المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب الرجل ينسى الصلاة أو يفوته وقتها - المهيأ في كشف أسرار الموطأ - جـ ١

[عثمان الكماخي]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة المحقق

- ‌موطأ محمد وما يمتاز به

- ‌ترجمة الشارح

- ‌من آثاره:

- ‌وفاته:

- ‌ترجمة محمد بن الحسن

- ‌شيوخه:

- ‌جملة من أصحابه وتلاميذه:

- ‌ثناء الأئمة على محمد:

- ‌تصانيف الإمام محمد بن الحسن:

- ‌وفاة الإمام محمد بن الحسن - رضى الله عنه

- ‌أبواب الصلاة

- ‌باب في بيان أحكام وقت الصلاة

- ‌باب ابتداء الوضوء

- ‌باب غسل اليدين في الوضوء

- ‌باب الوضوء في الاستنجاء

- ‌ باب الوضوء من مس الذكر

- ‌باب في بيان الأحاديث التي تدل على عدم لزوم الوضوء مما أي: من أجل أكل الطعام الذي غيرت، أي: مسته النار

- ‌باب في بيان حكم حال الرجل والمرأة يتوضآن من إناء واحد

- ‌باب في بيان الوضوء من الرُّعاف

- ‌باب في بيان الغسل، أي: غسل الثوب من بول الصبي

- ‌باب في الوضوء من المذي

- ‌باب في بيان عدم جواز الوضوء من ماء قليل يشرب منه السباع وتلغ فيه السباع

- ‌باب في بيان جواز الوضوء بماء البحر

- ‌باب في بيان أحكام المسح على الخفين

- ‌باب في بيان أحكام المسح على العمامة والخمار

- ‌باب في بيان أحكام الاغتسال من الجنابة

- ‌باب في بيان الأحكام التي تتعلق إلى الرجل الذي تصيبه الجنابة من الليل أي: بعض أجزاء الليل

- ‌باب في بيان أحكام الاغتسال يوم الجمعة

- ‌باب في بيان أحكام الاغتسال في يوم العيدين

- ‌باب في بيان أحكام التيمم بالصعيد

- ‌باب في بيان حكم حال الرجل الذي يصيب، أي: يقبل امرأته، وهي حائض

- ‌باب في بيان إذا التقى الختانان، هل يجب الغسل

- ‌باب في بيان حال الرجل ينام هل ينقض ذلك - أي: النوم - وضوءه؟ الرجل والمرأة في هذا الحكم سواء

