الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القاري عن السيوطي، وفي (النهاية): أنه القرقرة.
لما فرغ من بيان الوضوء من الرعاف، شرع في بيان الغسل من بول الصبي، فقال: هذا
* * *
باب في بيان الغسل، أي: غسل الثوب من بول الصبي
لأجل إصابة بول الصبي الثوب أو الجسد، والغسل بالفتح: مصدر، وبالضم: غسل مخصوص، وبالكسر: ما يُغتسل به.
قوله: بول الصبي: من قبيل الاكتفاء عن ذكر الصبية؛ لأن غسل الثوب بإصابة بول الصبي والصبية واجب، أو من قبيل تغليب الذَّكَر على الأنثى لشرافته، كما قال في سورة المؤمنون:{قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ} [المؤمنون: 1، 2]، ولم يقل: مؤمنات اللاتي في صلواتهن خاشعات.
40 -
أخبرنا مالك، حدثنا الزُّهري، عن عُبيد الله بن عبد الله، عن أم قيس بنت مِحْصَن، أنها جاءَت بابن لها صغير لم يأْكل الطعام، إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوضعه النبي صلى الله عليه وسلم في حَجْرِهِ، فبال على ثوبه، فدعا بماء فَنضَحَ عليه ولم يغسله.
قال محمد: قد جاءَت رُخصةٌ في بول الغلام إذا كان لم يأكل الطعام، وأمر بغسل بول الجارية، وغَسْلهما جميعًا أحب إلينا، وهو قولُ أبي حنيفة. . .
• محمد قال: ثنا مالك، وفي نسخة: أخبرنا، وفي نسخة أخرى: أنا بدل أخبرنا، قال: ثنا، كذا في نسخة، وفي نسخة: حدثنا الزُّهري، عن عُبيد الله، بالتصغير، ابن عبد الله، أي: ابن عتبة بن مسعود، كما في موطأ يحيى، وهو ابن أخي عبد الله بن مسعود، مدني الأصل، ساكن الكوفة، أدرك زمن النبي صلى الله عليه وسلم وهو من كبار التابعين، سمع
(40) أخرجه: البخاري (223)، ومسلم (287)، وأبو داود (374)، والترمذي (71)، والنسائي (302)، وابن ماجه (524)، وأحمد (26456)، ومالك (143).
عمر بن الخطاب وغيره، روى عنه ابنه عبيد الله، ومحمد بن سيرين، وغيرهما، مات بولاية بشر بن مرة، ودفن بالكوفة، عن أم قيس بنت مِحْصَن، بكسر الميم، وسكون الحاء المهملة، وفتح الصاد المهملة، وبالنون: وهي أخت عكاشة بن محصن؛ أحد بني أسد بن خزيمة، وكانت من المهاجرات الأُول.
وقال ابن عبد البر: اسمها جذامة، أي بضم الجيم وبالذال المعجمة، قال السهيلي: اسمها آمنة، ويمكن الجمع بأن أحدهما لقب، والآخر علم، والله أعلم، أنها جاءَت بابن لها صغير، أي: طفل لم يأْكل الطعام، قال ابن التين: يحتمل أنها أرادت أنه لم يتوقف بالطعام ولم يستغني به عن الرضاع، ويحتمل أنها جاءت به عند ولادته ليحنكه صلى الله عليه وسلم، فتحمل النفي على عمومه ويؤيده رواية البخاري في العقيقة أتى بصبي يحنكه، أي: رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال ابن حجر: لم أقف على اسمه.
قال: وروى النسائي أن ابنها هذا مات على عهد النبي صلى الله عليه وسلم فوضعه أي: فأجلسه النبي صلى الله عليه وسلم في حَجْرِهِ، بفتح الحاء المهملة، وسكون الجيم على الأشهر، وتكسر وتضم، كما في المحكم وغيره، حضنه، وهو ما بين إبطه إلى (ق 42) كشه، وفي (القاموس): مثلثة حضن الإِنسان، فبال أي: الصغيرعلى ثوبه، أي: على ثوب النبي صلى الله عليه وسلم، وقيل: المراد به ثوب الصبي. وأغرب ابن شعبان من المالكية، فقال: المراد به ثوب الصبي، والصواب الأول. كذا قاله ابن حجر، وتعقب بأنه فهم أن الثاني خطأ، وليس كذلك، فمعناه أن الابن بال على ثوبه نفسه، وهو في حجر النبي صلى الله عليه وسلم، فَنضَحَ الماء عليه، خوفًا من أن يكون طار على ثوبه منه شيء، وهذا يكون دليل القائلين لنجاسة بوله، وإن لم يأكل الطعام.
فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بماء فنضح الماء عليه، أي: على ثوبه، أو على مكان بوله، ولم يغسله، أي: لم يفركه ولم يدلكه، قال ابن عبد البر: وادعى أن قوله ولم يغسله مدرج من ابن شهاب، وأن المرفوع انتهى بقوله: فنضح عليه.
قوله: لم يأكل الطعام: ليس علة للحكم بعدم الغسل، وإنما هو وصف حال وحكاية فقيه.
قال في الحديث الآخر: رضيع، وللابن طعام، وحكمه حكمه في كل حال.
وفي هذا الحديث من الفوائد:
الأول: الندب إلى حسن المعاشرة، والتواضع والرفق بالصغار، وتحنيك المولود، والتبرك بأهل الفضل، وحمل الأطفال إليهم حال الولادة وبعدها.
وحكم بول الغلام والجارية قبل أن يطعما، وهو مقصود الباب، واختلف العلماء في ذلك على ثلاثة مذاهب: أصحها عند الشافعي الاكتفاء بالنضح؛ أي: بالرش في بول الصبي لا الصبية، وهو قول: علي، وعطاء، والحسن، والزهري، وأحمد، وإسحاق، وابن وهب، وغيرهم، ورواه الوليد بن مسلم عن مالك، لكن قال أصحابه: هي رواية شاذة.
والثاني: يكفي النضح فيهما، وهو مذهب الأوزاعي، وحكى عن مالك والشافعي وخصص ابن العربي النقل في هذا بما إذا لم يدخل في أجوافهما شيء أصلًا.
والثالث: هما سواء في وجوب الغسل، وهو المشهور عن مالك وأبي حنيفة وأتباعهما، وبه قال جماعة.
قال ابن عبد البر: وأحاديث التفرقة بين بول الصبي والصبية ليست بقوية، كذا قاله الزرقاني (1).
قال محمد: قد جاءَت، أي: من طرف صاحب الشرع رُخصةٌ في بول الغلام إذا كان لم يأكل الطعام، أي: على تقدير عدم الإِدراج.
قوله: وأمرٌ مرفوع: على أنه عطف على قوله: رخصة، بغسل بول الجارية، أي: كما في رواية أخرى، وغَسْلهما أي: غسل ما أصاب بولهما جميعًا أي: كليهما، أحب إلينا، أي: احتياطًا، فوجب لدينا. وهو قولُ أبي حنيفة رحمه الله، وأتباعه.
وفي (المصابيح): النضح: هو البل بالماء، أقول: وقد يراد به الغسل الخفيف، ويؤيده ما ذكره السيوطي في (النهاية): من أن النضح بمعنى الغسل والإِزالة، ويطلق على الرش، كذا قاله علي القاري.
* * *
(1) انظر: شرح الزرقاني (1/ 188).
41 -
أخبرنا مالك، حدثنا هشام بن عُرْوة عن أبيه، عن عائشة أنها قالت: أُتِيَ النبي صلى الله عليه وسلم بصبّي فبال على ثوبه، فدعا بماء فَأتْبَعَهُ إيَّاه.
قال محمد: وبهذا نأخذ تُتْبِعُهُ إياه غسلًا، حتى تُنَقّيه، وهو قولُ أبي حنيفة.
• محمد قال: حدثنا، وفي نسخة: أنا بدل أخبرنا مالك، قال: أي: مالك بن أنس، ثنا، كذا في نسخة، وفي نسخة: أخبرنا، وفي نسخة أخرى: أنا بدل أخبرنا هشام بن عُرْوة أحد تابعي المدينة المشهورين المكثرين من الحديث، المعدود في أكابر العلماء، وأجلاء التابعين، في الطبقة الرابعة من الطبقات السبعة من أهل المدينة، وهي في الإِقليم الثاني من (ق 43) الأقاليم السبعة، كذا في (خلاصة الهيئة).
