الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال محمد: ابن الحسن الشيباني، من أتباع التابعين، من الطبقة السابعة من طبقات الحنفية، وهو ابن سنة ثمان وخمسين، مات بالكوفة في الإِقليم الثالث من الأقاليم السبعة يقرأ أي: المسافر في صلاة الفجر في حال السفر: والسماء ذات البروج، والسماء والطارق، ونحوهما وفي نسخة الشارح: يقرأ المصلي أي: ينبغي للمسافر أن يقرأ إلى آخره.
اعلم أن سنة القراءة في السفر عجلة الفاتحة، مع أي سورة تشاء؛ لما روى البخاري عن البراء بن عازب رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، كان في سفره يقرأ في العشاء في إحدى الركعتين والتين والزيتون (1)، وأما في حاله المهملة فنحو سورة البروج مع الفاتحة، لإمكان مراعاة السنة بذلك مع التخفيف، وأما في الحضر واستحسنوا في غير الضرورة طوال المفصل في الفجر والظهر، وأوساطه في العصر والعشاء، وهي من البروج إلى لم يكن وقصاره في المغرب.
لما روى عبد الرزاق في (مصنفه) عن سفيان الثوري، عن علي بن زيد عن الحسن وغيره: قال: كتب عمر إلى أبي موسى الأشعري: أن اقرأ في المغرب بقصار المفصل، وفي العشاء بأوساطه، وفي الصبح بطوال المفصل، كما قاله علي القاري.
لما فرغ من بيان القراءة في الصلاة في السفر، شرع في بيان حكم الجمع بين الصلاتين، في حال السفر والمطر، فقال: هذا
* * *
باب الجمع بين الصلاتين في السفر والمطر
بيان جواز الجمع بين الصلاتين، تأويله أن يؤخر الأولى إلى آخر وقتها فيصليها فيها، ويعجل الصلاة الثانية؛ فيصليها في أولها في حال السفر والمطر، وفي نسخة: الحضر، وهو تصحيف من الناسخ؛ لأنه لم يوجد في هذا الباب حديث يشهد على الحضر، والمناسبة بين هذا الباب والباب السابق الصلاة السفرية.
(1) أخرجه: البخاري (735).
201 -
أخبرنا مالك، أخبرنا نافع، عن ابن عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا عَجِل به السَّيْرُ جمع بين المغرب والعشاء.
• أخبرنا مالك بن أنس بن عمير بن أبي عامر الأصبحي، من أتباع التابعين في الطبقة السابعة من أهل المدينة، وهي في الإِقليم الثاني من الأقاليم السبعة، وفي نسخة: محمد قال: ثنا، رمزًا إلى حدثنا، وفي نسخة أخرى: بنا، رمزًا إلى أخبرنا، وفي نسخة: محمد أخبرنا، أخبرنا نافع، أي: مولى ابن عمر، وفي نسخة:"عن" موضع "أخبرنا"، عن ابن عمر، رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا عَجِل بضم العين المهملة وكسر الجيم المشددة، أي: أسرع وحصر به أي: بذاته صلى الله عليه وسلم السَّيْرُ مرفوع على أنه نائب فاعل لعجل، ونسبة الفعل إلى السير مجاز وتوسع، يجمع بين المغرب والعشاء، جمع تأخير.
ففي الصحيح من رواية الزهري، عن سالم، عن أبيه، رأيتُ النبي صلى الله عليه وسلم إذا عجله السير في السفر يؤخر المغرب حتى يجمع بينها وبين العشاء، وفي نسخة: جمع بصيغة الماضي، وقال مالك والشافعي وأحمد: الجمع جمع تقديم.
* * *
202 -
أخبرنا مالك، حدثنا نافع، أن ابن عمر حين جمع بين المغرب والعشاء في السفر؛ سار حتى غاب الشَّفَق.
