الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب القراءة في الصلاة خلف الإمام
بيان أحكام القراءة، حال كونها في الصلاة خلف الإِمام، اختلفوا في وجوب القراءة على الإِمام:
فقال أبو حنيفة: لا يجب عليه، سواء جهر الإِمام أو خافت، بل لا تسن القراءة بحال خلف الإِمام، بل تكره في كل حال خلفه.
وقال مالك وأحمد: لا يجب عليه القراءة مطلقًا، بل كره مالك للمأموم أن يقرأ فيما يجهر به الإِمام، سمع قراءة الإِمام أو لم يسمع، وفرق الإِمام أحمد: واستحسنه فيما خافت فيه الإِمام.
وقال الشافعي: يجب القراءة فيما أسر به الإِمام، والراجح من قوله وجوب القراءة على المأموم، في الجهرية أيضًا.
وحُكي عن الأصم والحسن بن صالح، أن القراءة سنة.
111 -
أخبرنا مالك، حدثنا الزهري، عن ابن أُكَيْمَةَ اللَّيْثِيِّ، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم انصرف من صلاة جهر فيها بالقراءة، فقال:"هل قرأ معي منكم أحد؟ " فقال رجل: أنا يا رسول الله، فقال:"إني أقول: ما لي أنازع القرآن" فانتهى الناس عن القراءة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما جهر فيه من الصلوات حين سمعوا ذلك.
• أخبرنا، وفي نسخة: محمد قال: ثنا، رمزًا إلى حدثنا مالك، حدثنا، وفي نسخة: ثنا، رمزًا إلى حدثنا الزهري، أي: محمد بن مسلم بن شهاب بن زهرة بن كلاب، المدني كان في الطبقة الرابعة من طبقات كبار التابعين، من أهل المدينة، كما في (التقريب)(1)
(111) أخرجه: أبو داود (826)، والترمذي (312)، والنسائي (918)، وأحمد (7947)، ومالك (189)، وابن حبان (1849)، والبيهقي في الكبرى (2968).
(1)
انظر: التقريب (2/ 809).
عن ابن أُكَيْمَةَ (1)، بفتح الهمزة وفتح الكاف، وسكون التحتية، وفتح الميم المفتوحة، والهاء مصغر أكمة، وهي بفتح الهمزة، وكسر الكاف وتشديد الميم المفتوحة والتاء، جمع الكم، واسمه عُمارة بضم العين المهملة، وفتح المخففة الممدودة والراء المهملة بعدها الهاء. اللَّيْثِيّ، يكنى: أبا الوليد، المدني، ثقة، كان في الطبقة الثالثة من طبقات التابعين، من أهل المدينة، مات سنة إحدى ومائة وله تسع وسبعون سنة، كما قاله ابن حجر.
عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم انصرف من صلاة جهر فيها بالقراءة، فقال:"هل قرأ معي منكم أحد؟ " أي: أحد فمن زائدة للاستغراق، فقال رجل: أنا يا رسول الله، أي: قرأت والظاهر أنه قد أسر، أو لا يبعد أنه قرأ (ق 111) جهرًا، قال: أي: أبو هريرة، فقال: أي: النبي صلى الله عليه وسلم: "إني أقول أي: في سري ونفسي، مالي أي: شيء حصل لي، أنازع بصيغة المجهول، أي: أجازب القرآن بالنصب، أي: في قراءته، وهو بمعنى التثريب، واللوم لمن فعل ذلك.
قال ابن عبد البر (2): أى: إذا جهرت بالقرآن، فإذا قرأتم ورائي فكأنما تنازعوني القرآن، الذي أقرأ، ولكن أنصتوا.
قال الباجي - من علماء المالكية -: معنى منازعتهم له صلى الله عليه وسلم: أن لا يفردوه بالقراءة، ويقرؤه معه من التنازع، بمعنى التجاذب، كما نقله علي القاري عن السيوطي (3).
هذا استفهام إنكاري، حيث تلطف رسول الله صلى الله عليه وسلم في إرشاد من خلفه في الصلاة، بإيراده في معرض المناصحة لنفسه وإمحاض النصح، حيث أراد لهم بالإِنصات.
والمراد تقريعهم وتوبيخهم على ترك الإِنصات، وبالغ في تهديدهم حيث قال:"مالي"، ولم يقل: ما لكم تنازعون في قراءة القرآن معي، وهو الظاهر المتبادر، فاطلب تفصيله في قوله في سورة يس {وَمَا لِيَ لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [يس: 22]، فانتهى الناس أي: بقيتهم، عن القراءة، لا فيما أسر به من الصلوات حين سمعوا ذلك،
(1) انظر: التقريب (2/ 782).
(2)
انظر: شرح الزرقاني (1/ 258).
(3)
انظر: شرح الزرقاني (1/ 258)، وتنوير الحوالك (1/ 82).
وأخذ بمفهوم ذلك مالك فمنع المأموم أن يقرأ في الجهرية، دون السرية.
وخصّ الشافعي من عموم النهي قراءة سورة الفاتحة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم (1): "لا صلاة إلا بقراءة الفاتحة"، وحمله على نفي الصحة، وعموم الإِمام والمأموم؛ نظرًا إلى إطلاقه.
والحديث رواه الترمذي من طريق معن عن مالك به.
وقال: حديث حسن، كما قاله علي القاري والزرقاني.
* * *
112 -
أخبرنا مالك، حدثنا نافع، عن ابن عمر، أنه كان إذا سئل: هل يقرأ أحد مع الإِمام؟ قال: إذا صلى أحدكم مع الإِمام فحسبه قراءة الإِمام؛ وكان ابن عمر لا يقرأ مع الإِمام.
• حدثنا، وفي نسخة: محمد قال: ثنا رمزًا إلى حدثنا مالك، كذا في نسخة: حدثنا نافع بن عبد الله، المدني، مولى ابن عمر، ثقة فقيه، مشهور، كان في الطبقة الثالثة من طبقات التابعين، من أهل المدينة، كذا في (التقريب)(2) لابن حجر، عن ابن عمر، أنه كان إذا سئل: هل يقرأ أحد مع الإِمام؟ أي: خلف الإِمام؟ كذا في (الموطأ) لمالك، قال: إذا صلى أحدكم مع الإِمام فحسبه، أي: فيكفي المأموم قراءة الإِمام؛ وظاهره المنع عن قراءة المأموم، كما يشير إليه قوله، وكان ابن عمر لا يقرأ مع الإِمام، أي: مطلقًا، على ما هو عن قراءة المأموم، كما الظاهر.