- ‌باب المرأة ترى في منامها ما يرى الرجل

- ‌باب المستحاضة

- ‌باب المرأة ترى الصفرة أو الكدرة

- ‌باب المرأة تغسل بعض أعضاء الرجل وهي حائض

- ‌باب الرجل يغتسل ويتوضأ بسؤر المرأة

- ‌باب الوضوء بسؤر الهرة

- ‌باب في بيان أحكام الأذان والتثويب

- ‌باب في بيان فضل المشي إلى الصلاة وفضل المساجد

- ‌باب الرجل يصلي وقد أخذ المؤذن في الإقامة

- ‌باب تسوية الصفوف

- ‌باب افتتاح الصلاة

- ‌باب القراءة في الصلاة خلف الإمام

- ‌باب الرجل يسبق ببعض الصلاة

- ‌باب الرجل يقرأ بالسور في الركعة من الفريضة

- ‌باب الجهر بالقراءة في الصلاة وما يستحب من ذلك

- ‌باب التأمين في الصلاة

- ‌باب السهو في الصلاة

- ‌باب العبث بالحصا في الصلاة وما يكره من تسويته

- ‌باب التشهد فى الصلاة

- ‌باب السنة في السجود

- ‌باب الجلوس في الصلاة

- ‌باب صلاة القاعد

- ‌باب الصلاة في الثوب الواحد

- ‌باب صلاة الليل

- ‌باب الحدَثِ في الصلاة

- ‌باب فضل القرآن وما يُسْتَحَبُّ من ذكر الله عز وجل

- ‌باب الرجل يُسَلَّم عليه وهو يصلي

- ‌باب الرجلان يصليان جماعة

- ‌باب الصلاة في مَرَابِض الغنم

- ‌باب الصلاة عند طلوع الشمس وعند غروبها

- ‌باب الصلاة في شدة الحر

- ‌باب الرجل ينسى الصلاة أو يفوته وقتها

- ‌باب الصلاة في الليلة المطيرة وفضل الجماعة

- ‌باب قَصْرِ الصلاة في السفر

- ‌باب المسافر يدخل المِصْرَ أو غيره متى يُتِمُّ الصلاة

- ‌باب القراءة في الصلاة في السفر

- ‌باب الجمع بين الصلاتين في السفر والمطر

- ‌باب الصلاة على الدابة في السفر

- ‌باب الرجل يصلي فيذكر عليه صلاة فائتة

- ‌باب الرجل يصلي المكتوبة في بيته ثم يدرك الصلاة

- ‌باب الرجل تحضره الصلاة والطعام، بأيهما يبدأ

- ‌باب فضل العصر والصلاة بعد العصر

- ‌باب وقت الجمعة وما يستحب من الطيب والدهان

- ‌باب القراءة في صلاة الجمعة وما يستحب من الصمت

- ‌باب في بيان أحكام صلاة العيدين وبيان أمر الخطبة

- ‌باب في بيان حكم صلاة التطوع قبل صلاة العيد أو بعده

- ‌باب في حكم القراءة في صلاة العيدين

- ‌باب في بيان كمية التكبير وكيفيته في العيدين

- ‌باب قيام شهر رمضان وما فيه من الفضل

- ‌باب في بيان حكم دعاء القنوت في صلاة الفجر

- ‌باب في بيان فضل صلاة الفجر في الجماعة

- ‌باب طول القراءة في الصلاة وما يستحب من التخفيف

- ‌باب بيان حكم صلاة المغرب وتر صلاة النهار

- ‌باب في بيان أحكام صلاة الوَتْر

- ‌باب الوتر على الدابة

- ‌باب تأخير الوتر

- ‌باب في بيان حكم السلام في أثناء الوتر

الفصل: ‌باب الرجل ينسى الصلاة أو يفوته وقتها

قال محمد: وبهذا أي: وبهذا الحديث نأخذ، أي: نعمل لغيرنا من الفقهاء، نُبْرِدُ بصيغة التكلم مع غيره، من الإِبراد والتبريد، أي: نؤخر بصلاة الظهر في الصيف، ونصلي أي: الظهر في الشتاء أي: استحبابًا فيهما حين تزول الشمس، أي: تميل عن وسط السماء في أول وقته بناءً على المسارعة إلى العبادة، دليل على كمال الطاعة، وهو أي: الإِبراد بصلاة الظهر في الصيف، وأن نصلي صلاة الظهر في الشتاء حين تميل الشمس عن وسط السماء قولُ أبي حنيفة، رحمه الله.

وروى البخاري (1) من حديث خالد بن دينار، قال: صلى بنا أميرنا الجمعة، ثم قال لأنس: كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الظهر؟ قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا اشتد البرد بكرَّ بالصلاة، أي: صلاة الظهر، في أول وقتها في الشتاء، وإذا اشتد الحر أبردها، أخرها قليلًا ثم يصليها.

لما فرغ من بيان تأخير الصلاة في وقت شدة الحر، شرع في بيان أحوال الرجل، من نسيان الصلاة، أو تفويت الصلاة به، فقال: هذا

* * *

‌باب الرجل ينسى الصلاة أو يفوته وقتها

في بيان أحوال الرجل ينسى الصلاة، أي: يغفل الرجل عنها، كما قال السيد الشريف الجرجاني: النسيان هو الغفلة عن معلوم. انتهى.

