الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والظاهر أن المراد بها جنس الصلاة؛ لأن حضور فائت في جميعها، ولقوله صلى الله عليه وسلم:"لا صلاة بحضرة الطعام"، وهو يدل على العموم، كما قاله علي القاري.
لما فرغ من بيان حال الرجل يحضره الصلاة والطعام بأيهما يبدأ، شرع في بيان فضل صلاة العصر، وبيان حكم الصلاة بعد العصر، فقال: هذا
* * *
باب فضل العصر والصلاة بعد العصر
بيان فضل صلاة العصر وبيان (ق 220) حكم الصلاة بعد العصر، إذ لا فضيلة فيها بعده، والواو لمجرد الجمع، وإلا فالعنوان غير مرتب على الحديثين، وفي هذا الباب حديثان: الأول: ما أخرجه المصنف بالواسطة عن السائب بن يزيد.
221 -
أخبرنا مالك، أخبرني الزُّهْرِيّ، عن السائب بن يزيد، أنه رأى عمر بن الخطاب يضرب المُنْكَدِر بن عبد الله في الركعتين بعد العصر.
قال محمد: وبهذا نأخذ، لا صلاة تطوع بعد العصر، وهو قولُ أبي حنيفة.
• أخبرنا مالك، أي: ابن أنس بن عمير بن أبي عامر الأصبحي، الإِمام من كبار أتباع التابعين، في الطبقة السابعة من أهل المدينة، هي من الإِقليم الثاني من الأقاليم السبعة، وفي نسخة: محمد قال: ثنا، رمزًا إلى حدثنا، أخبرني أي: وحدي، وفي نسخة: أخبرنا الزُّهْرِيّ، وهو محمد بن مسلم بن شهاب الزهري، يُكنى أبا بكر في الطبقة الرابعة من أهل المدينة، ثقة، من التابعين، عن السائب بن يزيد، أي: ابن سعيد بن ثمامة الكندي، وقيل غير ذلك في نسبه، ويعرف بابن أخت النمر، صحابي صغير، له أحاديث قليلة، وحج به صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع، وهو ابن سبع سنين، وولاه عمر سوق المدينة، مات سنة إحدى وتسعين، وقيل قبل ذلك، وهو آخر من مات بالمدينة من الصحابة، كذا قاله ابن حجر في (التقريب من أسماء الرجال)(1) في الحديث، أنه أي: السائب بن يزيد
(221) صحيح، أخرجه: مالك (505)، وابن أبي شيبة (2/ 246).
(1)
انظر: التقريب (1/ 197).
رضي الله عنه رأى عمر بن الخطاب رضي الله عنه يضرب أبا محمد المُنْكَدِر بن عبد الله، تابعي من الطبقة الرابعة من أهل المدينة، يُكنى أبا عبد الله، دخل على عائشة رضي الله عنها، فشكى إليها الحاجة، فقالت: أول شيء يأتني أبعث به إليك، فجاءتها عشرة آلاف درهم، فقالت: ما أسرع ما امتُحِنْتِ به يا عائشة؛ وبعثت بها إليه، فاتخذ منها جارية فولدت له بنوه: محمد، وأبو بكر، وعمر، وكلهم يذكر بالصلاح والعبادة ويحمل عنه الحديث.
وقيل: قالت له: ألك ولد؟ قال: لا، فقالت: لو كان عندي عشرة آلاف درهم لوهبتها لك، فما أمست حتى بُعِثَ إليها بمال، فقالت: ما أسرع ما ابتُلِيتِ، وبعثت إلى المنكدر بعشرة آلاف درهم، فاشترى منها جارية فهي أم محمد، وأبي بكر، وعمر.
قال محمد بن المنكدر: كابدت نفسي أربعين سنة، ثم استقامت، وكان ربما قام الليل يصلي، ويقول: كم من عين الآن ساهرة في رزقي.
وكان له جار مبتلى، وكان يرفع صوته بالليل يصيح، وكان محمد يرفع صوته بالحمد، فقيل له في ذلك، فقال: يرفع صوته بالبلاء، وأرفع صوتي بالنعمة. وبينما هو ذات الليلة قائم يصلي إذا استبكا فكثر بكاؤه، حتى فزع أهله، وسألوه: ما الذي أبكاه؟ فاستعجم عليهم، فتمادى في البكاء، فأرسلوا إلى ابن أبي حازم، فجاء، فقال: يا أخي ما الذي أبكاك، فقال: مرت بي آية من كتاب الله تعالى في سورة الزمر: {وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ} [الزمر: 47]، فبكى ابن أبي حازم، واشتد بكاؤه، فقال بعض أهله: جئنا بك لتفرج عنه فزدته، فأخبرهم ما أبكاهما، قال: إن الله تعالى يحفظ المؤمن في ولده وولد ولده، وفي دويرات حوله، فما يزالون في خفض دعائه فيه ما كان بين أظهرهم، كذا قاله أبو الفرج ابن الجوزي في (طبقاته)(1).
