المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب في بيان أحكام وقت الصلاة - المهيأ في كشف أسرار الموطأ - جـ ١

[عثمان الكماخي]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة المحقق

- ‌موطأ محمد وما يمتاز به

- ‌ترجمة الشارح

- ‌من آثاره:

- ‌وفاته:

- ‌ترجمة محمد بن الحسن

- ‌شيوخه:

- ‌جملة من أصحابه وتلاميذه:

- ‌ثناء الأئمة على محمد:

- ‌تصانيف الإمام محمد بن الحسن:

- ‌وفاة الإمام محمد بن الحسن - رضى الله عنه

- ‌أبواب الصلاة

- ‌باب في بيان أحكام وقت الصلاة

- ‌باب ابتداء الوضوء

- ‌باب غسل اليدين في الوضوء

- ‌باب الوضوء في الاستنجاء

- ‌ باب الوضوء من مس الذكر

- ‌باب في بيان الأحاديث التي تدل على عدم لزوم الوضوء مما أي: من أجل أكل الطعام الذي غيرت، أي: مسته النار

- ‌باب في بيان حكم حال الرجل والمرأة يتوضآن من إناء واحد

- ‌باب في بيان الوضوء من الرُّعاف

- ‌باب في بيان الغسل، أي: غسل الثوب من بول الصبي

- ‌باب في الوضوء من المذي

- ‌باب في بيان عدم جواز الوضوء من ماء قليل يشرب منه السباع وتلغ فيه السباع

- ‌باب في بيان جواز الوضوء بماء البحر

- ‌باب في بيان أحكام المسح على الخفين

- ‌باب في بيان أحكام المسح على العمامة والخمار

- ‌باب في بيان أحكام الاغتسال من الجنابة

- ‌باب في بيان الأحكام التي تتعلق إلى الرجل الذي تصيبه الجنابة من الليل أي: بعض أجزاء الليل

- ‌باب في بيان أحكام الاغتسال يوم الجمعة

- ‌باب في بيان أحكام الاغتسال في يوم العيدين

- ‌باب في بيان أحكام التيمم بالصعيد

- ‌باب في بيان حكم حال الرجل الذي يصيب، أي: يقبل امرأته، وهي حائض

- ‌باب في بيان إذا التقى الختانان، هل يجب الغسل

- ‌باب في بيان حال الرجل ينام هل ينقض ذلك - أي: النوم - وضوءه؟ الرجل والمرأة في هذا الحكم سواء

