الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وهو قولُ أبي حنيفة، وأشار المصنف بقوله: وأفضل ذلك إلى أنه يكره للمصلي، (ق 171) ويبني على ما صلى.
قال السكاكي صاحب (معراج الدراية على الهداية): ويكره فيمن سبقه حدث في صلاته أن يتوضأ ويبني على ما صلى.
وعند الثلاثة لا يكره، وندب استئنافها، انتهى، كما في (عيون المذاهب).
لما فرغ من بيان أحكام ما يعرض للمصلي في صلاته من الحدث، شرع في بيان فضل القرآن وما يستحب من ذكر الله تعالى، فقال: هذا
* * *
باب فضل القرآن وما يُسْتَحَبُّ من ذكر الله عز وجل
في بيان فضل، أي: زيادة ثواب قراءة القرآن، وهو في اللغة مصدر بمعنى الجمع، سُمي لأنه مجموع فيه سور وآيات وكلمات وحروف وأحكام، ووعدٌ ووعيدٌ وقصص وأخبار، وفي العرف: هو المنزل على الرسول، المكتوب في المصاحف، المنقول عنه نقلًا متواترًا، كما قاله حافظ الدين أحمد بن محمود النسفي، في (المنار) والمفسرون.
وإضافة فضل إلى القرآن بمعنى اللام، لكن المراد بالقرآن هنا سورة الإِخلاص، وستعرف اختصاصه بها إن شاء الله تعالى، وما، أي: بيان فضل كلام مستحب، أي: ليس المتكلم به من ذكر الله بيان بما هو مما.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير في يوم مائة مرة، كانت له عدل مثل ثواب إعتاق عشر رقاب، وكتب له مائة حسنة، ومحيت عنه مائة سيئة، وكانت له حرزًا - أي: حصنًا - من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي، ولم يأت أحد بأفضل مما جاء به إلا أحدٌ عمل أكثر من ذلك"(1)، رواه مالك في (الموطأ) عن أبي هريرة رضي الله عنه.
وفي هذه الترجمة تعليم للطالبين طريق استخراج الأحكام من الآيات والأحاديث
(1) أخرجه: البخاري (3119)، ومسلم (2692)، ومالك (475).
النبوية، حيث أخذ المصنف في هذه الترجمة لفظ فضل من مفهوم قوله صلى الله عليه وسلم:"إنها لتعدل ثلث القرآن"؛ لأن في لسان العرب من طريق البلاغة والفصاحة أن إيجاب مدعي النفي بالإِثبات فإن تكرر رجل: يتل هو الله أحد، ادعاء منه عدم زيادة ثواب: قل هو الله أحد، وأجاب صلى الله عليه وسلم ورد ادعائه نفى الزيادة وأثبت الفضل والزيادة بقوله:"والذي نفسي بيده إنها لتعدل ثلث القرآن"، وأخذ فيها لفظ القرآن من قوله صلى الله عليه وسلم:"ثلث القرآن"، وأخذ لفظ ما يستحب من الحديث الثاني في هذا الباب من قوله: معاذ بن جبل: "أحب إليَّ من أن أحمل"، وأخذ لفظ ذكر الله من قوله:"لأن ذكر الله".
172 -
أخبرنا مالك، أخبرنا عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي صَعْصَعَةَ، عن أبيه، أنه أخبره عن أبي سعيد الْخدْرِيّ، أن رجلًا سمع رجلًا من الليل يقرأ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}: يُرَدّدها، فلما أصبح، حدّث النبي صلى الله عليه وسلم، كأنَّ الرجل يَتَقَالُّها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"والذي نفسي بيده إنَّها لَتْعدِلُ ثُلثَ القرآن".
• أخبرنا مالك، وفي نسخة: ثنا، رمزًا إلى حدثنا، وفي نسخة: محمد أخبرنا، وفي نسخة: محمد: أخبرنا، وفي نسخة: محمد: أخبرنا عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي صَعْصَعَةَ، بمهملات مفتوحات الأعين الأولى فهي ساكنة، وهو زيد الأنصاري ثقة مات في خلافة المنصور، عن أبيه، عبد الله بن أبي صعصعة التابعي الثقة.
قال الحافظ ابن حجر: هذا هو المحفوظ، ورواه جماعة عن مالك فقالوا: عن عبد الله بن عبد الرحمن عن أبيه، أخرجه النسائي، والإِسماعيلي، والدارقطني، وقالوا: الصواب هو الأول كما قاله الزرقاني. أنه أي: أباه عبد الله أخبره عبد الرحمن عن أبي سعيد بن مالك بن سنان الْخدْرِيّ، رضي الله عنه، (ق 172) كان من الطبقة الثالثة ممن شهد الخندق وغيرها، واستصغر يوم أحد فرد فخرج يتلقى النبي صلى الله عليه وسلم حين يرجع فنظر إليه.
