الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
في سورة النساء: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ} [النساء: 3].
وقال أبو حنيفة، رحمه الله تعالى: صلاة الليل أي: التهجد وغيره من النوافل، إن شئت صلَّيْتَ ركعتين، وإن شئت أربعًا، أي: بجلستين وإن شئت صليت ستَّا، وإن شئت ثمانيًا، وإن شئت بتكبيرة واحدة، أي: زيادة على ذلك من أنواع الشفع إلا أن بعد كل ركعتين لا بد من قعدة، وأفضل ذلك أي: جميع ما ذكر من الأعداد أربعًا أربعًا، فينبغي المناسك أن يصلي تارة أربعًا وأخرى ركعتين جمعًا بين الروايات الواردة في ذلك.
فأما الوتر: فقولنا أي: معشر الحنفية كلنا، وقول أبي حنيفة رحمه الله تعالى، وهو إمامنا فيه أي: في حق الوتر واحد، أي: إسلام واحد لا تعدد فيه، كما بينه بقوله: الوترُ، ثلاثُ ركعات لا يُفصَلُ بينهن بتسليم، أي: في قعدة الأولى، وهذا لا ينافي كونهم مختلفين في أن صلاة الوتر واجبة، كما قال أبو حنيفة رحمه الله تعالى، أو سنة كما قال، فسنبين تفصيله في باب الوتر إن شاء الله تعالى.
لما ذكر أحكام صلاة الليل، شرع في ذكر حكم الحدث في الصلاة، فقال: هذا
* * *
باب الحدَثِ في الصلاة
بيان حكم الحدث، أي: عدم الطهارة يعرض للمصلي في الصلاة.
أخذ المصنف: محمد بن الحسن بن فرقد الشيباني - رحمه الله تعالى - في هذه الترجمة لفظ الحديث من مفهوم قول ابن عباس أثر الماء، والمفهوم مشتق من الفهم، وهو تصور المعنى من لفظ المخاطب، كذا عرفه السيد الشريف الجرجاني، وأخذ لفظ الصلاة من قوله: كبر في الصلاة.
171 -
أخبرنا مالك، حدثنا إسماعيل بن أبي حكيم، عن عطاء بن يَسَار، أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كبّر في صلاة من الصَّلوات، ثم أشار إليهم بيده: أن امكثوا،
(171) مرسل، أخرجه: مالك (109)، والشافعي في المسند (244)، والأم (1/ 167)، والبيهقي في الكبرى (4168).
فانطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم رجع، وعلى جلده أثر الماء فصلى.
قال محمد: وبهذا نأخُذُ: مَنْ سبقه حدث في صلاته، فلا بأس بأن ينصرف ولا يتكلم، فيتوضأ، ثمّ يبني على ما صلى، وأفضل ذلك: أن يتكلم ويتوضأ، ويستقبل صلاته، وهو قولُ أبي حنيفة.
• أخبرنا مالك، أي: ابن أنس بن عمير بن عامر الأصبحي، من أتباع التابعين، من الطبقة السابعة من أهل المدينة، كما قاله أبو الفرج عبد الرحمن بن الجوزي في (طبقاته)(1)، وفي نسخة: ثنا، رمزًا إلى حدثنا، وفي نسخة: محمد أخبرنا، وفي نسخة أخرى: محمد قال: ثنا حدثنا إسماعيل بن الحكيم، القرشي مولاهم المدني ثقة كان في الطبقة السادسة من طبقات التابعين من أهل المدينة، مات سنة ثلاثين بعد المائة، وفي نسخة: حكيم بالتنوين، عن عطاء بن يَسَار، وهو تابعي جليل كان من الطبقة الرابعة من أهل البصرة، وكان كثير الرواية لم يرفع رأسه إلى السماء ولم يضحك أربعين سنة، فرفع رأسه مرة ففتق فتقًا في بطنه.