ويؤيد مذهبنا قوله صلى الله عليه وسلم إذا قرأ الإِمام فأنصتوا.
* * *
(1) أخرجه: أبو داود (819)، والترمذي (247)، وأحمد (9245)، وابن حبان (1791)، وابن أبي شيبة (1/ 398) حديث رقم (16)، والحاكم (872)، والدارقطني (1/ 321) حديث رقم (16)، والبيهقي في الكبرى (2513).
(2)
تقدم.
113 -
أخبرنا مالك، حدثنا وهب بن كيسان أنه سمع جابر بن عبد الله يقول: من صلى ركعة لم يقرأ فيها بأم القرآن فلم يصل إلا وراء الإِمام.
• أخبرنا، وفي نسخة: محمد قال: ثنا رمزًا إلى حدثنا مالك، قال: - كذا في نسخة - حدثنا وهب بن كيسان: أنه سمع جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنه يقول: من صلى ركعة، أي: من ركعات الصلاة، لم يقرأ فيها بأم القرآن فلم يصل، أي: صلاة صحيحة أو كاملة، وحال من الأحوال، إلا وراء الإِمام، أي: إلا حال كونه مقتديًا؛ فإنه إذا لم يقرأ فيها بأم القرآن فصلاته صحيحة، وعليه الجمهور، خلافًا للشافعي؛ فإنه استدل بوجوب قراءة الفاتحة على كل مصل بقوله صلى الله عليه وسلم (1):"لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب" فناوله على ما إذا صلى منفردًا، نقله الترمذي (ق 112) أو كان إمامًا؛ لأن الاستثناء معيار العلوم.
وقال أبو عبد الملك: هذا الحديث موقوف على جابر وقد أسنده بعضهم، أي: رفعه، ورواه الترمذي من طريق فعن عن مالك به موقوفًا؛ وقال: حسن صحيح، كما قاله الزرقاني (2).
* * *
114 -
أخبرنا مالك، أخبرني العلاء بن عبد الرحمن بن يعقوب، مولى الحُرَقَةِ، أنه سمع أبا السائب مولى هشام بن زهرة يقول: سمعت أبا هريرة
(113) أخرجه: الترمذي (313)، وأحمد (19370)، ومالك (183)، وابن أبي شيبة (1/ 397)، حديث رقم (4)، والبيهقي في الكبرى (2973).
(1)
أخرجه: البخاري (723)، ومسلم (394)، وأبو داود (822)، والترمذي (247)، والنسائي (909)، وابن ماجه (837)، وأحمد (22169)، وابن حبان (1786)، والدارقطني (17)، والبيهقي في الكبرى (2416).
(2)
انظر: شرح الزرقاني (1/ 253).
(114)
أخرجه: مسلم (395)، وأبو داود (821)، والترمذي (2953)، والنسائي (908)، وأحمد (7777)، ومالك (184)، وابن حبان (776)، وعبد الرزاق في مصنفه (2767)، والدارقطني (35)، والبيهقي في الكبرى (4056).
يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من صلى صلاة لم يقرأ فيها بفاتحة الكتاب فهي خداج، فهي خداج، فهي خِدَاجٌ: غير تمام".
قال: قلت: يا أبا هريرة، إني أحيانًا أكون وراء الإِمام، قال: فغمز ذراعي وقال: يا فارسيُّ، اقرأ بها في نفسك، إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"قال الله جل وعز. قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، فنصفها لي ونصفها لعبدي، ولعبدي ما سأل"، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"اقرؤوا: يقول العبد: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}، يقول الله جل وعز: حَمَدَني عبدي، يقول العبد: {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}، يقول الله جل وعز: أثنى عليَّ عبدي، يقول العبد: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} يقول الله جل وعز: مجدني عبدي، يقول العبد: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} فهذه الآية بيني وبين عبدي، ولعبدي ما سأل. يقول العبد: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} فهؤلاء لعبدي، ولعبدي ما سأل".
قال محمد: بل قراءة خلف الإِمام فيما جهر فيه، ولا فيما لم يجهر فيه، بذلك جاءت عامة الآثار، وهو قولُ أبي حنيفة.
• أخبرنا، وفي نسخة: محمد قال: ثنا رمزًا إلى حدثنا مالك، قال: ثنا كذا في نسخة: أخبرنا العلاء (1) بفتح العين المهملة واللام والألف الممدودة ابن عبد الرحمن بن يعقوب، مولى الحرف، بضم الحاء المهملة وفتح الراء المهملة والفاء والهاء، كذا ضبطه بعض الشارحين، أنه أي: العلاء سمع أبا السائب الأنصاري المدني.
قال الحافظ: اسمه عبد الله بن السائب (2)، ثقة روى له مسلم والأربعة والبخاري في جزء القراءة؛ مولى هشام بن زهرة، ويقال: مولى عبد الله بن هشام بن زهرة، ويقال:
(1) انظر: التقريب (1/ 458).
(2)
انظر: التقريب (1/ 290).
