الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الله عنه، أي: لدفع الوسواس عن نفسه.
وروى أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه والحاكم، عن الحكم بن سفيان: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا توضأ أخذ كفًا من ماء فنضح بها فرجه (1)، أي: غسله.
قال محمد: وبهذا، أي: بغسل الموضع الذي أصابه المذي، نأخُذُ، أي: نعمل ونفتي: إذا كثُر ذلك أي: البلل من الإِنسان، أي: في عمره، أو فيما ابتلى به، بخلاف النادر في وقوعه، كما حقق في مسألة الشك في الصلاة.
قوله: وأدْخَل الشيطان، أي: على الإِنسان، فيه أي: في الحدث شكًا، عطف على قوله "كثر ذلك"، وفي نسخة: الشكَّ، أي: أراد التشويش الخاطر بالوسوسة في الصلاة وغيرها، فلا يلتفت إليه، فإن هذا صعب عليه، وهو قولُ أبي حنيفة، رحمه الله.
اعلم أنهم اتفقوا على أن من (ق 47) يتقن الطهارة وشك في الحدث، فإنه باقٍ على طهارته إلا مالكًا، فإن ظاهر مذهبه أنه ينبئ عن الحدث ويتوضأ.
وقال الحسن: إن شك في الحدث وهو في الصلاة يبني على تيقنه، ومضى على صلاته: أي: أتمها، وإن كان في غير الصلاة أخذ بالشك، وهذا تفصيل حسن وجمع مستحسن.
ولما ذكر ما يقتضي الوضوء من المذي، شرع في ذكر بيان الوضوء مما يشرب منه السباع، وتلغ فيه، فقال: هذا
* * *
باب في بيان عدم جواز الوضوء من ماء قليل يشرب منه السباع وتلغ فيه السباع
بكسر السين المهملة، جمع السبع بفتح، وضم وسكن، وبه قرئ شاذًا وهو الحيوان المفترس: كالأسد والفهد والذئب.
(1) أخرجه: أبو داود (166)، وابن ماجه (461)، وأحمد (17026)، وابن أبي شيبة (1/ 194)، وعبد الرزاق في مصنفه (586)، والطبراني في الكبير (3174).
والجمهور ذهبوا إلى حرمة أكلها لحديث مسلم: "كل ذي ناب من السباع فأكله حرام"(1)، وقال مالك: يكره ولا يحرم، لظاهر قوله تعالى في سورة الأنعام:{قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا} الآية [الأنعام: 146]، وأجيب عنه بأن الآية ليست إلا الإِخبار بأنه لم يجد في ذلك الوقت محرمًا إلا المذكورات، ثم أوحى تحريم:"كل ذي نابٍ من السباع"، فوجب قبوله والعمل به.
هذا ويقال: ولغ الكلب في الإِناء، وفي الشراب، ومنه: ولغ يلغ كيهب شرب ما فيه بأطراف لسانه، وأدخل لسانه فيه فحركه، كذا في (القاموس) وفي (المصباح): ولغ الكلب، كمنع، شرب، وسقوط الواو كما في يقع وكوعد، وورث، ويوغل، كيوجل لغة، ثم سؤر السباع نجس، عند أبي حنيفة، وأحمد، ووافقهما الشافعي في سؤر الكلب والخنزير، وقال مالك: بطهارة السؤر مطلقًا.
45 -
أخبرنا مالك، أخبرنا يحيى بن سعيد، عن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي، عن يحيى بن عبد الرحمن بن أبي بَلْتَعَةَ: أن عمر بن الخطاب خرج في رَكْبِ فيهم عمرو بن العاص، حتى وردوا حوضًا، فقال عمرو بن العاص: يا صاحب الحوض، هل تَرِدُ حوضَك السِّباع؟ فقال عمر بن الخطاب: يا صاحب الحوض لا تُخْبِرْنا، فإنا نَرِدُ على السِّبَاع وَتَرِدُ علينا.