• أخبرنا مالك، وفي نسخة: محمد أخبرنا، حدثنا نافع، أن ابن عمر حين جمع بين المغرب والعشاء في السفر؛ سار (ق 206) أي: ذهب بعد الغروب حتى غاب الشَّفَق، ظاهره دليلهم، ولا يبعد أن يقال: المعنى حتى قرب أن يغيب الشفق؛ بأن يصلي المغرب في آخر وقته، والعشاء في أول وقته.
* * *
(201) أخرجه: البخاري (1092)، ومسلم (703)، وأبو داود (1217)، والترمذي (555)، والنسائي (592)، وأحمد (4458)، والدارمي (1517)، ومالك (331).
(202)
صحيح، أخرجه: أبو داود (1207)، وأحمد (5099).
203 -
أخبرنا مالك، أخبرنا داود بن الحُصين، أن عبد الرحمن بن هُرْمُز أخبره، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجمع بين الظهر والعصر في سفره إلى تَبُوك.
قال محمد: وبهذا نأخذ، والجمع بين الصلاتين: أن تُؤَخَّر الأولى منهما فتصلى في آخر وقتها، وتُعَجِّل الثانية فتصلى في أول وقتها.
وقد بلغنا: عن ابن عُمَر أنه صلى المغرب حين أخَّرَ الصلاة قبل أن يغيب الشفق، خلاف ما روى مالك، وهو قولُ أبي حنيفة.
• أخبرنا مالك، وفي نسخة: محمد قال: ثنا، رمزًا إلى حدثنا، وفي نسخة أخرى: محمد أخبرنا، وفي نسخة أخرى: بنا، رمزًا إلى أخبرنا، أخبرنا داود بن الحُصين، بمهملتين، مصغر، الأموي مولاهم، أبو سليمان المدني، ثقة، تابعي في الطبقة السادسة من طبقات أهل المدينة، مات سنة خمس وثلاثين ومائة، كذا في (التقريب من أسامي الرجال)(1)، أن عبد الرحمن بن هُرْمز بضم الهاء، وسكون الراء، المهملة والميم المضمومة، والزاي المعجمة غير منصرف بالعلمية والعجمة، يكنى: أبا داود المزني، مولاهم ربيعة بن الحارث، ثقة من خيار التابعين، في الطبقة الخامسة من أهل المدينة، مات سنة سبع عشرة ومائة بالإِسكندرية، وهي جزيرة في الإِقليم الثالث من الأقاليم السبعة، كذا في (خلاصة الهيئة)، أخبره، أي: بين إلى داود بن الحصين، عن أبي هريرة، هكذا رُوي عن يحيى مسندًا ورُوي عنه مرسلًا الجمهور، وأن (الموطأ) ليحيى الليثي عن مالك، هكذا خلاصة ما قاله الزرقاني.
قال: أي: عبد الرحمن بن هرمز، عن أبي هريرة، رضي الله عنه، أنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجمع بين الظهر والعصر، أي: جمع تقديم إن ارتحل بعد زوال الشمس، وجمع تأخير إن ارتحل قبل الزوال على ما رواه أبو داود وغيره، عن معاذ بن جبل رضي الله عنه، أنه قال: أن النبي صلى الله عليه وسلم: كان في غزوة تبوك، إذا ارتحل قبل أن تزيغ الشمس آخر
(203) أخرجه: مسلم (706)، وأبو داود (1206)، والنسائي (587)، وابن ماجه (1070)، وأحمد (21565)، والدارمي (1515)، ومالك (330).
(1)
انظر: التقريب (1/ 162).
الظهر حتى يجمعها إلى العصر فيصليهما جميعًا، وإن ارتحل بعد زيغ الشمس صلى الظهر والعصر جميعًا، كذا قاله الزرقاني (1).
في سفره إلى تَبُوك، يجوز صرفه ومنعه، لوزن الفعل، كتقول والعلم كزبور، وهو اسم كتاب أنزل على داود، صلوات الله على نبينا وعليه.
