الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يستيقظ حتى طلعت الشمس، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"ليأخذ كل إنسان برأس راحلته؛ فإن هذا منزل حضرنا فيه الشيطان"، قال: ففعلنا ثم دعا بماء فتوضأ، ثم صلى سجدتين، ثم أقيمت الصلاة، فصلى الغدوة، ولهما أن الأصل في السنة أن لا تقضي. وقد ورد هذا الحديث بقضاء سنة الفجر تبعًا، فيبقى ما عدا ذلك على الأصل، كذا قاله علي القاري.
ولما فرغ من بيان حكم التطوع عند إقامة المؤذن بصلاة الفرض، شرع في بيان سنية تسوية الصفوف؛ فقال: هذا
* * *
باب تسوية الصفوف
باب سنية تسوية الصفوف، وهو اعتدال القامة بالصفوف، على نمط واحد، يراد به - أيضًا - سد الخلل؛ الذي في الصف، وإنما جمع مع الغنية عنه بالمفرد - كما في بعض النسخ - تسوية الصفوف على صيغة المفرد؛ تنبيهًا على أن التسوية لازمة في كل صف على حدته، وقد ورد في ذلك أحاديث كثيرة أجمعها حديث ابن عمر رضي الله عنهما، أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أقيموا الصفوف، وحاذوا بين المناكب، وسدوا الخلل، ولا تزروا فرجات للشياطين، ومن وصل صفّا وصله الله، ومن قطع صفّا قطعه الله"(1)، رواه أبو داود، وصححه ابن خزيمة والحاكم.
وهذا يدل على أن عدم تسوية الصفوف وترك الفرجة في خلل الصفوف مكروه للمصلي، كما قاله الفاضل: سيد محمد الزرقاني (2).
97 -
أخبرنا مالك، أخبرني نافع، عن ابن عمر أن عمر بن الخطاب كان يأمر رِجَالًا بتسوية الصفوف، فإذا جاءوه فَأخْبَرُوهُ بتسويتها كبر بعدُ.
(1) أخرجه: أبو داود (666)، والنسائي في المجتبى (818) عن ابن عمر، وأحمد (5696)، والنسائي في الكبرى (893)، والحاكم (774)، وابن خزيمة (1549)، والبيهقي في الكبرى (5288).
(2)
انظر: شرح الزرقاني (4/ 461).
(97)
أخرجه: مالك (362)، وعبد الرزاق في مصنفه (2438)، والبيهقي في الكبرى (2340)، والخلال في السنة (363).
• أخبرنا، وفي نسخة: محمد قال: ثنا، رمزا إلى حدثنا، وفي نسخة أخرى: محمد أخبرنا مالك، أخبرنا، وفي نسخة: أخبرني، بالإِفراد نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما، أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، كان يأمر رِجَالًا أي: من أصحابه بتسوية الصفوف، أي: صفوف الصلاة، يمنة ويسرة، فإذا جاءوه أي: إلى عمر بخبر تسوية الصفوف، فَأخْبَرُوهُ أي: إلى عمر رضي الله عنه بتسوية الصفوف، وفي نسخة: بتسويتها فالفاء في فأخبروه عاطفة، وقوله: كَبَّرَ جواب، إذا أي: قال: الله أكبر بعد، أي: بعد خبرهم بتسويتها، وبعد صلى على الضم؛ لكونه مقطوعًا عن الإِضافة، عن هذا الحديث مختصرًا، لكونه موقوف حقيقة، مرفوع حكمًا.
عن النعمان بن بشير رضي الله عنه أنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسوي صفوفنا، حتى كأنما يسوي القداح، فرأى رجلًا باديًا صدره من الصف، فقال:"يا عباد الله، لتسون صفوفكم، أو ليخالفن الله بين وجوهكم"(1) رواه مسلم وأبو داود والنسائي، كلهم في باب الصلاة بهذا اللفظ.
والمراد به: وجوه القلوب؛ فإن اختلاف القلوب يفضي بهم إلى اختلاف الوجوه، وإعراض بعضهم عن بعض؛ إذ الظاهر عنوان الباطن، فمخالفة الظاهر أوامر الشرع، قد يؤدي إلى كدورة وعداوة فيما بينهم، وقيل: معناه: يحول الوجوه إلى القضاء، فيكون محمولًا على التهديد، وقيل: معناه: يغير صورها إلى صور أخرى.
* * *
98 -
أخبرنا مالك، أخبرنا أبو سُهَيْل بن مالك، وأبو النَّضْر مولَى عُمر بن عُبيد الله، عن مالك بن أبي عامر: أن عثمان بن عفَّان كان يقولُ في خُطبته،
(1) أخرجه: مسلم (436)، وأبو داود (663)، والنسائي (810)، وابن ماجه (994)، وأحمد (17973)، وابن حبان (2175)، وعبد الرزاق في مصنفه (2429)، والبيهقي في الكبرى (2338).
(98)
أخرجه: مالك (227)، وعبد الرزاق في مصنفه (5773)، (2440)، (2442)، (2443)، والشافعي في المسند (297)، والأم (1/ 203)، والبيهقي في الكبرى (5928).
إذا قامت الصلاةُ: فاعْدِلُوا الصُفُوفَ، وحَاذُوا المنَاكِبَ، فإنَّ اعْتِدالَ الصفوف من تمام الصلاة، ثم لا يُكَبِّر حتى يأتيه رِجال قد وَكَّلَهُمْ بتسوية الصفوفِ فيخبرونه أنْ قد استَوَت، فيكبر.
