الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والإِبهام، ويشير بالسبابة.
عن الحلواني: يقيم الإِصبع عند "لا إله" ويضع عند "إلا الله"؛ ليكون الرفع للنفي والوضع للإثبات.
زاد سفيان بن عيينة، عن مسلم: بإسناده المذكور: وقال: هي، أي: الإِشارة للشيطان، أي مطردته، لا سهو أحدكم ما دام يغيره بإصبعه، ويقول هكذا.
قال الباجي - من علماء المالكية -: إن معنى الإِشارة: دفع السهو، وقمع الشيطان؛ الذي يوسوس، كذا قاله الزرقاني (1)، ووضع كفه اليسرى على فَخِذِهِ اليسرى، وعن كثير من المشايخ لا يشير أصلًا، وهو خلاف الرواية والدراية. انتهى، قاله علي القاري.
وقد وضعت في هذه المسألة رسالة مستقلة، ذكرتُ فيها الرواية والدراية. انتهى.
قال محمد: وبصنيع رسول الله صلى الله عليه وسلم نأخُذُ، أي: نعمل، قال -تعالى- في سورة الحشر:{وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر: 7]، وهو قولُ أبي حنيفة. فأما تسوية الحصى فلا بَأسَ بتسويته مرَّة واحدةً، وتركُهَا أفضل، وهو قولُ أبي حنيفة، رحمه الله تعالى.
وكذا قول مالك والشافعي وأحمد، ولا يعرف المسألة خلاف، فالسلف من العلماء، وإنما خالفوا فيها بعض الخلف، في مذهبنا من الفقهاء، كذا قاله علي القاري.
لما فرغ من بيان ما يلزم المصلي ما يتركه من العبث، شرع في بيان حكم ما يجب على المصلي أن يفعله في صلاته من التشهد، فقال: هذا
* * *
باب التشهد فى الصلاة
بيان حكم أبي حنيفة في القعدتين على الأصح، وفرض عند الشافعي في الأخيرة دون الأولى، ورواه عن مالك: أبو مصعب، وقال: من تركه بطلت صلاته، واستدلوا بالوجوب بقوله صلى الله عليه وسلم:"فإذا صلى أحدكم، فليقل: التحيات الزاكيات لله. . " إلى آخره.
(1) انظر: شرح الزرقاني (1/ 264).
145 -
أخبرنا مالك، حدثنا عبد الرحمن بن القاسم، عن عائشة، أنها كانت تتشهد فتقول: التحيَّات الطَّيبَات الصلوات الزَّاكيات لله، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسوله، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته. السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، السلام عليكم.
• أخبرنا مالك، وفي نسخة: محمد قال: ثنا، رمزًا إلى حدثنا، وفي نسخة أخرى: محمد أخبرنا مالك بن أنس، بن عامر بن عمير الأصبحي، من كبار أتباع التابعين، من الطبقة السابعة من أهل المدينة، حدثنا، وفي نسخة قال: ثنا، رمزًا إلى حدثنا عبد الرحمن بن القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، رضي الله عنه، أحد الفقهاء السبعة المشهورين، من أكابر التابعين من الطبقة الثانية، من طبقات التابعين من أهل المدينة، كما قال أبو الفرج بن عبد الرحمن بن الجوزي في (طبقاته)(1)، عن أبيه، كذا في نسخة: عن عائشة، رضي الله عنها، أنها كانت تتشهد في قعدة الصلاة؛ فتقول: التحيَّات، هي جمع تحية من حيا فلان فلانا إذا دعا لى عند ملاقاته، كقوله: حياك الله، أي: أبقاك، والمراد هنا: أعز الألفاظ التي تدل على الملك والعظمة، وسبب الجمع أنهم كانوا يحبون الملك بأثنية مختلفة، نعم أنعم صباحًا، وأبيت اللعن، ورعش كذا (ق 139) سنة، فالمعنى الملك، وقيل: البقاء الدائم، وقيل: العظمة، وقيل: السلامة من النقص، وقيل: العبادة القولية، وقيل: الإِثنية كلها، الطَّيبَات أي: العبادات الخالصة عن جميع المعيبات، أو العبادات المالية الصلاة الصلاة العبادات الفعلية مطلقًا، أو الصلوات الخمس، أو الرحمة الكاملة، أو الدعوات كلها، الزَّاكيات أي: الأعمال التي يزكو لصاحبها الثواب في الآخرة، أو العبادات الثاميات أو الواقيات لله، أي: مختص لواجب الوجود لذاته، وهذه التعظيمات على مثال من يدخل على السلطان، وعلى الأمير فيثنه أولًا ثم يخدم ثم يبذل المال، واجبًا منه أن يرجع عليه بالقبول والإِقبال. أشهد أن لا إله إلا الله، أي: اعلم وتيقن أن الألوهية والعبودية بالحق مقصورة لذاته تعالى وحده تأكيد لا شريك له، تأكيد
(145) أخرجه: مالك (206)، (207)، وابن أبي شيبة (1/ 261)، والبيهقي في الكبرى (2657).
