الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
على أنه نعت لمصدر مؤكد، أي: قال محمد قولًا مثل ما قاله ابن عمر، أو حال من تقديره محمد قال قولًا مماثلًا لما قاله ابن عمر، والمراد بالمماثلة المماثلة في عدد الركعات، وعدم الفصل في التسليم بين الشفع الأول والفرد، أن يكون أي: يجعل كما في النسخ قوله: وتر منصوب على أنه خبر أن يكون ومضاف إلى صلاة الليل مثلها، أي: مثل صلاة النهار في عدد الركعات، قوله: لا يفصل ذلك المرء بينهما أي: بين ركعات وتر صلاة الليل، بيان لقوله "مثلها"، وفي نسخة:"بينها"، أي: بين الشفع الأول وبين الفرد بتسليم، قوله:"لا يفصل" إخبار أو إنشاء، قوله: كما لا يفصل في المعرب بتسليم، أي: بين الشفع الأول والفرد، وهو أي: عدم الفصل بينهما قولُ أبي حنيفة، رحمه الله، خلافًا للشافعي، حيث يجوز الفصل والوصل، ولنا ما رواه النسائي والحاكم وقال: على شرط البخاري ومسلم، عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يسلم في الركعتين الأوليين من الوتر، وقد روى الطحاوي عن عقبة بن مسلم قال: سألتُ عبد الله بن عمر عن الوتر فقال: أتعرف وتر النهار؟ قلت: نعم، صلاة المغرب، قال: صدقت وأحسنت، وأما ما رُوي عن ابن عمر أن رجلًا سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن صلاة الليل فقال:"مثنى مثنى، فإذا خشيت فصل ركعة توتر لك ما صليت"، فمعناه صل ركعة مع ثنتين قبلها، ويفيد أن الوتر فرض (1) عملي لا اعتقادي، حيث يكتفى فيه بنية مطلقة.
لما فرغ من بيان كون صلاة المغرب وتر صلاة النهار، شرع في بيان أحكام الوتر، فقال: هذا
* * *
باب في بيان أحكام صلاة الوَتْر
وهو في اللغة: الفرد، خلافًا للشفع، بالفتح والكسر، وفي الشريعة: صلاة مخصوصة وهي واجبة في الأصح، وهو آخر أقوال أبو حنيفة، وروي عنه أنه سنة، وهو قولهما، وروي عنه بأنه فرض، ووفَّق المشايخ بين الروايات بأنه عملي لا اعتقادي، وفي
(1) الراجح من أقوال أهل العلم أنه سنة مؤكدة، وهذا مذهب الجمهور، خلافًا للأحناف، وقد اعترف العلامة المحقق الكمال بن الهمام من أئمة الأحناف بضعف القول بالوجوب، ورجح مذهب الجمهور.
(المحيط) من أنكر أصل الوتر وأصل الأضحية كفر، ولا يكفر إن أنكر وصفهما يعني من قال: لم يوجد الوتر في شريعتنا وقال: ليست الأضحية شيئًا في شريعتنا كفر، أما لو أنكر وجوبية الوتر لا يكفر؛ لأنه من الاجتهاد، قال بعض الفقهاء: إن صلاة الوتر واجبة، وقال بعضهم: هي سنة، وقال بعضهم: هي فريضة، وكذا لو قال: إن الأضحية في عيد الأضحى ليست واجبة لا يكفر؛ لأنها واجبة على الأغنياء عند أبي حنيفة، (ق 253) وسنة عند الشافعي، فصلاة الوتر ثلاث ركعات بتسليمة واحدة؛ لان النبي صلى الله عليه وسلم كان يوتر بثلاث ركعات لا يسلم إلا في آخرهن، صححه الحاكم، وقال: على شرط الشيخين، ويقول في كل ركعة من الوتر وجوبًا بعد الفاتحة سورة، لما رُوي أنه صلى الله عليه وسلم قرأ في الركعة الأولى منها بعد الفاتحة:{سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} ، وفي الثانية منه بعد الفاتحة:{قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ} ، وفي الثالثة منه بعد الفاتحة بـ:{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} ، وقنت قبل الركوع في جميع السنة بعد رفع يديه حذاء أذنيه مع التكبير.
وبيان أن الله تعالى لما بشَّر محمدًا صلى الله عليه وسلم بالمعراج في قوله: {لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ (19) فَمَا لَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ} [الانشقاق: 19، 20]، قرأ ابن كثير والكسائي بفتح الباء في {لَتَرْكَبُنَّ} يعني لتصعدن يا محمد طبقًا من أطباق السماء بعد طبق ليلة المعراج، فأي حال لكفار مكة لا يصدقون بيوم القيامة؛ فإن القادر على تغيير الأجرام العلوية والسفلية من حال إلى حال أخرى لا بد بأن يكون قادرًا على أن يصعد عبده إلى حيث شاء، فقرأها النبي صلى الله عليه وسلم عند أصحابه، فأوصاه أبو بكر الصديق رضي الله عنه، بأن قال: يا رسول الله إن وصلت إلى السماء صل ركعة، فلما وصل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى العرش، صلى ركعة لنفسه، وللصديق ركعة، وقعد فتشهد فأمره الله تعالى أن يصلي له ركعة، فقام وقرأ الفاتحة وسورة معها وأراد أن يركع، فاطلع إلى النار وإلى أهلها فغشي عليه، على صيغة المفعول، فنثر جبريل عليه السلام الكوثر عليه، فلما أفاق كبر مع رفع يديه إلى حذاء أذنيه، وقنت واستعاذ بالله من النار، فما صلى لنفسه صار سنة، وما صلى لصاحبه الصديق واجبًا، وما صلى لأمر الله تعالى صار فرضًا؛ فالوتر بهذا المعنى له فضيلة الفرض والواجب والسنة، كذا قاله ناصر الدين أبو الخير عبد الله بن عمر بن محمد بن الشافعي البيضاوي الشيرازي في تفسيره.