- ‌باب المرأة ترى في منامها ما يرى الرجل

- ‌باب المستحاضة

- ‌باب المرأة ترى الصفرة أو الكدرة

- ‌باب المرأة تغسل بعض أعضاء الرجل وهي حائض

- ‌باب الرجل يغتسل ويتوضأ بسؤر المرأة

- ‌باب الوضوء بسؤر الهرة

- ‌باب في بيان أحكام الأذان والتثويب

- ‌باب في بيان فضل المشي إلى الصلاة وفضل المساجد

- ‌باب الرجل يصلي وقد أخذ المؤذن في الإقامة

- ‌باب تسوية الصفوف

- ‌باب افتتاح الصلاة

- ‌باب القراءة في الصلاة خلف الإمام

- ‌باب الرجل يسبق ببعض الصلاة

- ‌باب الرجل يقرأ بالسور في الركعة من الفريضة

- ‌باب الجهر بالقراءة في الصلاة وما يستحب من ذلك

- ‌باب التأمين في الصلاة

- ‌باب السهو في الصلاة

- ‌باب العبث بالحصا في الصلاة وما يكره من تسويته

- ‌باب التشهد فى الصلاة

- ‌باب السنة في السجود

- ‌باب الجلوس في الصلاة

- ‌باب صلاة القاعد

- ‌باب الصلاة في الثوب الواحد

- ‌باب صلاة الليل

- ‌باب الحدَثِ في الصلاة

- ‌باب فضل القرآن وما يُسْتَحَبُّ من ذكر الله عز وجل

- ‌باب الرجل يُسَلَّم عليه وهو يصلي

- ‌باب الرجلان يصليان جماعة

- ‌باب الصلاة في مَرَابِض الغنم

- ‌باب الصلاة عند طلوع الشمس وعند غروبها

- ‌باب الصلاة في شدة الحر

- ‌باب الرجل ينسى الصلاة أو يفوته وقتها

- ‌باب الصلاة في الليلة المطيرة وفضل الجماعة

- ‌باب قَصْرِ الصلاة في السفر

- ‌باب المسافر يدخل المِصْرَ أو غيره متى يُتِمُّ الصلاة

- ‌باب القراءة في الصلاة في السفر

- ‌باب الجمع بين الصلاتين في السفر والمطر

- ‌باب الصلاة على الدابة في السفر

- ‌باب الرجل يصلي فيذكر عليه صلاة فائتة

- ‌باب الرجل يصلي المكتوبة في بيته ثم يدرك الصلاة

- ‌باب الرجل تحضره الصلاة والطعام، بأيهما يبدأ

- ‌باب فضل العصر والصلاة بعد العصر

- ‌باب وقت الجمعة وما يستحب من الطيب والدهان

- ‌باب القراءة في صلاة الجمعة وما يستحب من الصمت

- ‌باب في بيان أحكام صلاة العيدين وبيان أمر الخطبة

- ‌باب في بيان حكم صلاة التطوع قبل صلاة العيد أو بعده

- ‌باب في حكم القراءة في صلاة العيدين

- ‌باب في بيان كمية التكبير وكيفيته في العيدين

- ‌باب قيام شهر رمضان وما فيه من الفضل

- ‌باب في بيان حكم دعاء القنوت في صلاة الفجر

- ‌باب في بيان فضل صلاة الفجر في الجماعة

- ‌باب طول القراءة في الصلاة وما يستحب من التخفيف

- ‌باب بيان حكم صلاة المغرب وتر صلاة النهار

- ‌باب في بيان أحكام صلاة الوَتْر

- ‌باب الوتر على الدابة

- ‌باب تأخير الوتر

- ‌باب في بيان حكم السلام في أثناء الوتر

الفصل: ‌باب في بيان أحكام وقت الصلاة

‌أبواب الصلاة

‌باب في بيان أحكام وقت الصلاة

وفي نسخة: مواقيت، كما في صحيح البخاري، لكن الأول أحسن؛ لأنها لا تشتبه بمواقيت الإِحرام للحاج، وهي جمع الميقات، وهو موضع الإِحرام، وهو، أي: لفظ الوقوت بضم الواو والقاف: أزمنة الصلوات المفروضة، وإضافة الباب إلى الوقوت بمعنى: في كما قدرناه، وإضافة الوقوت إلى الصلاة من قبيل إضافة السبب إلى المسبب، وقدم هذا الباب على سائر أبواب الكتاب؛ لأنها أصل في وجوب الصلاة؛ فإنها عبادة مقدرة بالأوقات، قال الله تعالى في سورة النساء:{إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} [النساء: 103]، أي: فرضًا موقتًا، وفي رواية ابن بُكير: أوقات، وهي جمع قلة، وهو الأظهر لكون الصلوات خمسة، لكن رواية الأكثرين: وقوت، وهي جمع كثرة؛ لأنها وإن كانت خمسة، لكن لتكررها كل يوم صارت كأنها كثيرة، كقولهم: شموس وأقمار، باعتبار ترددهما مرةً بعد مرة؛ لأن الصلوات فرضت خمسين أولًا، ثم عفيت فبقيت على خمس، وثوابها كثواب خمسين، كما قال تعالى في حديث المعراج:"هُنَّ خمسٌ وهن خمسون"؛ ولأن كل واحد من الجمعين، أي: جمع القلة وجمع الكثرة، يقوم مقام الآخر توسعًا يشتركان في المبدأ من ثلاثة، ويفترقان في الغاية على ما ذهب بعض المحققين، أو لأن لكل صلاة ثلاث أوقات: اختياري، وضروري، وقضاء.

قال محمد بن الحسن بن عبد الله بن طاوس بن هرمز بن ملك بن فرقد بن شيبان الكوفي، وهي بلدة في الإِقليم الثالث من الأقاليم السبعة، كان أصله من قرية تسمى حرزنا من قرى الشام، قدم أبوه من العراق وولد في واسط في سنة خمس وثلاثين ومائة. وقال بعض المؤرخين: إن محمد بن الحسن ولد في واسط في سنة إحدى وثلاثين ومائة أو اثنتين وثلاثين ومائة، وهو ابن ثمان وخمسين سنة، ونشأ بالكوفة ومات فيها، ودفن في الرِّي، كان في الطبقة السابعة من طبقات أتباع التابعين من الفقهاء والمحدثين من أهل الكوفة، وقد صحب سلطان المجتهدين في المذاهب برهان الأئمة في المشارق

ص: 39

والمغارب الإِمام الأعظم (ق 8)، والهُمام الأكرم: أبا حنيفة نعمان بن ثابت بن طاوس بن هرمز بن ملك بن شيبان الكوفي، وأخذ الفقه والحديث عنه قبل الحُلُم وبعده، فلما مات أستاذه أبو حنيفة، أخذه عن شريكه: أبي يوسف يعقوب بن إبراهيم بن خبيب بن ختير بن سعد بن حبة، وعن: مالك بن أنس بن مالك بن عمير بن أبي عامر الأصبحي، وغيرهم من ثلاث وأربعين رجلًا أخرج عنهم محمد في (موطئه) ألف حديث، وقال: قد أقمتُ على مالك ثلاث سنين وجمعت منه سبعمائة حديث.

قوله: قال محمد بن الحسن، أوقع الماضي موضع المستقبل لقوة رجائه، أو لإظهار الرغبة في حصوله، وإن لم يكن حاصلًا، أو ليحكي به عن الفراغ، أو لتقدم المقول في الوجود كما قال المناوي في (شرح الشمائل للترمذي).

* * *

1 -

قال محمد بن الحسن: أخبرنا مالكٌ، عن يَزيدَ بنِ زياد، مولى لبني هاشم، عن عبد الله بن رافع مولى أم سلمةَ زوج النبي صلى الله عليه وسلم، عن أبي هريرة، أنَّه سأَلهُ عن وقْت الصلاة؟ فقال أبو هريرة: أنا أخْبِرُك: صلِّ الظهر إذا كان ظلُك مثلَك، والعصر إذا كان ظلُك مثلَيْك، والمغربَ إذا غَرَبَتِ الشمسُ. والعشاءَ ما بينك وبين ثُلثُ الليل، فإن نِمْت إلى نصف الليل فلا نامتْ عَيْنُك، وصلّ الصبح بِغَلَسٍ (1).

قال محمد: وهذا قول أبي حنيفة في وقت العصر، وكان يرى الإِسْفَار بالفجر، وأما في قولنا: فإنَّا نَقُولُ: إذا زاد الظل على المِثْلِ فصار مثلَ الشيءِ وزيادةً من حين زالت الشمس فقد دخل وقتُ العصر.

وأما قول أبو حنيفة فقال: لا يدخل وقت العصر حتى يصيرَ الظل مِثْليهِ.

• أخبرنا مالكٌ، بن أنس بن مالك بن عمير بن أبي عامر بن الحارث بن عثمان بن حنبل

(1) صحيح، أخرجه: مالك (19)، وعبد الرزاق في مصنفه (2041).

ص: 40

ابن عمرو بن الحارث، من بني حمير نسبًا الأصبحي، وهو صاحب المذهب، إمام الحجاز، بل للناس في الحدث والفقه، هو الإمام المشهور من الأئمة الأربعة، كان في الطبقة السابعة من طبقات كبار التابعين، والمحدثين من أهل المدينة، ولد سنة تسعين وثلاث، ومات سنة تسع وسبعين ومائة، كذا قاله الذهبي في (الكاشف)(1).

وقال بعض المؤرخين كالواقدي: كان الإِمام مالك ابن تسعين سنة، ومكث في بطن أمه ثلاث سنين، ووهم بعضهم أن أنس أبا مالك الإمام الحجاز أنس بن مالك خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس كذلك؛ لأن أبا أنس خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم مالك بن النضر بن ضمضم الخزرجي، وأبا الإِمام مالك بن ضمضم الخزرجي، وأبا الإِمام مالك أنس بن مالك بن عمير أبي عامر الأصبحي، وهو خلاف الخزرجي، والأصبح ملك من ملوك اليمن يقال له: ذو أصبح، كما قاله أبو الفرج عبد الرحمن بن الجوزي الحنبلي (2).