مولى بني زهرة روى عن أبي هريرة، وأبي سعيد المغيرة بن شعبة، وعنه: الزهري وشريك، وجماعة: سمعت أبا هريرة رضي الله عنه يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: "من صلى صلاة لم يقرأ فيها بفاتحة الكتاب، وإضافة الفاتحة للكتاب بمعنى اللام، كعبد الله، وإنما سميت هذه السورة بفاتحة الكتاب؛ لأن القرآن افتتح بها لكونها أول سورة نزلت بكمالها على أكثر الأقوال؛ وهي لم تنزل على من قبل هذه الأمة من الأمم، وسميت سبع المثاني؛ لأنها سبع آيات، ولأنها نزلت مرتين، أو لأنها تثنى في الصلاة، كما في (عيون التفاسير)، ويقال لها: أم القرآن؛ لأنها أصله، أو لتقدمها عليه كأنها توأمه، أو لاشتمالها على المعنى التي فيه من الثناء على الله، والتعبير بالأمر والنهي، والوعد والوعيد، وذكر الذات والصفات، والفعل المبدأ والمعاد والمعاش بطريق الإِجمال، فهي أي: تلك الصلاة خداج، بكسر الخاء المعجمة ودال مهملة وألف فجيم، أي: ذات خداج أي: نقصان، ومصدر بمعنى اسم فاعل، أي: خادجة، يعني ناقصة، ووصفها بالمصدر للمبالغة، كرجل عدل، فهي خداج، فهي خِدَاجٌ:، ذكره ثلاثًا للتأكيد، يقال: خدجت الناقة إذا ألقت ولدها قبل أوان النتاج، وإن كان تام الخلق، وأخدجته إذا ولدته ناقصًا، وإن كان التمام الولادة.
هذا هو قول الخليل، والأصمعي، وأبي حاتم، وآخرين، وقال جماعة من أهل اللغة: خدجت وأخدجت إذا ولدت لغير تام، ثم زاد التأكيد بقوله: غير تمام.
قال ابن الملك: والحديث حجة أبي حنيفة في أن الصلاة تجوز بدون الفاتحة مع النقصان عنده.
وقال الشافعي: لا تصح بدونها، والحديث رواه أحمد وابن ماجه عن عائشة رضي الله عنها، وكلاهما عن ابن عمر، والبيهقي، وأحمد، وابن ماجه، عن علي والخطيب، عن أبي أمامة، ولفظهم:"كل صلاة لا يُقرأ فيها بأم الكتاب، فهي خداج".
قال ابن عبد البر (1): وزعم من لم يوجب قراءتها في الصلاة، أن قوله "خداج" على جوازها؛ لأن الصلاة الناقصة جائزة (ق 113)، وهذا تحكم فاسد؛ لأن الناقص
(1) انظر: شرح الزرقاني (1/ 254).
ما لم يتم، ومن خرج من صلاته قبل أن يتمها فعليه إعادتها تامة، كما أمر من ادعى أنها تجوز - مع إقراره بنقصانها - فعليه الدليل، كما قاله الزرقاني (1)، ثم لما كان الحكم عامًا بظاهر الحديث شاملًا للمعتدين وغيره.
قال: أي: أبو السائب، قلت: يا أبا هريرة: إني أحيانًا أي: في بعض الأوقات أكون وراء الإِمام، أي: خلفه مقتديًا به، قال: أي: أبو السائب فغمز أي: أبو هريرة ذراعي. قال الباجي - من علماء المالكية -: هو على معنى التأديب له، وتنبيهه على فهم مراده، والبعث له على جمع ذهنه، وفهمه لجوابه، وقال: يا فارسيُّ أي: يا عجمي، ولعل أصله كان من الفارس بكسر الراء، وتسكن هو الشيراز وما حوله، اقرأ بها أي: بفاتحة الكتاب في نفسك، أي: خفيفة؛ إذ لا يجوز القراءة من غير تصحيح الحروف، وسماع نفس القارئ، إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"قال الله عز وجل في حديثه القدسي: وهو ما أخبر الله به نبيه صلى الله عليه وسلم بإلهام أو بالمنام، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك المعنى بعبارة في نفسه، فالقرآن مفضَّل عليه؛ لأن لفظه منزل أيضًا، كذا قاله محمد السيد الشريف الجرجاني: قسمتُ الصلاة أي: الفاتحة، سميت بها؛ لأن الصلاة لا تتم ولا تصح إلا بها؛ كقوله صلى الله عليه وسلم: "الحج عرفة" (2)، أو لأنها في معنى الدعاء، قاله ابن عبد البر (3) وجماعة من العلماء، والمراد بالصلاة القراءة، لأنها جزؤها، وقد تطلق كل منهما على الأخرى مجازًا، قال الله تعالى:{وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ} [الإسراء: 110]، أي: بقراءتك، وقال:{إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} [الإسراء: 78]، أي: صلاة الفجر، بيني وبين عبدي نصفين، قدَّم نفسه، فقال: بيني لأنه واجب الوجود لنفسه، وإنما استفاد العبد الوجود منه، فنصفها لي ونصفها لعبدي، اعلم أن تقسيم الفاتحة نصفين بمعنى أن بعضها ثناء، إلى قوله:{إِيَّاكَ نَعْبُدُ} ، وبعضها دعاء، وهو من قوله:{وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} إلى آخر السورة، فالنصف هنا بمعنى البعض؛ لأنها منتصفة تحقيقية؛ لأن طرف الدعاء أكثر،
(1) انظر: شرح الزرقاني (1/ 254)، والتمهيد لابن عبد البر (20/ 192)، وتفسير القرطبي (1/ 123).
(2)
أخرجه: الترمذي (889)، والنسائي (3016)، وابن ماجه (3015)، وأحمد (18297)، وابن خزيمة (2822)، والحاكم (1703)، والدارقطني (19)، والبيهقي في الكبرى (9912).
(3)
انظر: شرح الزرقاني (1/ 254).
وقيل: إنها منتصفة حقيقية؛ لأنها سبع آيات: ثلاث ثناء من قوله: {الْحَمْدُ لِلَّهِ} إلى {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} ، وثلاث دعاء ورجاء من قوله:{اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} إلى آخرها، والآية المتوسطة نصفها ثناء، ونصفها دعاء، ولكن هذا التأويل إنما يستقيم على مذهب من لم يجعل التسمية منها آية، ويجعل أنعمت عليهم آية، كما هو مذهب البصريين، خلافًا للكوفيين، فإنهم عكسوا القضية، فلا خلاف كونها سبع آيات، كما أشار إليه قوله سبحانه:{وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ} [الحجر: 87].
وقال ابن الملك في (شرح المشارق): ومن جعل التسمية منها يقول معنى قوله: يقول العبد: الحمد لله رب العالمين إذا انتهى في قراءته إلى ذلك - كما نقله علي القاري عن النواوي.
