الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وزمانة وشيخوخة، وتكرار فقه بجماعة تفوته، وحضور طعام تشوقه نفسه، وإرادة سفر تهيأ له، وقيام بمريض، وشدة ريح ليلًا، وإذا انقطع عن الجماعة لعذر من الأعذار المبيحة للتخلف من الجماعة وكانت نيته حضورها لولا العذر الحاصل يحصل بها ثوابها، لقوله صلى الله عليه وسلم:"إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئٍ ما نوى".
لما فرغ من بيان شروع كيفية الوضوء (ق 25) شرع في بيان كيفية الوضوء، فقال: هذا
* * *
باب غسل اليدين في الوضوء
في بيان كيفية غسل اليدين في ابتداء الوضوء، بضم الواو، وقد مر معنى الباب لغةً وعرفًا، إنما أفرد المصنف رحمه الله هذا الباب بالذكر مع أنه ذكر غسل اليد في حديث عبد الله بن زيد بن عاصم في باب ابتداء الوضوء كإشارة إلى شرفية اليد.
فإن بها الأخذ والإِعطاء والإِعانة على سائر الأعضاء، واللبس والخلع به، والاستنجاء، والوضوء، فإن قيل: لِمَ لَمْ يعطف قوله: غسل اليدين على قوله: فأحسن الوضوء ولم يقل: من توضأ فأحسن وضوءه وغسل اليدين في الوضوء؟ قلت: إنَّ عطفه عليه يلزم عطف الشيء على نفسه في ضمن عطفه على ما يشتمل عليه، وهذا غير جائز، فلهذا أفرد هذا الباب بالذكر. محمد قال، كذا في نسخة.
9 -
أخبرنا مالك، أخبرنا أبو الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"إذا استيقظ أحدكم من نومه فليغسل يديه قبل أن يدخلهما في وضوئه؛ فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده".
قال محمد: هذا حسن، وهكذا ينبغي أن يفعل، وليس من الأمر الواجب الذي إن تركه تارك أثم، وهو قول أبي حنيفة.
(9) أخرجه: البخاري (162)، ومسلم (278)، وأبو داود (103)، (105)، والترمذي (24)، والنسائي (1)، (161)، وابن ماجه (393)، وأحمد (7240)، (9671)، ومالك (40).
• أخبرنا مالك، قال: أخبرنا، وفي نسخة: حدثنا، وفي نسخة أخرى: بنا، رمزًا إلى أخبرنا أبو الزناد؛ عبد الله بن ذكوان، كان في الطبقة الخامسة من طبقات كبار التابعين من أهل المدينة.
قال بعض المؤرخين: مات سنة ثلاثين ومائة، عن الأعرج، عبد الرحمن بن هرمز، كان من الطبقة الثالثة من طبقات كبار التابعين، مات في الأسكندرية سنة عشر ومائة، وهو في الإِقليم الثالث من الأقاليم السبعة، عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: "إذا استيقظ أحدكم أي: انتبه من نومه، وفي رواية: من منامه، فليغسل بزيادة يده بالإِفراد، زاد مسلم وغيره: ثلاثًا، وفي رواية: ثلاث مرات، قبل أن يدخلها في وضوئه؛ بفتح الواو، أي: في الماء الذي يتوضأ به على الشك.
ولمسلم وابن خزيمة وغيرهما من طرق: "فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها" وهي أبين في المراد من رواية للإِدخال؛ لأن مطلق الإِدخال لا يترتب عليه كراهة كمن أدخل يده في إناء واسع فاغترف منه بإناء صغير لم يلامس يده بالماء.