أو تفوته، أي: تفوت الصلاة ذلك الرجل عن وقتها، كلمة "أو" للتخيير، وفي نسخة: أو يفوته وقتها، وهو مرفوع على أنه فاعل، يفوت.

والمناسبة بين هذا الباب والباب السابق تأخير الصلاة.

واستنبط المؤلف - رحمه الله تعالى - من هذه الترجمة في هذا الباب من قوله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ نسي صلاة فليصلها إذا ذكرها"(2).

(1) أخرجه: البخاري (906).

(2)

أخرجه: البخاري (597)، ومسلم (684).

ص: 377

184 -

أخبرنا مالك، أخبرنا ابن شهاب الزهري، عن سعيد بن المسَّيب، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قَفَل من خَيْبَر، أسْرَى، حتى إذا كان من آخر الليل عَرّس، وقال لبلال: اكلأْ لنا الصبحَ، ونام رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابُه، فكلأ بلال ما قُدِّرَ له، ثم استند إلى راحلته وهو مقابل الفجر، فغلبتْه عيناه، فلم يستيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا بلال ولا أحد من الركب حتى ضربتهم الشمس، ففزع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال:"يا بلال، ما هذا؟ " فقال بلال: يا رسول الله أخذ بنفسي الذي أخذ بنفسك، قال:"اقتادوا"، فبعثوا رواحلهم فاقتادوها شيئًا، ثم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بلالًا، فأقام الصلاة فصلى بهم الصبح، ثم قال حين قضى الصلاة:"من نسى صلاة أو نام عنها فليصلِّها إذا ذكرها"، فإن الله عز وجل قال:{وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} [طه: 14].

قال محمد: وبهذا نأخذ، إلا أن يذكرها في الساعات التي نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصلاة فيها: حين تطلع الشمس حتى ترتفع وتَبْيَضّ، ونصفَ النهار حتى يزول، وحين تحمرّ الشمس حتى تغيب، إلا عصرَ يومه، فإنه يصليها، وإن احمرَّت الشمس قبل أن تغيب، وهو قولُ أبي حنيفة.

• أخبرنا مالك، أي: ابن أنس بن عمير بن أبي عامر الأصبحي، من أتباع التابعين، من الطبقة السابعة من أهل المدينة، وفي نسخة: بنا، رمزًا إلى أخبرنا، وفي نسخة أخرى: محمد أخبرنا، وفي نسخة أخرى: ثنا رمزًا إلى حدثنا، أخبرنا ابن شهاب، وفي نسخة: أخبره بالإِفراد، وفي نسخة أخرى: قال: أخبرني ابن شهاب، أي: الزهري، وهو محمد بن مسلم بن مالك الزهري، يُكنى أبا بكر، تابعي من الطبقة الرابعة من أهل المدينة، عن لسعيد بن المسَّيب، أي: ابن حزن بن أبي وهب بن عمرو بن عامر بن عمران بن مخزوم القرشي، المخزومي، من كبار التابعين، من الطبقة الأولى من أهل المدينة، وقد مرَّ منقبته

(186) أخرجه: مسلم (680)، وأبو داود (435)، وابن ماجه (697)، ومالك (25) مرسلًا، وابن حبان (2069)، والبيهقي في الكبرى (3261) عن أبي هريرة.

ص: 378

تفصيل في باب الصلاة في الثوب الواحد، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

قال السيوطي: هذا حديث مرسل، وصله مسلم وغيره من طريق بن وهب، عن يونس، عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة، كذا قاله علي القاري، وقال الزرقاني: في رواية الإِرسال لا تضر من وصله، أي رفعه.

والمرسل: هو الذي يروي التابعي عن النبي صلى الله عليه وسلم، مع ترك صحابي، وذلك عند أبي حنيفة وأحمد، وأكثر العلماء حجة إلا عند الشافعي.