قال النووي: قد جرت العادة بالاختصار على الرمز في أخبرنا وحدثنا، واستمر الاصطلاح من قديم الأعصار إلى زماننا هذا، واشتهر بذلك بحيث لا يخفى فيكتبون من أخبرنا: أنا، زاد ابن الصلاح فيه: أرنا، وزاد الشيخ الجزري فيه: أبنا ورنا، ونقل بعض عنه أنه قال في وجوه اختصار أخبرنا: بنا أيضًا بالموحدة والنون، ويكتبون من حدثنا: ثنا بالثاء والنون والألف، وربما حذفوا المثلثة ويقتصرون بالنون والألف، وربما يكتبون: دنا بالدال المهملة قبل نا. انتهى.

ويُفهم من كلام ابن الصلاح وابن العراقي أنهم يكتبون في هذا: دثنا بزيادة المثلثة أيضًا، قال ابن الصلاح: وليس بحسن ما يفعله طائفة من كتابة: أخبرنا بالألف مع علامة: بنا فيكون: أبنا، وإن كان الحافظ البيهقي ممن فعله، قال ميرك: وكان وجه عدم الحسن أنه ربما يشتبه باختصار أنبأنا، فإنهم يقتصرونه بأبنا، واعلم أنه لا فرق بين التحديث والإِخبار والإنباء والسماع عند المتقدمين كالزهري ومالك وابن عيينة ويحيى القطان وأكثر الحجازيين والكوفيين، وهو قول أبي حنيفة وصاحبيه، وعليه استمر عمل أهل المغاربة.

(1) انظر: الكاشف (3/ 205).

(2)

انظر: صفة الصفوة (2/ 136).

ص: 41

وروى بعض المتأخرين كأئمة الحلواني وغيره إلى حافظ الدين البخاري التفرقة بين صيغ الأداء بحسب افتراق التحمل فيخصون الحديث والسماع بما يلفظ به الشيخ وسمع الراوي عنه، والأخبار بما (ق 9) يقرأ به التلميذ على الشيخ، وهذا مذهب ابن جريج والأوزاعي والشافعي وجمهور أهل المشرق، ثم أحدث أتباعهم تفصيلًا آخر، فمن سمع وحده من لفظ الشيخ أفرد فقال: حدثني وسمعت، ومن سمع مع غيره جمع فقال: حدثنا وسمعنا، ومن قرأه بنفسه على الشيخ أفراد فقال: أخبرني، ومن سمع بقراءة غيره جمع فقال: أخبرنا، وكذا خصوا الإنباء بالإِجازة التي يشافه بها الشيخ من يجيزه، وكل هذا مستحسن عندهم، وليس بواجب عندهم، وإنما أرادوا التمييز بين أحوال التحمل وظن بعضهم أن ذلك على سبيل الوجوب فتكلف بالاحتجاج له وعليه بما لا طائل تحته، نعم يحتاج المتأخرون إلى مراعاة الاصطلاح المذكور؛ لأنه صار حقيقة عرفية عندهم، فمن يجوز عنها احتاج إلى الإِتيان بقرينة تدل على مراده وإلا، فلا يُؤمن من اختلاط المسموع بالمجاز وبعد تقرر الاصطلاح ولا يحتمل ورد من ألفاظ متأخرين على محل واحد بخلاف المتقدمين، هذا واختلفوا في القراءة على الشيخ: هل تساوي السماع من لفظه، أو هي دونه، أو فوق؟ على ثلاثة أقوال، فذهب مالك وأصحابه ومعظم أهل الحجاز والكوفة والنجار إلى التسوية بينهما، وذهب أبو حنيفة وابن أبي ذئب إلى ترجيح القراءة على الشيخ على السماع من لفظه، ورواه الخطيب في (الكفاية) عن مالك أيضًا والليث بن سعد، وشعبة وابن لهيعة ويحيى بن سعيد ويحيى بن عبد الله بن بكير وغيرهم، وذهب جمهور أهل المشرق إلى ترجيح السماع من لفظ الشيخ على القراءة عليه.

قال زين الدين العراقي: وهو الصحيح، قلت: ولعل وجهه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ القرآن والحديث على أصحابه، فيأخذون عنه، وكذا كانوا يؤدونها إلى التابعين وأتباعهم، كذا قاله علي القاري في (شرح الشمائل).

قال الكرماني: إنه إذا قرأ الشيخ على التلميذ يقال: حدثنا، وإذا قرأ هو على الشيخ يقال: أخبرنا، كما مر عن يزيد متعلق بأخبرنا حال من الفاعل المذكور، أو المفعول المقدر، أي: أخبرنا مالك هذا الحديث حال كونه راويًا عن يزيد أو مرويًا عنه، وجوز كونه استينافًا بيانيًا جوابًا لمن سئل عمن يحدثه، كذا قاله في (شرح الشمائل)، وهو بالتحتية المفتوحة والزاي المعجمة والتحتية الساكنة وبعدها دال مهملة غير منصرف للعلمية ووزن الفعل

ص: 42

ابن زياد بكسر الزاي المعجمة والتحتية المخففة، وبعدها ألف ودال مهملة.

اعلم أن كلمة عن في اصطلاح المحدثين محتملة للسماع والإِجازة، لكنَّ عنعنة المعاصر محمولة على السماع، سواء ثبت الملقى بينهما أم لا عند الجمهور، خلافًا للبخاري؛ حيث يشترط الملقى ولا شبهة في ثبوت الملقى بين الإِمام محمد بن الحسن ومشايخه الكرام، فتنبه في هذا المقام. كما روى أبو حنيفة نعمان بن ثابت عن حماد بن مسلم أبي سليمان الأشعري مولى إبراهيم بن أبي موسى الأشعري، تابعي كوفي سمع عن إبراهيم النخعي، كذا قاله علي القاري في (شرح المسند لأبي حنيفة).

قال في (القاموس): النخعي محركة قبيلة في اليمن، انتهى، وهو، أي: يَزيدَ بنِ زياد، مولى، أي: من قبيلة بني هاشم.