ولعبدي ما سأل، أي: من العبد سأل، ومني الإِعطاء منه بشارة عظيمة، قال (ق 114) رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اقرؤوا: وفي نسخة: اقرأ بالإِفراد، اقرأ يا أبا هريرة؛ فإنه إذا انتهى أن يقول العبد:{الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} ، يقول الله جل وعز، أي: للملائكة: حَمَدَني عبدي، أي: أثنى عليَّ بجميل الأفعال، وبما أنا أهله، يقول العبد:{الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} ، بالجر على الحماية، يقول الله جل وعز: أثنى عليَّ عبدي، جعل جوابًا لهما لاشتمال اللفظين على الصفات الذاتية والفعلية، يقول العبد:{مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} ، أي: يوم الجزاء، وهو يوم القيامة، وخص بالذكر؛ لأنه لا ملك ظاهرًا فيه لأحد، إلا الله تعالى، قال الله تعالى:{لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ} [غافر: 16].
ومن قراءة مالك يوم الدين، فمعنى مالك الأمر كله في يوم القيامة، أي: هو - تعالى - موصوف بذلك، دائمًا لغافر الذنب، فصح وقوعه صفة للمعرفة.
يقول الله جل وعز: مجدني عبدي، بتشديد الجيم، أي: عظمني. قال العلماء: إنما قال: حمدني، وأثنى عليَّ، ومجدني؛ لأن التحميد الثناء بجميل الأفعال، والتمجيد الثناء بصفات الجلال، وأثنى عليه تعالى في ذلك كله، ولهذا جاء جوابًا للرحمن، كما نقله علي القاري (1) عن السيوطي.
(1) انظر: تنوير الحوالك (1/ 82)، والديباج (2/ 127).
يقول العبد: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} أي: نخصك بالعبادة من توحيد وغيره، وقدم المعمول إفادة للاختصاص وللحصر، {وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} أي: إنما نطلب العون منك على العبادة وغيرها، فهذه الآية بيني وبين عبدي.
قال الباجي - من علماء المالكية -: معناه أن بعض الآية تعظيم للباري تعالى، وبعضها استعانة من العبد به - تعالى - على أمر دينه ودنياه. انتهى.
فالذي لله تعالى منها إياك نعبد، والذي للعبد إياك نستعين، كذا قاله الزرقاني (1)، فيه تلميح وإشارة إلى الحديث القدسي؛ الذي رواه أبو هريرة (2) رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يقول الله تعالى: أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرتُه في نفسي، وإن ذكرني في ملأ ذكرتُه في ملأ خير منهم"، كما أورده البخاري. قوله: أنا عند ظن عبدي بي: معناه: أنا أعامل العبد على حسب ظنه بي، وأفعل به ما يتوقعه مني.
والمراد الحث على حسن الظن بالله في نفسه، وتغليب الرجاء على الخوف، والظن هنا بمعنى اليقين والاعتقاد، لا بمعنى الشدة.
وقوله: أنا معه؛ أي: مع عبدي بالعون والتوفيق وبالعلم، أي: أنا عالم به وبأقواله وأفعاله، لا يخفى عليَّ شيءٌ من الأشياء.
قوله: فإن ذكرني في نفسه: أي: سرًا وخفية مجتنبًا عن الرياء.
قوله: ذكرتُه في نفسي: أي: أثيبه وأنا أجزي به، أي: أكافئ به لا آمر أحد من خلقي أن يعطيني أجره.
قوله: وإن ذكرني في ملأٍ، أي: بين جماعة من المؤمنين.
قوله: ذكرتُه في ملأٍ خير منهم، أي: يريدهم الملائكة المقربين، وأرواح المرسلين، كما قاله ابن الملك في (شرح المصابيح).
(1) انظر: شرح الزرقاني (1/ 255).
(2)
أخرجه: البخاري (6970)، ومسلم (2675)، والترمذي (3630)، والنسائي (7730)، وابن ماجه (3822)، وأحمد (7374)، وابن حبان (811).
ولعبدي ما سأل، أي: من العون والهداية.
قال بعض العارفين (1): وإذا حققت وجدت الآيات كلها لله تعالى؛ فإنك إنما عبدته بإرادته، ومشيئته، ومعونته، إن العبد لا حول له ولا قوة ولا إرادة إلا بحول الله وإرادته، يقول العبد:{اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} أي: أرشدنا إلى المنهاج الواضح؛ الذي لا اعوجاج فيه أو تثبيتًا لديه. {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} بدل من الأول بدل الكل وهو في حكم تكرير العامل، من حيث إنه المقصود بالنسبة، وفائدة التأكيد والتخصيص على أن طريق الذي أنعم الله عليهم، وهم المسلمون، هو العلم في الاستقامة والمشهود بالاستواء، بحيث لا يذهب الوهم عند ذكر الطريق المستقيم إلا إليه، وإطلاق الأنعام لقصد الشمول؛ فإن نعمة الإِسلام عنوان النعم كلها، فمن فاز بها جازها بحذاء غيرها، وقيل: المراد بهم الأنبياء عليهم السلام، كذا في تفسير أبي السعود.
{غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ} وهم اليهود، مجرور لكونه نعتًا للذين أنعمت، وبدل منه؛ وإنما جاز الوصف به هنا؛ لأن المضاف إليه ضد المنع.
كيف؟ وهو مذهب أكثر المجتهدين في أمر الدين، كذا قاله علي القاري.
* * *
115 -
قال محمد: أخبرنا عبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب، عن نافع، عن ابن عمر، أنه قال: من صلى خلف إمام كفته قراءته.
• قال محمد: أخبرنا، وفي نسخة محمد قال: ثنا، رمزًا إلى حدثنا عبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب، أكد هذا الحكم عن نافع، عن ابن عمر، أنه قال: من صلى خلف إمام كفته قراءته، أي: تكفي المأموم قراءة الإِمام، أكد هذا الحكم بقوله:
* * *
(1) انظر: شرح الزرقاني (1/ 256).
(115)
أخرجه: مالك (193)، والدارقطني (2).
116 -
قال محمد: أخبرنا عبد الرحمن بن عبد الله المسعودي، قال: أخبرني أنس بن سيرين، عن ابن عمر، أنه سأل عمر عن القراءة خلف الإِمام، قال: تكفيك قراءة الإِمام.