والمرفوع: ما أضيف إلى النبي صلى الله عليه وسلم، خاصة من قول أو فعل أو تقرير، مثال المرفوع من القول صريحًا أن يقول الصحابي: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم (ق 189) بكذا.

والمرفوع من الفعل صريحًا أن يقول الصحابي: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل كذا، ويفعل كذا، ومثال المرفوع من التقريرات: يقول الصحابي: فعلتُ بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم كذا أو هو أو غيره فعل فلان بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم كذا، أو يقول فلان بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم كذا كما قاله أحمد بن علي العسقلاني الشهير بابن حجر في (نخبة الفكر). ص قَفَل أي: رجع من القفول، بضم القاف والفاء وسكون الواو واللام، الرجوع من السفر، قفل كنصر وضرب، قفولًا رجع فهو قافل، كما في (القاموس)، من غزوة خَيْبَر، بخاء معجمة مفتوحة، وياء تحتية ساكنة، والباء الموحدة المفتوحة، والراء في آخره على وزن ديلم، اسم بلدة قريبة من المدينة، ممنوع من الصرف للتأنيث والعلمية، والمراد من خيبر هي وما اتصل بها من فتح وادي القرى؛ لأن القوم كان حين قرب من المدينة أسْرَى، أي: سار ليلًا، أي: ذهب فيه، سار وأسري بمعنى لكن في أسرى مبالغة لزيادة مبنى، وفي رواية أبي مصعب: أسرع، وفي مسلم: أسرى ليلة، وقيل: الهمزة للتعدية، ومفعوله محذوف، تقديره: أسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأصحابه، وفي رواية مسلم تفصيل، وهو أن ليلة نصب على الظرف الإِسراء، فلا حاجة لذكره معه؛ لأن السرى الإِسراء لا يكون إلا ليلًا، فيلزم تجريد الإِسراء عن معنى السير في الليل، ويستعمل في مطلق السير، فيكون ليله بيانًا أن الإِسراء كان في الليل، أو أجيب بأن ذكر ليله لدفع توهم أن الإِسراء كان في جميع الليالي، بل كان في ليلة واحدة، وهي ليلة أسري فيه، حين رجع من غزوة خيبر إلى المدينة المنورة، وفي رواية لأحمد من حديث ذي مخبر، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل الإِسراع: لقلة الزاد.

ص: 379

فقال قائل: يا نبي الله، انقطع الناس، وراءك فحبس وحبس الناس معه حتى تكاملوا إليه، فقال:"هل لكم أن تهجعوا هجعة! " فنزل، فنزلوا، والهجوع: النوم ليلًا، كذا في (القاموس) حتى إذا كان من آخر الليل. وللطبراني عن ابن عمر: حتى إذا كان مع السحر، وكان الناس بين النوم واليقظة، عَرّس، بفتح العين المهملة وفتح الراء المشددة، من التعريس، وهو نزول المسافر آخر الليل للنوم والاستراحة، وقال أي: رسول الله صلى الله عليه وسلم لبلال، أي: ابن رباح، المؤذن، هو ابن حمامة، وهي أمه مولى أبي بكر الصديق، من السابقين الأولين، وشهد بدرًا والمشاهد، مات بالشام، سنة سبع عشرة أو ثمان عشرة، وقيل: سنة عشرين، وله بضع وستون سنة: اكلأْ بكسر الهمزة، والكاف الساكنة، وفتح اللام، وسكون الهمزة، أي: احفظ وراقب لنا الصبحَ، أي: وقته، بحيث إِذا طلع الفجر توقظنا ولا ترقد، ومنه قوله تعالى في سورة الأنبياء:(ق 190){قُلْ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ} [الأنبياء: 42]، أي: يحفظ، والمصدر كلاءة بالفتح والمد.