قال عبد الرحيم بن الحسين العراقي في (شرح الألفية من أصول الحديث): ومن المهمات للمحدثين معرفة الموالي من العلماء والرواة، وأهم ذلك أن ينسب إلى القبيلة مولى لهم مع إطلاق النسب، فربما ظن أنه منهم صلبية بحكم ظاهر الإِطلاق .. انتهى.

وكان (ق/ 10) يزيد بن زياد دمشقيًا ثقة يروي عن: الزهري وسليمان بن حبيب، وعنه: وكيع وأبو نعيم، وكان من الطبقة الخامسة من طبقات التابعين والمحدثين من أهل دمشق، وهي كانت في الإِقليم الثالث من الأقاليم السبعة من وجه الأرض، مات سنة ست وثلاثين بعد المائة من الهجرة (1).

عن عبد الله بن رافع أي: ابن خديج، بفتح الخاء المعجمة وكسر الدال المهملة، وسكون التحتية فالجيم، المخزومي مولى أي: معتق. أم سلمةَ قيل: اسمها هند رضي الله عنها، زوج النبي صلى الله عليه وسلم، يُكنى أبا رافع المدني، ثقة كان في الطبقة الثالثة من طبقات التابعين والمحدثين من أهل المدينة، كانت في الإِقليم الثاني من الأقاليم السبعة، وكانت أم سلمة بنت أربع وثمانين سنة، وماتت سنة تسع وخمسين من الهجرة، ودفنت بالبقيع، عن أبي هريرة، رضي الله عنه، أنه أي: أن عبد الله بن رافع بن خديج، سأَلهُ، أي: أبا هريرة عن وقْت الصلاة؟ أي: الواحدة أو الجنس، فلفظ أخبرنا متعد إلى ثلاثة مفاعيل: الأول نا،

(1) انظر: التقريب (2/ 671).

ص: 43

والأخيران جملة أنه سأله، فقال أبو هريرة رضي الله عنه، قال أبو عمر ابن عبد البر: وقف هذا الحديث رواة الموطأ والمواقيت لا تؤخذ بالرأي ولا تدرك بالتوقيف، يعني هذا الحديث موقوفًا لفظًا مرفوع حكمًا، وقد روى حديث المواقيت مرفوعًا بأتم من طريق عبد الله بن رافع، أخرجه النسائي بإسناد صحيح عن أبي هريرة كما قاله الزرقاني (1).

أنا أخْبِرُك: فتقديم المسند إليه للتخصيص ردٌ على من زعم انفراد غير المسند إليه المذكور بالخبر الفعلي، أو زعم مشاركة غير المسند إليه معه في الخبر الفعلي فيكون قصر القلب إذا كان الرد زعم من زعم انفراد غير أبي هريرة في الخبر كأنس بن مالك مثلًا يقول لعبد الله بن رافع: أنا أخبرك، صلِّ الظهر إذا كان ظلك مثلك أو قصر أفراد إذا كان الرد زعم من زعم أن غير أبي هريرة رضي الله عنه مشاركة معه في الخبر مثل: نحن نخبرك يا عبد الله بن رافع، صل الظهر إذا كان ظلك مثلك كما قاله السعد الدين التفتازاني في (شرح التلخيص): صلِّ الظهر إذا كان ظلُك، أي: مثلًا مثلك، أي: مقدار قامتك يعني: صل الظهر إذا كان ظل كل شيء مثله في الطول سوى ظل الزوال، وعلى تقدير أمره إذا صلى في آخر وقت الظهر جوازًا كما أشار إلى أول الوقت جوازًا بقوله: والعصر، أي: صل صلاة العصر، إذا كان ظلك مثلَيْك، أي: مثلي قامتك من غير فيء، والزوال، أي: ظله وهذا بظاهره يؤيد قول مالك بالاشتراك وفيه تنبيه على أنه بين الوقتين وقت مهمل كما هو رواية الحسن عن أبي حنيفة رحمه الله، والمغرب، أي: صل المغرب إذا غَرَبَتِ الشمسُ. وأوله هو الوقت المختار عند الكل، والعشاءَ بالنصب ما بينك، أي: ما بين وقتك من غروب الشفق، قيل لعله صحَّف بقوله: ما بينه وبين ثُلثُ الليل، بضمتين وتسكين الثاني وهو الوقت المختار، وإلا فوقت جوازه إلى آخر الليل وكذا وقت الوتر، وهو أي: الوتر تابع للعشاء، فإن نِمْت بسكر النون، أي: رقدت من أول العشاء قبل أداءها إلى نصف الليل فلا نامتْ عيناك، وهذا دعاء عليه لما فعل من المكروه، وهو تأخير العشاء عن وقته الأفضل مع نومه على أن السهر في ذلك الوقت هو الأكمل أو أخبار يعني (ق 11)، أن أبا هريرة رضي الله عنه لكمال اعتماده وحسن ظنه على عبد الله بن رافع بأنه لا يرقد في فراشه بعد نصف الليل قال له: فإن نمت إلى نصف الليل فلا نامت عيناك،

(1) انظر: شرح الزرقاني (1/ 37).

ص: 44

حتى قال بعضهم: إن الوقت المختار هو نصف الليل، وقيد نصفه في الشتاء لطول ليله، وثلثه في الصيف لقصر ليله، جمعًا بين الروايتين وفي (مسند البزار) عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من نام قبل العشاء فلا نامت عيناه"، وصلّ الصبح، أعاد العامل اهتمامًا أو لطول الفصل بالكلام، بِغَلَسٍ، بفتح الغين المعجمة واللام، وبعدها سين مهملة، أي: ظلمة آخر الليل إذا اختلط بضوء الصباح، وأشار أبو هريرة رضي الله عنه فيه إلى وقت الجواز اتفاقًا على اختلاف في الوقت المختار، وهو عندنا الإِسفار كما قاله المصنف رحمه الله في (الآثار)، ولا خلاف في سنية التغليس بفجر مزدلفة.

