الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عن التبيراء، ثم صلى سجدتين سجدتين، أي: ركعتين ركعتين من باب إطلاق الجزء على الكل، فلما خشي الصبح أوْتَرَ بواحدة، أي: كما تقدم - والله أعلم - وسيأتي عنه رواية أنه كان يفصل في الوتر بتسليمة، ولما كان ظاهر فعله أنه تعدد الوتر في صنعه.
قال محمد: وبقول أبي هريرة نأخد، أي: نعمل، ولا يفعل لما فيه من الاحتمال، وأما قول أبي هريرة المشتمل على فعله فهو صريح يصلي للاستدلال مع أنه أقيس في الاستعمال، لا نرى أي: لا نختار أن يشفع على صيغة المجهول، بضم إلى الوتر بعد الفراغ من صلاة الوتر، ولكنه يصلي بعد وتره ما أحب ولا ينقض (ق 255) بالضاد المعجمة وتره، وهو قولُ أبي حنيفة، رحمه الله.
وبهذا يتبين ما يفعله بعض العامة من أنه إذا صلى الوتر أول الليل، وقام في آخره يصلي ركعتين جالسين، وبعدهما ركعة باعتبار نقض ثوابهما، ويجعلهما بمنزلة الواحدة، ثم يصلي صلاة الليل، ثم يوتر في آخره، نعم قال الإِمام أحمد: إذا أوتر ثم تهجد شفع بركعة ثم يعيده، كذا قاله علي القاري.
لما فرغ من بيان أحكام صلاة الوتر مطلقًا شرع في بيان حكم صلاة الوتر على الدابة، فقال: هذا
* * *
باب الوتر على الدابة
" باب" بالتنوين مرفوع على أنه خبر لمبتدأ محذوف كما قدرناه، وبالسكون لكنه ليس له نصيب من الإِعراب، وبالإِضافة إلى الوتر، قوله:"على الدابة" متعلق بمشروع مقدر مقدم عليها.
252 -
أخبرنا مالك، أخبرنا أبو بكر بن عمر، عن سعيد بن يَسَار، أن النبي صلى الله عليه وسلم أوْتَرَ على راحلته.
قال محمد: قد جاء هذا الحديث، وجاء غيره، وأحبّ إلينا أن يصلي على
(252) إسناده ضعيف لإرساله.
راحلته تطَوُّعًا ما بَدَا لَهُ، فإذا بلغ الوتر نزل فأوتر على الأرض، وهو قول عمر بن الخطاب، وعبد الله بن عمر، وهو قولُ أبي حنيفة والعامة من فقهائنا.
• أخبرنا مالك، أي: ابن أنس بن عمير بن أبي عامر الأصبحي، الإِمام من أتباع التابعين، في الطبقة السابعة من أهل المدينة، وفي نسخة قال: ثنا، أخبرنا أبو بكر بن عمر، بن عبد الرحمن بن عبد الله بن عمر بن الخطاب، القرشي العدوي، المدني، من كبار التابعين، في الطبقة التاسعة من أهل المدينة، عن سعيد بفتح السين وكسر العين ابن يَسَار، بفتح التحتية وتخفيف السين المهملة، أي: الحباب بضم الحاء المهملة وموحدتين، مدني، تابعي، ثقة، متقن، في الطبقة الثالثة من أهل المدينة، مات سنة سبع عشرة ومائة، وقيل: قبلها بسنة، كذا قاله الحافظ العسقلاني في (تقريب من أسماء الرجال)(1). أن النبي صلى الله عليه وسلم أوْتَرَ على راحلته، أي: صلى صلاة الوتر على دابته، محل هذه الجملة نصب على أنها مفعول ثان لأخبرنا، ففيه دلالة على أن الوتر ليس بواجب، لثبوت أحكام النافلة فيه، وهو فعله على البعير، وإن كان الأفضل فعله على الأرض، لتأكد أمره، فمن صلى على راحلته في الليل استحب أن ينزل للوتر، كذا قاله سعيد بن زيد الباجي من المالكية.
وقال أبو عمر: أجمعوا على أنه لا يصلي الفرض على الدواب إلا في شدة الخوف، خاصة وغلبة مطر، بأن كان الماء فوقه وتحته ففيه خلاف؛ فلما أوتر صلى الله عليه وسلم على البعير علم أنه سنة. انتهى. لكن استشكل بأن من خصائصه صلى الله عليه وسلم وجوب الوتر عليه، فكيف صلاه راكبًا، وأجيب بأن محل الوجوب بالحضر بدليل إيثاره راكبًا في السفر، هذا مذهب مالك ومن وافقه، والقائل بوجوبه عليه مطلقًا قال: يحتمل خصوصية ثابتة له أو أنه تشريع للأمة بما يليق بالسنة في حقهم، فصلًا على البعير كذلك، وهو (2) في نفسه، وأجيب عليه فاحتمال الركوب فيه لمصلحة التشريع، وبُعده لا يخفى، والأولى فيه أن الخصائص لا تثبت بالاحتمال، وهذا الحديث رواه البخاري عن إسماعيل، ومسلم عن يحيى، كلاهما عن مالك، كذا قاله الزرقاني (3).
(1) التقريب (1/ 243).
(2)
كذا في المخطوطة، وفيها قلق واضطراب في العبارة.
(3)
في شرحه (2/ 115).