وقال أبو سعيد: قال: قلت: نعم بأبي وأمي قد نوت فقبلت ركبته، فقال: آجرك الله في أبيك، وكان قتل يومئذٍ شهيدًا.
(172) صحيح، أخرجه: البخاري (5014)، وأبو داود (1461)، والنسائي (995)، وأحمد (10913)، ومالك (483).
قال: كان لرجل من الأنصار فقال له أهله: ائت النبي صلى الله عليه وسلم فاسأله، فأتاه وهو يخطب وهو يقول:"من استعف أعفه الله، ومن استغنى أغناه الله، ومن سألنا فوجدنا أعطيناه"، فذهب ولم يسأله. وقال: أصبحت وليس عندنا طعام وقد ربطت ببطني حجرًا من الجوع، فقالت امرأتي: ائت النبي صلى الله عليه وسلم فقد أتاه فلان فسأله فأعطاه، وفلان فسأله فأعطاه، فقلت في نفسي: لا، حتى أجد شيئًا، فأتيته وهو يخطب فأدركت من قوله:"من يستغني يغنه الله، ومن استعف يعفه الله"، فما سألت بعده أحدًا، وما زاد الله عز وجل، فرزقنا حتى ما أعلم أهل بيت من الأنصار أكثر أموالًا منا، كما قاله أبو الفرج عبد الرحمن بن الجوزي في (طبقاته).
أنه سمع رجلًا، هو قتادة بن النعمان، أخو أبي سعيد لأمه، كما رواه أحمد وغيره، وبه جزم ابن عبد البر، وكانوا متجاورين التنسي عن أبي سعيد أن رجلًا سمع رجلًا فكأنه أبهم نفسه وأخاه، من الليل، أي: فيه أو سندًا منه حال كونه يقرأ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} ، أي: سورته حال كونه يُرَدّدها، أي: يكررها ليحصل زيادة ثوابها، فلما أصبح، أي: إذا دخل أبو سعيد في الصباح، ذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حدّث أي: أخبر النبي صلى الله عليه وسلم، كأنَّ الرجل يقللها، أي: يعد ثوابها قليلًا؛ لأنه يكرر قراءتها وتوهم أنه كلما يكون قليلًا في الكمية يكون يسيرًا في الكيفية.
وفي رواية ليحيى الليثي عن مالك: يتقالها بتشديد اللام، أي: يعتقد أنها قليلة في العمل، لا في التنصيص.
وللدارقطني من طريق إسحاق بن الطباع عن مالك، فقال أبو سعيد الخدري: إن لي جارًا يقوم بالليل فما يقرأ إلا بقل هو الله أحد، قوله: الرجل منصوب على أنه اسم كان، ويقللها خبرها وفيه تشبيه المعقول بالمحسوس، حيث شبه أبو سعيد الخدري أحوال رجل يقرأ قل هو الله أحد أو يكررها بأحوال رجل تاجر يسعى في كسبه، ولم يربح على طريق تشبيه المركب بالمركب، كما قال:{وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} [العصر: 1 - 3]، وبأحوال حيوان يحمل نقدًا ولا ينتفع من المحمول، كما قال تعالى حكاية عن بني إسرائيل في سورة الجمعة:{مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا} [الجمعة: 5].
والمراد بالمثل هنا: غرابة حالهم العجيبة الشأن كحال الحمار، حُمِّلوا التوراة، أي: آسفوا عليها، وقوله:{ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا} : أي: لم يعملوا بما فيها، وضع الحمل موضع العمل على طريق المشاكلة، أو لأنهم لم يعملوا بما فيها كأنهم لم يحملوها، قوله:{أَسْفَارًا} : جمع سفر بكسر السين، وهو الكتاب ووجه الشبه أمر عقلي منتزع من عدة أمور لوحظ من جانب القارئ بـ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} ، ومن جانب الرجل التاجر والحمار، وشبه حاله بأحوالهما من عدم الانتفاع، فاطلب تفصيل هذا المقام في شرح أداة التشبيه من (شرح التلخيص)(ق 173)، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: مخاطرةً ودفعًا لما في قلب القارئ: "والذي، أي: أقسم بالله الذي نفسي، أي: روحي بيده، يتصرف بقدرته وإرادته، وإنما قسم تعظيمًا لأمره، وتفخيمًا لقدرته، وإظهارًا للفضل، {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}: إنَّها أي: سورة الإِخلاص لَتْعدِلُ أي: لتساوي في المعنى ثُلثَ القرآن في المبنى، لاشتماله على التوحيد والأحكام والوعد والوعيد، وفي قوله صلى الله عليه وسلم: "والذي نفسي بيده إنها لتعدل ثلث القرآن"، مبالغات في تأكيد نفي القارئ، بقل هو الله أحد بزيادة ثوابها، حيث أثبت صلى الله عليه وسلم زيادة ثوابها، وأكدها بواو القسم، والجملة الإِسمية، واللام في جواب القسم.
