المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب صلاة القاعد - المهيأ في كشف أسرار الموطأ - جـ ١

[عثمان الكماخي]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة المحقق

- ‌موطأ محمد وما يمتاز به

- ‌ترجمة الشارح

- ‌من آثاره:

- ‌وفاته:

- ‌ترجمة محمد بن الحسن

- ‌شيوخه:

- ‌جملة من أصحابه وتلاميذه:

- ‌ثناء الأئمة على محمد:

- ‌تصانيف الإمام محمد بن الحسن:

- ‌وفاة الإمام محمد بن الحسن - رضى الله عنه

- ‌أبواب الصلاة

- ‌باب في بيان أحكام وقت الصلاة

- ‌باب ابتداء الوضوء

- ‌باب غسل اليدين في الوضوء

- ‌باب الوضوء في الاستنجاء

- ‌ باب الوضوء من مس الذكر

- ‌باب في بيان الأحاديث التي تدل على عدم لزوم الوضوء مما أي: من أجل أكل الطعام الذي غيرت، أي: مسته النار

- ‌باب في بيان حكم حال الرجل والمرأة يتوضآن من إناء واحد

- ‌باب في بيان الوضوء من الرُّعاف

- ‌باب في بيان الغسل، أي: غسل الثوب من بول الصبي

- ‌باب في الوضوء من المذي

- ‌باب في بيان عدم جواز الوضوء من ماء قليل يشرب منه السباع وتلغ فيه السباع

- ‌باب في بيان جواز الوضوء بماء البحر

- ‌باب في بيان أحكام المسح على الخفين

- ‌باب في بيان أحكام المسح على العمامة والخمار

- ‌باب في بيان أحكام الاغتسال من الجنابة

- ‌باب في بيان الأحكام التي تتعلق إلى الرجل الذي تصيبه الجنابة من الليل أي: بعض أجزاء الليل

- ‌باب في بيان أحكام الاغتسال يوم الجمعة

- ‌باب في بيان أحكام الاغتسال في يوم العيدين

- ‌باب في بيان أحكام التيمم بالصعيد

- ‌باب في بيان حكم حال الرجل الذي يصيب، أي: يقبل امرأته، وهي حائض

- ‌باب في بيان إذا التقى الختانان، هل يجب الغسل

- ‌باب في بيان حال الرجل ينام هل ينقض ذلك - أي: النوم - وضوءه؟ الرجل والمرأة في هذا الحكم سواء