• قال محمد: أخبرنا، وفي نسخة: قال: ثنا، رمزًا إلى حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله المسعودي، قال: أخبرني بالإِفراد أنس بن سيرين، عن ابن عمر، رضي الله عنه، أنه سأل عمر عن القراءة خلف الإِمام، قال: أي: ابن عمر تكفيك أي: أيها السائل قراءة الإِمام.
والمعنى: أنه لا يجب عليك القراءة: إما مطلقًا ومقيدًا.
فقد ورد (1): من صلى خلف الإِمام فليقرأ بفاتحة الكتاب، رواه الطبراني عن عبادة بن الصامت، لكن هذه الرواية مذهب الشافعي.
* * *
117 -
قال محمد: أخبرنا أبو حنيفة، قال: حدثنا أبو الحسن: موسى بن أبي عائشة، عن عبد الله بن شداد بن الهاد، عن جابر بن عبد الله، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:"من صلى خلف إمام فإن قراءة الإمام له قراءة".
• قال محمد: أخبرنا، وفي نسخة: محمد قال: ثنا، رمزًا إلى حدثنا أبو حنيفة، قال: حدثنا وفي نسخة: ثنا رمزًا إلى حدثنا أبو الحسن: موسى بن أبي عائشة، عن عبد الله بن شداد بن الهاد، عن جابر بن عبد الله، الأنصاري، رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:"من صلى خلف إمام فإن قراءة الإمام له قراءة".
(116) أخرجه: أحمد (5077)، وابن أبي شيبة (1/ 412) حديث (9)، والدارقطني (3).
(1)
أخرجه: الترمذي (311)، وأحمد (22186)، وابن حبان (1848)، وابن خزيمة (1581)، والدارقطني (5)، والبيهقي في الكبرى (2991).
(117)
أخرجه: ابن ماجه (850)، والدارقطني (2)، والطبراني في الأوسط (7903)، والبيهقي في الكبرى (2970)، ولم يرو هذا الحديث أحد ممن رواه عن ابن علية إلا سهل بن العباس، ورواه غيره موقوفًا.
قال محمد: حدثنا الشيخ أبو علي، قال: حدثنا محمد بن محمد المروزي، قال: حدثنا سهل بن العباس الترمذي، قال: أخبرنا إسماعيل بن علية (1) بضم العين، وفتح اللام، وتشديد التحتية، عن أيوب بن تيمية (2) اسمه: كيسان السختياني، بفتح المهملة بعده معجمة ثم مثناة ثم تحتانية، وبعد الألف نون، يكنى أبا بكر البصري، ثقة ثبت حجة، من كبار الفقهاء والعباد، كان في الطبقة الخامسة من طبقات التابعين، من أهل البصرة، كانت في الإِقليم الثالث، من الأقاليم السبعة، مات سنة إحدى وعشرين بعد المائة، كذا قاله ابن حجر وغيره عن ابن الزبير (3) أي: عروة بن الزبير بن العوام الأسدي، ثقة، فقيه، كان في الطبقة الخامسة من طبقات كبار التابعين، من أهل المدينة، مات سنة ست أو خمس وأربعين، وله سبع وثمانون سنة، كذا قاله ابن حجر، عن جابر بن عبد الله أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من صلى خلف الإمام فإن قراءة الإمام له قراءة"، والحديث رواه أحمد وابن ماجه عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما ولفظه:"من كان له إمام، فقراءة الإمام له قراءة".
وهذا الحديث، والحديث المقدم كل واحد منهما مثل الآخر، بدل طريقة تقوية للحكم ومبالغة في التأكيد.
* * *
118 -
قال محمد: حدثنا أسامة بن زيد المدنيُّ قال: حدثنا سالم بن عبد الله بن عمر قال: كان ابن عمر لا يقرأ خلف الإِمام، قال: فسألت القاسم بن محمد عن ذلك، فقال: إن تركت فقد تركه ناس يقتدي بهم، وإن قرأت فقد قرأ ناسٌ يقتدى بهم، وكان القاسم ممن لا يقرأ.
(1) انظر: التقريب (1/ 48).
(2)
انظر: التقريب (1/ 63).
(3)
انظر: التقريب (1/ 339).
(118)
أخرجه: البيهقي في الكبرى (2731)(2980)، وفي القراءة خلف الإِمام (398).
• قال محمد: أخبرنا، وفي نسخة: محمد قال: ثنا، رمزًا إلى حدثنا أسامة بن زيد المدنيُّ قال: حدثنا سالم بن عبد الله بن عمر قال: أي: سالم بن عبد الله: كان ابن عمر لا يقرأ خلف الإِمام، قال: أي: أسامة، فسألت القاسم بن محمد، وهو أحد الفقهاء السبعة بالمدينة، وقد مر ذكره عن ذلك، أي: عن القراءة خلف الإِمام، فقال: إن تركت أي: القراءة أيها المصلي، فقد تركه ناس يقتدي بهم، أي: بالناس من بعدهم في تركه، إن كان كل واحد منهم مقتديًا، وإن قرأت أي: أيها السائل خلف الإِمام، فقد قرأ ناسٌ خلف إمام، وإنما جاء بصيغة الماضي إشعارًا لتحقق وقوع هذا الأمر، كما قال الله تعالى:{قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} الآية [المؤمنون: 1]، أي: حال كون الناس يقتدى على صيغة المضارع المجهول، أي: يتبع الناس بهم (ق 117) في القراءة إذا كان مأمومًا، والحال وكان القاسم ممن لا يقرأ.
وفي الكرماني: عن الشعبي: أدركتُ سبعين بدريًا؛ كلهم لا يقرؤون خلف الإِمام، كرر "ناس" منكرًا إشعارًا بأن واحدًا من كبار القوم لو فعل شيئًا غير مشروع لرآه الناس يفعلون، ثم يريهم آخرون يفعلون فيفعلون كذلك، ثم يزاد إلى يوم القيامة، وهذا مبني على أن المذكور إذا أعيد نكرة، فالثاني مغاير للأول.
كما قال تعالى: {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (5) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} [الشرح: 5، 6].