قال ابن عبد البر: في القرآن آيات كثيرة، أكثر مما فيها من التوحيد، كآية الكرسي، وآخر سورة الحشر، ولم يرد فيها ذلك، وأجاب أبو العباس القرطبي: بأنها اشتملت على اسمين من أسماء الله تعالى متضمنًا جميع أوصاف الكمال، لم يوجد في غيرها من السور، وهما الأحد والصمد؛ لأنهما يدلان على أحادية الذات المقدسة، الموصوفة بجميع أوصاف الكمال؛ لأن الأحد يشعر بوجوب الذي لا يشارك فيه غيره، والصمد يشعر بجميع أوصاف الكمال الذي انتهى سؤدده، فكان يرجع مرجع الطلب معه وإليه، ولا يتم ذلك على وجه التحقيق، إلا لمن جاز فضائل الكمال، وذلك لا يصلح إلا الله تعالى، كما قاله الزرقاني (1).
* * *
(1) انظر: الزرقاني (2/ 32).
173 -
أخبرنا مالك، أخبرنا يحيى بن سعيد، قال: سمعت سعيد بن المسِّيب يقول: قال مُعَاذ بن جَبَل: لأن أذكر الله عز وجل من بُكرة إلى اللَّيل، أحبُّ إليَّ من أن أحْمِل على جياد الخيل، من بكرة حتى الليل.
قال محمد: ذكر الله حَسَنٌ على كلِّ حال.
• أخبرنا مالك، وفي نسخة: ثنا، رمزًا إلى حدثنا، وفي نسخة: محمد قال: ثنا، وفي نسخة أخرى: أخبرنا مالك بن أنس بن عمير بن أبي عامر الأصبحي، من أتباع التابعين، ومن الطبقة السابعة من أهل المدينة، أخبرنا يحيى بن سعيد، وفي نسخة: ثنا، أي: ابن سعيد القطان، يكنى أبا سعيد، من أجلاء التابعين، ومن الطبقة السادسة من أهل البصرة، كان يختم كل يوم وليلة بين المغرب والعشاء، وأقام عشرين سنة يختم كل ليلة ولم يفته الزوال في المسجد أربعين سنة، وما روى يطلب الجماعة قطعًا، قيل له في مرضه: يعافيك الله، فقال: من أحب إليَّ أحبه الله. وقال لرجل: اقرأ، فقرأ الدخان، فلما أخذ في القراءة تغير يحيى، فلما بلغ:{إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ مِيقَاتُهُمْ أَجْمَعِينَ} [الدخان: 40]، صعق وارتفع صدره من الأرض، وتقدس وانقلب، فأصاب الباب، فقار ظهره وسال الدم، فصرخ النساء، فخرج من عنده، فوقفوا على الباب، حتى أفاق فدخلوا فإذا هو نائم على فراشه، وهو يقول:{إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ مِيقَاتُهُمْ أَجْمَعِينَ} [الدخان: 40]، وما زالت به تلك الصرخة.
قال ابن المدني: سنح لي ليلة خالد بن الحارث، فقلت: ما فعل ربك بك؟ قال: غفر لي، إن الأمر لشديد، قلت: ما فعل يحيى بن سعيد؟ قال: تراه كما ترى الكواكب في أفق السماء، كذا قاله أبو الفرج عبد الرحمن بن الجوزي في (طبقاته).
قال: سمعت سعيد بن المسِّيب يقول: قال مُعَاذ بضم الميم ابن جَبَل بن عمرو بن أوس، يكنى أبا عبد الرحمن، صحابي جليل القدر، أسلم وهو ابن ثمان عشرة من الطبقة الأولى من طبقات الأصحاب، أردفه رسول الله صلى الله عليه وسلم وراءه، وبعثه إلى اليمن بعد غزوة تبوك، وشيعه ماشيًا في خروجه، وهو راكب، وسيجيء (ق 174) تفصيل صفته وزهده ومرضه ووفاته، إن شاء الله تعالى؛ لأن أذكر الله بفتح اللام والهمزة، أي: والله لذكري
لله من بُكرة بضم الموحدة، أي: أول النهار إلى اللَّيل، إلى آخر النهار، أحبُ إليَّ أي: أفضل عندي، من أن أحْمِل بكسر الميم المخففة، أي: أركب على جياد بكسر الجيم والياء التحتية والألف والدال جمع جواد، وهو السابق من الخيل، أي: الفرس في سبيل الله، كما في الجهاد والحج، من بكرة بضم الموحدة، أي: أول النهار حتى الليل، أي: إلى انتهاء النهار، يعني ذكر الله عندي خير من الجهاد والحج وغيرهما من وجوه البر.