قال محمد: ينبغي للقوم إذا قال المؤذن: حيَّ على الفَلَاح، أن يقوموا فَيصُفُّوا ويُسوُّوا الصفوفَ، ويُحَاذُوا بين المناكبِ، وإذا أقام المؤذنُ الصلاةَ كبر الإِمامُ. وهو قولُ أبي حنيفة.
• أخبرنا، وفي نسخة: محمد قال: ثنا، رمزًا إلى حدثنا، وفي نسخة أخرى: محمد أخبرنا مالك، وفي نسخة قال: ثنا، رمزًا إلى حدثنا، وفي نسخة: ثنا، وفي نسخة أخرى: أخبرني، بالإِفراد: أبو سُهَيْل (1) بالتصغير، اسمه نافع بن مالك، وأبو النَّضْر (2) بالمعجمة مولَى عُمر بن عُبيد الله، عن مالك بن أبي عامر، الأنصاري، الأصبحي، سمع من عمر، وهو من كبار التابعين، ثقة، روى له الجميع، مات سنة أربع وسبعين على الصحيح (3)، أن عثمان بن عفَّان رضي الله عنه، كان يقولُ في خُطبته - إذا قامت الصلاةُ - فاعْدِلُوا الصُفُوفَ، أي: أقيموها معادلة متساوية، وحَاذُوا أي: سووا بالمنَاكِبَ، وهو كالتفسير لما قبله مع الإِيماء إلى الاتصال؛ فإنَّ اعْتدالَ الصفوف من تمام الصلاة، أي: من كمال صلاة الجماعة وهو داخل في مفهوم قوله تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ} [البقرة: 43].
ولذا لم يقل: صلوا؛ فالفاء تعليلية، فعلم أن تمام الصلاة علة الأمر باعتدال الصفوف وبتسوية المناكب، ثم أي: بعد أمر عثمان بن عفان رضي الله عنه إلى أصحابه بتسوية الصفوف لا يُكَبِّر أي: التحريمة حتى يأتيه رِجال أي: من أصحابه، قد وَكَّلَهُمْ بتشديد الكاف المفتوحة، من التوكيل بتخفيفها؛ أي: تفويض الأمر إلى آخر بتسوية الصفوفِ، أي: أمرًا وفعلًا، فيخبرونه هكذا في الأصل، أي: فهم يخبرونه، والأظهر أن
(1) انظر: التقريب (2/ 618 - 619).
(2)
انظر: التقريب (1/ 194).
(3)
انظر: التقريب (2/ 567).
يكون فيخبرونه، كما هنا أنْ بفتح الهمزة وسكون النون (ق 102) خفيفة من الثقيلة، وضمير الشأن محذوف، وفي بعض النسخ أنه إثبات ضمير الشأن قد استَوَت، أي: الصفوف فيكبر، أي: يقول عثمان بن عفان: الله أكبر، للافتتاح.
قال الباجي من علماء المالكية: مقتضاه أنه وكل من يسوي الناس في الصفوف، وهو سنة.
قال محمد: ينبغي أي: يستحب للقوم، وهو يشمل الإِمام وغيره إذا قال المؤذن: حيَّ على الفَلَاح، أي: الأول والثاني، وهو أقرب أن يقوموا إلى الصلاة، ليصح أخبار المؤذن بقوله: قد قامت الصلاة، على الحقيقة وإلا فيكون مجازًا، أي: قربت قيامها، فمحل كلمة "أن يقوموا" مرفوع على أنه فاعل لقوله ينبغي، فَيصُفُّوا بضم الصاد وتشديد الفاء، من صففت القوم من باب نصر، أقمتم في الحرب وغيرها صفًا، وجاء لازم أيضًا ومنه يصف النساء خلف الرجال، ولا يصف معهم، وهذا المعنى هو المناسب هنا، والمعنى: فيصفوا ويُسوَّوا الصفوفَ، ويُحَاذُوا بين المناكبِ، وإذا أقام المؤذنُ الصلاةَ أي: إذا قال المؤذن: قد قامت الصلاة، كبر الإِمامُ، وهو تكبير الإِمام حين قال المؤذن: قد قامت الصلاة، وهو قولُ أبي حنيفة، رحمه الله.
وحكم المصنف بأن المؤذن إذا قال: قد قامت الصلاة، كبر الإمام يدل على أن الحديث الموقوف، وهو حديث عثمان بن عفان رضي الله عنه معمول به، ويحتج به، ولكنه مرفوع حكمًا، لما رواه أبو داود في الصلاة، عن النعمان بن بشير رضي الله عنه أنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسوي صفوفنا إذا قمنا إلى الصلاة، فإذا سوينا كبر (1).
وهذا يدل على أن السنة للإِمام أن يسوي الصفوف، ثم يكبر، كذا في (المصابيح) في باب تسوية الصفوف.
وهذه السنة قد ماتت في زماننا هذا، فيلزم على الإِمام والقوم أن يحيياها.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ أحيا سنتي عند فساد أمتي، حلت له شفاعتي يوم القيامة".
(1) أخرجه: أبو داود (665)، والبيهقي في الكبرى (2339)، وأبو عوانة (1380).