فنام رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابُه، أي: أكثرهم ممن معه، فكلأ أي: راقب بلال

وفي مسلم: فصلى بلال ما قُدِّرَ له، بالبناء للمفعول من التقدير، أي: ما قدره الله له من الأوقات، وكتبه في اللوح المحفوظ، بمقدار قدره في الأزل، وأظهره في عالم الكون، ثم استند أي: بلال إلى راحلته أي: لإِدراك بعض راحلته، وهو أي: والحال أن بلال مقابل بصيغة اسم الفاعل، أى: متوجه إلى جانب مطلع الفجر، فغلبتْه عيناه، أي: فنام وغفل عما ابتلاه الله تعالى، فلم يستيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم، أي: لم ينتبه هو ولا بلال ولا أحد من الركب أي: من جماعة الصحب، وفي مسلم: ولا أحد من أصحابه، حتى ضربتهم الشمس، أي: طلعت عليهم وأدركوا حره لديهم، وهذا لا ينافي خبر "إن عيني تنام ولا ينام قلبي"؛ لأن القلب إنما يدرك الحسيات المتعلقة به، كالحديث والألم، ولم يدرك نحو طلوع الشمس، مما يتعلق بالعين، وإنما يدرك ذلك بالعين، والعين نائمة، وإن كان القلب يقظان، كذا قاله النووي.

وقال الحافظ ابن حجر (1): لا يقال القلب، وإن كان لا يدرك المرئيات، يدرك إذا كان يقظان مرور الوقت الطويل؛ لأنا نقول: قلبه صلى الله عليه وسلم كان إذ ذاك مستغرقًا بالوحي،

(1) انظر: الفتح (13/ 273).

ص: 380

ولا يلزم فيه وصفه بالنوم، كما كان يستغرق حاله اتقاء الوحي، ويكون الحكمة في ذلك بيان الشيء بالفعل؛ فإنه أوقع في النفس كما في قصة السهو في اليقظة.

وقال ابن المنذر: إن القلب قد يحصل له السهو في اليقظة؛ لمصلحة الشرع، ففي النوم أولى، ذكره السيوطي (1)، ففزع رسول الله صلى الله عليه وسلم، بكسر الزاي، انتبه وقام كأنه من الفزع الذي بمعنى الخوف؛ فإن المنتبه، لا يخلو من فزع ذلك؛ للتأسف على ما فاتهم من وقت الصلاة، وفيه أنه لم يكن ذلك من عادته منذ بعث، ذكره السيوطي. فقال: أي: رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا بلال، ما هذا؟ " أي: كيف هذا الحال؟ ونومك بهذا المنوال؟ فقال بلال: لضيق الحال: يا رسول الله أخذ بنفسي أي: غلبها الذي أخذ بنفسك، أي: والله غالب على أمره، وعامل وفق قضائه وقدره، والمعنى: استولى بقدرته عليَّ، كما استولى عليك، مع علو منزلتك، أو المراد أن النوم غلبني كما غلبك.

وقال ابن عبد البر: قبض نفسي الذي قبض بنفسك؛ فالباء زائدة، أي: توفاها متوفي نفسك على النفس، والروح واحدة، ويؤيده خبر أن الله قبض أرواحنا، ومنه قوله تعالى في سورة الزمر:{اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا} [الزمر: 42]، كما قاله علي القاري.

أقول وبالله التوفيق: المراد بها هنا جوهر نورانية يتعلق جميع بدن الحيوان ظاهره وباطنه، فيحس به المحسوسات، وإذا انقطع تعلقه عن ظاهر البدن نام فلا يحسها، وإذا انقطع عنه وباطنه جميعًا مات، كما قال السيد الشريف الجرجاني: هو الجوهر: النجاري، اللطيف، الحامل لقوة الحياة والحس، والحركة الإِرادية، وسماها الحكيم: الروح الحيوانية، فهي جوهر مشرق للبدن، فعند الموت ينقطع ضوءه عن (ق 191) ظاهر البدن وباطنه، فيثبت أن النوم والموت من جنس واحد؛ لأن الموت هو الانقطاع الكلي، والنوم هو الانقطاع الناقص، فثبت أن لقاء والحكيم دبر تعلو جوهر النفس بالندب على ثلاثة أضرب: الأول: بلغ ضوء النفس على جميع أجزاء البدن وظاهره وباطنه، فهو اليقظة، وانقطع ضوؤها عن ظاهره دون باطنه فهو النوم، أو بالكلية فهو الموت، انتهى.