قال الحافظ ابن حجر: والظاهر اختصاص ذلك بالوضوء، وملحق به إناء الغسل، وكذا في الآنية قياسًا، لكن في الاستحباب بلا كراهة لعدم النهى فيها عن ذلك، وخرج بالإِناء البدل والحياض التي لا تفسد بغمس اليد فيها على تقدير نجاستها فلا يتناولها النهي والأمر والاستحباب عند الجمهور؛ لأنه علله بالشك في قوله: فإن أحدكم لا يدري: أين باتت أي: في أي موضع من جسده صارت يده، أي: كفه، أي: هل لاقت يده في مكان طاهر منه أو نجس؟ ومقتضى الظاهر أن يقول صلى الله عليه وسلم، فإنه وعدل عن مقتضاه ووضع المظهر موضع المضمر، فقال: فإن أحدكم لزيادة تمكن الحاكم عند السامع، كما قال تعالى:{وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ} [الإسراء: 105]، ولم يقل: وبه نزل، وكذا قاله السعد الدين التفتازاني في (شرح التلخيص).
ومقتضاه إلحاق من شك في ذلك، ولو متيقنًا، ومفهومه: أن من درى أين باتت يده كمن لف عليها خرقة مثلًا فاستيقظ وهي على حالها لا كراهة في إدخالها في الإِناء، وأن من غسلها كالمستيقظ، ومن قال: الأمر للتعبد كمالك لا يفرق بين شاك ومتيقن، وحمله أحمد على الوجوب في نوم الليل دون نوم النهار، وعنه رواية استحبابه في نوم النهار
واتفق على أنه لو غمس يده تضر الماء كما قاله الزرقاني.
وحُكِي أن رجلًا سقيم الاعتقاد (ق 26)، سمع هذا الحديث فقال: أنا أدري أين باتت يدي، فلما كان من الليلة الثانية استيقظ من نومه وجد يده في دبره إلى رسغه، والحديث رواه مالك والشافعي، وأصحاب الكتب الستة عن أبي هريرة، رضي الله عنه بلفظ:"إذا استيقظ أحدكم من نومه فلا يدخل يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثًا، فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده"، قاله علي القاري.
وقال البيضاوي: فيه إيماء عن أن الباعث على الأمر بذلك احتمال النجاسة؛ لأن الشارع إذا ذكر حكمًا وعقبه بعلة، دلت على أن ثبوت الحكم لأجلها، ومثله قوله في حديث المحرم الذي سقط ومات:"فإنه يبعث ملبيًا"، بعد نهيهم عن تطيبه فنبه على علة النهي وهي كونه محرمًا.
وعبارة الشيخ أكمل الدين: إذا ذكر الشارع حكمًا وعقبه أمرًا مصدرًا بالفاء، وكان ذلك إيماءً إلى ثبوت الحكم لأجله، نظيره "الهرة ليست نجسة فإنها من الطوافين عليكم والطوافات"(1)، واستشكل هذا التركيب بأن التقاء الدراية لا يتعلق بلفظ أين باتت يده، ولا بمعناه الاستفهام، ولا يقال: لا يدري الاستفهام، وأجيب بأن معناه لا يدري تعيين الموضع الذي باتت يده فيه، ففيه مضاف محذوف وليس استفهامًا وإن كان على صورته، كما قاله الزرقاني.
قال محمد: هذا أي: الأمر المستفاد من لفظ فليغتسل، حسن، أي: أمر مستحسن، وهكذا، أي: مثل كون الأمر الاستحباب، ينبغي أن يفعل، على صيغة المفعول، أي: على طريق السنة، وليس، أي: هذا الأمر، من الأمر الواجب أي: الاعتقادي أو العملي الذي إن تركه، أي: المأمور عليه، تارك عمدًا، فهو أثم، على صيغة الماضي جواب الشرط، وفي نسخة: يأثم على صيغة المضارع، وهو أي: كون الأمر للإِباحة قول أبي حنيفة وسائر الفقهاء الهمام.
(1) أخرجه: أبو داود (75)، والترمذي (92)، والنسائي (68)(340)، وابن ماجه (367)، وأحمد (22022)، والدارمي (736)، ومالك (44)، وقال الترمذي: حسن صحيح.