الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب الصلاة في الليلة المطيرة وفضل الجماعة
بيان أحكام الصلاة التي يصليها الرجل في بيته؛ لأجل المشقة في الليلة الممطرة بصيغة اسم الفاعل من باب الأفعال، وفي نسخة: المطرة، أي: في ليلة ذي مشقة.
اقتبس (ق 194) المصنف - رحمه الله تعالى - في هذه الترجمة الليلة الممطرة من قوله في سورة النمل: {وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا} [النمل: 58]، أي: أرسلنا على قوم لوط عليه السلام مطر الحجارة، يقال: مطر في الرحمة، وأمطر في العذاب.
وفي (القاموس): أمطرهم الله لا يقال إلا في العذاب، ويوم ممطر وماطر ومطر ككتف ذو مطر، ومكان ممطور ومطير. انتهى.
وهو، أي: الاقتباس المفهوم من قولنا: اقتبس في اللغة الأخذ يقال: اقتبسها أخذها، كذا في (القاموس)، وفي اصطلاح أهل البديع، وهو أن يضمن الكل شيئًا من القرآن والحديث. كذا قاله محمد بن عبد الرحمن، خطيب دمشقي في (تلخيص المفتاح)، وعطف قوله، وفضل الجماعة على قوله:"الصلاة"، واقتبسه من قوله تعالى في سورة البقرة:{وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ} [البقرة: 43]، والجامع بين هذا الباب والباب السابق التضاد، وهو قضاء الصلاة وأدائها.
186 -
أخبرنا مالك، أخبرنا نافع، عن ابن عمر، أنه نادى بالصلاة في سفر، في ليلة ذات بردٍ وريح، ثم قال: ألَا صلُّوا في الرِّحال، ثم قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمر المؤذن إذا كانت ليلة باردة ذات مطر يقول: "ألا صلّوا في الرحال".
قال محمد: وهذا حسن، وهو رُخْصَة، والصلاة في الجماعة أفضل.
• أخبرنا مالك، أي: ابن أنس بن عمير بن أبي عامر الأصبحي، من أتباع التابعين، من الطبقة السابعة من أهل المدينة، وفي نسخة: ثنا، رمزًا إلى حدثنا، وفي نسخة أخرى:
(186) أخرجه: البخاري (632)، (666)، ومسلم (697)، وأبو داود (1062)، والنسائي (654)، وابن ماجه (937)، وأحمد (4566)، ومالك (159).
محمد قال: ثنا، وفي نسخة: محمد: أخبرنا، أخبرنا نافع، المدني، مولى عبد الله بن عمر، تابعي، وفي نسخة:"عن" موضع "أخبرنا"، عن ابن عمر، رضي الله عنهما، أنه نادى أي: دعا الناس بالصلاة الباء بمعنى الإِلصاق، وهو الإِيصال، وهو حقيقي، نحو أمسكتُ بزيد إذا قبضت على شيء من جسمه من يد أو ثوب ونحوهما، ومجازي نحو: مررت بزيد، أي: ألصقت مروري بمكان يقرب من زيد، وهو المراد هنا.
فالمعنى: دعا ابن عمر الناس بمكان تصلى فيه الصلاة، كما قاله ابن هشام في (مغني اللبيب)، في سفر في ليلة ذات بردٍ وريح، وكان ابن عمر مسافرًا، فأذن بمحل يقال له: ضجنان، بفتح الضاد المعجمة وسكون الجيم، ونونين بينهما ألف بزنة فعلان غير منصرف. قال في (الفائق): جبل بينه وبين مكة خمس وعشرون ميلًا.
وقال البخاري من طريق عبيد الله بن عمر، قال: حدثني نافع، قال: أذن ابن عمر في ليلة باردة بضجنان. كذا قاله الزرقاني، ثم قال: بفتح المثلثة والميم المشددة، اسم إشارة إلى المكان البعيد، كقوله تعالى في سورة الإِنسان:{وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا} [الإنسان: 20]، وثم ظرف لا ينصرف، كذا قاله ابن هشام، والتعبير بثم إشعار، بأن عبد الله بن عمر قال عقب النداء بلا مهلة، ويؤيده الفاء في (الموطأ) لمالك، حيث قال: ألَا أخره صلُّوا في الرِّحال، بفتح الهمزة، وتخفيف اللام، حرف العرض والتحضيض، ومعناهما طلب الشيء، ولكن العرض طلب بلين، والتحضيض طلب بحث، وتختص إلا هذه بالفعلية، كما قال في سورة النور:{أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ} [النور: 22]، والرحال بكسر الراء والحاء المهملة، والألف واللام، جمع الرحل، وهو المسكن والمنزل، فالمعنى: صلوا في منازلكم، تأخر عن المجيء كيلا يصبكم المشقة، وهذا الأمر استحبابي لا حكمي، ثم قال: أي: ابن عمر: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمر المؤذن إذا كانت ليلة باردة ذات مطر، أي: ماء سحاب أو مشقة، يقول:"ألا صلّوا في الرحال"، يعني: يأمر صلى الله عليه وسلم المؤذن بأن يقول للناس: صلوا في منازلكم (ق 195).