قال محمد: إذا كان حوض ماء عظيم، إن حرَّكت منه ناحية لم تتحركْ الناحيةُ الأخرى، لم يُفْسِد ذلك الماءَ مَا وَلَغَ فيه، من سَبُع ولا وقع فيه من قَذَرٍ، إلا أن يُغَلَب عَلى ريح أو طَعْمِ؛ وإذا كان حوضًا صغيرًا، إن حركتَ منه ناحيةً تَحَرّكَتْ الناحية الأُخرى؛ فَوَلَغَتْ فيه السِّبَاع، أو وقع فيه القَذَرُ، فلا يُتَوضأ منه ألا ترى أن عمر بن الخطاب كره أن يُخْبِرَهُ، ونهاه عن ذلك، وهذا كله قول أبي حنيفة.
(45) صحيح، أخرجه: مالك (45)، وعبد الرزاق في مصنفه (250)، والدارقطني (1/ 32)، والبيهقي في الكبرى (1228).
(1)
أخرجه: مسلم (1933).
• محمد قال: ثنا، وفي نسخة: أخبرنا، وفي نسخة: أنا رمزًا إلى أخبرنا مالك، قال: حدثنا، وفي نسخة: أخبرنا يحيى بن سعد، عن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي، عن يحيى بن عبد الرحمن أحد أكابر التابعين ابن حاطب بن أبي بَلْتَعَةَ، بفتح الموحدة وسكون اللام وفتح الفوقية، وحاطب هذا شهد بدرًا والخندق وما بينهما من المشاهد، مات سنة ثلاثين بالمدينة، أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، خرج في رَكْبِ بالفتح والسكون جمع الراكب، وهو ضد الراجل فيهم، أي: في جملتهم عمرو بن العاص، بالياء وبغيرها، لكنه بغير ياء.
كذا قاله ابن مالك في (شرح المصابيح)، وهو أسلم سنة خمس من الهجرة وولاه النبي صلى الله عليه وسلم على عمان، فلم يزل عليها حتى قبض النبي صلى الله عليه وسلم، وعمل لعمر وعثمان ومعاوية، وهو الذي افتتح مصر، وعمرو لم يزل عاملًا عليها إلى آخر وفاته، وأقره عثمان عليها نحوًا من أربعين سنة، وعزله ثم أقطعه إياها معاوية لما صار الأمر إليه، فمات بها سنة تسع وتسعون (1)، حتى وردوا حوضًا، أي: مروا على بركة ماء، فقال عمرو بن العاص: يا صاحب الحوض، هل تَرِدُ حوضَك أي: هل تدخل عليه السِّباع لأجل الشرب منه؟ فقال عمر بن الخطاب: يا صاحب الحوض لا تُخْبِرْنا، واتركنا على الشبهة، فإنا نَرِدُ على السِّبَاع وَتَرِدُ علينا.
وهذا بظاهره يؤيد مذهب مالك، من أن الماء طهور لا ينجسه شيء إلا (ق 48) ما غير طعمه، أو لونه، أو ريحه سواء كان قليلًا أو كثيرًا.
ويؤيده حديث: "الماء لا ينجسه شيء"(2)، رواه الطبراني في (الكبير)، و (الأوسط)، والشافعي، والطيالسي، وأحمد بن حنبل، والدارقطني، والبيهقي،
(1) هذا خطأ، لعلها: تسع وستون.
(2)
أخرجه: أبو داود (66)، والترمذي (66)، والنسائي في المجتبى (324)، وابن ماجه (520)، وأحمد (2101)، والنسائي في الكبرى (49)، وابن أبي شيبة (1/ 166)، وعبد الرزاق في مصنفه (255)، وابن خزيمة (91)، وابن حبان (1241)، والحاكم (565)، والدارقطني (1/ 29)، والشافعي في المسند (800)، والطبراني في الكبير (24/ 17) حديث (34)، والأوسط (2114)، وأبو يعلى (1304)، والبيهقي في الكبرى (1179).