(1)
انظر: صفة الصفوة (2/ 88).
آخر، والمعنى أنه متفرد في ذاته، لا شريك له في صفاته، وأشهد أن محمدًا عبدُه وهو في الأصل صفة بمعنى المملوك، استعمل استعمال الأسماء على ما قاله سيبويه، وإنما أثر على غيره؛ لأنه لا اسم للمؤمن أشرف من العبودية في صفات المخلوقين، وهي الرضا بما يفعله الرب، والعبادة ما يرضيه، والعبودية هي التواضع الذي من العبادة، لبقائها في العقبى بخلاف العبادة، فإنها تُنبئ عن كمال التذلل، وهو المقصود، ورسوله، أي: المعظم لديه، السلام أي: أنواع التعظيم الذي وجه إلى الأنبياء والرسل، نازل عليك أيها النبي.
قال النووي والطيبي: والتعريف في السلام للعهد التقريري، أي: ذلك السلام الذي توجه إلى الأنبياء والرسل، ويجوز أن يكون للعهد الخارجي إشارة إلى قوله تعالى:{وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى} [النمل: 59].
ولا شك أن هذين التقديرين أولى من تقدير النكرة؛ لأن أصل سلامًا عليك ثم حذف الفعل، وأقيم المصدر مقامه، وعدل عن النصب إلى الرفع على الابتداء للدلالة على ثبوته واستقراره.
وذكر صاحب (الأقليد) عن أبي حامد أن التذكير فيه للتعظيم، وهو وجه من وجوه الترجيح، لا يقف على الوجوه المتقدمة.
قال الطيبي: من حكمة العدول عن الغيبة إلى الخطاب في هذا مع أن لفظ الغيبة هو مقتضى السياق، وكان يقول: السلام على النبي، فينتقل من تحية الله تعالى إلى تحية النبي صلى الله عليه وسلم، كما قاله الزرقاني.
ورحمة الله أي: إحسانه، وبركاته، أي: زيادته من كل خير، لما انتقل المصلي من "أيها النبي ورحمة الله وبركاته" انتقل إلى تحية النبي صلى الله عليه وسلم بقوله:"التحيات لله، والسلام عليكم أيها النبي ورحمة الله وبركاته"، انتقل إلى تحية نفسه، ثم إلى الصالحين، السلام، أي: الأمان فى الدارين من الهوان، علينا وعلى عباد الله الصالحين، جمع صالح وهم الذين قاموا بحقوق الله تعالى، وبحقوق عباده، وقيل: السلام هو الله - تعالى - فمعناه: الله علينا، أي: حفظنا ورقيب علينا، وقيل: هو (ق 140) جمع سلامة، أي: جنسها الفرق بينه وبين مفرده التاء، السلام عليكم كذا في (الموطأ) لمالك، يعني بقول المصلي بعد إتمام التشهد: السلام عليكم.
قال ابن عبد البر: روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يسلم تسليمة واحدة، من طرق معلومة لا تصح (1). لكن روي عن الخلفاء الأربعة: وابن عمر وأنس، وابن أبي أوفى، وجمع من التابعين، أنهم كانوا يسلمون واحدة، واختلفوا عن أكثرهم، فروي عنهم تسليمتان كما رويت الواحدة، والعمل المشهور المتواتر بالمدينة التسليمة الواحدة، ومثله يصح الاحتجاج به؛ لوقوعه في كل يوم مرارًا والحجة له قوله صلى الله عليه وسلم:"تسليمتين"، من وجوه كثيرة صحاح؛ كما قاله الزرقاني (2).