سمع عبد الله بن الزبير، وابن عمر رضي الله عنهما، وروى عنه خلقٌ كثير منهم: الثوري، ومالك بن أنس، وابن عيينة، عن أبيه، وهو عروة بن الزبير بن العوام، يروي عن أبيه، وأمه أسماء بنت أبي بكر الصديق، رضي الله عنها، وعن خالته عائشة أم المؤمنين، وغيرهم من كبار الصحابة، روى عنه: ابنه هشام، والزهري، وغيرهما، وهو من كبار التابعين، وأحد الفقهاء السبعة من أهل المدينة.
عن عائشة رضي الله عنها، أنها قالت: أُتِيَ بضم الهمزة وكسر التاء، النبي صلى الله عليه وسلم بصبّي قال الحافظ: يظهر أنه ابن أم قيس، ويحتمل أنه، أي: الصبي الحسن بن علي، أو الحسين بن علي رضي الله عنهم.
فقد روى الطبراني في (الأوسط)(1) بإسناد حسن عن: أم سلمة قالت: بال الحسن والحسين، على بطن رسول الله صلى الله عليه وسلم فتركه حتى قضى بوله، ثم دعا بماء، فصببته عليه.
ولأحمد عن أبي ليلى نحوه، ورواه الطحاوي من طريقه قال: فجيء بالحسن ولم يتردد، وكذا للطبراني عن أبي أمامة، وإنما رجحته أنه غيره؛ لأنه في البخاري (2) من
(41) أخرجه: البخاري (222) ومسلم (286)، والنسائي (303)، وابن ماجه (523)، وأحمد (23735)، ومالك (142).
(1)
أخرجه: الطبراني في الأوسط (6197).
(2)
أخرجه: البخاري (220).
طريق يحيى القطان عن هشام: أُتِي النبي صلى الله عليه وسلم بصبي يحنكه، فبال على ثوبه، وأما الحسن فبال على بطنه صلى الله عليه وسلم.
وللطبراني عن زينب بنت جحش: أنه جاء، وهو يحبو، والنبي صلى الله عليه وسلم نائم، فصعد على بطنه، ووضع ذكره في سرته، فذكر الحديث بتمامه، فظهرت التفرقة بينهما، وزعم العيني أن أظهر الأقوال أنه عبد الله بن الزبير؛ لأن أمه قالت: فأخذته أخذًا عنيفًا فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إنه لم يأكل الطعام فلا يضر بوله"، وفي لفظ:"لم يأكل الطعام فلا يقذر بوله"، انتهى.
وليس في قوله ذلك ما يقتضي بأنه الأظهر.
وقيل: المراد به: سليمان بن هشام، حكاه الزركشي.
فبال أي: الصبي، على ثوبه، أي: على ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدعا أي: فطلب رسول الله صلى الله عليه وسلم بماء فَأتْبَعَهُ بفتح الهمزة وسكون التاء الفوقية، وفتح الباء الموحدة، إيَّاه، أي: رسول الله صلى الله عليه وسلم البول الذي على الثوب الماء بصبه عليه؛ فالضمير المتصل للبول والمنفصل للماء، ويجوز عكسه؛ لأن اتباع الماء البول هو النضح دون الغسل.
زاد مسلم من طريق عبد الله بن نمير عن هشام: ولم يغسله.
وللطحاوي من رواية زائدة الثقفي عن هشام: فنضحه عليه.
ولابن المنذر من طريق الثوري عن هشام: فصب عليه الماء.
وهذا الحديث أخرجه البخاري عن عبد الله بن يوسف، عن مالك به، وتابعه عبد الله بن نمير وجرير وعيسى، ثلاثتهم عن هشام نحوه في مسلم.
قال محمد: وبهذا نأخذ أي: نعمل ونفتي، وهي جملة استئنافية تقديره: فإذا أتبع النبي صلى الله عليه وسلم البول بالماء.
قال محمد: وإنما أنزل نفسه منزلة الغائب بأن قال: قال محمد: للتواضع والتنبيه بالمؤمنين، بأن يكونوا على حسن الأدب، نتبعه بضم النون (ق 44) وسكون التاء وكسر الباء الموحدة، تُتْبِعُهُ إياه أي: نجعل الماء تابعًا إياه، أي: البول غسلًا، أي: لغسله لا لرشه حتى تُنَقّيه، من الإِنقاء والتنقية، حتى تزيله، وهو قولُ أبي حنيفة رحمه الله.