وفي هذا الحديث زجر العالم زجرًا عظيمًا عن المعاصي؛ لئلا يضل الناس عن الصراط المستقيم، وأشار إلى حديث جابر رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ سَنَّ في الإسلام سُنَّةً حسنة فله أجره، وأجر من عمل بها من بعده، من غير أن ينقص من أجورهم شيء، ومن سَنَّ في الإسلام سُنَّةً سيئة، كان عليه وزره، ووزر من عمل بها من بعده، من غير أن ينتقص من أوزارهم شيء"(1) رواه مسلم عن جرير، كذا أورده الإِمام الصنعاني في (المشارق).
* * *
(1) أخرجه: مسلم (1691)(4830)، والترمذي (2599)، والنسائي (2507)، وابن ماجه (199)، وأحمد (18367)(18381)، والدارمي (511).
119 -
قال محمد: أخبرنا سفيانُ بن عُيينةَ، عن منصور بن المعتمر، عن أبي وائِل، قال: سئل عبد الله بن مسعود عن القراءة خلف الإِمام فقال: أنصت، فإنَّ في الصلاة شُغْلًا، وسيكفيك ذلك الإِمامُ.
• قال محمد: أخبرنا، وفي نسخة: محمد قال: ثنا، رمزًا إلى حدثنا سفيانُ بن عُيينةَ، تابعي جليل، روى عن: الأعمش والثوري، والشافعي وأحمد، كان في الطبقة الخامسة من أهل مكة، ومات بمكة، بالحجون في رجب من سنة ثمان وتسعين ومائة، كما قاله محمد بن أحمد بن الذهبي الشافعي في (الكاشف)(1) وابن حجر (2).
عن منصور بن المعتمر، عن أبي وائِل، تابعي كبير كوفي، كثير الحديث، ثقة حجة، روى عن خلق كثير من الصحابة منهم: عمر وابن مسعود، وكان خصيصًا به (3)، قال: سئل عبد الله بن مسعود عن القراءة خلف الإِمام فقال: أنصت، أي: جوابه اسكت، ولا تقرأ خلف الإمام؛ فإنَّ في الصلاة شُغْلًا، بضمتين وسكون، وقد يفتح فيسكن أي: اشتغالًا للبال في تلك الحال مع الملك المتعال، يمنعها القيل والقال، سيكفيك ذلك وفي نسخة: ذاك، أي: أمر القراءة، وفي نسخة: وسيكفيك بالواو، الإِمامُ، أي: بناء على أن قراءته تقوم مقام قراءة المأموم، وإنما لم يقرأ المؤتم، سواء كانت الصلاة جهرية أو سرية، لقوله تعالى في سورة الأعراف:{وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [الأعراف: 204].
وقد روى البيهقي عن أحمد بن حنبل، أنه قال: أجمع الناس على أن هذه الآية في الصلاة (4).
(119) أخرجه: عبد الرزاق في مصنفه (2803)، والطبراني في الكبير (9311)(10435)، والبيهقي في الكبرى (2726)، والطحاوي في شرح معاني الآثار (1/ 219).
(1)
انظر: الكاشف (1/ 449).
(2)
انظر: التقريب (1/ 217).
(3)
انظر: التقريب (1/ 245).
(4)
انظر: القراءة خلف الإمام (ص: 113).
روى مسلم من حديث أبي موسى الأشعري: إذا كبر الإِمام فكبروا، وإذا قرأ فأنصتوا (1).
قال ابن الهمام (2): وفي كلام أصحابنا ما يدل على وجوب الاستماع في الجهر بالقرآن - مطلقًا - في الصلاة أو في غيرها.
وفي (الخلاصة): رجل يكتب الفقه، وبجنبه رجل يقرأ القرآن، ولا يمكن استماع القرآن، فالإِثم على القارئ، وعلى هذا لو قرأ على السطح في الليل والناس نيام يأثم، وهذا صريح في إطلاق الوجوب؛ لأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب. انتهى.
في (القينة) وغيرها: إذا كان الصبي يقرأ القرآن، وأهله يشتغلون بالأعمال ولا يستمعونه - إن كانوا شرعوا في العمل، قبل قراءته - لا يأثمون وإلا أثموا.
كذا في (البحر الرائق شرح كنوز الرقائق) وهو تفصيل حسن، في مقام الحقائق.
* * *
120 -
قال محمد: أخبرنا محمد بن أبَانَ بن صالح القرشي، عن حماد، عن إبراهيم النَّخعي، عن علقمة بن قَيس، أن عبد الله بن مسعود كان لا يقرأ خلف الإِمام فيما يجهر فيه، وفيما يُخَافِتُ فيه في الأولَيَيْنِ ولا في الأخْرَيَين، وإذا صلى وحده قرأ في الأولَيَيْن، بفاتحة الكتاب وسُورةٍ، ولم يقرأ في الأُخْرَيَيْن بشيء.
• قال محمد: أخبرنا وفي نسخة: محمد قال: ثنا، رمزًا إلى حدثنا محمد بن أبَانَ بن صالح القرشي، عن حماد، عن إبراهيم النَّخعي، عن علقمة بن قَيس، أن عبد الله بن
(1) أخرجه: مسلم (612)، وأبو داود (827)، والنسائي (1054)، وابن ماجه (891)، وأحمد (18683)، والدارمي (1278).
(2)
انظر: شرح فتح القدير (1/ 342).
مسعود كان لا يقرأ خلف الإِمام فيما يجهر فيه، وفيما يُخَافِتُ فيه في الأولَيَيْنِ ولا في الأخْرَيَيْنِ، وإذا صلى وحده قرأ في الأولَيَيْن، بفاتحة الكتاب وسُورةٍ، ولم يقرأ في الأُخْرَيَيْنِ شيئًا.
* * *
121 -
قال محمد: أخبرنا سفيان الثَّوْرِيُّ، قال: حدثنا منصور، عن أبي وائل، عن عبد الله بن مسعود قال: أنْصِتْ للقرآن، فإن فِي الصلاةِ شُغْلًا، وسيكفيك الإِمامُ.