- ‌باب المرأة ترى في منامها ما يرى الرجل

- ‌باب المستحاضة

- ‌باب المرأة ترى الصفرة أو الكدرة

- ‌باب المرأة تغسل بعض أعضاء الرجل وهي حائض

- ‌باب الرجل يغتسل ويتوضأ بسؤر المرأة

- ‌باب الوضوء بسؤر الهرة

- ‌باب في بيان أحكام الأذان والتثويب

- ‌باب في بيان فضل المشي إلى الصلاة وفضل المساجد

- ‌باب الرجل يصلي وقد أخذ المؤذن في الإقامة

- ‌باب تسوية الصفوف

- ‌باب افتتاح الصلاة

- ‌باب القراءة في الصلاة خلف الإمام

- ‌باب الرجل يسبق ببعض الصلاة

- ‌باب الرجل يقرأ بالسور في الركعة من الفريضة

- ‌باب الجهر بالقراءة في الصلاة وما يستحب من ذلك

- ‌باب التأمين في الصلاة

- ‌باب السهو في الصلاة

- ‌باب العبث بالحصا في الصلاة وما يكره من تسويته

- ‌باب التشهد فى الصلاة

- ‌باب السنة في السجود

- ‌باب الجلوس في الصلاة

- ‌باب صلاة القاعد

- ‌باب الصلاة في الثوب الواحد

- ‌باب صلاة الليل

- ‌باب الحدَثِ في الصلاة

- ‌باب فضل القرآن وما يُسْتَحَبُّ من ذكر الله عز وجل

- ‌باب الرجل يُسَلَّم عليه وهو يصلي

- ‌باب الرجلان يصليان جماعة

- ‌باب الصلاة في مَرَابِض الغنم

- ‌باب الصلاة عند طلوع الشمس وعند غروبها

- ‌باب الصلاة في شدة الحر

- ‌باب الرجل ينسى الصلاة أو يفوته وقتها

- ‌باب الصلاة في الليلة المطيرة وفضل الجماعة

- ‌باب قَصْرِ الصلاة في السفر

- ‌باب المسافر يدخل المِصْرَ أو غيره متى يُتِمُّ الصلاة

- ‌باب القراءة في الصلاة في السفر

- ‌باب الجمع بين الصلاتين في السفر والمطر

- ‌باب الصلاة على الدابة في السفر

- ‌باب الرجل يصلي فيذكر عليه صلاة فائتة

- ‌باب الرجل يصلي المكتوبة في بيته ثم يدرك الصلاة

- ‌باب الرجل تحضره الصلاة والطعام، بأيهما يبدأ

- ‌باب فضل العصر والصلاة بعد العصر

- ‌باب وقت الجمعة وما يستحب من الطيب والدهان

- ‌باب القراءة في صلاة الجمعة وما يستحب من الصمت

- ‌باب في بيان أحكام صلاة العيدين وبيان أمر الخطبة

- ‌باب في بيان حكم صلاة التطوع قبل صلاة العيد أو بعده

- ‌باب في حكم القراءة في صلاة العيدين

- ‌باب في بيان كمية التكبير وكيفيته في العيدين

- ‌باب قيام شهر رمضان وما فيه من الفضل

- ‌باب في بيان حكم دعاء القنوت في صلاة الفجر

- ‌باب في بيان فضل صلاة الفجر في الجماعة

- ‌باب طول القراءة في الصلاة وما يستحب من التخفيف

- ‌باب بيان حكم صلاة المغرب وتر صلاة النهار

- ‌باب في بيان أحكام صلاة الوَتْر

- ‌باب الوتر على الدابة

- ‌باب تأخير الوتر

- ‌باب في بيان حكم السلام في أثناء الوتر

الفصل: ‌باب صلاة القاعد

فالجواب: قال النيسابوري: الركوع أيضًا؛ لأن الركوع هو الانحناء، وهو يتكرر أيضًا، واحد للركوع، وواحد بعد رفع الرأس، والحط للسجود، وهذا الانحناء هو الركوع، وأما كون السجدة اثنين؛ فلأن إبليس أمر بالسجدة فأبى عنها، واستحفظها، وكان من الكافرين، وأمرنا أن نسجد ووعدنا ربنا بالجنة، فسجدنا ثانيًا شكرًا لهذه النعمة، ورغمًا لإِبليس.

وقيل: إن آدم صلوات الله على نبينا وعليه - لما سجد تاب الله عليه، فرفع رأسه من السجدة، وسجد ثانيًا شكرًا لله - تعالى - فكانتا ميراثًا لنا، هذا خلاصة ما في (خواتم الكلم)(1).

لما فرغ من بيان أحكام الجلوس في الصلاة، شرع في بيان أحكام القعود فيها، فقال: هذا

* * *

‌باب صلاة القاعد

بيان أحكام صلاة القاعد، أخذ المصنف هذه الترجمة من قوله تعالى في سورة آل عمران:{الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ} [آل عمران: 191].

ومن قوله صلى الله عليه وسلم: "صل قائمًا فإن لم تستطع فقاعدًا، فإن لم تستطع فعلى جنب"، رواه أحمد، والبخاري، والأربعة (2)، عن عمران بن حصين الفرق بين الجلوس والقعود في الصلاة:

الجلوس: وضع المصلي إليته على الأرض متربعًا، كما في الباب السابق.

والقعود: أن يضع الرجل ركبتيه، وساقيه على الأرض، وأن يضع إليته على ساقيه.

(1) انظر: خواتم الحكم (2/ 496).

(2)

أخرجه: البخاري (1117)، وأبو داود (952)، والترمذي (371)، والنسائي (1660)، وابن ماجه (1223)، وأحمد (19318).

ص: 310

154 -

أخبرنا مالك، حدثنا الزُّهْري، عن السائب بن يَزيد، عن المطَّلب بن أبي وَدَاعَة السَّهْمي، عن حفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، أنها قالت: ما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يُصلي في سُبْحَتِه قاعدًا قطُّ، حتى كان قبل وفاته بعام فكان يصلي في سُبْحَتِه قاعدًا، ويقرأ بالسورة ويُرَتِّلُهَا، حتى تكون أطوَلَ من أطولَ منها.

