الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب المرأة ترى في منامها ما يرى الرجل
بيان حال المرأة ترى في منامها ما يرى الرجل؛ أي: من الاختلاف، وهو من الافتعال من الحلم، بضم الحاء المهملة وسكون اللام، أي ما يراه النائم في نومه خصه العُرف ببعض ذلك، وهو رواية الجماع.
81 -
أخبرنا مالك، حدثنا ابن شهاب، عن عُرْوة بن الزُّبَيْر، أن أمَ سُلَيْمٍ قالتْ لرسول الله صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله؛ المرأة تَرَى في منامها مِثْل ما يَرَى الرجلُ، أتَغْتَسِلُ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"نَعَمْ فَلتَغْتَسِل" فقالَتْ لها عائشةُ: أفٍّ لكِ، وهل تَرَى ذلك المرأةُ؟ قالت: فالتَفتَ إلينا النبيُّ صلى الله عليه وسلم، فقال:"تَرِبَتْ يمينُكِ، ومِنْ أين يكون الشِّبْهُ".
قال محمد: وبهذا نأخُذُ، وهو قولُ أبي حنيفة.
• أخبرنا، وفي نسخة: محمد قال: ثنا رمزًا إلى حدثنا مالك، أخبرنا، وفي نسخة قال: ثنا رمزًا إلى حدثنا ابن شهاب، أي: الزهري، عن عُرْوة بن الزُّبَيْر، أي: ابن العوام.
قال السيوطي (1): وصله مسلم، وأبو داود من طريق عروة، عن عائشة أن أمَّ سُلَيْم، وهو بالتصغير، بنت ملحان، بكسر الميم، وسكون اللام والحاء والنون ما بينهما ألف على وزن صبيان، بكسر الصاد وسكون الموحدة، تزوجها مالك بن النضر أبو أنس بن مالك، فولدت له أنسًا ثم قُتل عنها مشركًا، وأسلمت فخطبها أبو طلحة وهو مشرك، فأبت ودعته إلى الإِسلام، فأسلم فقالت: إني أتزوجك، ولا منك صداقًا إلا إسلامك،
(81) أخرجه: البخاري (3150)، ومسلم (310)، (311)، (312)، وأبو داود (237)، والنسائي في المجتبى (195)، وابن ماجه (600)، والدارمي (766)، ومالك (114)، والنسائي في الكبرى (208)، وابن حبان (6184)، وابن أبي شيبة (1/ 102)، وابن خزيمة (235)، والطبراني في الكبير (23/ 282)، حديث (908)، والأوسط (656)، وأبو يعلى (3164)، وعبد الله في الزوائد (13598).
(1)
انظر: تنوير الحوالك (1/ 71).
فتزوجها أبو طلحة، روى عنها خلق كثير من الصحابة والتابعين.
زاد أبو داود (1): هي أم أنس بن مالك، قالتْ لرسول الله صلى الله عليه وسلم، والحال أن عائشة عنده: يا رسول الله، المرأة تَرى في منامها مِثْل ما يَرَى الرجلُ، أتَغْتَسِلُ؟
ولأحمد قالت: يا رسول الله، إذا رأت المرأة أن زوجها يجامعها في المنام أتغتسل؟
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نَعَمْ، أي: إذا رأت الماء، كما في رواية أخرى، و"نعم" بفتح النون والعين المفتوحة، وسكون الميم، حرف إعلام جواب للاستفهام.
والسؤال كما قاله ابن هشام، وأكد الجواب بقوله: فَلتَغْتَسِل، فقالَتْ لها أي: لأم سليم، عائشةُ رضي الله عنها: أفٍّ لكِ (2)، بضم الهمزة وكسر الفاء، منون وغير منون، وفتحها بلا تنوين روايات (ق 83) متواترة، وفيها لغات أخر، اسم فعل بمعنى الضجر، كذا قاله علي القاري. قال القاضي عياض: وهي كلمة تستعمل في الاستقذار والاستحقار، وقيل: الضجر والكراهة.
قال الباجي: وهي هنا بمعنى الإِنكار.
قال ابن العراقي: ولا مانع من أنها على بابها، أي إنها تضجرت من ذكر ذلك وكرهته واستقذرت ذكره بحضرة الرجال. انتهى.
