الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والنسائي، وابن حبان، والطحاوي، والحاكم عن جماعة من الصحابة.
وفي رواية للدارقطني: "الماء طهور إلا ما غلب ريحه، أو على طعمه".
وأما عند غيره: فإما محمول على أن اليقين الأصل، لا يزول بالشك العارض، وإما على أن الماء كان كثيرًا قدر القلتين أو أكثر، والقلة، بضم الكاف وفتح اللام المشددة والتاء الفوقية، أي: وعاء يسع مائة وخمسين رطلًا، وهو مائة وثلاثون درهمًا.
قال محمد: إذا كان حوض ماء عظيم، إن حرَّكت منه ناحية لم تتحركْ الناحيةُ (ق 48) الأخرى، وقدر بعشر في عشر لا ينجس، أي: لا يظهر أرضه بالفرق، لم يُفْسِد ذلك الماءَ، وأي: حيوان وَلَغَ أي: شرب بلسانه فيه من سَبُع وأسد وضبع، وكذا خنزير وكلب، ولا ما وقع فيه من قَذَرٍ، بفتحتين، أي: عين نجاسة، إلا أن يُغَلَب على ريحٍ أو طَعْم؛ وفي معناهما اللون، فإذا كان حوضًا صغيرًا، أي: دلو قلتين، وتعريفه: إن حركتَ منه ناحيةً تَحَرّكَتْ الناحية الأُخرى؛ فَوَلَغَتْ فيه السِّبَاع، أو وقع فيه القَذَرُ، فلا يتَوضأ منه، بصيغة الخطاب المعلوم أو الغائب المجهول، وكذا قاله: ألا ترى أن عمر بن الخطاب كره أن يُخْبِرَهُ، ونهاه عن ذلك، وهذا كله قول أبي حنيفة، رحمه الله، وسبق خلاف غيره.
لما فرغ عن بيان جواز الوضوء، بماء قليل شرب منه السابع، شرع في بيان جوازه بماء البحر، فقال: هذا
* * *
باب في بيان جواز الوضوء بماء البحر
46 -
أخبرنا مالك، أخبرنا صفوان بن سُلَيْم، عن سعيد بن سَلمَة بن الأزرق، عن المغيرة بن أبي بُرْدَة، عن أبي هريرة، أن رجلًا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: إنا نَرْكَبُ البحر ونحمل معنا القليل من الماء فإن توضأنَا به
(46) صحيح، أخرجه: الترمذي (69)، والنسائي في المجتبى (59)، وابن ماجه (386)، وأحمد (7192)، والدارمي (730)، ومالك (42)، والنسائي في الكبرى (58)، وابن حبان (1243)، وابن خزيمة (111)، والحاكم (491)، والدارقطني (1/ 36)، والشافعي في المسند (1)، والبيهقي في الكبرى (19489).
عَطِشْنَا؛ أفنتوضأ بماء البحر؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هو الطُّهُورُ ماؤهُ الحلالُ مَيْتَتُه".
قال محمد: وبهذا نأخُذُ؛ ماء البحر طهور كغيره من المياه، وهو قولُ أبي حنيفة والعامة.
• محمد قال: أخبرنا، وفي نسخة: ثنا رمزًا إلى حدثنا مالك، قال: أي: مالك: حدثنا صفوان بن سُلَيْم، بالتصغير: تابعي جليل القدر، من أهل المدينة، مشهور، روى عن: أنس بن مالك، ونفر من التابعين، وكان من خيار عباد الله الصالحين، ويقال: إنه لم يضع جنبه على الأرض أربعين سنة، وجبهته نفيت من كثرة السجود، وكان لا يقبل جوائز السلطان، ومناقبه كثيرة، روى عنه ابن عيينة، عن سعيد بن سَلمَة المخزومي ابن الأزرق، وثقه النسائي، وقول ابن عبد البر: لم يرو عنه فيما علمت إلا صفوان، ومن كانت هذه حاله فهو مجهول، لا تقوم به حجة، تعقب بأنه روى عنه الجلاح أبو كبير، وحديثه عنه في مستدرك الحاكم.
قال الرافعي: وعكس بعض الرواة الاسمين فقال: سلمة بن سعيد، وبدل بعضهم فقال: عبد الله بن سعيد، عن المغيرة بن أبي بُرْدَة، بضم موحدة وراء ساكنة فدال مهملة.
قال الترمذي: سألتُ البخاري عن حديث مالك هذا فقال: هو صحيح، قال: قلت: هُشَيْم: يقول فيه: المغيرة بن أبي بردة، أي: بفتح موحدة ثم راء معجمة، فقال: وهم فيه. ذكره السيوطي، قال الرافعي: الحديث [رواه](1) بعضهم عن المغيرة، عن أبيه، عن أبي هريرة، قال: ولا يوهم ذلك إرسال في إسناد الكتاب، فإن فيه ذكر سماع المغيرة عن أبي هريرة، وصورة الحديث المرسل: يقول التابعي سواء كان كبيرًا أو صغيرًا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كذا، أو فعل بحضرته كذا، ونحن ذلك كما قاله ابن حجر في (نخبة الفكر)، (ق 49) عن أبي هريرة، رضي الله عنه، أنه يقول: أن رجلًا من بني مدلج كما في مسند أحمد والطبراني: أن اسمه: عبيد، بطن من كنانة، سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: يا رسول الله، كما أورده مالك في (الموطأ)، إنا نَرْكَبُ البحر، الملح؛ لأنه المتوهم فيه؛ لأنه
(1) ساقطة من الأصل.