(1) انظر: تنوير الحوالك (1/ 27).

ص: 381

قال: أي: النبي صلى الله عليه وسلم: "اقتادوا"، بكسر الهمزة، وسكون القاف، والتاء الفوقية والألف، وبضم الدال، أمر من الاقتياد ومزيد للقود، وهو الجر من قدم الدابة ضد السوق، ومنه القائد مقدم الحزم، والمعنى ارتحلوا من هذا المحل؛ فإنه أوقعنا في الوجل، أي: الخوف، زاد مسلم: فإن هذا حضر لاقيه الشيطان.

قال ابن الملك في (شرح المشارق): فإن قلت: كيف حضرهم الشيطان وفوات الواجب لم يكن بتقصير منهم؟ قلت: يمكن حضوره ثابتًا وقت النوم لعدم احتياطهم فيه، وإن لم يكن ثابتًا وقت القوت، وفيه ندب الاجتناب عن موضع الفعل القبيح، انتهى. ولا يخفى قبح عدم الاحتياط إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام، مع أمر بلال لمحافظة الوقت في ذلك المقام، فالصواب في ذلك: الجواب: أن الشيطان حضر بلالًا ونومه بما غير له حالًا، وإنما لم ينسبه بلال إلى الشيطان، كما قال فتى موسى:{وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ} [الكهف: 63]، نظرًا إلى الفاعل الحقيقي، كما هو شأن أرباب الجمع، وأصحاب الكمال، والنبي صلى الله عليه وسلم لما كان في مكان جمع الجمع نسبة إلى السبب، مراعاة للأدب مع الرب، وإعطاء كل ذي حق حقه، في استيفاء المطلب، وفيه استحباب الاجتناب عن موضع وقع فيه شيء من أسباب الاحتجاج، فبعثوا أي: أقاموا رواحلهم أي: دوابهم، فاقتادوها بفتح الفاء وسكون القاف، والتاء الفوقية والألف وضم الدال، ماضٍ عطف على بعثوا، أي: أخذ بزمام دوابهم، وجروا بها شيئًا، أي: زمانًا قليلًا، أو اقتيادًا يسيرًا.

وفي حديث عمران: فسار غير بعيد، ثم نزل، وهذا يدل على أن هذا الارتحال وقع على خلاف أمرهم المعتاد.

وفي مسلم: ثم توضأ صلى الله عليه وسلم، زاد ابن إسحاق: وتوضأ الناس، ثم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بلالًا، فأقام الصلاة، ولأحمد: فأمر بلالًا، فأذن ثم قام النبي صلى الله عليه وسلم فصلى ركعتين قبل الصبح، أي: قبل فرض الفجر، ثم أمره، فأقام الصلاة، فصلى بهم الصبح، أي: فرضه.

زاد الطبراني (1) من حديث عمران: قلنا: يا رسول الله، أنعيدها من الغد لوقتها؟ قال:"نهانا الله عن الربا ويقبله منا؟ "، ثم قال أي: النبي صلى الله عليه وسلم حين قضى الصلاة: "من

(1) أخرجه: الطبراني في الأوسط (5964).

ص: 382

نسى صلاة، زاد العقبي: أو نام عنها فليصلِّها إذا ذكرها"، زاد الشيخان: لا كفارة لها إلا ذلك، فإن الله عز وجل يقول: هكذا رواه يحيى؛ أيضًا، ولمسلم: فإن الله تعالى قال في سورة طه: {أَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} طه: 14]، واللام بمعنى الوقت، وإضافة المصدر إلى المفعول، أي: وقت ذكرك لصلاتي.

