الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقال الترمذي: وعامة من روى عن النبي صلى الله عليه وسلم: إنما قال خمسًا وعشرين إلا ابن عمر، قال: بسبع وعشرين درجة.
وفي حديث أبي هريرة: رفعه بخمس وعشرين درجة، والجمع بينهما: أنه قال: الأول بالقليل ثم بالكثير، وقيل: ذلك باختلاف المصلين فلبعضهم سبع وعشرين، والآخر خمس وعشرين، بحسب كمال الصلاة، والمحافظة على خشوعها وإتمام ركوعها وسجودها، وكثرة عددهم، وفضلهم، وشرفهم بقعتهم ومحلهم.
قال ابن عباس رضي الله عنهما: فضل صلاة الجماعة على صلاة الواحد بخمس وعشرين درجة، فإن كانوا أكثر فعلى عدد من في المسجد، فقال رجل: وإن كانوا عشرة آلاف؟ قال: وإن كانوا أربعين ألفًا. . فعلم أن التضعيف المذكور مرتب على أقل عدد تحصل به الجماعة، وأنه يزيد بزيادة المصلين، كما ذكره السيوطي.
وقال بعضهم: صلاة واحدة في المسجد الحرام تفضل صلاة من صلى ببلده فرادى عمر نوح عليه السلام بنحو الضعف.
قال: فإن انضم إلى ذلك أنواع أخر من الكمالات، عجز الإِنسان عن حصر الثواب كما نقله علي القاري عن ابن حجر المكي في (حاشيته على الإِيضاح منسك النووي).
لما فرغ من بيان أحكام الصلاة في الليلة الممطرة، شرع في بيان أحكام قصر الصلاة، فقال: هذا
* * *
باب قَصْرِ الصلاة في السفر
بيان أحكام قصر الصلاة في السفر، وإضافة الباب إلى قصر بمعنى في، وإضافة القصر إلى الصلاة بمعنى اللام.
والقصر في اللغة: الحبس؛ تقول: قصرت الشيء إذا حبسته أي: جعلت الصلاة ركعتين في السفر، وفي الاصطلاح: تخصيص الشيء بشيء.
والسفر لغة: قطع المسافة، وشرعًا: هو الخروج من بيته قصد مسيرة ثلاثة أيام بلياليها فما فوقها بسير الإِبل، ومشي الأقدام، كذا قاله السيد الشريف محمد الجرجاني
الحنفي، وأما تقييد القصر بالسفر، فلتربية الفائدة؛ أي: لتقوية فائدة الخبر، واقتبس المصنف هذه الترجمة من قوله تعالى في سورة النساء:{وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ} [النساء: 101]، وأيَّد اقتباسه بقول عائشة وغيرها.
189 -
أخبرنا مالك، أخبرني صالح بن كَيْسَان، عن عُرْوَة بن الزُّبَيْر، عن عائشة، أنها قالت: فُرِضَتْ الصلاة ركعتين؛ في السفر والحَضَر، فزيد في صلاة الحضر، وأقرّت صلاة السفر.
• أخبرنا مالك، وفي نسخة: محمد قال: ثنا، رمزًا إلى حدثنا، وفي نسخة أخرى: محمد قال: بنا، رمزًا إلى أخبرنا، أخبرني صالح بن كَيْسَان، بفتح الكاف وسكون التحتية، يكنى أبا محمد، وأبي الحارث المدني، مؤدب ولد عمر بن عبد العزيز، ثقة، فقيه من الطبقة الرابعة من أهل المدينة، وهي من الإِقليم الثاني من الأقاليم السبعة، كذا في (خلاصة الهيئة)، وهو من التابعين، لقي جماعة من الصحابة، وهو ابن تسع سنين، مات بعد الهجرة سنة ثلاثين أو بعد الأربعين، كذا في (التقريب)(1).
(ق 197) عن عُرْوَة بن الزُّبَيْر بن العوام، تابعي ثقة جدًا، من الطبقة الثانية، من أهل المدينة، مات قبل المائة من الهجرة، قال: سلوني فقد تركت حتى كدت أن أنسى، وإني لأُسأل عن الحديث فيفتح لي حديث يومي، واجتمع قوم في الحرم فقالوا: تمن، فقال: أتمنى أن يؤخذ عني العلم، وكان يتألف الناس على خدمته، وقال: رب كلمة اجتملتها أورثتني عزًا طويلًا.
وقال: إذا رأيت الرجل يعمل الحسنة، فاعلم أن لها عنده إخوان؛ فإن الحسنة تدل على أختها، وإن السيئة تدل على أختها.
وقال لبنيه: تعلموا؛ فإنكم إن تكونوا صغار قوم، عسى أن تكونوا كبراءهم، واسوءتاه، ماذا أقبح من شيخ جاهل.
(189) أخرجه: البخاري (350)، ومسلم (685)، وأبو داود (1198)، والنسائي (455)، ومالك (275)
(1)
انظر: التقريب (1/ 251).