مالح، ومرور ريحه منتنة، فإن قيل: أي شيء وحدث تحت البحر، أجاب عنه أبو الشيخ ابن حبان، وأخرج عن ابن عمر، وقال: تحت بحركم هذا بحر من نار، وتحت ذلك البحر بحر من ماء، وتحت ذلك البحر بحر من نار، حتى عد سبعة أبحر من نار، وتحت تلك البحور أبحر من ماء، كما أورده السيوطي في (الهيئة السنية)، قال أبو عبد الله: فيه جواز ركوبه لغير حج ولا عمرة ولا جهاد؛ لأن السائل إنما ركبه للصيد، كما جاز من غير طريق مالك، وكذا يجوز ركوبه للسفر لطلب العلم والتجارة وصلة الرحم، ونحمل معنا القليل من الماء أي: بقدر الاكتفاء، فإن توضأنَا به عَطِشْنَا؛ بكسر الطاء، أي: نحن ورفقاؤنا، أفنتوضأ بماء البحر؟ وضع المظهر موضع المضمر، وهو خلاف الظاهر، ومقتضى الظاهر أن يقول السائل: بمائه لزيادة تمكن ماء البحر في ذهن السامع.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هو أي: البحر، الطُّهُورُ ماؤهُ هو: بفتح الطاء، أي: ماء البحر مطهر من قوله تعالى: {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا} [الفرقان: 48]، فيلزم أن يكون مطهر، وتقديم المسند إليه؛ لتقوي الحكم وتقريره في ذهن السامع، وتعريف المسند، لإِفادة السامع حكمًا على أمر معلوم للسامع، باعتبار تعريف البحر، فحينئذٍ يفيد قصر الجنس على شيء تحقيقًا؛ نحو زيد الأمير إذا لم يكن أمير سواه، يعني: تقديم المسند إليه، وهو: لفظ (هو) لتقوي حكم جواز الوضوء بماء البحر في ذهن السامع، وتعريف المسند، وهو لفظ: الطُّهُورُ؛ لإِفادة السائل حكم طهورية مياه البحار، وجواز الوضوء بمياه البحار، وهو معلوم للسائل، فيفيد قصر جميع مياه البحار على الطهورية، وكون المسند [جملة] اسمية يفيد استمرار طهورية مياه البحار، وأما إضافة لفظ [ماء] إلى ضمير البحر، فلكون الفائدة أتم، فليطلب تفصيل هذه القاعدة في المسند إليه والمسند في علم المعاني، ولما عرف رسول الله صلى الله عليه وسلم اشتباه الأمر على السائل في ماء البحر، أشفق، أي: خاف عليه أن يشتبه عليه حكم ميتة البحر وقد يُبتلى بها ركاب البحر، فعقب الجواب عن سؤاله ببيان حكم الميتة فقال: الحلالُ مَيْتَتُه، أي: ميتة البحر وهي السمك فقط، عند أبي حنيفة رحمه الله، {وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [الأعراف: 157]، وما عدا السمك.
وذكره في (النقاية): ولا يحل حيوان مائي سوى السمك، قال الله تعال في سورة الأعراف:{وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [الأعراف: 157]، وما عدى السمك خبث.
وأخرج أبو داود والنسائي (1) عن عبد الرحمن بن عثمان القرشي: أن رجلًا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الضفدع؛ لأن النبي نهى عن قتله، والنهي عن قتل الحيوان إما لحرمة كالآدمي، وإما لتحريم أكله كالقرد، والضفدع ليس بمحرم، فكان النهي منصرفًا إلى أكله، كما قاله الشمني.
قال (ق 50) الشافعي: جميع حيوانات البحر حلال لقوله تعالى في سورة المائدة: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ} [المائدة: 96]. وقوله تعالى: {وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [الأعراف: 157]، والطبائع السليمة تستخبث غير السمك.
كذا قاله ابن الملك في شرح (مجمع البحرين): يقول الفقير: والصيد هنا مطلق، والمطلق يُصرف إلى الكمال، في صيد البحر السمك، ويكره أكل السمك الذي مات بغير آلة معلومة.
وقال الشافعي: لا يكره لإِطلاق ما تمسك به من الآية، وكذا ما أخرجه أبو داود وابن ماجه من حديث جابر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"ما ألقاه البحر أو جزر عنه فكلوه، وما مات فيه وطفى - أي: علا على الماء - فلا تأكلوه"(2). وجزر بجيم فزاي فراء مهملة: انكشف وبعد عن الماء.
كذا قاله الشمني، وذكر في (الحقائق): سمكة بعضها في الماء وبعضها في الأرض ميتة، لا تؤكل، وإن كان رأسه خارج الماء أكلت، وإن كان في الماء، وكان منها على الأرض قدر النصف، أو أقل لم تؤكل، وإن كان منها على الأرض أكثر من النصف، كذا قاله ابن الملك في شرح (مجمع البحرين).
فائدة لطيفة: حُكِي أن هارون الرشيد بن مروان، خرج ذات يوم للصيد، فأرسل شاهينًا له فغاب عنه زمانًا، ثم أتى وفي فمه سمكة فأحضر هارون الرشيد العلماء وسألهم عن ذلك، فقال مقاتل: يا أمير المؤمنين: روينا عن جدك خير الأمة: عبد الله بن عباس
(1) أخرجه: أحمد (15330)، والدارمي (1930)، وابن أبي شيبة (5/ 464)، والحاكم (5882)، والبيهقي في الكبرى (19922).
(2)
أخرجه: أبو داود (3815)، وابن ماجه (3247) بسند ضعيف.