قال مجاهد: أقم الصلاة لتذكرني، فيها اللام للتعليل، ولا يخفى أن الذكر بالكسر جاء في اللغة بمعنى الذكر بالضم، هو التذكر، فيتحد القراءتان، وتتوافق الروايتان، وفي رواية زيد بن أسلم رضي الله عنه، أنه قال مرسلًا برواة (الموطأ) اتفاقًا لمالك: عرس رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة بطريق، وَوَكَّل بلالًا أن يوقظهم للصلاة، فرقد بلال ورقدوا حتى استيقظوا، وقد طلعت الشمس، فاستيقظ القوم، وقد فزعوا، أي: والحال استيقظوا متأسفين لفوت وقت صلاة الفجر، فأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يركبوا حتى يخرجوا من ذلك الوادي. وقال:"إن هذا واد به الشيطان"، فركبوا حتى خرجوا من الوادي، ثم أمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينزلوا ويتوضؤوا، وأمر بلالًا ينادي بالصلاة، ويقيم، فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس، ثم انصرف إليهم وقد رأى من فزعهم، فقال:"يا أيها الناس، إن الله عز وجل قبض أرواحنا حين شاء، ثم ردها إلينا في حين غير هذا؛ فإن رقد أحدكم عن صلاة أو نسيها، ثم فزع إليها فليصلها كما كان يصلي لوقتها".

ثم التفت رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أبي بكر رضي الله عنه فقال: "إن الشيطان أتى بلالًا وهو قائم يصلي، فاضطجعه، ثم لم يزل يهدئه كما يهدئ الصبي حتى قام"، ثم دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بلالًا فأخبر بلال رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل الذي أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر، فقال أبو بكر: أشهد أنك رسول الله، كما في (الموطأ) لمالك.

قال محمد: وبهذا نأخذ، أي: نفتي الفائتة إذا ذكرناها، إلا أن يذكرها، لكن الناسي بها لا يصليها إذ ذكرها في الساعات أي: في جنسها الصادق بالساعة التي نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصلاة فيها، نهي تحريم هنا بينها بقوله: حين تطلع الشمس حتى ترتفع وتبيض، ونصفَ النهار بالنصب، أي: في انتصافه، وهو وقت استوائها، حتى تزول أي: تميل الشمس عن كبد السماء، وحين تحمرّ الشمس، أي: حين شرعت في الغروب، حتى تغيب، أي: بكمالها إلا عصرَ يومه، استثناء مفرغ، والمعنى أنه صلى الله عليه وسلم بنى جميع أنواع

ص: 383

الصلوات من النوافل والنذور، وقضاء الفرائض وأدائها، إلا أداء صلاة العصر، فإنه أي: المصلي بصلاة العصر يصليها، وإن وصلية احمرَّت الشمس أي: شرعت في الغروب، قبل أن تغرب، بضم الراء، وفي نسخة: تغيب، أي: لو وقع بعض أجزاءها بعد الغروب، بخلاف صلاة الفجر، فإنه إذا طلعت الشمس وهو في الصلاة، ولم يسلم بطلت صلاة الفجر، وهو أي: القول بجواز صلاة العصر حين احمرت الشمس قبل الغروب، ولو وقع بعض أجزائها بعد الغروب، قولُ أبي حنيفة، رحمه الله، نعمان بن ثابت، بن هاوس، بن هرمز، بن ملك، بن شيبان، من الطبقة السادسة من الحنفية.

* * *

185 -

أخبرنا مالك، أخبرنا زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، وعن بُسْر بن سعيد، وعن الأعرج، يحدثونه عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"من أدرك من الصبح ركعة قبل أن تطلع الشمس فقد أدركها، ومن أدرك من العصر ركعة قبل غروب الشمس فقد أدركها".