• أخبرنا مالك، وفي نسخة: محمد قال: ثنا، وهو من أتباع التابعين، من الطبقة السابعة من الطبقات الحنفية، كان أصل مولده بواسط، من قرى العراق، وفي نسخة: محمد، أخبرنا مالك، أي: ابن أنس بن عمير بن عامر الأصبحي، من كبار أتباع التابعين من الطبقة السادسة، من أهل المدينة، حدثنا الزُّهُري، وفي نسخة: ثنا، رمزًا إلى حدثنا، وفي نسخة: بنا رمزًا إلى أخبرنا الزهري، وهو محمد بن مسلم بن شهاب الزهري، يُكنَى أبا بكر من التابعين، من الطبقة الرابعة من الطبقات السبعة، من أهل المدينة.

قال مالك: ما أدركتُ فقيهًا محدثًا غير واحد، قيل: من هو؟

قال: ابنِ شهاب الزهري، كذا قال أبو الفرج بن الجوزي - من علماء الحنبلية - عن السائب بن يزيد، بتحتية وزاي معجمة وهو: ابن سعد الكندي، آخر من مات في المدينة من الصحابة سنة إحدى وتسعين أو قبلها، عن المطلب بتشديد الطاء ابن أبي وَدَاعَة بفتح الواو والدال وهو: الحارث بن صبير بضم المهملة وبفتح الموحدة، ابن سُعَيْد مصغر ابن السَّهْمي، كذا في نسخة، يعني أبي عبد الله، صحابي، أسلم يوم الفتح، ونزل بالمدينة مات فيها، وأمه أروى بنت الحارث بن عبد المطلب، بنت عم النبي صلى الله عليه وسلم صحابية هاشمية، عن حفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، فيه من لطائف ثلاثة أصحاب يروي بعضهم عن بعض، أنها قالت: ما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يُصلي في سُبْحَتِه بضم السين وسكون الموحدة، أي: النافلة وسميت بذلك لاشتمالها على التسبيح من قبيل تسمية الكل باسم بعضه، وخصت به دون الفريضة.

(154) أخرجه: مسلم (733)، والترمذي (373)، والنسائي في المجتبى (1658)، وأحمد (25902)، والدارمي (1385)، ومالك (311)، والنسائي في الكبرى (376)، وابن حبان (2508)، وابن خزيمة (1242)، وأبو يعلى (7055).

ص: 311

قال ابن الأثير (1): لأن التسبيحات في الفرائض نفل في النوافل يلزم أنها نوافل في مثلها، قاعدًا قطُّ، بفتح القاف (ق 151) وتشديد الطاء المضمومة، قال ابن هشام في (مغني اللبيب)، هو ظرف زمان لاستغراق ما مضى ويختص بالنفي، يقال: ما فعلته قط انتهى.

والمعنى: فيما رأيت فيما انقطع من عمري يصلي سبحته قاعدًا، بل قام حتى تورمت قدماه، كما قاله الزرقاني (2)، حتى كان أي: الزمان قبل وفاته بعام أي: بسنة فكان يصلي في سُبْحَتِه قاعدًا، إما لكبره أو لضعفه، ويقرأ بالسورة أي: القصيرة ويُرَتِّلُهَا، بباين بيانها لتبيين معانيها، ويقرأها تمهل، وترتيل ليقع مع ذلك التدبر، كما أمره الله تعالى في سورة المزمل:{وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا} [المزمل: 4].

ولذا كانت قراءته صلى الله عليه وسلم حرفًا فحرفًا كما قالت أم سلمة، وغيرها حتى تكون أي: في الكمية من حيثية الكيفية أطوَلَ من أطولَ منها، أي: في الكمية والعطف يحتمل أن يكون من عطف الفرد أو من عطف الجمل، فتأمل كما قاله علي القاري.

* * *

155 -

أخبرنا مالك، حدثنا إسماعيل بن محمد بن سعيد بن أبي وقاص، عن مولى لعبد الله بن عمرو بن العاص، عن عبد الله بن عمرو، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"صلاةُ أحَدِكم وهو قاعدٌ مثلُ نصفِ صلاتهِ وهو قائم".