قال محمد: وبهذا أي: بهذا الحديث الذي رواه عبد الرحمن بن هرمز عن أبي هريرة، على ما رواه يحيى الليثي في (الموطأ) لمالك نأخذ، أي: نعمل ونفتي بالجواز، والجمع بين الصلاتين، أي: المراد الجمع بينهما عندنا أن تُؤَخِّر الأولى على صيغة المضارع المجهول الغائبة، وكذا المعطوفات عليها منهما فتصلى في آخر وقتها، وتُعَجَّل الثانية فتصلي في أول وقتها.
وقد بلغنا أي: والحال وصل إلينا عن ابن عُمَر رضي الله عنهما، أنه صلى المغرب حين أي: وقت أخَّرَ الصلاة قبل أن يغيب الشفق، وهو الحمرة الحاصلة بعد غروب الشمس، وبها قال أبو يوسف ومحمد بقول ابن عمر رضي الله عنهما، أنه قال: الشفق: الحمرة، وهو مروي عن أكابر الصحابة، وعليه إطباق أهل اللسان.
وقال أبو حنيفة، رحمه الله تعالى: الشفق هو البياض الذي يحصل في الأفق بعد الحمرة، ونقل رجوع أبو حنيفة إلى قولهما.
وفي المبسوط قول الإِمام: أحوط، وقولهما أوسع، أي: أرفق للناس.
قال ابن النجيم: إن الصحيح المفتى به قول أصحاب المذهب لا قول صاحبه، واستفيد منه أنه لا يفتى ولا يعمل إلا بقول الإِمام، وما عدل عنه إلى قولهما إلا لموجب من ضعف، أو ضرورة وتعامل واستفيد فيه (ق 207) أيضًا أن بعض المشايخ، وإن قال الفتوى على قول أبي يوسف ومحمد، وإن كان دليل الإِمام واضحًا ومذهبه ثابتًا لا يلتفت إلى فتواه، وإذا ظهر لنا دليله وصحته، وأنَّه أقوى من دليلها، وجب علينا اتباعه والعمل به، كذا نقلنا في (سلم الفلاح، شرح مذنب نور الإِيضاح)، هذا خولف خلافًا ما روي مالك، من أنَّه جوز الجمع بين المغرب والعشاء جمع تقديم، والأصل منع الجمع، وقد قال
(1) انظر: شرح الزرقاني (1/ 415).
الله في سورة النساء: {إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} [النساء: 103]، وهو أي: جواز الجمع بين المغرب والعشاء، وبأن تؤخر المغرب قبل أن تغيب الشفق البياض وتصلي وبعدها أن تصلي العشاء قولُ أبي حنيفة، نعمان بن ثابت الكوفي.
* * *
204 -
أخبرنا مالك، حدثنا نافع، عن ابن عُمَر، أنه كان إذا جمع الأمراءُ بين المغرب والعشاء جمع معهم في المطر.
قال محمد: ولسنا نأخذ بهذا، لا نجمع بين الصلاتين في وقت واحد، إلا الظهْرَ والعصر بعَرَفة، والمغربَ، والعشاءَ بالْمُزْدَلِفَةِ، وهو قولُ أبي حنيفة.
قال محمد: وبلغنا عن عمر بن الخطاب أنه كتب في الآفاق: أن يجمعوا بين الصلاتين، ويخبرهم: أن الجمع بين الصلاتين في وقت واحدٍ كبيرةٌ من الكبائر، أخبرنا بذلك، الثقات عن العَلَاءِ بن الحارث عن مكحول.