• أخبرنا مالك، وفي نسخة: قال محمد: ثنا، رمزًا إلى حدثنا، وفي نسخة (ق 193) أخرى: ثنا أخبرنا زيد بن أسلم، وفي نسخة: عن زيد بن أسلم؛ العدوي، مولى أبي عبد الله، وأبي أسامة الفقيه، ثقة، عالم، وكان مرسلًا، وهو من الطبقة الوسطى من التابعين، كانت له حلقة في المسجد النبوي.

قال أبو حازم: لقد رأيت في حلقة زيد بن أسلم أربعين حبرًا، فقيهًا، أوتي خصلة من خصالهم التواشي بما في أيديهم، فيما يرى متحاربان ولا متنازعان في حديث لا ينفعهما قط، وكان عالمًا، يتغير القرآن له في كتاب. وكان يقول: ابن آدم، اتق الله يحبَّك الناس، وإن كرهوا. مات في ذي الحجة سنة ست وثلاثين ومائة، وله في (الموطأ) واحد وخمسون حديثًا مرفوعًا.

(185) أخرجه: البخاري (556)، ومسلم (608)، وأبو داود (412)، والترمذي (186)، وابن ماجه (699)، وأحمد (7410)، والدارمي (1222)، ومالك (5).

ص: 384

عن عطاء بن يسار، بتحتية وفتح سين مهملة، ضد اليمين؛ الهلالي أبي محمد المدني، مولى ميمونة، كان من الطبقة الرابعة، من أهل البصرة، ثقة، تابعي فاضل، كثير الحديث، صاحب مواعظ وعبادة، مات سنة أربع وتسعين أو تسع وتسعين، وثلاث أو أربع ومائة بالأسكندرية، في ما قيل، وعن بُسْر بضم الموحدة وإسكان السين المهملة، آخره راء، ابن سعيد، المدني، العابد، ثقة حافظ، كان في الطبقة الثانية من طبقات التابعين، مات سنة مائة، وعن الأعرج، عبد الرحمن بن هرمز، المدني، ثقة ثبت عالم، المدني، مولى ربيعة بن الحارث، كان في الطبقة الثالثة من طبقات التابعين من أهل المدينة، مات سنة سبع عشرة ومائة، كرر المصنف تحويل السند مرتين، مبالغة في تقوية حكم الحديث، فقال كلاهما في (الموطأ) لمالك: يحدثونه أي: يخبرون زيد بن أسلم، عن أبي هريرة، رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"من أدرك أي: وصل وبلغ من صلاة الصبح ركعة قبل أن تطلع الشمس فقد أدركها، أي: وصل ثواب صلاة الصبح، باعتبار نية لا باعتبار عمله. وقد أخرج الدارقطني من حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا: "إذا صلى أحدكم ركعة من صلاة الصبح ثم طلعت الشمس فليصل إليها ركعة أخرى"، والحديث نصّ في عدم فساد فرض الفجر، وبه عمل الشافعي وغيره.

وأما عندنا: من صلى ركعة من صلاة الفجر، وطلعت الشمس قبل السلام، بطلت. ويلزم عليه أن يقضيها بعد ارتفاع الشمس برمح أو رمحين، مع سنتها بأذان وإقامة، ولنا حديث عقبة بن عامر الجهني المقدم عن النهي في الأوقات الثلاثة؛ فإنه يفيد بطريق الاستدلال الفساد بعد طلوع الشمس، وإذا تعارضا قدم النهي فيجعل حمل ما روى على ما قبل النهي عن الصلاة في الأوقات المكروهة، كما قال محمد بن عبد الله التمرتاشي في (منح الغفار) في باب سبق الإِمام حدث.

ومن أدرك أي: من وصل ركعة من صلاة العصر ركعة قبل غروب الشمس فقد أدركها، أي: صلاة العصر بكمالها أداءً وثوابًا.

لما فرغ من بيان كيفية قضاء صلاة الفجر، شرع في بيان أداء الصلاة في البيوت؛ لأجل المشقة، فقال: هذا

* * *

ص: 385