• أخبرنا مالك، وفي نسخة: محمد قال: ثنا، رمزًا إلى حدثنا، وفي نسخة: ثنا، وفي نسخة أخرى: محمد أخبرنا حدثنا، وفي نسخة: قال: ثنا رمزًا إلى حدثنا، وفي نسخة: ثنا إسماعيل بن محمد بن سعيد بن أبي وقاص، رضي الله عنه، ثقة، حجة، روى له الخمسة، مات سنة أربع وثلاثين ومائة، عن مولى لعبد الله بن عمرو كذا بالواو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "صلاةُ أحَدِكم أي: في النافلة وهو قاعدٌ أي: من غير عذر، والجملة حالية،

(1) انظر: النهاية (2/ 331).

(2)

انظر: شرح الزرقاني (1/ 400).

(155)

أخرجه: مسلم (735)، وأبو داود (950)، والنسائي (1658)، وابن ماجه (1229)، وأحمد (6476)، (6764)، (6844)، والدارمي (1284).

ص: 312

مثلُ نصف صلاتهِ أي: في الأجر، وهو قائم، جملة حالية أخرى، وفي قوله:"أحدكم" إشارة إلى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس كسائر الأنام في هذا المقام فإنه إما أن يصلي معذورًا أو مجوزًا مشكورًا فيكون أجره في الصورتين موقورًا، والحديث رواه أحمد، والنسائي، وابن ماجه عن ابن عمر.

والطبراني عن ابن عمر، وعن عبد الله بن السائب، وعن المطلب بن أبي وداعة بلفظ:"صلاة القاعد نصف صلاة القائم". كذا قاله علي القاري.

قال ابن عبد البر: قوله: "صلاة أحدكم وهو قاعد مثل نصف صلاته وهو قائم" لما في القيام من المشقة أو لما يشاء أن يتفضل به.

وقد سُئِلَ رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أفضل الصلاة، فقال:"طول القنوت"، والمراد صلاة النافلة؛ لان الغرض أن: من أطال القيام فصلى قاعدًا فصلاته باطلة عند الجميع يلزم عليه إعادتها، فكيف تكون نصف فضل صلاة، بل هو عاصٍ، وإن عجز عنه ففرض الجلوس اتفاقًا؛ لأن الله تعالى يقول:{لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة: 282].

فليس القيام أفضل منه؛ لأن كلًا أدى فرضه على وجهه.

فإن قيل: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مثل نصف صلاته"، ولم يقل: نحو نصف صلاته؟

أجيب: إشعارًا بأن صلاة النافلة قعودًا ناقصة صورة، ومعنى من الصلاة قيامًا كما قاله الأصوليون.

لفظ المثل يستعمل فيما إذا كان المذكور مساويًا لما سبقه من اللفظ والمعنى، ولفظ النحو يستعمل فيما إذا كان المذكور مساويًا لما سبقه في المعنى فقط.

هذا خلاصة ما نقله علي القاري عن المبرك شاه في باب خُلق رسول الله صلى الله عليه وسلم من (شرح الشمائل) للترمذي.

قال أبو عبد الله الباجي، اسمه سعيد بن زيد - من علماء المالكية - يريد صلى الله عليه وسلم بنصف صلاة القائم، أجر الصلاة؛ لان الصلاة لا تتبعض، وهذا وإن كان عامًا لكن المراد بعض الصلوات؛ لأن القيام ركن باتفاق فهو فيمن صلى الفريضة غير مستطيع للقيام أو نافلة مطلقًا.

ص: 313

وعن الماجشون، أنه في المريض يستطيع القيام لكن القعود أرفق به، فأما من أقعده في فرض أو نافلة فثوابه مثل صلاة القائم، والأول أظهر، كذا قاله الزرقاني (1).

* * *

156 -

أخبرنا مالك، حدثنا الزُّهري، أن عبد الله بن عمرو قال: لما قَدِمنا المدينة نَالَنَا وَبَاءٌ من وَعْكِهَا شديدٌ، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على الناس وهم يُصلُّونَ في سُبْحَتِهِمْ قعودًا، فقال:"صلاة القاعد مثلُ نصف صلاة القائم".

• أخبرنا مالك، وفي نسخة: محمد قال: ثنا، رمزًا إلى حدثنا، وفي نسخة: محمد أخبرنا حدثنا الزُّهري، وهو محمد بن مسلم بن شهاب الزهري، يُكنى أبا بكر من التابعين من الطبقة الرابعة من طبقات أهل المدينة، أن عبد الله بن عمرو بالواو، أي: عمرو بن العاص، كما في (الموطأ) لمالك، قال: الزرقاني (2): هذا الحديث منقطع، كما قال ابن عبد البر (3) وغيره: لأن الزهري ولد سنة ثمان وخمسين، وعبد الله بن عمرو مات بعد الستين فلم يلقه. انتهى.