* * *
146 -
أخبرنا مالك، عن ابن شهاب الزهري، عن عروة بن الزبير، عن عبد الرحمن بن عبدٍ القَارِيِّ، أنه سمع عمر بن الخطاب على المنْبَرِ، يُعَلِّم الناس التشهد، يقول: قولوا: التحيَّات لله، الزَّاكيَات الطَّيِّبات الصَّلَوَات لله، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسوله.
• أخبرنا مالك، وفي نسخة: محمد قال: ثنا، رمزًا إلى حدثنا، وفي نسخة: محمد أخبرنا مالك بن أنس بن مالك بن أبي عامر بن عمير الأصبحي، من كبار أتباع التابعين، من الطبقة السابعة من أهل المدينة، عن ابن شهاب أي: محمد بن مسلم بن شهاب الزهري، من التابعين من الطبقة الرابعة، من أهل المدينة، عن عروة بن الزبير، أي: ابن العوام، من التابعين من الطبقة الثانية من أهل المدينة، كما قاله أبو الفرج عبد الرحمن بن الجوزي - من علماء الحنبلية - في (طبقاته)(3)، عن عبد الرحمن بن عبدٍ بالتنوين القَارِيِّ،
(1) انظر: شرح الزرقاني (1/ 273).
(2)
انظر: شرح الزرقاني (1/ 273).
(146)
أخرجه: مالك (203) وابن أبي شيبة (1/ 261)، وعبد الرزاق في مصنفه (3067)، والحاكم (979)، (981)، والشافعي في المسند (ص: 237)، والبيهقي في الكبرى (2655)، والطحاوي في شرح معاني الآثار (1/ 261).
(3)
انظر: صفة الصفوة (2/ 85).
بتشديد الياء، نسبة إلى قارة بطن من خزيمة ابن مدركة المدني، عامله عمر بن الخطاب على بيت المال، يقال: إنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم، وذكره العجلي في ثقات التابعين، واختلف قول الواقدي فيه، قال تارة: له صحبة، وتارة: تابعي، مات سنة ثمان وثمانين كذا قاله الزرقاني (1)، أنه سمع عمر بن الخطاب رضي الله عنه على المنْبَرِ، يُعَلِّم الناس التشهد، قال في (الاستذكار): ما أورده مالك، عن عمر، وابنه، وعائشة حكمه: الرفع؛ لأن من المعلوم أنه لا يقال بالرأي، ولو كان رأيًا لم يكن ذلك القول من الذكر أولى من غيره، من سائر الأذكار، فلم يبق إلا أن يكون توقيفًا، وقدر رفعه غير مالك عن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم: يقول: قولوا: أي: أيها المؤمنون في قعدة الصلاة: التحيَّات جمع تحية، ومعناه السلام أو البقاء أو العظمة، أو السلامة من الآفات والنقص، أو الملك، أو أنواع والتسليمات لله، أي: خالصة له، الزَّاكيَات أي: الأعمال الصالحة لله، أي: خالصة له وحده، الطَّيِّبات أي: الأقوال الصادقة، وهو ما طاب من القول وحسن أن يثني به على الله دون ما لا يليق لصفاته، مما كان الملوك يحيون به، وقيل: الطيبات ذكر الله، وقيل: الأقوال الخالصة كالدعاء والثناء، وقيل: الأعمال الصالحة، وهو أعم؛ أي لله، وكان اكتفى بما قبله أو ما بعده. الصَّلَوَات أي: الدعوات الكاملة والعبادة كلها لله أي: خالصة له على عباده، السلام عليك أيها النبي أي: إحسانه - تعالى - ورحمة الله وبركاته، أي: زيادته من كل خير، السلام علينا، أي: الأمان في الدارين من الهوان، ليكن لنا وعلى عباد الله الصالحين، جمع صالح، وهم الذين قاموا بحقوق الله تعالى، وحقوق عباده، والإِيقان (ق 141) بأنواع التعظيم، على أن المراد بالسلام العظيم هذا المعنى معتبرًا إن اشتق الصالح من باب حسن، وأما إن اشتق من باب نصر فيكون معنى الصالحين، أي: الذين صرفوا أعمارهم في طاعته - تعالى - وهذا المعنى أخص من الأول، وإنما خص ذكر السلام لحين بيان يمتاز لهم عند ربهم، وحث كافة الناس على أن لا يتأخروا عنهم، أشهد أن لا إله إلا الله، أي: اعلم وتيقن أن الألوهية والعبودية بالحق مقصورة لذاته - تعالى - وأشهد أن محمدًا عبدُه أي: دائم في عبوديته - تعالى - ورسوله أي: المعظم لديه، والحديث رواه الحاكم في (مستدركه).
