الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مسعود الملازم له صلى الله عليه وسلم حضرًا وسفرًا، وابن عمر المتفحص عن أحواله صلى الله عليه وسلم، في كمال التتبع والاتباع، فالصواب حمله إنكارهم على العلة السابقة من الفصل، أو على فعله في المسجد يين أهل الفضل، وليس أمره صلى الله عليه وسلم على تقدير صحته صريحًا ولا تلويحًا على فعله في المسجد إذ الحديث كما رواه أبو داود (1) والترمذي (2) وابن حبان (3) عن أبي هريرة رضي الله عنه: أنه إذا صلى أحدكم ركعتي الفجر (ق 249) فليضطجع على جنبه الأيمن، فالمطلق محمول على المقيد على أنه لو كان هذا في المسجد شائعًا في زمانه صلى الله عليه وسلم لما كان يخفى على هؤلاء الأكابر الأعلام.
لما فرغ من بيان فضل صلاة الفجر في الجماعة، وبيان أمر سنة الفجر، شرع في بيان حكم طول القراءة في الصلاة، وما يستحب فيها، فقال: هذا
* * *
باب طول القراءة في الصلاة وما يستحب من التخفيف
في حق الإِمام مطلقًا، وفي بعض الصلاة خصوصًا، والمناسبة بين هذا الباب وذاك الباب ظاهرة.
246 -
أخبرنا مالك، حدثنا الزُّهري، عن عُبَيْد الله بن عبد الله، عن ابن عباس، عن أمه أمّ الفَضْل، أنها سمعته يقرأ:{وَالْمُرْسَلَاتِ} [المرسلات: 1]، فقالت: يا بُنيّ، لقد ذَكَّرْتَني بقراءتك هذه السورة، إنها لآخِر ما سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في المغرب.
• أخبرنا مالك، أي: ابن أنس بن عمير بن أبي عامر الأصبحي، الإِمام من كبار أتباع التابعين، في الطبقة السابعة من أهل المدينة، وفي نسخة: محمد قال: ثنا، رمزًا إلى
(1) أبو داود (2/ 39).
(2)
الترمذي (440).
(3)
ابن حبان (2431).
(246)
إسناده صحيح.
حدثنا، وفي نسخة أخرى: ثنا، حدثنا الزُّهري، أي: محمد بن مسلم بن شهاب الزهري، من التابعين، في الطبقة الرابعة من أهل المدينة، وفي نسخة قال: بنا، رمزًا إلى أخبرنا، وفي نسخة أخرى: قال: ثنا، عن عُبَيْد الله بضم العين بالتصغير ابن عبد الله بفتح العين، أي: ابن عتبة، بضم العين وسكون الفوقية، وفتح الموحدة، كما في (الموطأ) لمالك، ابن مسعود، أحد الفقهاء، عن ابن عباس، ترجمان القرآن، عن أمه وهي والدة ابن عباس الراوي عنها، واسمها لبابة الهلالية، بنت الحارث بن حزن، بفتح المهملة وسكون الزاي، وبعدها نون، أمّ الفَضْل، زوجة عباس عم النبي صلى الله عليه وسلم يقال: إنها أول امرأة أسلمت بعد خديجة رضي الله عنها، ولها صحبة ورواية، وكان صلى الله عليه وسلم يزورها ويقيل عندها، أنها أي: أم الفضل سمعته أي: ابنها عبد الله بن عباس يقرأ: {وَالْمُرْسَلَاتِ} [المرسلات: 1]، أي: سورة المرسلات في الصلاة أو في غيرها، فقالت: يا بُنيّ بضم الموحدة، وفتح النون، وبفتح التحتية المشددة، تصغير الشفقة، لقد ذَكَّرْتَني بفتح الذال المعجمة وفتح الكاف المشددة من التذكير بقراءتك هذه السورة، أي: كنت بسبب قراءتك هذه السورة ملقيًا من قلبي ما نسيته إنها أي: سورة المرسلات لآخِر ما سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ أي: يقرؤها في المغرب، أي: كلها أو بعضها.
زاد البخاري: ثم صلى لنا بعدها حتى قبض، وفي النسائي: أن هذه الصلاة التي حكتها أم الفضل كانت في بيته لا في المسجد، ذكره السيوطي، وفيه إيماء إلى أنه إنما طول صلاة المغرب، لكونه منفردًا، وإلا من عادته المعروفة أنه صلى بقصار المفصل، بل غالبًا كان يصلي فيها بـ (الكافرين)، و (الإِخلاص).
* * *
247 -
أخبرنا مالك، حدثنا الزُّهري، عن محمد بن جُبَيْر بن مُطعم، عن أبيه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ بـ {وَالطُّورِ} [الطور: 1] في المغرب.
قال محمد: العامّة على أن القراء تخفَّف في صلاة المغرب، يُقرأ فيها
(247) صحيح، أخرجه، البخاري في كتاب الأذان، باب الجهر في المغرب (99)، ومسلم، كتاب الصلاة، باب القراءة في الصبح (174).
بقصار المُفَصَّل، ونرى أن هذا كان شيئًا فَتُرك، أو لعلَّه كان يقرأ بعض السورة ثم يركع.
