رَبَاح، بفتح الراء كما سبق، قال: كنا جلوسًا أي: جالسين عند عبد الله بن عباس، رضي الله عنهما، فحضرتِ الصلاةُ - أي: الجمعة - فدعَا بوضوءٍ بفتح الواو، فتَوضأ، فقال له أي: لابن عباس رضي الله عنهما، بعض أصحابه: ألا تغتسل؟ أي: لصلاة الجمعة، وألا، بفتح الهمزة واللام المشددة: حرف تحضيض مختص بالجملة الفعلية الخبرية كسائر أدوات التحضيض، ومعناهما طلب الشيء بلين، والتحضيض طلب بحت، كقوله تعالى:{أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ} كما في سورة النور [النور: 22]، ولكن هنا أن تكون بمعنى العرض؛ لأن رتبة عبد الله بن عباس أعلى من رتبة أصحابه فطلب الأدنى من الأعلى رجاء، كما قاله ابن هشام، قال أي: ابن عباس: اليومُ يومٌ باردٌ، أي: فيترك السنة للعذر، فتوضأ، أي: ثبت على وضوئه عملًا بالرخصة.
ويمكن أن قوله: فتوضأ أولًا معناه: فأراد الوضوء أو أعاد الثاني للتأكيد أو لطول الفصل، ولا يبعد أن يكون توضأ الأول من زوائد النساخ فتأمل.
* * *
66 -
أخبرنا سلَّام بن سُلَيْمِ الحَنَفِيُّ، عن منصور، عن إبراهيم، قال: كان علقمة بن قيس إذا سافر لم يصلِّ الضُّحَى، ولم يغتسل يوم الجمعة.
• قال محمد: أخبرنا وفي نسخة: محمد قال: ثنا رمزًا إلى حدثنا سَلَّام بتشديد اللام، ابن سُلَيْم بالتصغير، أبو الأحوص الحَنَفيُّ (1)، أي: منسوب إلى أبي حنيفة بحذف المضاف والزوائد عن منصور، وهو من أكابر التابعين، روى عنه الثوري وغيره، عن إبراهيم، أي: النخعي، قال: كان علقمة بن قيس أحد أجلاء التابعين، إذا سافر لم
(66) إسناده صحيح.
(1)
انظر: التقريب (1/ 236).
يصلِّ الضُّحَى، أي: صلاة الضحى فإنها مستحبة، وقد تصدق الله عن المسافرين بعض الفرض فكيف بالسنة، وقيل: إذا كان في المنزل، فالأولى أن يأتي بها، وإذا سافر فلا، وهو تفصيل حسن، وجمع مستحسن، ولم يغتسل يوم الجمعة، إما لقلة الماء، أو لتعب السفر، أو لاعتقاده أنه كصلاة الجمعة، وهي ليست على المسافر.
* * *
67 -
قال محمد: أخبرنا سفيان الثَّوْرِيّ، قال: حدثنا منصور، عن مجاهد، قال: من اغتسلَ بعد طلوع الفجر أجْزأه عن غُسل الجُمُعَةِ.
• قال محمد: أخبرنا، وفي نسخة: محمد قال: ثنا، يرمز (ق 69) إلى حدثنا سفيان الثَّوْرِيّ (1) وهو ابن سعيد الكوفي، أحد الأئمة المجتهدين، وأقطار الإِسلام، وأركان الدين، جمع بين الفقه والحديث والزهد والورع والعبادة، ولد في أيام سليمان بن عبد الملك بن مروان، سنة تسع وتسعين، وسمع خلقًا كثيرًا، وروى عنه: الأوزاعي، وابن جريج، ومالك، وشعبة، وابن عيينة، وفضيل بن عياض، وغيرهم، مات بالبصرة سنة إحدى وستين ومائة، قال: حدثنا منصور، عن مجاهد، وهو ابن جبر، بفتح الجيم وسكون الموحدة، من الطبقة الثانية من تابعي مكة وفقهائها وقرائها المشهورين، وأعلامها المعروفين، كان إمامًا في القراءة، مات سنة مائة.
قال: من اغتسلَ بعد طلوع الفجر أجْزأه عن غُسل صلاة الجُمُعَةِ.
ظاهره أنه أراد الغسل لليوم، سواء صلى للجمعة به أم لا، والمعتمد عندنا: أن الغسل للصلاة، حتى لو اغتسل قبل الفجر وصلى الجمعة به، خرج عن عهدة السنة على أنه يلزم من أنه لليوم جواز الغسل ولو بعد صلاة الجمعة، وهو بعيد جدًا.
وسبب الورود الآتي يؤيد مختار ما. . .
* * *
(67) إسناده صحيح.
(1)
انظر: التقريب (1/ 216).
68 -
قال محمد: أخبرنا سفيان الثوري، عن عبَّاد بن العوَّام، قال: أخبرنا يحيى بن سعيد، عن عَمْرَة، عن عائشة، قالت: كان الناس عُمَّال أنْفُسِهِمْ، فكانوا يَرُوحُونَ إلى الجُمُعَةِ بهيئاتهِمْ، فكان يقال لهم: لو اغتسلتم؟.
• قال محمد: أخبرنا، وفي نسخة: محمد قال: ثنا رمزًا إلى حدثنا سفيان الثوري، عن عبَّاد بن العوَّام (1)، بتشديد الموحدة والواو أيضًا، وفي نسخة: حدثنا يحيى بن سعيد، وقد مر ذكره، عن عَمْرَة، بفتح أوله تأنيث عمر، ولم يكتب الواو لعدم الالتباس، وهي بنت عبد الرحمن بن أسعد بن زرارة، وكان في حجر عائشة أم المؤمنين، وتربيتها وروت عنها كثيرًا من حديثها وغيرها، وروى عنها جماعة ماتت سنة ثلاث ومائة.
وفي نسخة: عروة، بدلها، وهو تصحيف، عن عائشة، رضي الله عنها، أنها قالت: كان الناس عُمَّال أنْفُسِهِمْ، بضم العين وتشديد الميم، أي: كان المهاجرين والأنصار يعملون أعمالًا لأنفسهم، لا لغير من أمر الزراعة والبناء وغيرهما، فكانوا يَرُوحُونَ إلى الجُمُعَةِ، أي: يذهبون إلى صلاتهم بهيئاتهِمْ، أي: بصفتهم المعتادة حال صنيعتهم من غير غسل، ولا استعمال طيب، ولا تغيير ثوب، فكان يقال لهم: أي: فيما بينهم: لو اغتسلتم؟؛ أي: لكان حسنًا، ويحتمل أن يكون كلمة لو للتمني، والأظهر أن هذا كان من مقالته صلى الله عليه وسلم لهم.
وقد أخرج أبو داود (2) عن عكرمة: أن ناسًا من أهل العراق جاءوا فقالوا: يا بن عباس، أترى الغسل يوم الجمعة واجبًا؟ فقال: لا، ولكنه طهور وخير لمن اغتسل، ومن لم يغتسل فليس عليه بواجب، وسأخبركم كيف بدأ الغسل:
(68) صحيح، أخرجه: البخاري (861)، ومسلم (847)، وأبو داود (352)، وأحمد (23818)، والنسائي في الكبرى (1682)، وابن حبان (1236)، وابن أبي شيبة (2/ 5)، وابن خزيمة (1753)، والشافعي في المسند (829)، والبيهقي في الكبرى (5763).
(1)
انظر: التقريب (1/ 273).
(2)
أخرجه: أبو داود (353)، والبيهقي في الكبرى (1443).