قال محمد بن الحسن، أي: في تفسير هذا الحديث: وهذا وفي نسخة: لم توجد الواو، أي المعنى المذكور في حديث أبي هريرة رضي الله عنه، قول أبي حنيفة رحمه الله، أي: بظاهره، في وقت العصر، أي: على خلاف قول الجمهور على ما سيأتي، وكان يرى أي: والحال أن أبا حنيفة يختار وقت الإِسْفَار أي: البياض الخالص بالفجر لحديث: "أسفروا بالفجر فإنه أعظم الأجر"(1)، رواه الترمذي وغيره، وقال: هذا حديث حسن صحيح، وتأويله: بأن المراد تبيين الفجر حتى لا يكون شك في طلوعه، إذ ما لم يتبين لا يحكم بجواز الصلاة، فضلًا عن إصابة الأجر، على أن في بعض رواياته ما ينفيه، وهو "أسفروا بالفجر، فكلما أسفرتم بالفجر فهو أعظم للأجر"، وروى الطحاوي بإسنادٍ صحيح عن الأعمش عن إبراهيم قال: ما اجتمع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على شيء كما اجتمعوا على التنوير، ولا يجوز اجتماعهم على خلاف ما فارقهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيكرم كونه ينسخ التغليس المروي عن حديث عائشة رضي الله عنها المذكور في حديث مسلم: كان يصلي الصبح فتنصرف النساء متلفعات؛ أي مشتملات بمروطهن ما يُعرفن من الغلس (2)، وهو جمع: مِرط بالكسر وسكون الراء، هو ثوب تلبسه المرأة فوق

(1) أخرجه: أبو داود (424)، والترمذي (154)، والنسائي (547)، وابن ماجه (672)، وأحمد (16828)، والدارمي (1199)، وابن حبان (1490)، وابن أبي شيبة (1/ 354)، والطبراني في الكبير (4283)، والأوسط (9289)، والبيهقي في الكبرى (2191) ..

(2)

أخرجه: البخاري (578)، ومسلم (645)، وأبو داود (423)، والترمذي (153)، والنسائي (545)، وابن ماجه (669)، وأحمد (23576)، ومالك (4).

ص: 45

ثيابها. أما حديث ابن مسعود في الصحيحين فظاهر فيما ذهبنا إليه، وهو: ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى صلاة إلا لميقاتها، إلا صلاتين: صلاة المغرب والعشاء بجمع، وصلى الفجر يومئذٍ قبل ميقاتها مع أنه كان بعد الفجر إجماعًا، فعلم أن المراد قبل ميقاتها الذي اعتاد الأداء فيه؛ لأنه غلس يومئذٍ لتمتد وقت الوقوف فأفاد أن المعتاد كان غير التغليس إلا أنه يبعد النسخ؛ لأنه يقتضي سابقة وجود المنسوخ، وقوله: ما رأيت، يفيد أن لا سباقة له، فالأولى حمل التغليس على الغلس داخل المسجد لا حجرتها رضي الله عنها، كانت فيه، وكان بسقفه عريشًا متقاربًا، ونحن نشاهد الآن أنه يظن قيام الغلس داخل المسجد فإن صحتها قد انتشرت فيه ضوء الفجر وهو الإِسفار، وإنما وجب (ق 12)، هذا الاعتبار لما وجب من ترجيح رواية خصوصًا مثل ابن مسعود رضي الله عنه، فإن الحالة: اكشف لهم في صلاة الجماعة، هذا خلاصة كلام الإِمام ابن الهمام. وقال الطحاوي: الذي ينبغي أن يكون الدخول في الفجر وقت الغلس والخروج منها في وقت الإِسفار، يعني جمعًا بين الآثار، وهو قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد، لكن الذي ذكره الأصحاب عن الثلاثة أن الأفضل أن يبدأ بالإِسفار ويختم به، وهو الذي يفيد اللفظ فإن الإِسفار بالفجر إيقاعها فيه وهو اسم لمجموعها فيلزم إدخال مجموعها فيه، وأما قولنا: يعني محمد نفسه وأبا يوسف معه، فإنَّا نَقُولُ: إذا زاد الظل على المِثْلِ أي: قدر الفيء، وهو بفتح الفاء وسكون التحتية والهمزة في اللغة: الرجوع، وفي العرف: ظل راجع من الغرب إلى المشرق حين يصبح على خط نصف النهار كما ورد في (درر الغرر) فصار أي: الظل، مثلَ الشيءِ أي: قدره، وزيادةً وهي كمية الفيء باختلاف الفصول والأمكنة من حين أي: من أول وقت زالت الشمس أي: مالت من جانب شرقها إلى طرف غربها، فقد دخل وقتُ العصر أي: أوله، وعليه الجمهور.

وأما أبو حنيفةَ رحمه الله فإنه قال: لا يدخل وقت العصر حتى يصيرَ الظل مِثْليهِ، أي: قدري الشيء سوى الفيء، لهذا الحديث وغيره من الأحاديث، وهو الأحوط، فإن قيل: هذا البيان مخالف لبيان الفقهاء، فإنهم بينوا أولًا وقت صلاة الفجر، وثانيًا وقت الظهر، وثالثًا وقت العصر، ورابعًا وقت المغرب، وخامسًا وقت العشاء والوتر، والمصنف رحمه الله بيَّن أولًا وقت الظهر، أجيب عنه: فإنه قدم بيان وقت الظهر اتباعًا لأبي هريرة رضي الله عنه، فإنه أجاب السائل حين سأله أولًا عن وقت الظهر، فأجاب أبو هريرة

ص: 46

رضي الله عنه أولًا عن وقت الظهر ليطابق الجواب بالسؤال، وعطف الجواب عن سؤال وقت العصر وغيره على جواب السؤال عن وقت الظهر عطفًا طفيليًا أو يقال: أجاب أبو هريرة رضي الله عنه على أسلوب الحكيم فإن السائل سأله عن وقت الصلاة مطلقًا، فأجاب أبو هريرة بأول صلاة فرضت على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن أول صلاة فرضت على رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الظهر، وأول صلاة صلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الظهر، كما قاله جلال الدين السيوطي في (الأوليات).