قال محمد: وهذا أي: ما رواه ابن عمر حسن، وهي أي: الصلاة في الرحال عند المشقة رُخْصَة، والصلاة في الجماعة أفضل، وكلمة "في" للمصاحبة، نحو:{ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ} [الأعراف: 38]، أي: معهم.
* * *
187 -
أخبرنا مالك، أخبرنا أبو النَّضْر، عن بُسْر بن سعيد، عن زيد بن ثابت، قال: إن أفضل صَلَاتِكم في بيوتكم إلا صلاة الجماعة.
قال محمد: وبهذا نأخذ وكل حسن.
• أخبرنا مالك، وفي نسخة: محمد قال: ثنا، قال: حدثنا أبو النَّضْر، بفتح النون وسكون الضاد المعجمة، اسمه سالم بن أبي أمية، مولى عمر بن عبيد الله بن معمر القرشي التيمي المدني، روى عنه: مالك والثوري، وابن عيينة، كان في الطبقة الخامسة من طبقات التابعين، من أهل المدينة، كذا قاله الطيبي في (زيل شرح المشكاة والمصابيح)، وابن حجر في (تقريب التهذيب)(1)، عن بُسْر بضم الموحدة وإسكان السين المهملة آخره راء، ابن سعيد، المدني العابد، ثقة حافظ، من التابعين، عن زيد بن ثابت، بن الضحاك بن لوزان، الأنصاري البخاري، يكنى أبا سعيد، أو أبا خارجة، صحابي مشهور، كتب الوحي. قال مسروق: كان من الراسخين في العلم، مات سنة خمس أو ثمان وأربعين، وقيل: بعد الخمسين.
قال: إن أفضل صَلَاتِكم في بيوتكم إلا صلاة الجماعة، أي: لكن الصلاة مع الجماعة أزيد ثوابًا على صلاة الرجل وحده بسبع وعشرين درجة.
قال ابن عبد البر: كذا هو موقوف على زيد في جميع الموطآت، وهو مرفوع عنه من وجوه صحاح، ذكره السيوطي.
قال محمد: وبهذا أي: بهذا الحديث نأخذ أي: نعمل ونفتي وكل أي: من الرخصة والعزيمة حسن، أي: مستحسن شرعًا، فقد ورد أن الله يحب أن يؤتى رخصه، كما يؤتى عزائمه، كما قاله علي القاري.
وقال الشرنبلالي: يسقط حضور الجماعة بواحد من ثمانية عشر سببًا: الأول: مطر، والثاني: برد شديد، والثالث: خوف ظالم، والرابع: ظلمة شديدة في الصحيح،
(187) أخرجه: البخاري (731)، ومسلم (781)، وأبو داود (1447)، والنسائي (1599)، وأحمد (21072)، والدارمي (1366)، ومالك (293).
(1)
انظر: التقريب (1/ 194).
والخامس: خوف حبس معسرًا أو مظلومًا، والسادس: عمى، والسابع: فلج، والثامن: قطع يد ورجل من خلاف، كذا قاله ابن الهمام، والتاسع: سقام، والعاشر: إقعاد، والحادي عشر: وحل أي: طين في طريق المسجد بعد انقطاع المطر، والثاني عشر: زمانة، والثالث عشر: شيخوخة، والرابع عشر: تكرار فقه لا نمو ولا لغة بجماعة تفوته ولم يداوم على تركها، والخامس عشر: حضور طعام تشوقه نفسه لشغل بألم، كمدافعة أحد الأخبثين، والسادس عشر: إرادة سفر تهيأ له، والسابع عشر: قيامه بمريض يتضرر بغيبته، والثامن عشر: شدة ريح ليلًا، وإذا انقطع عن الجماعة لعذر من الأعذار المبيحة للتخلف من الجماعة، وكانت نيته حضورها، لولا العذر الحاصل يحصل له ثوابها؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:"إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى"، كما في (نور الإِيضاح) و (نجاة الأرواح).
* * *
188 -
أخبرنا مالك، قال: حدثنا نافع، عن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فضل صلاة الجماعة على صلاة الرجل وحده بسبع وعشرين درجةً".
• أخبرنا مالك، ابن أنس بن عمير بن أبي عامر الأصبحي، من كبار أتباع التابعين من الطبقة السابعة من أهل المدينة، حدثنا نافع، المدني، تابعي، مولى عبد الله بن عمر، وفي نسخة:"عن" موضع "حدثنا"، عن ابن عمر، رضي الله عنهما، أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فضل من باب التفعيل، صلاة الجماعة على صلاة الرجل وحده بسبع وعشرين درجةً"، أي: مرتبة.
وللبخاري من حديث ابي سعيد الخدري: "بخمس وعشرين درجة"(1).
زاد أبي داود: وإذا صلاها في فلاة، فأتم ركوعها وسجودها بلغت خمسين صلاة (2) رواه ابن حبان والحاكم، وقال: على شرط الشيخين.
(188) أخرجه: البخاري (645)، ومسلم (650)، والترمذي (215)، والنسائي (837)، وابن ماجه (789)، وأحمد (5310)، ومالك (290).
(1)
أخرجه: البخاري (646).
(2)
أخرجه: أبو داود (560).