• قال محمد: أخبرنا، وفي نسخة: محمد قال: ثنا رمزًا إلى حدثنا سفيان الثَّوْرِيُّ، تابعي من الطبقة الخامسة، من أهل الكوفة، وفي نسخة: حدثنا عن منصور، عن أبي وائل، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، قال: أنْصِتْ للقراءة، أي: لاستماع قراءة الإِمام، وفي نسخة: للقرآن، فإن فِي الصلاةِ شُغْلًا، وسيكفيك الإِمامُ.
* * *
122 -
قال محمد: أخبرنا بُكَيْرُ بن عامر، قال: حدثنا إبراهيم النَّخَعِيُّ، عن عَلْقَمَة بن قَيس، قال: لأنْ أعَضَّ على جَمْرَة أحَبُّ إلَيَّ من أن أقرأ خَلْفَ الإِمام.
• قال محمد: وفي نسخة: محمد قال: ثنا، رمزًا إلى حدثنا بُكَيْرُ بالتصغير بن عامر، قال: حدثنا إبراهيم النَّخَعِيُّ، عن عَلْقَمَة بن قَيس، وهو أحد أكابر التابعين، قال: لأن أعَضَّ على جَمْرَة، واللام في لأن مفتوحة، جواب لقسم محذوف، وأن مصدرية، وأعض بفتح الهمزة والعين المهملة، وفتح الضاد المعجمة المشددة، فعل مضارع من عض، إذا أخذ بأضراسه وأسنانه، وكلمة على بمعنى من، كما في قوله تعالى: {إِذَا اكْتَالُوا عَلَى
(121) تقدم.
(122)
أخرجه: ابن أبي شيبة (1/ 330) عن الأسود، وفي: القراءة خلف الإِمام للبيهقي (370)، عن عبد الله.
النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ} [المطففين: 2]، إذا اشتروا من الناس، يتممون الكيل والوزن.
قوله: "جمرة" بفتح الجيم، وسكون الميم، وفتح الراء المهملة والهاء، نار خالصته من غير لهب ولا دخان، فالمعنى: والله لأن آخذ بأضراسي في فمي، من نار أحَبُّ إلَيَّ من أن أقرأ خَلْفَ الإِمام، وظاهره الإِطلاق.
قال ابن الهمام: اعلم أن القراءة خلف الإِمام، مكروهة كراهة تحريم؛ لأن الدليل على أن في القراءة خلف الإِمام هو قوله تعالى في سورة الأعراف:{وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا} [الأعراف: 204].
ظني الدلالة؛ فيفيد الوجوب، ومقتضي تركه خلف الإِمام كراهة التحريم، والمواظبة على الصغيرة كبيرة. ويفهم من قول صاحب (الهداية): ويكره عنده لما فيه من الوعيد أن المراد كراهة تحريم.
وطرح بعض مشايخنا بأنها لا تحل خلف الإِمام، وقد عرف ذلك من طريق أصحابنا أنهم لا يطلقون الحرام إلا ما حرمت بقطعي، ولعل القطعي أمر إضافي، وقعت المسألة خلافًا له.
* * *
123 -
قال محمد: أخبرنا إسرائيلُ بن يونس، قال: حدثنا منصور، عن إبراهيم قال: إن أول من قرأ خلف الإِمام رجلٌ اتُّهِمَ.
• قال محمد: أخبرنا، وفي نسخة: محمد قال: ثنا، رمزًا إلى حدثنا إسرائيلُ بن يونس، قال: حدثنا منصور، أي: ابن المعتمر، عن إبراهيم قال: إن أول من قرأ خلف الإِمام رجلٌ اتُّهِمَ، بصيغة المجهول، أي: انتسب إلى بدعة وسمعت.
وقد أخرج عبد الرزاق من قول علي، قال: من قرأ خلف الإِمام فقد أخطأ الفطرة، ذكره ابن الهمام.
* * *
(123) إسناده صحيح.
124 -
قال محمد: أخبرنا إسرائيلُ بن يونس، قال: حدثني موسى بن أبي عائشة عن عبد الله بن شدادِ بن الْهَادِ، قال: أمَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم الناسَ في العصر، قال: فقرأ رجلٌ خلفه فغمزهُ الذي يَليهِ، فلما أن صلى قال: لِمَ غمزتني؟ قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قُدامك. فكرِهْتُ أن تقرأ خلفه، فسمعه النبي صلى الله عليه وسلم فقال:"من كان له إمامٌ فإن قراءَتهُ له قراءَة".
• قال محمد: أخبرنا، وفي نسخة: محمد قال: ثنا، رمزًا إلى حدثنا إسرائيلُ بن يونس، قال: حدثني موسى، وفي نسخة: عنه بدل ابن أبي عائشة عن عبد الله بن شدادِ
(124) أخرجه: أحمد (14684) رواه أسود بن عامر عن حسن بن صالح، وابن أبي شيبة (1/ 330) رواه مالك بن إسماعيل عن حسن بن صالح عن أبي الزبير عن جابر و (1/ 331)، رواه مالك بن إسماعيل عن حسن بن صالح عن أبي الزبير عن جابر، والخطيب البغدادي في التاريخ (10/ 340)، رواية أبي يوسف عن أبي حنيفة عن موسى بن عائشة عن عبد الله بن شداد عن جابر.
والبيهقي في القراءة خلف الإِمام (336)، رواية سفيان وشعيب وأبو حنيفة عن موسى عن عبد الله بن شداد، ولا يوجد ذكر لجابر كما عند الخطيب، و (338) من رواية الحسن بن عمارة وأبو حنيفة عن موسى عن شداد عن جابر، و (403) رواية سليمان بن الفضل عن محمد بن الفضل بن عطية عن أبيه عن سالم بن عبد الله عن معاوية بن يحيى عن الزهري عن سالم عن أبيه شك في رفعه، وابن عدي في الكامل (6/ 89)، رواه الحسن بن صالح عن ليث وجابر عن أبي اليزيد، و (6/ 400) رواه معاوية بن يحيى عن الزهري عن سالم عن أبيه شك في رفعه فذكره.
وابن الجوزي في التحقيق (472)، رواه أسود بن عامر حدثنا حسن بن صالح عن جابر عن أبي الزبير عن جابر و (473) رواه إسحاق بن منصور عن الحسن عن ليث بن أبي سليم وجابر عن أبي الزبير عن جابر، و (482)، رواه أبو يحيى التيمي عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة.