قيل: أول من صلى الظهر إبراهيم عليه السلام، فإنه صلى ركعة لإزالة الغم عن ذبح ابنه وشكرًا له، وركعة شكرًا لنزول الفداء لابنه، وركعة رضاء لقوله تعالى له:{قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا} [الصافات: 105]، وركعة لإِطاعة ابنه حين قال له:{يَابُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى} [الصافات: 102]، وقال له ابنه:{يَاأَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ} [الصافات: 102]، فجعلها الله تعالى لأمة محمد صلى الله عليه وسلم كفارات ودرجات، وقيل: أول من صلى صلاة الفجر آدم صلوات الله على نبينا وعليه - حين تاب الله عليه وقت طلوع الفجر، فصلى ركعتين شكرًا لزوال ظلمة الليل، وشكرًا لحصول نور النهار وقبول التوبة، فجعلها الله تعالى لأمة محمد صلى الله عليه وسلم كفارات وحسنات، كما ورد في (تفسير سورة الفاتحة)، وقيل: أول من صلى صلاة العصر أربع ركعات (ق 13) يونس - صلوات الله على نبينا وعليه - حين أنجاه الله تعالى من أربع ظلمات صلى ركعة شكرًا لخلاصه من ظلم الليل، وركعة شكرًا لخلاصه من ظلم بطن الحوت، وركعة شكرًا لخلاصه من ظلم الذلة، وركعة شكرًا لخلاصه من ظلم الماء، فجعلها الله لأمة محمد صلى الله عليه وسلم كفارات ودرجات، وقيل: أول من صلى صلاة المغرب عيسى ابن مريم - صلوات الله على نبينا وعليه - حين رفعه الله تعالى وأنجاه من شر اليهود بعد غروب الشمس، فصلى ثلاث ركعات شكرًا لله تعالى لنجاته من الأعداء، وارتفاعه إلى السماء، وفراغه من تدبير المعاش، فجعلها الله لأمة محمد صلى الله عليه وسلم كفارات ودرجات، كما في (الأوليات).

وقيل: أول من صلى العشاء أربع ركعات: موسى - صلوات الله على نبينا وعليه - حين خرج من المدين وانفصل من عند شعيب - صلوات الله على نبينا وعليه - وأصيب في

ص: 47

الطريق أربع غموم وهموم: غم لضلاله عن الطريق، وغم لقرب زوجته وضع حملها، وغم لأخيه هارون عليه السلام، وغم من عدوه فرعون، وأن الله تعالى ناداه بقوله: {يَابَنِي إِسْرَائِيلَ قَدْ أَنْجَيْنَاكُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ وَوَاعَدْنَاكُمْ جَانِبَ الطُّورِ الْأَيْمَنَ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى

} الآية [طه: 80] ، وأنجاه من غمومه، فصلى موسى - صلوات الله على نبينا وعلينا - أربع ركعات في وقت العشاء شكرًا لخلاصه من غمومه، وهي كانت نافلة له، فرضًا علينا كما في (الفرائد شرح الملتقى).

وقيل: أول من صلى الوتر رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاها ليلة المعراج عند وصوله إلى عرش الرحمن كان أوصاه صاحبه أبو بكر الصديق رضي الله عنه حين بشر الله رسوله بالمعراج في قوله: {لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ} [الانشقاق: 19]، أي: لتصعدن يا محمد طبقًا من أطباق السماء بعد طبق ليلة المعراج، وهذا المعنى على قراءة بفتح الباء الموحدة، فقال أبو بكر: يا رسول الله، إذا عرجت إلى السماء، صل لي ركعة فعرج فصلى لنفسه ركعة، وللصديق ركعة، وأمره الله أن يصلي له ركعة، فقام فلما قرأ فاتحة الكتاب وسورة معها وأراد أن يركع فاطلع إلى النار وإلى أهلها فغُشي عليه، على بناء المفعول، فنشر جبريل ماء الكوثر عليه، فلما أفاق كبَّر وقنت واستعاذ بالله من النار ومن أهلها، فما صلى لنفسه صارت سُنَّة وما صلاها لصاحبه صارت فضيلة الفرض والواجب والسنة كما قاله جلال الدين السيوطي في (الأوليات).

قولنا: فغشى عليه، أي: صار مغمى عليه، والإِغماء: نوع مرض يضعف القوى ولا يزيل العقل، ولهذا جاز الإِغماء على الأنبياء عليهم السلام، دون الجنون، كما قاله صاحب (الفرائد) في (شرح الملتقى)، لما بين أوقات الصلوات الخمس على الانفراد بين وقت صلاة العصر مرة أخرى اهتمامًا لشأنها، أو بيان أنها في وقت الاشتغال، وأنها تجوز في هذا الوقت.

ص: 48

2 -

أخبرنا مالك، أخبرني ابن شهابٍ الزُّهرِيُّ، عن عُرْوَة قال: حدَّثَتْني: عائشةُ: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي العصرَ والشمسُ في حُجْرتِهَا قبل أن تَظْهَرَ (1).

• فقال: قال محمد بن الحسن كذا في نسخة، وفي نسخة أخرى: محمد قال، وفي هذه النسخة نكتة وهي: أن تقديم المسند إليه لكونه أصلًا؛ لأنه محكوم عليه ولا بد من تحققه قبل الحكم فقصدوا أن يكون مقدمًا في اللفظ والمعنى كما في (شرح التلخيص): أخبرنا كذا في نسخة، وفي نسخة: ثنا مختصرًا عن حدثنا مالك بن أنس، أخبرني بالإِفراد، وفي نسخة عن ابن شهابٍ بكسر أوله الزُّهرِيُّ بضم الزاي (ق 14) المعجمة منسوب إلى بني زهرة بن كلاب، اشتهر بالنسب إليهم، وهو أبو بكر محمد بن مسلم بن عبد الله بن شهاب، أحد الفقهاء المجتهدين والعلماء الأعلام من التابعين، ومن الطبقة الرابعة من أهل المدينة المشار إليه في فنون العلوم الشرعية، سمع نفرًا من الصحابة، وروى عنه خلق كثير منهم قتادة ومالك بن أنس.