يقول الفقير: هذا وهم من الزرقاني، وليس في ظاهر العبادة قيد يخصص أن عبد الله بن عمرو مات سنة إحدى وستين أو اثنين أو ثلاث ولفظ بعد يعم الأعوام بين الستين والسبعين، ومع هذا قال أبو الفرج عبد الرحمن بن الجوزي في (طبقاته): إن الزهري تابعي من الطبقة الرابعة من أهل المدينة، وكونه من الطبقة الرابعة يشعر ملاقاته به فهذا الحديث ليس منقطعًا، بل هو مرفوع ومتصل.

والحديث المنقطع: هو الذي رُوي عمن لا يمكن أن يكون قد رآه الراوي.

والحديث المرفوع: ما أضيف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة من قول أو فعل أو تقرير،

(1) انظر: شرح الزرقاني (1/ 399).

(156)

أخرجه: مالك (308)، وعبد الرزاق في مصنفه (4120).

(2)

انظر: شرح الزرقاني (1/ 399).

(3)

انظر: التمهيد (12/ 45).

ص: 314

كقول الصحابي: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بكذا، أو نهانا عن كذا، أو من السنة، أو كنا لا نرى بأسًا، أو كنا نفعل كذا ورسول الله صلى الله عليه وسلم فينا، ونحوه، فهو مرفوع كما قاله الأصوليون.

قال: لما قَدِمنا المدينة يعني نحن المهاجرين، نَالَنَا أي: أصابنا وَبَاءٌ بفتح الواو، أي: طاعون، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إن هذا الطاعون رجز - أي: عذاب - وبقية عذاب عُذبَه قوم"، رواه مسلم (1) عن أسامة بن زيد رضي الله عنه، وقال صلى الله عليه وسلم:"إن هذا الوباء رجزًا - أي: عذابًا - أهلك الله به: الأمم قبلكم، وقد بقي منه في الأرض شيء يجيء أحيانًا ويذهب"، رواه أحمد عن أبي بن كعب رضي الله عنه، كما فصلناه في (بركات الأبرار).

من وَعْكِهَا بفتح وسكون، أي: من حُمى المدينة، شديدٌ، بالرفع، صفة الوباء، ولا يبعد أن يكون خبر مبتدأ محذوف هو هو، أي: وعكها.

قال ابن عبد البر (2): أهل اللغة قالوا: الوعك لا يكون إلا من الحمى، دون سائر الأمراض، ذكره السيوطي (3).

وفي (القاموس): الوعك أذى الحمى ووجعها، ومقتها في البدن، وألم من شدة التعب، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على الناس، أي: جمع ليس بهم عذر، وهم يُصلُّونَ في سُبْحَتِهِمْ أي: نافلتهم، وفي زائدة عرضًا من أخرى محذوفة، كقولك: ضربت فيمن رغبت، أصله ضربت من رغبت فيه، قاله ابن هشام في (مغني اللبيب)(4)، قعودًا، أي: ظننا منهم أن الأمرين مستويان يقتضي ظاهره الإِباحة (ق 153)، فقال:"صلاة القاعد مثلُ نصف صلاة القائم"، ولا يبعد أن يراد بالناس الذين أصابهم ننبههم على أنهم لا يتساءلون في أمر القيام ما دام لهم عليه قدرة فإنه أفضل وثوابه أكمل.

* * *

(1) أخرجه: مسلم (2218).

(2)

انظر: التمهيد (12/ 51).

(3)

انظر: تنوير الحوالك (1/ 120).

(4)

انظر: مغني اللبيب (ص: 855).

ص: 315

157 -

أخبرنا مالك، حدثنا الزُّهري، عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ركب فرسًا، فصُرع عنهُ، فَجُحِشَ شِقُّه الأيمن، فصلى صلاة من الصلوات وهو جالس، فَصَلَّيْنَا جلوسًا، فلما انصرف قال:"إنما جعل الإمام لِيُؤْتَمَّ به، إذا صلى قائمًا فصلوا قيامًا، وإذا ركع فاركعوا، وإذا قال: سمع الله لمن حمده، فقولوا: ربنا ولك الحمدُ، وإن صلى قاعدًا فصلوا قعودًا أجمعين".