(1) انظر: شرح الزرقاني (1/ 267).
قال الفاكهاني: ينبغي للمصلي أن يستحضر في هذا المحل جميع الأنبياء والملائكة والمؤمنين: ليوافق لفظه مع قصده.
وقال البيضاوي: عليه أن يقروه صلى الله عليه وسلم بالذكر لشرفه ومزيد حق عليه، وفيها استحباب البداه للمصلي نفسه في الدعاء، ثم الحاضرين من الإِمام والمأموم، والملائكة ثم للمؤمنين والمؤمنات جميعًا ليسقط ما عليه من حقهم أن يدعوا لهم.
* * *
147 -
أخبرنا مالك، أخبرنا نافع، عن ابن عمر أنه كان يتشهد فيقول: بسم الله التحيَّات لله الصلوات لله، الزَّاكيات لله، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، شهدت أن لا إله إلا الله وشهدت أن محمدًا رسول الله، يَقُولُ هذا في الركعتين الأولَيَيْن، ويدعُو بما بَدَا له إذا قضى تشهده، فإذا جلس في آخر صلاته تشهد كذلك، إلا أنهُ يُقدِّم التشهد ثم يدعو بما بَدَا لهُ، فإذا أراد أن يسلم قال: السلام على النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، السلام عليكم - عن يمينه - ثم يردُّ على الإِمام؛ فإن سلم عليه أحدٌ عن يساره رد عليه.
قال محمد: التشهد الذي ذكِرَ كله حَسَن، وليس يُشبهُ تشهدَ عبد الله بن مسعود، وعندنا تَشهُّدُهُ؛ رَوَاهُ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعليه العامة عندنا.
• أخبرنا مالك، وفي نسخة: محمد قال: ثنا، رمزًا إلى حدثنا عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان يتشهد أي: في قعدة الصلاة، فيقول: أحيانًا بسم الله، وفي رواية الطبراني، عن ابن الرستم: بسم الله وبالله خير الأسماء، ولفظ "بسم الله" موجود موقوفًا، كما صححه الحاكم، ومعدوم مرفوعًا، كما ضعفه الحافظ البخاري، والترمذي، والنسائي، والبيهقي، وغيرهم، وهذا خلاصة ما قاله الزرقاني. التحيَّات لله، أي: العظمة له، الصلوات لله أي: العبادات الفعلية - مطلقًا - وفي نسخة: والصلوات بالواو،
(147) أخرجه: مالك (204)، وعبد الرزاق في مصنفه (3073).
الزاكيات لله، بغير الواو، وفي نسخة بالواو، أي: الأعمال التي يزكو لصاحبها الثواب في الآخرة، أو العبادات النامية له تعالى.
السلام عليك أيها النبي قال الحافظ العسقلاني في (فتح الباري)(1): ورد طرق حديث ابن مسعود بما يقتضي المغايرة بين زمانه صلى الله عليه وسلم فيقال لفظ الخطاب وبعده بلفظ الغيبة.
فروى البخاري في الاستئذان من طريق أبي معمر، عن ابن مسعود بعد أن ساق حديث التشهد.
قال وهو بين ظهرانينا، فلما قبض قلنا: السلام على النبي، ورواه أبو عوانة والجوزجاني، وأبو نعيم الأصبهاني، والبيهقي من طرق متعددة من طريق أبو نعيم: شيخ البخاري فيه بلفظ: فلما قبض قلنا: السلام على النبي بحذف لفظ عليك أيها النبي، وكذا رواه أبو بكر بن أبي شيبة عن أبي نعيم، وهذا صحيح بلا ريب، وقد وجدتُ له متابعًا قويًا.
قال عبد الرزاق: أخبرنا ابن جريج، أخبرني عطاء أن الصحابة كانوا يقولون والنبي صلى الله عليه وسلم حي: السلام عليك أيها النبي، فلما مات قالوا: السلام على النبي، وهذا إسناد صحيح، كما قاله الزرقاني (2).