قال عمر بن عبد العزيز بن مروان: لا أعلم أحدًا أعلم بسنة ماضية منه، وقيل لمكحول: مَنْ أعلم من رأيت؟ قال: ابن شهاب، قيل: ثم من؟ قال: ابن شهاب، مات في شهر رمضان سنة أربع وعشر ومائة (2)، عن عُرْوَة أي: ابن الزبير بن العوام، وأمه أسماء بنت أبي بكر الصديق، سمع أباه وأمه وعائشة وغيرهم من أكابر الصحابة رضي الله عنهم، وروى عنه ابن هشام والزهري وغيرهما، ولد سنة اثنتين وعشرين، وهو من كبار التابعين، وهو أحد الفقهاء السبعة من أهل المدينة (3)، قال: أي: عروة، حدَّثَتْني وفي الموطأ برواية يحيى بن يحيى التميمي عن مالك بن أنس، وفي (صحيح البخاري): ولقد حدثتني عائشةُ رضي الله عنها، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي صلاة العصرَ والحال الشمسُ وجدت في حُجْرتِهَا، أي: في داخل بيت عائشة رضي الله عنها.

(1) أخرجه: البخاري (522)، ومسلم (611)، وأبو داود (407)، والترمذي (159)، والنسائي (505)، والدارمي (1185)، ومالك (2).

(2)

انظر: التقريب (2/ 552).

(3)

انظر: التقريب (1/ 399).

ص: 49

قال السيوطي: والحجرة: بضم الحاء المهملة وسكون الجيم: البيت يسمى بها لمنعها المال، أي: وحول الأغيار من الرجال، وإيثار المضارع في موضع الماضي، والعدول مما يقتضيه الظاهر، وهو قد صلى إلى الماضي وهم قد صلى إلى المضارع، وهو يصلي لاستحضار تلك الحال في نظر أرباب الكمال كما قال علي القاري في (شرح حديث الأربعين)، والظرف في قوله: قبل أن تَظْهَرَ، أي: الشمس متعلق إلى يصلي، والمعنى: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة العصر قبل أن ترتفع الشمس من جدار بيتها وتخرج منها، وهذا قد يختلف باختلاف الأمكنة والأزمنة، وفي رواية أبي داود عن أنس رضي الله عنه: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي صلاة العصر والشمس بيضاء مرتفعة حية، والمقصود منه: أنه كان يصلي في وقت الاختيار قبل وقت الكراهة من حال الاصفرار.

قال جلال الدين السيوطي نقلًا عن ابن حجر العسقلاني: مناسبة الحديث أن عمر بن عبد العزيز بن مروان الخليفة الصالح أبو حفص، خامس الخلفاء الراشدين، كان أميرًا في زمن الحجاج بن يوسف بالمدينة أو بالشام وقعد على المنبر من طين واعظًا للناس، وقال: يا أيها الناس، أصلحوا أسراركم تصلح علانيتكم، واعملوا العصر عن وقتها المستحب المرغوب، فحدثه عروة بن الزبير قال: قد حدثني أبو منصور الأنصاري وبشر بن مسعود، كلاهما قد صحب النبي صلى الله عليه وسلم: أن جبريل عليه السلام جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم حين دلكت الشمس، فقال: يا محمد، صل الظهر، فصلى، ثم جاءه حين كان ظل كل شيء مثله فقال: يا محمد، صل العصر، فصلى، ثم جاءه حين غربت الشمس فقال: يا محمد صل المغرب، فصلى، ثم جاءه حين غاب الشفق فقال: يا محمد، صل العشاء فصلى، ثم جاءه (ق 15)، حين انشق الفجر الثاني فقال: يا محمد، صل الصبح، فصلى، حين جاءه الغد حين كان ظل كل شيء مثله، فقال: يا محمد صل الظهر، فصلى، ثم جاءه حين كان ظل كل شيء مثليه، فقال: يا محمد، صل العصر، فصلى، ثم أتاه حين غربت الشمس، فقال: يا محمد، صل المغرب، فصلى، ثم أتاه حين ذهبت ساعة من الليل فقال: يا محمد، صل العشاء، فصلى، ثم أتاه حين أضاء الفجر وأسفر وابيض خالصًا، فقال: يا محمد، صل الصبح، فصلى، ثم قال: ما بين هذين وقت يعني أمس واليوم. قال عمر بن عبد العزيز لعروة: أجبريل أتاه؟ قال: نعم.

وفي الحديث من الفوائد: دخول العلماء على الأمراء وإنكارهم عليهم ما يخالف

ص: 50

السنة، واستثبات العالم فيما يستقر به السامع، والرجوع عند التنازع للسنة، وفضيلة عمر بن عبد العزيز، والمبادرة بالصلاة في أول الوقت الفاضل، وقبول الخبر الواحد المثبت، كما قاله الزرقاني في (شرح الموطأ)(1) لأبي عبد الله الإمام مالك بن أنس اتباع التابعين.

* * *

3 -

أخبرنا مالك، أخبرني ابن شِهَابٍ الزُّهْرِيُّ، عن أنس بن مالك أنَّه قال: كنا نصلي العصرَ، ثم يَذْهب الذاهب إلى قُباءَ والشمسُ مرتفعة.

• قال محمد: كذا في نسخة، وفي نسخة أخرى: محمد قال: أخبرنا كذا في نسخة، وفي نسخة: حدثنا، وفي نسخة أخرى: ثنا، ومن إلى حدثنا مالك قال: أي: مالك بن أنس بن مالك بن عمير بن أبي عامر الإمام الأصبحي، يعني: منسوب إلى ملك ذي أصبح من ملوك اليمن، كان في الطبقة السابعة من طبقات كبار أتباع التابعين، أخبرني بالإِفراد ابن شِهَابٍ محمد بن مسلم الزُّهْرِيُّ ثقة فقيه كان في الطبقة الرابعة من طبقات كبار التابعين من أهل المدينة، كان في الإِقليم الثاني من الأقاليم السبعة، عن أنس بن مالك، رضي الله عنه، وهو خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليس هو أبا مالك بن أنس كما توهم، فإن قيل: لم ترك حرف العطف، ولم يقل: وقال محمد، أو أخبرنا مالك، قلت: للإشعار بأن هذا الحديث الذي رواه عن مالك عن ابن شهاب الزهري عن أنس بن مالك رضي الله عنه كالنتيجة، أو كالدليل، أو كالاستئناف، أو كالتأكيد للحديث المقدم الذي رواه بالواسطة عن عائشة رضي الله عنها أنَّه أي: أنس، قال: كنا نصلي العصرَ، مع النبي صلى الله عليه وسلم ثم يَذْهب الذاهب ماشيًا أو راكبًا.