عن بشر بن منصور، قال: كنتُ أوقد بين يديه في غداة باردة فقلت له: أيسرك الساعة لو أنك أمرت أن تلقي نفسك في هذه النار، ولا تبعث إلى الحساب؟ فقال: أي ورب الكعبة، ثم قال: والله ما ذلك لو أمرت بذلك لخشيت أن تخرج نفسه فرحًا قبل أن أصل إليها، وكان إذا فزع من وضوئه ارتعد وانتفض وبكى بكاءً شديدًا، فقيل له: بم تبكي؟ فقال: إني أريد أن أقوم (ق 170) بين يدي الله تعالى.
وعن مرار قال: انقطاع عطاء قبل موته بثلاثين سنة وما رأيته إلا وعيناه تفيضا، وما كنت أشبهه إلا بثكلى، وكأنه لم يكن من أهل الدنيا، وكانت الفاكهة تمر لا يعلم سعرها ولا يعرفها.
وعن صالح المري قال: كان عطاء لا يكاد يدعو بما يدعو بعض أصحابه ويؤمن، فحبس بعض أصحابه، فقيل له: ألك حاجة، قال: دعوة من عطاء أن يفرج الله عني، قال صالح: فأتيته، فقلتُ: ألا تحب أن يفرج الله عنك، قال: بلى، والله قلت: فإن بنيك
(1) تقدم.
فلان قد حبس فادع الله أن يفرج عنه، فرفع يديه وبكى وقال: يا إلهي قد تعلم حاجتنا قبل أن نسألها منك، فاقضها لنا، فوالله ما برحنا من البيت حتى دخل الرجل، وقلت: ما تشتهي، قال: والله أشتهي أن أكون رمادًا لا يجمع منه سعة لا في الدنيا ولا في الآخرة، فأبكاني والله، وعلمت أنه أراد النجاة من عسر الحساب، وكان يقول: رب ارحم في الدنيا غربتي، وفي القبر وحدتي، وطول مقامي بين يديك.
قال صالح المري: حزنتُ عليه لما مات حزنًا شديدًا، فرأيته في المنام، فقلت: ألستَ في زمرة الموتى؟ قال: بلى، قلت: فماذا صرت إليه؟ قال: صرت والله إلى خيرٍ كثير، ورب غفور شكور، وقلت: أما والله لقد كنتَ طويل الحزن في الدنيا، فتبسم وقال: أما والله لقد أعقبني ذلك راحة طويلة، وفرح دائم، ثم قلت: ففي أي الدرجات؟ قال: {مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ} [النساء: 69]، كما قال: أبو الفرج عبد الرحمن بن الجوزي في (طبقاته)(1).
عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كبّر في صلاة من الصَّلوات، ظاهره أنه كبر ودخل في الصلاة، ولا يبعد أن يقدر أراد أن يكبر، ويؤيده أنه لم يستخلف ولا يتصور وقوفهم في الصلاة من غير الإِمام، إلا أن يحمل على أنه مخصوص به صلى الله عليه وسلم، ويؤيد الأول، ثم أشار إليهم بيده: أن امكثوا، بفتح الهمزة وكسر النون وسكون الميم، أي: توقفوا في مكانكم، فانطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم، أي: فذهب بسرعة وتوضأ أو اغتسل، ثم رجع وعلى جلده: بشرة أعضائه أثر الماء أي: بلله ولمعانه، فصلى، أي: بنا أو استأنف.
قال محمد: وبهذا أي: ببناء الصلاة، إن عرض للمصلي حدث في صلاته انصرف من غير مكث، ويتوضأ ويبني ما لم يفعل ما يفسد الصلاة، نأخُذُ، أي: نفعل ونفتي، مَنْ سبقه حدث في صلاته، فلا بأس أي: لا كراهة بأن ينصرف من غير توقف، ولا يتكلم، أي: ولا يفعل شيئًا من مفسدات الصلاة إلا ما يحتاج إليه من الضروريات، فيتوضأ، ثمّ يبني على ما صلى، وفيه: أن الحدث لا يدل صريحًا على أنه صلى الله عليه وسلم سبقه الحدث، أو يحتمل أنه تذكر حدثًا سابقًا، وأفضل أي: والندب ذلك إذا حدث في الصلاة أن يتكلم ويتوضأ، ويستقبل صلاته، أي: يستأنفها ولا سيما إذا كان في أولها ولا يفوت الجماعة،
(1) انظر: صفة الصفوة (2/ 82).