قال محمد: وبهذا نأخُذُ، صلاة الرجل قاعدًا للتطوع مثلُ نصفِ صلاتِه قائمًا؛ فأما ما رُوي في قوله:"إذا صلى الإمام جالسًا فصلوا جلوسًا أجمعين"، فقد رُوِي ذلك وقد جاء ما قد نَسخَه.

• أخبرنا مالك، وفي نسخة: محمد قال: ثنا، رمزًا إلى حدثنا، وفي نسخة: ثنا، وفي نسخة أخرى: محمد أخبرنا، حدثنا الزُّهري، وهو محمد بن مسلم بن الشهاب الزهري، تابعي في الطبقة الرابعة من أهل المدينة، وفي نسخة:"عن" في مكان "حدثنا"، عن أنس بن مالك بن النضر بن ضمضمة رضي الله عنه، قال: أخذت أمي أم سليم، بيدي حتى قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتت بي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: هذا ابني وهو غلام كاتب، فخدمته تسع سنين، فما قال لشيء صنعته قط أسأت، أو بئس ما صنعت، وقالت أمي: يا رسول الله، خُوَيْدِمَك أنس، ادع الله له، فقال:"اللهم أكثر ماله وولده، وأطل عمره، واغفر ذنبه"(1).

قال: لقد دفنت من صلبي مائة غير اثنين أو قال: واثنين، وإن ثمرتي تحمل في السنة مرتين، وكان كرمه يحمل في السنة مرتين، وكان يصلي فيطيل القيام حتى تفطر قدماه دمًا، كذا قاله أبو الفرج عبد الرحمن بن الجوزي في (طبقاته).

(157) أخرجه: البخاري (657)، ومسلم (411)، وأبو داود (601)، والترمذي (361)، والنسائي (832)، وأحمد (11664)، والدارمي (1256)، ومالك (304).

(1)

أخرجه: البخاري (6334)، (6344)، ومسلم (660)، والترمذي (3829)، وأحمد (12601).

ص: 316

أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ركب فرسًا، أي: شموسًا يرعب في كل شيء، ويرى عن ظهره حمله، فصُرع عنهُ، بصيغة المجهول، أي: سقط عن ظهره، فَجُحِشَ بضم الجيم وكسر الحاء المهملة، فشين معجمة بشِقُّه أي: خدش، كذا قاله النووي (1).

قال ابن عبد البر (2): الجحش فوق الخدش.

وقال الرافعي: يقال: جحش فهو مجحوش، أي: إذا أصابه مثل الخدش أو أكثر، والشجح جلده، وكانت قدمه قد انفكت من الصرعة، كما في رواية لبشر بن المفضل، عن حميد، عن أنس، عند الإِسماعيلي.

قال ابن حجر (3): ولا ينافي ما هنا لاحتمال وقوع الأمرين.

قال: وأخرج عبد الرزاق الحديث عن: ابن جريج عن الزهري، فقال: فجحش ساقه الأيمن، فقيل: لفظ ساقه مصحف عن شقه، والتصحيف إما أن يكون محسوسًا بالبصر، أو السمع، فالأول إما في الإِسناد كحديث شعبة، عن العوام بن الخراجم، بالراء والجيم، صحفه يحيى بن معين، فقال مراجم بالراء والحاء، وإما في المتن كحديث من صام رمضان وأتبعه ستًا من شوال، صحفه أبو بكر الصولي. رواه بعضهم واحل الأحدب، وإما في اللفظ، إذا صحفوا "بالخنصر واحتجر في المسجد""باحتجم بالمسجد" من تصحيف السمع، وأما في المغني: كما روى عن محمد بن المثنى: نحن قوم لنا شرف نحن من عنزة قد صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلينا يريد أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على عنزة، والعنزة حربة نصبت بين يدي المصلي تتوهم أنها قبيلة، وهذا تصحيف عجيب.

فصلى صلاة من الصلوات أي: الخمس وهو أي: والحال أنه صلى الله عليه وسلم جالس، لعذره، فَصَلَّينَا أي: نحن معشر الصحابة جلوسًا، أي: جالسين تبعًا له، وسيأتي أن: بعضهم صلوا قيامًا، فأشار إليهم أن اجلسوا، فلما انصرف قال: "إنما جُعِلَ، أي: نصب أو اتخذ أو نحوهما، ذكره الرافعي.