• أخبرنا مالك، وفي نسخة: محمد قال: بنا، رمزًا إلى أخبرنا، وفي نسخة أخرى: ثنا، رمزًا إلى حدثنا، حدثني الزُّهري، أي: محمد بن مسلم بن شهاب الزهري، التابعي من الطبقة الرابعة من أهل المدينة، عن محمد بن جُبَيْر بضم وفتح الموحدة، وهو أي: محمد بن جبير، ثقة تابعي، عارف بالأنساب، في الطبقة الثالثة من طبقات التابعين، من أهل المدينة، مات على رأس المائة، ابن مُطعم، بضم الميم وسكون الطاء المهملة، وكسر العين والميم، وهو ابن عدي بن نوفل بن عبد مناف القرشي النوفلي أبي سعيد، المدني، ثقة، من رجال الجميع، عارف بالأنساب، صحابي، أسلم يوم فتح (ق 250) مكة، وقيل: قبله، وكان أحد الأشراف من علماء قريش وساداتهم، وكان في الطبقة السادسة من طبقات الأصحاب، مات سنة ثمان أو تسع وخمسين، كما قاله الزرقاني، وابن حجر العسقلاني في (التقريب من أسماء الرجال)(1)، عن أبيه، أي: جبير بن مطعم بن عدي، قال: أي: جبير بن مطعم، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ بـ {وَالطُّورِ} [الطور: 1] في المغرب.
قال ابن عبد البر (2): في هذا الحديث شيء سقط، وهو معنى بديع، وذلك أن جبير بن مطعم سمع هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو كافر، وحدث عنه وهو مسلم، فإنه قال: أتيتُ النبي صلى الله عليه وسلم فداء أسارى بدر فسمعته يقرأ في المغرب بالطور، ولم أسلم يومئذ، وقال: لو كان ابن مطعم حيًا، وكلمني في هؤلاء النتنى عتقهم، وفي رواية: قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في المغرب: {وَالطُّورِ} ، فلما بلغ هذه الآية:{أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ (35) أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَلْ لَا يُوقِنُونَ (36) أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ} [الطور: 35 - 37]، كاد قلبي يطير.
وفي أخرى: قال: قدمتُ على النبي صلى الله عليه وسلم في فداء أسارى بدر، فسمعته يقرأ في العتمة بالطور، وفي أخرى: أتيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم لأكلمه في أسارى بدر فوافيته وهو
(1) التقريب (1/ 471).
(2)
في التمهيد (9/ 146).
يصلي بأصحابه المغرب أو العشاء، فسمعته وهو يقرأ، وقد خرج صوته من المسجد:{إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ (7) مَا لَهُ مِنْ دَافِعٍ} [الطور: 7، 8]، فكأنما صدع قلبي، كما نقله علي القاري عن السيوطي.
قال محمد: العامّة أي: عامة العلماء اتفقوا على أن القراءة تخففَّ في صلاة المغرب، يُقرأ فيها أي: في صلاة المغرب بقصار المُفَصَّل، وهي من:{لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ} [البينة: 1]، إلى آخر القرآن، ونرى أي: والحال أن نختار أن هذا أي: ما سمعه جبير بن مطعم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قراءة الطور في صلاة المغرب كان شيئًا أي: طريقًا مسلوكًا في أول الأمر فَتُرك، بصيغة المجهول، أي: ترك في آخر الأمر، وفيه أنه ينافيه ما سبق من التصريح بأنه آخر ما صلاها صلى الله عليه وسلم بالمرسلات، فالأولى أن يقال: إنما فعله لبيان الجواز، وأن إطالته غير مضرة، لا سيما عند من يقول بتطبيق وقت المغرب، أو لعلَّه أي: وأنا أرجو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ بعض السورة ثم يركع، أي: ويقرأ بعضًا آخر ثم يركع، ويؤيد هذا الاحتمال ما قاله الطحاوي، من أن الباء في قوله: بالطور بمعنى (من)، أي: سمعه صلى الله عليه وسلم يقرأ من هذه السورة، وفيه أن هذا أيضًا على خلاف عادته في قراءته، ثم كان الأولى أن يقال: أو لعله كان يقرأ بعض السورة ثم يركع، لأنه لم يرد أنه صلى الله عليه وسلم كان يقرأها.
* * *
248 -
أخبرنا مالك، أخبرنا أبو الزِّنَادِ، عن الأعْرَج، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"إذا صلى أحدكم للناس فَلْيُخَفِّفْ، فإن فيهم السَّقِيم والضعيف والكبير، وإذا صلى لنفسه فليُطَوِّل ما شاء".
قال محمد: وبهذا نأخُذُ، وهو قولُ أبي حنيفة.
• أخبرنا مالك، وفي نسخة: محمد قال: ثنا، رمزًا إلى حدثنا، وفي أخرى: بنا، رمزًا إلى أخبرنا، أخبرنا أبو الزِّنَادِ، وفي نسخة: ثنا، هو عبد الله بن زكوان، تابعي في الطبقة
(248) صحيح، أخرجه: البخاري (703)، ومسلم (183)، وأبو داود (794)، والترمذي (136)، والنسائي (2/ 94)، والبيهقي (3/ 17).