أقول وبالله التوفيق: يلزم على العبد المؤمن أن بعد حياته صلى الله عليه وسلم ومماته سويًا، ويصلي عليه بالتعظيم، كأنه حاضر عنده، فإنه تعالى قادر على أن يسمعه صوت المصلي عليه، وإن (ق 142) كان في مكان كما أسمعه دقة النعل لبلال، رضي الله عنه، وهو في السماء ليلة المعراج، وبلال في مكة في تلك الليلة.
ورحمة الله، أي: إحسانه تعالى عليك أيها النبي، وبركاته أي: زيادته من كل خير، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، شهدت أن لا إله إلا الله وشهدت أن محمدًا رسول الله، بغير واو أظهر في معنى الإِنشاء من أشهد، غايته أن أشهد أدل على الحال، ولذا اختاره أهل الحال، يَقُولُ أي: يقرأ هذا أي: التشهد في الركعتين الأولَيَيْن، أي: في
(1) انظر: الفتح (2/ 316).
(2)
انظر: شرح الزرقاني.
قعدتهما التي بعدهما، ويدعُو أي: ابن عمر، أي: ظهر إذا قضى تشهده، وهذا محمول عند أبي حنيفة على السنن والنوافل، وأجازه مالك في رواية ابن نافع، والمذهب رواية علي وغيره عنه كراهة الدعاء في التشهد الأول؛ لأن المطلوب تقصيره في القعدة الأولى، ووجوب سجود السهو إذا صلى على النبي صلى الله عليه وسلم، في القعدة الأولى من الفرائض.
وقد حُكِيَ أن أبا حنيفة رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم في منامه يقول له: لم أمرت بالسجدة لمن صلى عليَّ في جلوسه الأول من صلاته الرباعية؟ فقال: يا رسول الله، فإنه صلى عليك، بلا قصد، فتبسم رسول الله، ورضي عنه بهذا الجواب، كما في (البحر الرائق).
فإن قيل: ما الحكمة في تقديم النفي على الإثبات فى قوله: "لا إله الا الله"، وتقديم الإثبات على النفي في قوله:"الله لا إله إلا هو"؟
قال بعض العارفين: إنما قدم النفي على الإِثبات، ردًا على مزاعم الشريك ومدعيه؛ لأن المناسب في لسان العرب من طرق البلاغة والفصاحة أن يجاب مدعي الإِثبات بالنفي، وهو من أسرار البلاغة المحمدية.
وقيل: إنما قدم النفي على الإِثبات؛ ليفرغ الموحد قبله فيما سوى الله - تعالى - ليواطئ اللسان القلب، فإذا أفرغه عن غيره أثبت فيه الله، حتى لا يكون مع الله غيره، ولا يكون مشغولًا بشيء غيره؛ لأن القلب المشغول بغيره - تعالى - كيف أن يذكر الله - تعالى - مع ذكر غيره.
وإنما قدم الإِثبات في قوله: "الله لا إله إلا هو" نظر إلى حقيقة التوحيد؛ لأن الموجود المطلق هو الله - تعالى - وما سواه هالك، إلا وجهه.
فإذا جلس في آخر صلاته تشهد كذلك، أي: كما سيق، إلا أنهُ يُقدِّم التشهد أي: يقدم ما يشمل بشهادتين، ثم يدعو بما بَدَا أي: ظهر لهُ، أي: مما لا يسأل من الناس، كما هو مقتضى القياس.
وقال طاووس، والنخعي، وأبو حنيفة: لا يدعو في الصلاة إلا بما في القرآن، كذا أطلق ابن بطال وجماعة، عن أبي حنيفة.
والموجود في كتب الحنفية: أنه لا يدعو في الصلاة، إلا بما في القرآن، وثبت في الحديث؛ أو كان مأثورًا أعم من أن يكون مرفوعًا، أو غير مرفوع لكن ظاهر الحديث يرد
عليهم، وكذا يرد على قول ابن سيرين: لا يدعو في الصلاة إلا بأمر الآخرة، فإذا أراد أن يسلم أي: للصلاة بنية الخروج عنها، قال: السلام على النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أي: ليتصل لفظ السلام في آخر التشهد، وهذه زيادة تكرير في التشهد، كان ابن عمر اختاره، ليختمه بالسلام على النبي صلى الله عليه وسلم والصالحين؛ لأنه فصل بين التشهد والدعاء (ق 143)، ورُوي عن مالك استحباب ذلك.