250 -
أخبرنا مالك، أخبرنا زيد بن أسْلم، عن أبي مُرّة، أنه سأل أبا هريرة: كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُوتِر؟ قال: فسكت، ثم سأله فسكت. ثم سأله فقال: إن شئت أخْبَرْتُك كيف أصنع أنا، قال: فأخْبرني قال: إذا صلَّيْتُ العشاء بعدها خمس ركعات، ثم أنام، فإنْ قمتُ من الليل صليتُ مَثْنى مَثْنى، وإن أنا أصحبت أصبحت على وتر.
• أخبرنا مالك، أي: ابن أنس بن عمير بن أبي عامر الأصبحي، الإِمام، من كبار أتباع التابعين، في الطبقة السابعة من أهل المدينة، وفي نسخة: محمد قال: ثنا، رمزًا إلى حدثنا، وفي نسخة أخرى: بنا، وفي نسخة: أنا، وكل واحد منهما رمزًا إلى أخبرنا، فمن قال: أخبرنا أراد أنه قرأنا على الشيخ واستمع منا - كما بيناه في أول الكتاب - أخبرنا زيد بن أسْلم، أي: العدوي، مولى عمر أبو عبد الله وأبو أسامة، المدني، تابعي، ثقة عالم، كان يرسل الحديث، وكان في الطبقة الثالثة من أهل المدينة، وفي نسخة أخرى: أنا، وفي أخرى: بنا عن أبي مُرّة، بضم الميم، وتشديد الراء المهملة والهاء، اسمه يزيد، وقيل: عبد الرحمن، وكان مولى عقيل بن أبي طالب، ويقال: إنه مولى أم هانئ، والصحيح الأول.
وقال الحافظ (1): هو مولى أم هانئ حقيقة، (ق 254) ونسب إلى ولاء عقيل مجازًا بأدنى ملابسة؛ لأنه أخوها؛ ولأنه كان يكثر ملازمة عقيل، وكان أبو مرة مدنيًا وثقة ورجلًا من رجال الجميع، كما قال الزرقاني في باب صلاة الفجر، من شرح (الموطأ) لمالك، أنه أي: أبا مرة سأل أبا هريرة: كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُوتِر؟ قال: أي: أبا مرة فسكت، أي: أبا هريرة، ولعله للتفكر للتذكر، ثم سأله فسكت، لعله لما روى فيما يروي تفاصيل في كيفيات وتره صلى الله عليه وسلم لا يقتضي المقام أن يأتي بها على وجه التمام، ثم سأله أي: فألح في السؤال فعدل عن أصل الجواب، وفق المقال فقال: أي: أبو هريرة على أسلوب الحكيم: إن شئت أخْبَرْتُك كيف أصنع أنا، أي: في وتر بناء على اختياري وقت اجتهادي
(250) إسناده صحيح.
(1)
في الفتح (13/ 184).
من بين مروياتي، قال: أي: أبو مرة فأخْبرني أي: على صيغة الأمر رجاء من أبي هريرة رضي الله عنه الجواب، قال: أي: أبو هريرة: إذا صلَّيْتُ على صيغة الماضي المتكلم وحده، العشاء بعدها خمس ركعات، أي: مفصولات فركعتان سنة العشاء مؤكدة، وثلاثة للوتر، ثم أنام، أي: أرقد، فإنْ قمتُ أي: أنا من الليل صليتُ مَثْنى مَثْنى، أي: ولا أعيد الوتر ثانيًا، فإن أنا كذا في نسخة أصحبت أصبحت على وتر، أي: أديتُ أولًا، وهو أحوط بالسنة إلى من يشق بالانتباه بخلاف غيره، لما ورد "اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وترًا".
* * *
251 -
أخبرنا مالك، أخبرنا نافع، عن ابن عمر، أنه كان ذات ليلة بمكة والسماء مغيمة؛ فخشىَ الصبح فأوْتر بواحدة، ثم انكشف الغيم، فرأى عليه ليلًا فشفع بسجدة، ثم صلى سجدتين سجدتين، فلما خشي الصبح أوْتَرَ بواحدة.
قال محمد: وبقول أبي هريرة نأخذ، لا نرى أن يشفع إلى الوتر بعد الفراغ من صلاة الوتر، ولكنه يصلي بعد وتره ما أحب ولا ينقص وتره، وهو قولُ أبي حنيفة.
• أخبرنا مالك، وفي نسخة: بنا، رمزًا إلى أخبرنا، وفي نسخة أخرى: محمد قال: ثنا، رمزًا إلى حدثنا، أخبرنا نافع، أي: المدني، مولى عبد الله بن عمر، وفي نسخة: عن نافع، أخبرنا عن ابن عمر، رضي الله عنهما، أنه كان ذات ليلة بمكة أي: المكرمة، والسماء مغيمة؛ فخشىَ الصبح أي: فخاف طلوعه أو فظن ظهوره، فأوْتر بواحدة، أي: ضم ركعة فصار وترًا، ثم انكشف الغيم، بفتح الغين المعجمة، وسكون التحتية والميم، فرأى أن عليه أي: على ابن عمر، كذا في نسخة بفتح الهمزة وتشديد النون ليلًا أي: بقي بعضه، فشفع أي: الركعة السابقة بسجدة، أي: بركعة، وهذا يحتمل أنه يتبين له ما قيل أن يأتي ما ينافي الصلاة، فيكون بناء الواحدة اللاحقة على الواحدة السابقة لورود النهي
(251) إسناده صحيح.