في الركعتين أي: يضرب عمر بن الخطاب المنكدر بن عبد الله، بسبب الركعتين بعد صلاة العصر. وفي رواية: كان عمر يضرب الأيدي على صلاة بعد العصر، أي: يُعَذَّر من صلى بعد العصر، ويؤدبه، وخصت الأيدي لكونها توفع عند عقد الصلاة.
(1) تقدم.
وقال ابن عباس رضي الله عنهما: وقد كنتُ أضرب الناس مع عمر عليهما، أي: على الركعتين بعد العصر.
وقال ابن الهمام: وكان هذا بمحضر من نكير فكان إجماعًا، كذا قاله علي القاري.
وروى عبد الرزاق عن زيد بن خالد، أن عمر رآه وهو خليفة ركع بعد العصر فضربه، فذكر الحديث، وفيه: فقال عمر: يا زيد، لولا أني أخشى أن يتخذها الناس سلمًا إلى الصلاة حتى الليل لم أخذت فيهما.
وروى عن تميم الداري نحو ذلك، وفيه: لكني أخاف أن يأتي بعدكم قوم يصلون ما بين العصر إلى الغروب، حتى يمروا بالساعة التي نهى صلى الله عليه وسلم أن يُصلى فيها، ولعل مراده نهي تحريم، فلا ينافي أحاديث نهيه عن الصلاة بعد العصر، فإنه للتنزيه، كذا قاله الزرقاني.
قال محمد: أي: ابن الحسن بن فرقد الشيباني: وبهذا أي: بقول السائب بن يزيد نأخذ، أي: نعمل ونفتي: لا صلاة تطوع بعد العصر، وهو قولُ أبي حنيفة.
قدَّم المصنف هذا الحديث في النشر على الحديث الآتي على خلاف الملف في الترجمة، تنبيهًا على أن النهي مرجح على الأمر، إذا اجتمعا في حكم.
وأما ما رُوي عن عائشة رضي الله عنها في الصحيحين: ركعتان لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعهما سرًا وعلانية، ركعتان قبل صلاة الصبح، وركعتان بعد العصر.
فالعذر عنه أن الركعتين بعد العصر من خصوصياته، وكان أصلهما أنه صلى الله عليه وسلم صلاهما جبرًا لما فاته من الركعتين بعد الظهر، أو قبل العصر، حين شغل عنهما بالقعود مع بعض الوفود.
كان صلى الله عليه وسلم إذا عمل عملًا أثبته وداوم عليه، وكان ينهى عنه غيرهما، كما أنه كان يواصل وينهى غيره عن الوصال، والله أعلم بالأحوال.
* * *
222 -
أخبرنا مالك، أخبرني نافع، عن ابن عمر، قال: الذي تفوته العصر كَأنَّما وُتِرَ أهله وماله.
• أخبرنا مالك، وفي نسخة: محمد قال: ثنا، رمزًا إلى حدثنا، أخبرني بالإِفراد نافع، أي: المدني، مولى ابن عمر، وفي نسخة:"عن" موضع "أخبرني"، عن ابن عمر، رضي الله عنهما، أنه قال: الذي يفوته صلاة العصر أي: بخروجها عن الوقت كَأنَّما وُتِرَ بصيغة المجهول أهله وماله، بنصبهما ويُروى برفعهما، والحديث رواه أصحاب السنن عن ابن عمر، وفي (المصباح)، وترت: زيد حقه إثره من باب وعد نقصه، فكأنما وتر أهله وماله نصبهما على المفعولية، ومنه قوله تعالى في سورة القتال:{وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ} [محمد: 35]، فهو متعد إلى مفعولين.
قال النووي: رُوي بنصب أهله ورفعه، والنصب هو الصحيح المشهور على مفعول ثان، ومن رفعه على من لم يسم فاعله، ومعناه انتزع عن أهله وماله، وهذا تفسير مالك بن أنس.
وأما النصب، فقال الخطابي وغيره: معناه: نقص أهله وماله.
وقال ابن الأثير في (النهاية): رُوي بنصب أهلا ورفعه، فمن نصبه جعله مفعولًا (ق 222) ثانيًا: الوتر، وأُضمر فيه: نائب الفاعل عائد إلى الذي، ومن رفعه لم يضمر، وقام أهله مقام ما لم يسم فاعله لأنهم المصابون، المأخوذون، فمن رد النقص إلى الرجل ينصبهما، ومن رده إلى الأهل والمال رفعهما، وقيل: النصب على نزع الخافض، أي: وتر في أهله وماله، وقيل: الرفع على أنه بدل اشتمال أو بعض، وقيل: النصب على التمييز، أي: وتر من حيث الأهل على حد سفه نفسه في وجه، كما نقله علي القاري عن السيوطي.
وقال المفسرون: إن سليمان بن داود عليهما السلام لما فاتته صلاة العصر لاشتغاله بالنظر إلى تلك الخيل استردها وعقر بسوقها وأعناقها تقربًا إلى الله تعالى، وبقي منها
(222) أخرجه: البخاري (552)، ومسلم (626)، وأبو داود (414)، والترمذي (175)، والنسائي (478)، وابن ماجه (685)، وأحمد (5291)، والدارمي (1230)، ومالك (21).