(1) انظر: شرح مسلم (4/ 130).

(2)

انظر: التمهيد (6/ 129).

(3)

انظر: الفتح (2/ 324).

ص: 317

ويجوز أن يريد إنما جُعِلَ الإمام لِيُؤْتَمَّ به، أي: ليقتدى به في جميع أفعاله، وفي نسخة غير مصححة: وإنما (ق 154) جعل بالواو لكنها غير معتبرة، إذا صلى أي: الإِمام قائمًا فصلوا قيامًا، أي: ذو قيام أو قائمين، وإذا ركع فاركعوا، وإذا قال: سمع الله لمن حمده، فقولوا: ربنا ولك الحمدُ، وهذا يدل على المشاركة، كما قال به الشافعي، في قول لا على المقاسمة. كما قال به علماؤنا، لكن لهم دليل آخر، ويدل هذا بأن المراد به: مجرد المشاركة في القول مع قطع النظر عن المقول، وإن صلى أي: الإِمام قعودًا أي: قاعدًا كما في نسخة، أي: سواء كانت بعذر أو بغير عذر، كما هو الظاهر المتبادر، لكن قرينة الحال تفيد تقييده بالضرورة في حق الإِمام، وإطلاقه في حق المأمومين، فصلوا قعودًا أي: أنتم كذلك، أجمعين، بالباء مجتمعين، وليحيى أجمعون بالواو.

وقال الرافعي: هكذا رواه أكثرهم، وهو: تأكيد الضمير في فصلوا، ورواه آخرون أجمعين على الحال.

وفي (الموطأ) ليحيى عن مالك، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها، أنها قالت: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو شاكِ على وزن قاضٍ من الشكاية، وهو: المرض، فصلى جالسًا وصلى وراءه قوم قيامًا فأشار إليهم أن اجلسوا، فلما انصرف قال:"إنما جُعلَ الإمام ليؤتم به، فإذا ركع فاركعوا وإذا رفع فارفعوا، وإذا صلى جالسًا فاجلسوا"(1).

وفي سندٍ آخر ليحيى في (الموطأ) لمالك عن هشام بن عروة عن أبيه، وقد أرسله مالك، وأسنده جماعة عن أبيه، عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج من بيتي في مرضه فأتى المسجد، فوجد أبا بكر وهو قائم يصلي بالناس، فاستأخر أبو بكر، فأشار رسول الله صلى الله عليه وسلم أن كما أنت، فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جنب أبي بكر، فكان أبو بكر يصلي بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان الناس يصلون بصلاة أبي بكر، أي: يتعرفون منه ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعله، لضعف صوته عن أن يُسمع الناس تكبير الانتقال، فكان أبو بكر يسمعهم ذلك، ذكره السيوطي (2).

(1) أخرجه: مالك (307).

(2)

انظر: تنوير الحوالك (1/ 119).

ص: 318

قال محمد: وبهذا أي: بما ذكر من الحديثين الأوليين نأخُذُ، أي: نعمل ونقول: صلاة الرجل قاعدًا للتطوع وهو شامل للسنن والنوافل مثلُ نصفِ صلاتِه قائمًا؛ أي: في الأجر، فأما ما رُوى في قوله:"إذا صلى الإمام جالسًا فصلوا جلوسًا أجمعين"، فقد رُوِي ذلك أي: بلا شبهة، كما في نسخة، فقد جاء أي: ورد ما قد نَسخَه، أي: حديث قد رفع حكم هذا الحديث، فإن القائم يقتدي بالقاعد الذي يركع ويسجد، وبالعكس في قول أبي حنيفة، وعامة أصحابه وهو مذهب مالك والشافعي.

وقال محمد وأحمد وإسحاق: لا يقتدي القائم بالقاعد، وهو القياس لأن اقتداء القائم بالقاعد اقتداء كامل الحال يناقضها. اعلم أن الحديث الذي عرف تاريخه أنه مؤخر فهو ناسخ وما عرف تاريخه أنه مقدم فهو منسوخ، والنسخ في اللغة الإِزالة، أي: الإِعدام لذات الشيء، أو صفته، وإن كان مزيل الثاني صفة أيضًا، كقولهم: نسخت الظل إذا أزالته ورفعته بواسطة انبساط ضوءها على محل الظل.