قال السيوطي (3): بل فيها أربعون لغة، حكاها أبو حيان وغيره.
وهل تَرَى ذلك المرأةُ؟ بكسر الكاف؛ أي: ترى المرأة في منامها خصلة المجامعة مع الرجل، فلفظ المرأة مرفوع على أنه فاعل ترى، وذلك مبني لفظًا منصوب محلًا، على أنه مفعول ترى، وتقديم المفعول على الفاعل للاهتمام والتعبير على الخصلة المجامعة بذلك؛ لتبعيدها عن المرأة.
في حديث آخر أن أم سلمة هي القائلة ذلك.
(1) أخرجه: أبو داود (237).
(2)
انظر: كفاية الطالب (1/ 169)، وشرح الزرقاني (1/ 151)، والتمهيد (8/ 333)، وحاشية العدوي (1/ 169)، وشرح النووي على مسلم (3/ 224).
(3)
انظر: تنوير الحوالك (1/ 71).
قال القاضي عياض: ويحتمل أن عائشة وأم سلمة، كلتاهما أنكرتا عليه، فأجاب النبي صلى الله عليه وسلم بما أجابها، وإن كان أهل الحديث يقولون: إن الصحيح هنا: أم سلمة لا عائشة.
قال ابن حجر (1): وهو جمع حسن، لا يمتنع حضور أم سلمة وعائشة عند النبي صلى الله عليه وسلم في مجلس واحد. انتهى.
وفيه: أنه لا يبعد اجتماعهما، ولكن يستغرب إنكارهما معًا في واحد، نعم لو فرض أن السائلة غير أم سلمة، فربما يحمل على واقعتين، والله أعلم بحقيقة الحالتين.
قالت: أي: الراوية، فالتَفتَ أي: رسول الله صلى الله عليه وسلم، إليها، أي: إلى عائشة رضي الله عنها، فقال: تَرِبَتْ بكسر الراء؛ أي: افتقرت يمينُك، أي: بذلك، والذي عليه المحققون أنها كلمة أصلها: افتقرت، ولكن العرب: اعتادت استعمال مبناها غير قاصدة حقيقة معناها الأصلي، فتذكرون:"تربت يداك"، وقاتله الله، ما أشجعه، ولا أم له، ولا أب لك، وقتلته أمه، وويل أمه، وغير ذلك من ألفاظهم عند إنكار الشيء، أو الزجر عنه، والزم عليه، واستعطافه والحث عليه والإِعجاب به.
وقال السيوطي (2): أي: افتقرت بذلك من العلم، والمعنى: إذا جهلت مثل هذا، فقد قل حظك من العلم.
ومِنْ أين يكون الشِّبْهُ، بفتحتين، أو بكسر وسكون، يريد شبه الابن لأحد أبويه، أو لأقاربه، والمعنى أن للمرأة ماء تدفعه عند اللذة الكبرى، كما للرجل ماء يدفعه، فإذا سبق ماء الرجل ماء المرأة، خرج الولد شبه عمومته، وإذا سبق ماء المرأة، خرج الولد شبه خؤولته، ذكره السيوطي، والأظهر ما ذكره بعضهم: من أن السبق يوجب كون الولد من جنس صاحبه، وإن كثرته يوجب شبهه.
وروى يحيى في (موطئه) لمالك: عن هشام بن عروة عن أبيه، عن زينب بنت أبي سلمة، زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت: جاءت أم سليم، امرأة أبي طلحة الأنصاري إلى
(1) انظر: الفتح (1/ 388).
(2)
انظر: تنوير الحوالك (1/ 71، 72).
رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول الله، إن الله لا يستحيي (ق 83) من الحق، هل على المرأة من غسل إذا احتلمت؟ قال:"نعم، إذا رأت الماء"(1).
رواه البخاري (2) من طريق آخر: عن هشام بن عروة، فغطت وجهها، قالت: يا رسول الله، أو تحتلم المرأة؟ قال:"نعم، تربت يمينك، فبم يشبهها ولدها؟ ".
