الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقال أحمد: لا يجوز وطء المستحاضة في الفرج، إلا أن يخاف زوجها أو سيدها العينة، وهو الزنا، فيجوز في أصح الروايتين، كما قاله علي القاري.
لما فرغ من بيان أحكام المرأة الحائض، فقال: هذا
* * *
باب المرأة ترى الصفرة أو الكدرة
بيان أحكام المرأة ترى اللون الصفرة في الدم، والكدرة بضم أولهما لكن الكدرة، لون من البياض والصفرة.
85 -
أخبرنا مالك، أخبرنا علقمة بن أبي علقمة، عن أمه؛ مولاةِ عائشةَ زوج النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنها قالت: كان النساءُ يَبْعَثْنَ إلى عائشة بالدُّرْجَة فيها الكَرْسُفُ، فيه الصُّفْرَةُ من الْحَيْضَةِ، فتقولُ: لا تَعْجَلْنَ حتى تَرَيْنَ القَصَّةَ الْبَيْضَاءَ، تريد بذلك من الْحَيْضَة.
قال محمد: وبهذا نأخُذُ، لا تطهُرُ المرأةُ ما دامت تَرَى حُمْرَةً أو صُفرةً أو كُدْرَةً، حتى تَرَى البياضَ خالصًا، وهو قولُ أبي حنيفة.
• أخبرنا، وفي نسخة قال: ثنا، رمزًا إلى حدثنا، وفي نسخة أخرى: محمد أخبرنا مالك، أخبرنا، وفي نسخة، قال: ثنا، وفي نسخة: أخبرني بالإِفراد، علقمة بن أبي علقمة، واسمه: بلال المدني، ثقة، علامة، روى له الجميع، مات سنة بضع وثلاثين ومائة (1)، عن أمه؛ واسمها: مرجانة، مولاةِ عائشةَ زوج النبيَّ صلى الله عليه وسلم (2) أنها أي: أم علقمة قالت: كان النساءُ يَبْعَثْنَ، أي: يرسلن في أواخر أوقات حيضهن، إلى عائشة أم المؤمنين، رضي الله عنها، بالدُّرْجَةِ بضم الدال المهملة فسكون الراء المهملة، وفتح الجيم والتاء حتى
(85) أخرجه: البخاري معلقًا، ومالك (127)، وعبد الرزاق في مصنفه (1159)، والبيهقي في الكبرى (1634).
(1)
انظر: التقريب (1/ 408).
(2)
انظر: التقريب (2/ 876).
تضع المرأة فيها طيبها ونحوه، والحفة: بضم: وعاء من خشب جمعها حف، وحفف، فيها، أي: في داخلها الكَرْسُفُ بضم الكاف، وسكون الراء المهملة والسين الساكنة، ثم الفاء، قطن فيه أي: الكرسف لون الصُّفْرَةُ الحاصلة من دم الْحَيْضَةِ، ويراد بالكرسف ما تحتشي وتضع به المرأة في فرجها من قطنة وغيرها؛ لتعرف هل بقي من أثر (ق 88) دم الحيض شيء أم لا، فتقولُ: أي: عائشة رضي الله عنها، وإنما عبر أم علقمة عن الماضي بالمضارع بقولها: فتقولُ إحضارًا في قلوب المخاطبين هذا الحكم: لا تَعْجَلْنَ بالفوقية، أو التحتية، جمع المؤنث خطابًا أو غيبة كما في (الكواكب)، أو خطابًا لكلهن على حد قوله تعالى في سورة المؤمنون:{يَاأَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ} [المؤمنون: 51]، وجمع تعظيمًا لكل واحدة منهن، حتى تَرَيْنَ أي: تبصرن أو تعرفن، قوله: حتى ترين غاية لقولها: لا تعجلن باعتبار معناه، وهو أمهلن، أو غاية لمحذوف، بل أمهلهن بالاغتسال والصلاة، حتى ترين القَصَّةَ الْبَيْضَاءَ، بفتح القاف، وتشديد الصاد المهملة: شيء يشبه المخاط، يخرج انتهاء الحيض، وقيل: هي كالخيط الأبيض يخرج من قبل المرأة، عقيب انقطاع الدم، ويدفعها الرحم عند انقطاع الحيض. يُعرف بها أنها طهرت، تريد عائشة رضي الله عنها بذلك، أي: برؤية القصة الطهر من الْحَيْضَة.
قال مالك: سألتُ النساء عنه فإذا هو أمر معلوم عندهن يرينه عند الطهر.
قال محمد: وبهذا نأخُذُ، لا تطهُرُ المرأةُ ما دامت تَرَى حُمْرَةً أو صُفرةً أو كُدْرَةً، أي: وسائر الألوان، فإنها حيض.
كما في نسخة: حتى تَرَى البياضَ خالصًا، أي: نقيًا وهو أي: التربص والانتظار إلى وقت البياض الخالص عن الكدرة، قولُ أبي حنيفة، رحمه الله تعالى.
فإن قيل: ما الحكمة في غسل جميع البدن في الجنابة، دون البول؟ أنجس من المني، ودم الحيض والنفاس؟
الجواب: لأن جميع الأعضاء غفلت في تلك اللذة، من الله تعالى باستغراقها في الشهوة، فوجب غسل جميعها.