قال الحافظ: كأن أنس بن مالك أراد بالذاهب نفسه كما يشعر به رواية أبي الأبيض عن أنس: كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي لنا العصر والشمس بيضاء محلقة، ثم أرجع إلى قومي في ناحية المدينة فأقول لهم قوموا فصلوا فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد صلى. رواه النسائي

(1) انظر: شرح الزرقاني (1/ 26).

(3)

أخرجه: البخاري (550)، (551)، ومسلم (621)، وأبو داود (404)، والنسائي (506)، وابن ماجه (682)، وأحمد (12233)، والدارمي (1208)، ومالك (11).

ص: 51

والطحاوي واللفظ له. إلى قُباءَ أي: قبل دخول الليل، وهو بضم القاف وموحدة، قال النووي: بمدٍ ويقصر، ويصرف ولا يصرف، ويذكر ويؤنث، والأفصح فيه التذكير، والصرف، والمد، وهو على ثلاثة أميال من المدينة، فيأتيهم أي: الذاهب إلى أهل قباء بقومه في ناحية المدينة، والحال: الشمسُ مرتفعة، أي: ظاهرة غير غائبة.

* * *

4 -

أخبرنا مالك، أخبرنا إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، عن أنس بن مالك قال: كنا نصلي العصرَ، ثم يخرجُ الإِنسان إلى بني عَمْرو بن عوف فيجدُهم يُصلُّون العصر.

قال محمد: تأخير العصر أفضل عندنا من تعجيلها إذَا صَلَّيْتها والشمسُ بيضاء نقية لم تدخلها صُفْرَةٌ، وبذلك جاءَت عامَّة الآثار. وهو قولُ أبي حنيفة.

وقال بعض الفقهاء: إنَّما سُمِّيَتِ العصر؛ لأنها تُعْصَرُ وتُؤخَّرُ.

• قال محمد: كذا في نسخة، وفي نسخة أخرى: محمد، قال: أخبرنا كذا في نسخة، وفي نسخة: ثنا رمزًا إلى حدثنا كما في نسخة، مالك كذا في نسخة، وفي نسخة أخرى: مالك بن أنس، قال: أخبرنا كذا في نسخة، وفي نسخة أخرى: حدثنا، وفي نسخة أخرى: ثنا (ق 16)، إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة: زيد بن سهل الأنصاري المدني التابعي، ثقة حجة مات سنة اثنين وثلاثين ومائة (1)، عن أنس بن مالك رضي الله عنه، وهو ابن النضر الأنصاري الخزرجي خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين، مات سنة اثنين وقيل: ثلاث وتسعين، وقد جاوز المائة، قال: كنا نصلي صلاة العصرَ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسجد المدينة، قال ابن عبد البر: هذا يدخل عندهم في المسند، وصرح برفعه ابن المبارك وعتيق بن يعقوب الزبيري، كلاهما عن مالك بلفظ: كنا نصلي العصر مع النبي صلى الله عليه وسلم. . انتهى.

(4) أخرجه: البخاري (548)، ومسلم (621)، ومالك (10).

(1)

انظر: التقريب (1/ 45).

ص: 52

وهذا اختيار الحاكم أن قول الصحابي: كنا نفعل كذا، مسندًا ولو لم يصرح بإضافته إلى زمن النبي صلى الله عليه وسلم، وقال الدارقطني والخطيب وغيرهما: هو موقوف.

قال الحافظ ابن حجر: والحق أنه موقوف لفظًا مرفوع حكمًا؛ لأن الصحابي أورده في مقام الاحتجاج فيحمل على أنه أراد كونه في زمنه صلى الله عليه وسلم، وقد روى النسائي عن ابن المبارك عن أنس بن مالك الحديث فقال: كنا نصلي العصر مع النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يخرجُ الإِنسان أي: أحد منا إلى بني عَمْرو بن عوف، وهم قبيلة كانوا ساكنين قريب المدينة، فيجدُهم يُصلُّون العصر، أي: في آخر الوقت.

قال أبو عمر: معنى الحديث: السعة، وقال النووي: قال العلماء: كانت منازلهم على ميلين من المدينة، وكانوا يصلون العصر في وسط الوقت، لأنهم كانوا يشتغلون بأعمالهم وحروثهم وزروعهم وحوائطهم، فإذا فرغوا من أعمالهم تأهبوا للصلاة، ثم اجتمعوا لها فتأخر صلواتهم بهذا، وهذا الحديث أخرجه البخاري عن القعنبي، ومسلم عن يحيى، كلاهما عن مالك.

قال محمد: تأخير صلاة العصر إلى وقت الاختيار قبل وقت الكراهة، أفضل عندنا، أي: خلافًا للشافعي، فإنه يقول: الأفضل هو التعجيل مطلقًا من تعجيلها، أي: إلا يوم الغيم، إذَا صَلَّيْتها، أي: إن صليت أيها المخاطب صلاة العصر صلها في وقت المختار، ولتكن والشمسُ بيضاء أي: نورًا، نقية، أي: خالصة، لم يدخلها، أي: لم يختلط في بياض نورها صُفْرَةٌ، وبذلك أي: في حق أفضلية تأخير صلاة العصر جاءَت عامَّة الآثار، أي: أكثر الأحاديث، وهو أي: التأخير، قولُ أبي حنيفة؛ رحمه الله، أي: مختاره الذي تبع به أصحابه، فإن قيل: أين تذهب الشمس إذا غربت؟ الجواب: ما ورد في صحيح مسلم وغيره عن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه، قال: كنتُ عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد عند الغروب فقال: "يا أبا ذر، أتدري أين تذهب هذه الشمس؟ " قلت: الله ورسوله أعلم، قال: "إنها تذهب فتسجد تحت العرش فتستأذن فيؤذن لها، ويوشك أن تسجد فلا يقبل منها، وتستأذن فلا يؤذن لها، فيقال لها:{ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ} [يس: 38]، ارجعي من حيث جئت فتطلع من مغربها، فذلك قوله تعالى:{وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ} [يس: 38]. كما في (خواتم الحكم). وقد قال بعض

ص: 53