قال القاضي سعيد بن زيد الباجي - من علماء المالكية: ولا يثبت السلام عليكم عن يمينه تسليمة التحليل، ثم يردُّ أي: ينوي برده على الإِمام؛ فإن سلم عليه أحدٌ أي: من المأمومين بأن كان عن يساره بأن كان مصليًا مع الإِمام رد عليه، أي: وإلا فلا أعلم أن السلام مشروع بالاتفاق، وهو ركن عند مالك، والشافعي، وأحمد، وأبو حنيفة واجب، وهو تسليمتان عند أبي حنيفة، وأحمد، والشافعي في الأصح.
وقال مالك: هو واحد فلا يسن بالزيادة للإِمام والمنفرد، وأما الإِمام فيستحب أن يسلم ثلاثًا: اثنين عن يمينه، وشماله، والثالثة تلقاء وجهه، يرد بها على إمامه.
قال في (الاستذكار): ما أورده في التشهد: عن عمر وابنه، وعائشة كلمة الرفع: من المعلوم أنه لا يُقال بالرأي، ولو كان رأيًا لم يكن ذلك القول من المنكر أولى من غيره، من سائر الأفكار.
قال محمد: التشهد الذي ذكِرَ كله، وكذا ما لم يذكر مما ذكره غيره في الحض وغيره حَسَن، أي: مقبول مستحسن، وهو لا ينافي كونه واجبًا، وليس يُشبهُ أي: كلما ذكر تشهدَ عبد الله بن مسعود، رضي الله عنه، أي: من جهة صحة روايته، وحجة ثقاته؛ إذ رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه كلهم عن ابن مسعود باللفظ الذي فيما يليه.
وقد قال الحافظ العسقلاني (1): حديث ابن مسعود أصح حديث رُوي في التشهد، وعليه العمل عند أكثر أهل العلم من الصحابة ومن بعدهم، ثم رأيت كلام الترمذي. وعند تَشهُّدُهُ؛ أي: عبد الله بن مسعود؛ لأنه رَوَاهُ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أي: مرفوعًا بالنص
(1) انظر: الفتح (2/ 310).
الصريح، وبالطريق الصحيح، وعليه العامة، أي: عامة أهل العلم، كما تقدم، أي: عامة أصحابنا، على ما هو معلوم عندنا، واعلم أنهم اتفقوا على أنه يجزئ بكل واحد من التشهد المروي عن النبي صلى الله عليه وسلم من طريق أصحابه الثلاثة: عمر بن الخطاب، وعبد الله بن مسعود، وعبد الله بن عباس، واختاره أبو حنيفة بتشهد ابن مسعود، ومالك: تشهد ابن عمر، والشافعي وأحمد: تشهد ابن عباس رضي الله عنهم أجمعين.
* * *
148 -
أخبرنا مُحِلّ بن مُحْرِزِ الضَّبيُّ عن شقيق بن سَلَمَة بن وائِل الأسَدِيّ، عن عبد الله بن مسعود، قال: كنا إذا صلينا خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم، قلنا: السلامُ على الله فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاته ذات يوم، ثم أقبل علينا فقال:"لا تقولوا السلام على الله، فإن الله عز وجل هو السلام، ولكن قولوا: التحيَّات لله والصَّلوات والطَّيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله".
قال محمد: وكان عبد الله بن مسعود يَكْرَهُ أن يُزَادَ فيه حرفٌ أو يُنقص منه حرفٌ.
• قال محمد: أخبرنا مُحِلّ بضم الميم، وفتح وكسر الحاء، وتشديد اللام، ابن مُحْرِزِ بضم الميم وسكون حاء فكسر لام وزاي، الضَّبيُّ: بتشديد الموحدة، نسبة إلى قبيلة بني الضبي، الكوفي، لا بأس به، كان في الطبقة السادسة من طبقات التابعين من أهل الكوفة، مات سنة ثلاث وخمسين ومائة، كما في (تقريب التهذيب). وفي نسخة: محمد قال: ثنا رمزًا إلى حدثنا، وفي نسخة أخرى: محمد أخبرنا عن شقيق بن سَلَمَة بن وائِل الأسَدِيّ، يُكنى أبا وائل الكوفي، ثقة مخضرم، كان في الطبقة الرابعة، من طبقات
(148) أخرجه: البخاري (831)، (835)، ومسلم (402)، (403)، وأبو داود (968)، والنسائي (1168)، (1169)، وابن ماجه (899)، وأحمد (3615)، والدارمي (1340).