قال محمد بن الحسن الشيباني: ذكر الله أي: ذكر العباد بالطاعة إلى الله تعالى، وذكر الله بعباده بالعون والرحمة والتوفيق، حَسَنٌ على كلَّ حال، كلمة على متعلق إلى ذكر الله، وبمعنى اللام التعليلية كقوله في سورة البقرة:{وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ} [البقرة: 185]، أي: هدايته إياكم، كذا قاله ابن هشام في (مغني اللبيب)، يعني ذكر المؤمنين لله لأجل جميع أحوالهم حسن.
لأن الإِنسان لا يخلو من أربعة أحوال؛ إما أن يكون في الطاعة، أو في المعصية، أو في النعمة، أو في الشدة؛ فإن كان في الطاعة ينبغي له أن يذكر الله بالعبادة الخالصة، ويسأله قبولها، والتوفيق إلى اختتامها إلى غيرها، وإن كان في المعصية ينبغي أن يذكر الله بالامتناع منه، ويسأل منه التوبة وقبولها، وإن كان في النعمة أن يذكر الله بالشكر، وإن كان في الشدة ينبغي أن يذكر الله بالصبر على همه.
* * *
174 -
أخبرنا مالك، حدثنا نافع، عن ابن عُمر أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إنَّما مَثَل صاحب القرآن كَمَثَلِ صاحب الإبل المُعْقَلَة. إن عَاهَدَ عليها أمْسَكَهَا وإن أطْلَقَهَا ذهبَتْ".
• أخبرنا مالك، وفي نسخة: ثنا، رمزًا إلى حدثنا، وفي نسخة أخرى: محمد قال: أخبرنا، حدثنا نافع، وفي نسخة أخبرنا عن ابن عُمر رضي الله عنهما أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(174) أخرجه: البخاري (2743)، ومسلم (789)، والنسائي في المجتبى (941)، وابن ماجه (3783)، وأحمد (5293)، ومالك (461)، والنسائي في الكبرى (1014)، وابن حبان (764)، والبيهقي في الكبرى (4154).
"إنَّما مَثَل صاحب القرآن بفتح الميم والثاء المثلثة المفتوحة، واللام، أي: صفة الذي يتلوه ناظرًا إلى المصحف، والذي يتلوه بظهر القلب، ويفهم ما فيه، كَمَثَلِ صاحب الإبل المُعْقَلَة، بتشديد القاف المفتوحة وتخفيفها. والمعنى أن القرآن كالإبل المعقلة، وهي المشددة بالعقال بكسر العين، وهو يعقل أي: يربط رجله من الحبال، إن عَاهَدَ أي: زاع صاحب الإِبل عليها أي: مع حفظها بربطها، على أن كلمة على بمعنى مع، كقوله تعالى في سورة البقرة:{وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ} [البقرة: 177]، أمْسَكَهَا جواب أن، أي: دام له إمساكها وانتفع بها، وإن أطْلَقَهَا أي: إن حل وثاقها من رجلها وأرسلها صاحبها ذهبَتْ أي: على رأسها، وفات له منافعها، وفيه تشبيه المعقول بالمحسوس، شبه رسول الله صلى الله عليه وسلم صاحب القرآن بصاحب الإِبل، فإن صاحب الإِبل إن راعى حقها ومشربها ومباركها وغيرها انتفع منها، وإلا فلا.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "القرآن شافع مشفع، وما حل مصدق، فمن جعله أمامه قاده إلى الجنة، ومن جعله خلف ظهره ساقه إلى النار". وفي الحديث رد بمذهب الجبرية، من الفرق الضالة؛ فإنهم ذهبوا إلى أنه لا فعل للعبد أصلًا، وإن حركاته بمنزلة الجمادات، لا قدرة للعبد عليها، (ق 175) ولا قصد ولا اختيار، وهذا باطل، لأنا نفرق بالضرورة بين حركة البطش، وحركة الارتعاش.
ونعلم أن الأول باختياره دون الثاني، وهو إلى الاختيار فعل ما ظهر به الشيء، كذا عرفه سيد الشريف الجرجاني.
ولأنه لو لم يكن للعبد فعل أصلًا لما صح تكليفه، ولا ترتب استحقاقه الثواب والعقاب على أفعاله، كقوله تعالى في سورة السجدة:{جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [السجدة: 17]، كما قاله سعد الدين التفتازاني في (شرح العقائد لعمر النسفي).
لما فرغ من بيان حكم الذكر المشروع، شرع في بيان حكم الذكر غير المشروع، فقال: هذا
* * *