ولأحمد: قالت: وهل للمرأة ماء؟ قال: "هن شقائق الرجال"، أي: نظائرهم وأمثالهم في الخلق. ذكره الرافعي.
قوله: إن الله لا يستحيي من الحق، أي: لا يأمر أن نستحي من الحق، ولا يمتنع من ذكره امتناع المستحيي أو لا يتركه، فإن من يستحي من الشيء تركه.
والمعنى: أن الحياء لا ينبغي أن يمنع من طلب الحق.
فإن قيل: إنما يحتاج إلى تأويل الحياء في حق الله تعالى، إذا كان الكلام مثبتًا في حديث:"إن الله حييٌ كريم"(3). فأما في النفي فالمستحيلات على الله تُنفى، ولا يشترط في النفي أن يكون النفي ممكنًا.
فالجواب: على تقدير تسليم ذلك إنه لم يرد النفي على الاستحياء مطلقًا؛ بل ورد على الاستحياء من الحق، وبطريق المفهوم يقتضي أنه ليستحي من غير الحق، فيعود بطريق المفهوم إلى الإِثبات، كذا حققه السيوطي (4).
(1) تقدم.
(2)
أخرجه: البخاري (3150).
(3)
أخرجه: أبو داود (1488) من حديث سلمان، والترمذي (3556) من حديث سلمان، وابن ماجه (3865) من حديث سلمان، وابن حبان (876)، من حديث سلمان، وعبد الرزاق في مصنفه (3250) من حديث أنس، (10826) من حديث ابن عباس، والطبراني في الكبير (22/ 259) حديث (670) من حديث يعلى بن أمية، (13557) من حديث ابن عمر، والأوسط (4591) من حديث جابر، والبيهقي في الشعب (7783) من حديث يعلى بن أمية، وأبو يعلى (4108) من حديث أنس.
وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب، وروى بعضهم ولم يرفعه.
(4)
انظر: تنوير الحوالك (1/ 71 - 73).
وهو مقتبس من قوله تعالى: {وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ} [الأحزاب: 53].
وأنت بهذا شاهد، على تعيين السؤال المحقق.
قال محمد: وبهذا نأخُذُ، أي: نقول ونحكم بأن النساء يحتلمن كالرجال، وهو أي: هذا القول، قولُ أبي حنيفة، وسائر العلماء.
وقال ابن عبد البر (1): في هذا الحديث دليل على أنه ليس كل النساء يحتلمن، وإلا لما أنكرت عائشة وأم سلمة ذلك. قال: وقد يوجد عدم الاحتلام في بعض الرجال، إلا أن ذلك في النساء أوجد وأكثر عكس ذلك.
قال ابن بطال (2): فقال فيه دليل على أن كل النساء يحتلمن.
قال الحافظ (3): والظاهر أن مراده الجواز، لا الوقوع؛ أي: فيهن قابلة ذلك.
قال السيوطي (4): وأيُّ مانع يكون ذلك خصوصية لأزواجه صلى الله عليه وسلم أنهن لا يحتلمن، كما أن من خصائص الأنبياء أنهم لا يحتلمون؛ لأنه من الشيطان، فلم يسلط عليهم، وكذا على أزواجه صلى الله عليه وسلم تكرمًا له.
قلت: المانع من ذلك أن الخصائص لا تثبت بالاحتمال، وهو كغيره، ولم يثبت ذلك للأنبياء عليهم السلام بالدليل.
قال الحافظ ولي الدين العراقي: بحث بعض أصحابنا في الدرس فمنع وقوعه من أزواجه صلى الله عليه وسلم؛ بأنهن لا يطعن غيره لا يقظة ولا منامًا والشيطان لا يتمثل به.
وفيه نظر؛ لأنهن قد يحتلمن من غير رؤية، كما يقع لكثير من الناس، ويكون سبب ذلك شبعًا وغيره. والذي منعه بعض الفقهاء، هو وقوع الاحتلام من الأنبياء عليهم السلام، كما قاله الزرقاني (5).
(1) انظر: التمهيد (8/ 333).
(2)
انظر: الفتح (1/ 389).
(3)
انظر: الفتح (1/ 389).
(4)
انظر: تنوير الحوالك (1/ 71).
(5)
انظر: شرح الزرقاني (1/ 152).