التابعين المحدثين من أهل الكوفة، مات في خلافة عمر بن عبد العزيز، عن عبد الله بن مسعود، رضي الله عنه، أنه قال: كنا إذا صلينا خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم، قلنا: السلامُ على الله، وفي بعض الروايات زيادة: السلام على جبريل، السلام على ميكائيل، فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم (ق 144) صلاته، أي: أداها وفرغ عنها ذات يوم، أي: يوم من الأيام، ثم أقبل علينا فقال: لا تقولوا السلام على الله، أي: من عباده كما في رواية حيث يوهم أنه سبحانه وتعالى محتاج إلى الدعاء بالسلام من جانب الأنام؛ فإن الله عز وجل هو السلام، أي: بذاته ومنه السلام لمخلوقاته.
كما ورد: اللهم أنت السلام، ومنك السلام، والنهي نهي تنزيه، ولكن قولوا: أمر وجوب التحيَّات أي: أنواع التعظيم لله، أي: مختص به تعالى، والصَّلوات أي: العبادات الفعلية مطلقًا، أو الصلوات الخمس، والراحة الكاملة، والدعوات كلها، والطَّيبات، أي: العبادات الخالصة عن جميع المعيبات، أو العبادات المالية أو الأذكار، من الباقيات الصالحات، السلام عليك أي: أنواع التعظيم الذي وجه إلى الأنبياء والرسل، والتعريف فيه للعهد التقريري، أي: ذلك السلام الذي توجه إلى الأنبياء والرسل، ويجوز أن يكون للعهد الخارجي، إشارة إلى قوله تعالى في سورة النمل:{وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى} [النمل: 59].
ولا شك أن هذين التقديرين أولى من تقدير النكرة؛ لأن أصله سلام عليك أي: سلمت سلامًا عليك، ثم حذف الفعل، وأقيم المصدر مقامه، وعدل عن النصب إلى الرفع على الابتداء؛ للدلالة على ثبوت المعنى واستقراره.
قال صاحب (الإِقليد): التنكير فيه للتعظيم، وهو وجه من وجوه الترجيح، أي: أنواع التعظيم من الله - تعالى - أو من عباد الله الصالحين ينبغي لك أيها النبي.
قال الطيبي: من حكمة العدول من الغيبة إلى الخطاب في هذا المقام، مع أن مقتضى الظاهر أن يقول: السلام على النبي؛ إشعارًا إلى من إذا ذكر الحقيقة بالسلام، من الله ومن الملائكة، ومن عباد الله الصالحين من الإِنس والجان عن قلب حاضر، يجد ذلك المن من نفسه، محركًا للإِقبال على ذلك الحقيق بالسلام، ويجعل التحقيق بالسلام حاضرًا في يديه، وحيًا من عنده، ويسلم عليه بأنواع التعظيم والخضوع، فإذا بعد ذلك المن في
نفسه محركًا للإِقبال على ذلك الحقيق بالسلام، على قدر الحقيق به عند الله تعالى كيف كان؛ فإنه تعالى صلى عليه أولًا بالذات، وأخبر المؤمنين بصلاة المؤمنين على النبي، عليه السلام، ثانيًا ثم أمرهم بها عليه ثالثًا، فقال في سورة الأحزاب:{إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب: 56].
وفي الخبر عن علي رضي الله عنه، أن لفظ هذه الآية نداء النفس، أي: نداء القلب، وها نداء الروح كأنه - تعالى - يقول: عظموا أيها المخاطبون شأن محمد صلى الله عليه وسلم في وقت الصلاة عليه، بنفوسكم وقلوبكم وأرواحكم لا بلسانكم فقط، فرد الله - تعالى - على النبي بمقابلة الصلاة بقوله: ورحمة الله، أي: إحسانه تعالى عليك أيها النبي، ورد الله تعالى عليه البركة بمقابلة الطيبات، بقوله: وبركاته، أي: زيادته من كل خير.