وقيل: لما وجد لذة التمتع كل عضو فوجب غسلها شكرًا لنعمة التمتع.
وقيل: تحت كل شعرة جنابة، إشارة إلى أن تحت كل نعمة شدة.
وقيل: في الاغتسال منافع دينية، منها:
مخالفة الكفار، فإنهم لا يغسلون، وإزالة الدنس والأبخرة الرديئة النفسانية التي تورث بعض الأمراض، وتسكين حرارة شهوة الطبيعة.
وقيل: لما كان التمتع على وفاق النفس وجب الاغتسال على مخالفتها.
وقال الشيخ النيسابوري في كتاب (اللطائف):
فوائد الطهارة عشرة:
طهارة الفؤاد صرفه عما سوى الله تعالى، وطهارة السِّر وهو رواية المشاهدة، وطهارة البطن وهو أكل الحلال، والعفة عن أكل الشبهات، وطهارة البدن، وهو ترك الشهوات وإزالة الأدناس، وطهارة اليدين وهو الورع والاجتهاد، وطهارة اللسان، وهو الذِكر والاستغفار، كما في (خواتم الحكم)(1).
* * *
86 -
أخبرنا مالك أخبرنا عبد الله بن أبي بكر، عن عَمَّتِهِ، عن ابنة زيد بن ثابت، أنه بَلَغَهَا أنَّ نساءً كُنَّ يَدْعُونَ بالمصابيح من جوف الليل، فَينْظُرْنَ الطُّهرَ، فكانت تَعِيبُ ذلك عليهن، وتقول: ما كان النساءُ يصنعن هذا.
• أخبرنا وفي نسخة: محمد قال: ثنا رمزًا إلى حدثنا مالك، أخبرنا، وفي نسخة: قال: ثنا رمزًا إلى حدثنا، وفي نسخة: أخبرني، بالإِفراد، عبد الله بن أبي بكر، ابن عمرو بن حزم الأنصاري، أحد أعلام المدينة، تابعي، روى عن: أنس بن مالك، وعروة بن الزبير بن العوام، وعنه: الزهري، والثوري، وابن عيينة، كان كثير الحديث.
قال أحمد: حديثه تراق، مات سنة خمس وثلاثين (2).
(1) انظر: خواتم الحكم (2/ 515، 516).
(86)
أخرجه: البخاري تعليقًا، ومالك (128)، وابن أبي شيبة (1/ 117)، والبيهقي في الكبرى (1635).
(2)
انظر: التقريب (1/ 281).
عن عَمَّتِهِ، (ق 89) قال ابن الحَذَّاء: هي عمرة بنت حزم، عمة جد عبد الله بن أبي بكر، وقيل لها عمته مجازًا. وتعقبه الحافظ: بأن عمرة صحابية قديمة، روى عنها جابر الصحابي، ففي روايتها عن ابنة زيد بن ثابت بعد، فإن كانت ثابتة لوقوع رواية الأكابر عن الأصاغر؛ فرواية عبد الله عنها منقطعة؛ لأنه لا يدركها، ويحتمل أن المراد عمته الحقيقية، وهي أم عمرو أو أم كلثوم. انتهى.
عن ابنة زيد بن ثابت، قال الحافظ (1): ذكروا لزيد بن ثابت من البنات: حسنة، وعروة، وأم كلثوم، وغيرهن، ولم أجد لواحدة منهن رواية، إلا أم كلثوم، وكانت زوج سالم بن عبد الله بن عمر، وكأنها هي المبهمة هنا، وزعم بعض الشراح أنها أم سعد.
قال: لأن ابن عبد البر ذكرها في الصحابة.
أنه أي: الشأن بَلَغَهَا أي: وصل إليها ونُقِلَ إليها أنَّ نساءً، أي: جمعًا منهن كُنَّ يَدْعُونَ بالمصابيح، أي: يطئن السرج من جوف الليل، فَينْظُرْنَ إلى ما يدل على الطُّهر، أي: ما يدل على طهرهن من الكرسف، فكانت أي: ابنة زيد تَعِيبُ ذلك عليهن، بكسر الكاف، أي: فعلهن هذا، وتقول: أي: ابنة زيد: ما كان النساءُ أي: نساء الصحابة، فاللام للعهد، كما في (الفتح)(2) يصنعن هذا، وإنما عابت عليهن ما لا يلزم، وإنما يلزم النظر إلى الطهر إذا أردن النون أو إذا قمن لصلاة الصبح، قاله مالك في (المبسوط)(3)، وذكره الباجي من علماء المالكية، وقال ابن بطال وغيره: لأن ذلك يقتضي الحرج.
كما قاله الزرقاني (4) وعلي القاري، ولعل إنكارها عليهن دفعًا للوسواس عنهن، وإلا فلا شك أنه يجب عليهن البحث عن حالهن، لترتب وجوب صلاتهن وصيامهن، وجواز جماعهن، وغير ذلك من أحوالهن.
لما فرغ من بيان أحوال المرأة الحائض، شرع في بيان بعض أحكامها، فقال: هذا
* * *
(1) و (2) انظر: الفتح (1/ 420).
(3)
انظر: المبسوط (1/ 520).
(4)
انظر: شرح الزرقاني (1/ 172).