وفي الشرع: رفع تعلق (ق 155) حكم شرعي بدليل شرعي متأخر عن ذلك الحكم المتقدم، والناسخ: ما دل على الرفع المذكور، وتسميته ناسخًا مجازًا؛ لأن الناسخ في الحقيقة هو الله تعالى.

ويُعرف النسخ بأمور طرحها ما ورد في النص كحديث: بريدة في صحيح مسلم: "كنتُ نهيتكم عن زيارة القبور، ألا فزوروها، فإنها تذكركم الآخرة"(1)، ومنها ما يجزم الصحابي بأنه متأخر كقول جابر: كان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم: ترك الوضوء مما مسته النار (2)، أخرجه أصحاب السنن، ومنها ما يُعرف بالتاريخ، كذا قاله الشيخ شهاب الدين: أحمد بن حجر العسقلاني، في (نخبة الفكر من اصطلاح أهل الأثر).

وفي (الهداية): ويصلي القائم خلف القاعد خلافًا لمحمد، وعكسه فهذا يدل على أن محمدًا مخالف في المسألة، وعبارة محمد مشيرة إلى أنه موافق، ولعل عنه روايتين،

(1) أخرجه: مسلم (977)، وأبو داود (3235)، والترمذي (1054)، والنسائي (2032)، وابن ماجه (1571)، وأحمد (1240).

(2)

أخرجه: أبو داود (192)، والنسائي (185).

ص: 319

ومراده بالنسخ نسخ وجوب قعود المأمومين من غير عذر مع الإِمام قاعدًا بعذر، فإن الإِجماع على خلافه اليوم مما سبق إما منسوخ أو مخصوص به صلى الله عليه وسلم.

* * *

158 -

قال محمد: حدثنا بِشر، حدثنا أحمد، أخبرنا إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق السَّبِيعيِّ، عن جابر بن يزيد الجُعْفِي، عن عامر الشَّعْبيّ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يَؤُمَّنَّ الناسَ أحدٌ بعدِي جالسًا". فأخذ الناس بهذا.

• قال محمد: أخبرنا بِشر بن أحمد، وفي بشر، حدثنا أحمد، أخبرنا الهمداني يكنى أبا يوسف الكوفي، ثقة تكلم فيه بلا حجة، كان في الطبقة السابعة من طبقات التابعين من أهل الكوفة، وهي كانت في الإِقليم الثالث من الأقاليم السبعة، مات سنة ستين ومائة بعد الهجرة، كذا في (تقريب التهذيب)، و (خلاصة الهيئة)، وفي نسخة: أنا، رمزًا إلى أخبرنا إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق السَّبِيعيِّ، وفي نسخة:"عن" بدل "بن" عن جابر بن يزيد الجُعْفِي، بفتح وسكون، يكنى أبا عبد الله الكوفي، ضعيف، رافضي، كان في الطبقة الخامسة من طبقات التابعين من أهل الكوفة، مات سنة سبع وعشرين ومائة، عن عامر الشَّعْبِيّ، بفتح فسكون، وهو أحد الأعلام من أهل الكوفة، قال: أدركتُ خمسمائة من الصحابة، كان في الطبقة الثالثة من طبقات التابعين من أهل الكوفة.

قال مكحول: ما رأيتُ أفقه منه من أهل الكوفة، مات سنة أربع ومائة، فالحديث مرسل وهو حجة عندنا وعند الجمهور. قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يَؤُمَّنَّ الناسَ أحدٌ بعدِي جالسًا". فأخذ الناس بهذا. والظاهر أنه من قول محمد، والإِشارة إلى الشعبي فإنه نص على النسخ غيره فاختصاص جواز الجلوس به، كما قاله علي القاري.

قال الحميدي: هذا منسوخ في قوله: إذا صلى جالسًا فصلوا جلوسًا، هذا هو في

(158) أخرجه: البيهقي في الكبرى (4854)، وقال: لم يروه غير جابر الجعفي وهو متروك، والحديث مرسل، لا تقوم به حجة.

وقال ابن عبد البر: هذا حديث مرسل ضعيف (22/ 320)، وقال ابن حزم: وتعلقوا بحديث رواه الجعفي وهو كذاب عن الشعبي مرسلًا، (الأحكام)(2/ 243).

ص: 320