قيل: أثنى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة المعراج على الله تعالى بالتحيات لله والصلوات والطيبات، بإلهام من الله تعالى، رد الله تعالى على رسوله وحياه (ق 145) بمقابلة التحيات بقوله: السلام عليك أيها النبي، ورد الله تعالى على الرحمة بمقابلة الصلوات، بقوله: ورحمة الله، ورد الله عليه البركة بمقابلة الطيبات، بقوله: وبركاته، بمناسبة كل واحد منها الآخر من الآخر، أما مناسبة السلام بالتحيات؛ فلأنه تحية السلام، وأما مناسبة الرحمة للصلوات فلأنها بمعناها، وأما مناسبة البركات بالطيبات فلكونها النمو والكثرة، فلما أفاض الله بإنعامه على نبيه بالثلاثة، والنبي أكرم خلق الله تعالى وأجودهم عطف بإحسانه من ذلك الفيض، بإخوانه الأنبياء، والملائكة، وصالح المؤمنين من الإِنس والجن، فقال: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، جمع صالح، وهو القائم بحقوق الله وحقوق عباده، فعمهم به.
كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنكم إذا قلتم بها أصابت كل عبد صالح في السماء والأرض"(1)، وليس شيء أشرف من العبودية في صفات المخلوقين، وهو الرضا بما يفعله الرب، والعبادة ما يرضيه، والعبودية: أقوى من العبادة؛ لبقائها في العقبى بخلاف العبادة.
(1) أخرجه: البخاري (797)، ومسلم (402)، والنسائي (1298)، وابن ماجه (899)، وأحمد (3615)، (3910)، (4007)، والدارمي (1340).
فلما قال ذلك صلى الله عليه وسلم، إحسانًا منه: شهد الملكوت الأعلى والسموات والأرض، وجبريل، بوحي وإلهام فقال كل واحد منهم: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، أي: أعلم وأتيقن ألوهية الله - تعالى - وعبودية محمد صلى الله عليه وسلم ورسالته، فيقصد المصلي - إن شاء - هذه الألفاظ مرادة له، قاصدًا معناها الموضوعة له من عنده، كان المصلي يحيي الله ويثني عليه، ويسلم على النبي صلى الله عليه وسلم، وعلى نفسه وعلى أولياء الله تعالى، خلافًا كما قال بعض العلماء: إنه حكاية سلام الله تعالى، لا ابتداء سلام من المصلي، كذا في (سلم الفلاح).
قال محمد: وكان عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، يَكْرَهُ أن يُزَادَ فيه حرفٌ أو يُنقص منه حرفٌ. وهذا يدل على غاية حفظه، ونهاية ضبطه.
وذكر ابن الهمام، قال: أبو حنيفة: أخذ حماد بيدي وعلمني التشهد، وقال: حماد: أخذ إبراهيم النخعي: بيدي وعلمني التشهد، وقال إبراهيم النخعي: أخذ علقمة بيدي، وعلمني التشهد، وقال علقمة: أخذ عبد الله بن مسعود بيدي وعلمني التشهد، وقال عبد الله بن مسعود: أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي وعلمني التشهد، ما يعلمني السورة من القرآن، وكان يأخذ علينا بالواو والألف واللام. انتهى.
والمعنى أنه كان يقول: التحيات لله والصلوات، بالواو العاطفة وبالألف واللام في موضعي السلام، بخلاف حديث ابن عباس، وروى مسلم والأربعة بلفظ:"التحيات المباركات، الصلوات الطيبات لله، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين"، وفي رواية الترمذي والنسائي، هنا في الموضعين سلامٌ بالتنكير:"أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله"، فاختاره الشافعي؛ لزيادة المباركات، وهي موافقة (ق 146) لقوله تعالى في سورة النور:{تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً} [النور: 61]، واختار أبو حنيفة وجمهور العلماء، تشهد ابن مسعود، رضي الله عنه؛ لأنه أصح في (شرح المنية).
وحُكي أعرابيًا دخل على أبي حنيفة، وهو جالس مع أصحابه فقال: أبواوٍ أم بواوين؟
فقال أبو حنيفة: بواوين، فقال بارك الله فيك في: لا، ولا، فلم يعلم أحد