• أخبرنا مالك، وفي نسخة: أخبرنا، وفي نسخة أخرى: ثنا رمزًا إلى حدثنا، حدثنا نافع، وفي نسخة:"عن" موضع "حدثنا"، عن ابن عُمَر، رضي الله عنهما، بأنه كان إذا جمع الأمراءُ أي: جمع أمير، أي: الأئمة في ذلك الوقت، بين المغرب والعشاء جمع معهم في المطر، أي: حذوا من وقت الجماعة الثانية، فقد قال مالك وأحمد: يجوز ذلك بين المغرب والعشاء جمع تقديم لا بين الظهر والعصر كما عمم الشافعي سواء قوي المطر أو ضعف إذا بل الثوب، وهذه رخصة عندهم بمن يصلي في مسجد جماعة يقصدونه من بعد ويتأذى بالمطر في طريقه، وأما من هو في المسجد أو يصلي في بيته جماعة، أو عشى فركن أو كان المسجد في باب داره ففيه خلاف الشافعي وأحمد، وأما الرجل من غير مطر فلا يجوز الجمع به عند الشافعي.
وقال أحمد بجوازه، وهو وجه اختاره المتأخرون من أصحاب الشافعي، وعن ابن سيرين مولى أنس بن مالك، أنه يجوز من غير مرض ولا خوف ولا حاجة اتخذه عادة.
(204) أخرجه: مالك (323)، بسند صحيح.
واختار ابن المنذر وجماعة جواز الجمع في الحضر من غير خوف ولا مرض ولا مطر.
قال محمد: ولسنا أي: لم نكن نأخذ، لا نعمل ولا نفتي بهذا أي: بأثر ابن عمر: لا نجمع بين الصلاتين في وقت واحد، أي: السفر أو المطر يعني الجمع بين صلاتي الظهر والعصر وبين صلاتي المغرب والعشاء لعذر سفر أو مطر غير جائز عندنا، خلافا للشافعي فإنه مخير إن شاء صلى الظهر وقت العصر أو وقت الظهر، وكذا في المغرب والعشاء، كذا في (شرح مجمع البحرين) لابن مالك، إلا الظهْرَ والعصر بعَرَفة هي علم لمواضع الموقف للحجاج، سمي بالجمع منصرف، ولا اعتبار للتاء في اللفظ أنها علامة لجمع التأنيث مع الألف قبل التاء، وإنما سمي الموقف بعرفات؛ لأن الناس يتعارفون فيه أو لأن جبريل عليه السلام كان يدور بإبراهيم صلوات الله على نبينا وعليه في مواضع العبادة، وقيل: إن جبريل عليه السلام لما علَّم إبراهيم المناسك وأوصله إلى عرفات فقال له: أعرفت كيف تطوف، وأي: موضع تقف؟ قال: نعم، فإذا أردت تفصيله، فاطلبه من قوله تعالى في سورة البقرة:{فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ} [البقرة: 198]، يعني: يجوز الجمع للحاج بين صلاتي (ق 208) الظهر وصلاة العصر في وقت الظهر بعرفات بشرطين: أحدهما: الإِمام، والثاني: الإحرام.
فلا يجوز للمنفرد أن يجمع بين صلاتي الظهر والعصر في وقت الظهر في عرفات، ولا يجوز أن يصلي العصر بالجماعة مع الإِمام في وقت الظهر لمن صلى الظهر في جماعة بلا إحرام ثم أحرم.
لكن يجوز أن يصلي العصر في وقته لمن صلى الظهر بجماعة بلا إحرام، ثم أحرم للحج، كذا بيناه في (سلم الفلاح)، والمغربَ، والعشاءَ بالْمُزْدَلِفَةِ، يعني: يجوز الجمع بين صلاتي العشاء والمغرب جمع تأخير بمزدلفة وسميت بمزدلفة لاجتماع الناس فيها، ومنه قوله تعالى في سورة الشعراء:{وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآخَرِينَ} [الشعراء: 64]، أي: جمعناهم، وهو أي: ما ذكر مفصلًا قولُ أبي حنيفة، أي: نعمان بن ثابت الكوفي، مات في بغداد.
قال محمد: وبلغنا أي: الخبر عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، أنه كتب في الآفاق، قال أهل اللغة: بمد الهمزة والفاء والقاف بينهما ألف النواحي والواحد أُفق وهو