وقال ابن كثير: رواه الإِمام أحمد في مسنده عن جابر مرفوعًا، وهو في موطأ مالك عن وهب بن كيسان عن جابر موقوفًا، وهذا أصح (2/ 281).
وقال البيهقي: معاوية بن يحيى العرفي ضعيف لا يُحتج به، وقد شك في رفعه، ورفعه بهذا الإِسناد باطل، والمحفوظ عن معمر، وابن جريج عن الزهري عن سالم عن أبيه قال: يكفيك قراءة الإِمام فيما يجهر، وقال ابن الجوزي: قالوا هذه الأحاديث كلها ضعاف.
بن الْهَادِ، وفي نسخة: الهادي وهما لغتان وقراءتان، قال: أمَّ أي: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الناسَ إمامًا بالناس، في صلاة العصر، قال: أي: الراوي، فقرأ رجلٌ خلفه وهو مقتدٍ به، فغمزهُ الذي يَليهِ، أي: بقربه وبجنبه، والمعنى: عصر يده أو عضوا آخر من أعضائه تنبيهًا له على خطئه، فلما أن (ق 119) صلى أي: الرجل أو كلًا منهما قال: أي: الرجل لِمَ غمزتَني؟ قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قُدامك. أي: أمامك وأمامي فكرِهْتُ أن تقرأ خلفه، فسمعه النبي صلى الله عليه وسلم أي: كلامنا، أو سؤال الرجل، أو صوته في قراءته، فقال:"من كان له إمامٌ فإن قراءَتهُ قراءَة"، وحيث لم يأمره صلى الله عليه وسلم بإعادة الصلاة. وكذا من سبق أنه نازعه في الصلاة، دل على أنه لم يفسد صلاته، لكن قال السرخسي: تفسد صلاته، في قول عدة من الصحابة، ذكره ابن الهمام.
* * *
125 -
قال محمد: أخبرنا داود بن قيس الفراءُ المَدنيّ، قال: أخبرني بعض وُلْدِ سعد بن أبي وقاص، وقال: إنه ذكر له أن سعدًا قال: وَدِدْتُ أن الذي يقرأ خلف الإِمام في فِيهِ جمرةٌ.
• قال محمد: أخبرنا، وفي نسخة: قال: ثنا رمزًا إلى حدثنا داود بن قيس الفراءُ المَدنيّ، بفتح فكسر، قال: أخبرني بالإِفراد بعض وُلْدِ سعد بن أبي وقاص، رضي الله عنه، وهو بفتح الواو واللام، وبضم فسكون، أي: أولاد سعد، وهو أحد العشرة المبشرين بالجنة، إنه أي: الشأن ذكر له أي: لداود.
أن سعدًا قال: وَدِدْتُ أي: تمنيت وأحببت أن الذي يقرأ خلف الإِمام في فِيهِ أي:
(125) أخرجه: ابن أبي شيبة (3782)، وقال ابن عبد البر: منقطع لا يصح، ولا نقله ثقة، وكذا كل ما رُوي عن عليِّ في هذا الباب فمنقطع لا يثبت ولا يتصل وليست عنه فيه حديث متصل غير حديث عبد الله بن أبي ليلى، وهو مجهول، وزعم بعضهم أنه أخو عبد الرحمن بن أبي ليلى، ولا يصح حديثه.
ولا أعلم في هذا الباب صاحب صح عنه بلا اختلاف أنه قال مثل ما قال الكوفيون إلا جابر بن عبد الله وحده، والله أعلم، (التمهيد)(11/ 50، 51).
فمه جمرةٌ، أي: نار، وقيل: يستحب أن يكسر أسنانه كذا في (الظهرية)، و (شرح النقاية) على ما ذكره الفاضل البرجندي (1) وهو غريب.
* * *
126 -
قال محمد: أخبرنا داود بن سعد بن قيس، قال: أخبرنا محمد بن عَجْلان أن عمر بن الخطاب قال: ليت في فَمِ الذي يقرأ خلف الإِمام حَجَرًا.
• قال محمد: أخبرنا، وفي نسخة: محمد قال: ثنا رمزًا إلى حدثنا داود بن سعد بن قيس الفراء، قال: أخبرنا، وفي نسخة: ثنا رمزًا إلى حدثنا محمد بن عَجْلان، بفتح أوله، أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: ليت في فَمِ الذي يقرأ خلف الإِمام حَجَرًا، أي: ليمنعه عن القراءة أو أراده بهذه العبارة، وفي بعض نسخ هذا الحديث مقدم على ما سبقه.
* * *
127 -
قال محمد: أخبرنا داود بن سعد بن قيس، قال: حدثنا عمر بن محمد بن زيد، عن موسى بن سعد بن زيد بن ثابت، يحدثه عن جده: أنهُ قال: من قرأ مع الإِمام فلا صلاة له.
• قال محمد: أخبرنا، وفي نسخة: محمد قال: ثنا رمزًا إلى حدثنا، داود بن سعد بن قيس، قال: حدثنا عمر بن محمد بن زيد، عن موسى بن سعد بن زيد بن ثابت، يحدثه عن جده: أي: زيد بن ثابت الأنصاري، كاتب الوحي، وأعلم الصحابة بالفرائض، ومن أجلاء أئمة القراءة، مات بالمدينة سنة خمس وأربعين، أنهُ قال: من قرأ مع الإِمام فلا صلاة له أي: كاملة، وقيل: صحيحة، وفي نسخة: مع الإمام، كما قاله علي القاري.
(1) هو عبد الأعلى بن محمد بن حسين البرجندي، فقيه، أصولي، فلكي، حاسب.
وآثاره: شرح مختصر المنار في أصول الفقه، وشرح آداب عضد الدين في آداب البحث، وشرح النقاية مختصر الوقاية، توفي سنة (932 هـ).
(126)
رواه محمد في الحجة (1/ 121)، عن محمد بن عجلان، صدوق، ولم يسمع من عمر.
(127)
أخرجه: عبد الرزاق في مصنفه (2802)، ضعفه ابن عبد البر في التمهيد (11/ 50) بأنه منقطع.