وكان إذا جاء الرطب تسلم حائطه فيدخل الناس فيأكلون، ويحملون، وكان إذا دخله ردد هذه الآية:{وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ} [الكهف: 39]، حتى يخرج، وكان يقرأ ربع القرآن كل يوم، نظرًا في المصحف، يقوم به الليل، فما تركه إلا ليلة قطعت رجله، ثم عاود الليلة القليلة، ووقعت الأكلة في رجله فقطعت وهو صائم، ولم يمسكه أحد، ولم يتضرر وجهه، ودخل أكبر ولده اصطبله فرفسه، أي: دق عنقه دابة فقتلته، فما سمع من شيء حتى قدم المدينة، فقال: اللهم إنه كان لي أربع أطراف فأخذت واحدًا، وأبقيت لي ثلاثة، فلك الحمد، وكان لي بنون أربع فأخذت واحدًا، وأبقيت ثلاثة، فلك الحمد، دائم الله، لئن أخذت فقد أبقيت، ولئن ابتليت لطال ما عافيت، وقال له الأطباء: نعطيك شيئًا لئلا تحس، قال: لا شأنكم، فنشروها بالمنشار، فما حرك عضوًا عن عضو، وصبر.
فلما رأى القدم بأيديهم: دعا بها فقبلها، ثم قال: أما والذي حملني عليك إنه ليعلم أني ما مشيت بك إلى حرام قط، وقال: معصية، أو قال: سوء، وكان برد الصوم، ومات يوم مات وهو صائم.
ورأى رجلًا يصلي فخفف، فقال: أما كان لك إلى الله حاجة، إني لأسأل الله تعالى في صلاتي حتى أسأله الملح.
وقال: إذا جعل أحدكم لله تعالى شيئا فلا يجعل ما يستحي أن يجعل الكريم؛ فإن الله تعالى أكرم الأكرمين، وأحق من اختير له، كذا قاله أبو الفرج عبد الرحمن بن الجوزي من الحنبلية في (طبقاته)(1).
عن عائشة، رضي الله عنها، قالت؛ فُرِضَتْ الصلاة على بناء المجهول، أي: فرض الله الصلاة، أي: جنس الصلاة حين فرضها، وهي الصلوات الخمس والمراد بها الرباعية، ركعتين؛ في السفر والحَضَر، أي: في صدر الإِسلام، كررها لإِفادة عموم التثنية لكل صلاة.
قال أبو السعادات ابن الأثير في (شرح المسند): إن قصر الصلاة في السنة الرابعة من الهجرة، وهو مأخوذ من قول غيره: إن نزول آية الخوف كان فيها.
(1) انظر: صفة الصفوة (1/ 149).
وذكر الدولابي: أن القصر كان في ربيع الآخر من السنة الثانية.
وذكر السهيلي: بلفظ بعد الهجرة بعام، أو نحوه، وقيل: بعد الهجرة بأربعين يومًا.
فزيد في صلاة الحضر، وأقرّت أي: جعلت مقررة على حالها من القصر، صلاة السفر، وفي بعض النسخ: في، لكنها لم توجد (ق 198) في الأصل.
روى ابن خزيمة وابن حبان والبيهقي، من طريق الشعبي، عن مسروق، عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: فرضت صلاة الحضر والسفر ركعتين ركعتين، فلما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة واطمأن، زيد في صلاة الحضر، ركعتان ركعتان، وتركت صلاة الفجر، أي: قررت على ركعتين لطول القراءة، وصلاة المغرب، لأنها وتر النهار (1).
واحتج بظاهر الحديث الحنفية وموافقوهم على أن القصر في عزيمة لا رخصة، واستدل مخالفوهم بقوله تعالى:{فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ} [النساء: 101]؛ لأن نفي الجناح لا يدل على العزيمة، والقصر إنما يكون من بطول منه، ولقوله صلى الله عليه وسلم:"صدقة تصدق الله بها عليكم".
فالمفروض أربع، إلا أنه رخص بأداء ركعتين، وأجابوا عن حديث عائشة بأنه غير مرفوع، وبأنها لم تشهد زمان فرض الصلاة، قاله الخطابي وغيره.
قال الحافظ: وفيه نظر؛ لأنه مما لا مجال للرأي فيه؛ فله حكم الرفع، وعلى تسليم أنها أخذته عن النبي صلى الله عليه وسلم أو عن صحابي أدرك ذلك.
وقول إمام الحرمين: لو ثبت لنقل متواترًا فيه نظر أيضًا؛ لأن التواتر في مثل هذا لا يلزم، والذي يظهر وبه تجمع الأدلة أن الصلاة فرضت ليلة الإِسراء ركعتين، إلا المغرب، ثم زيد بعد الهجرة إلا الصبح، ثم بعد أن استقر فرض الرباعية، وخففت منها في السفر عند نزول قوله تعالى:{فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ} [النساء: 101].
* * *
(1) أخرجه: ابن حبان (2738)، وابن خزيمة (305).
190 -
أخبرنا مالك، أخبرنا نافع، عن ابن عمر: أنه كان إذا خرج إلى خَيْبر قصر الصلاة.
• أخبرنا مالك، وفي نسخة: ثنا، رمزًا إلى حدثنا، وفي نسخة أخرى: محمد قال: ثنا، وفي نسخة: محمد أخبرنا، أخبرنا نافع، المدني، مولى عبد الله بن عمر، وفي نسخة:"عن" في موضع "أخبرنا"، أن عبدالله بن عمر: أنه كان إذا خرج إلى خَيْبر قصر الصلاة، وخيبر حصن قرب المدينة، وإن أدى إلى تعارض لما بينهما من المسافة، ومذهب أبي حنيفة أنها لا تقصر في أقل من ثلاث مراحل.
وقال مالك والشافعي وأحمد: تقصر في مرحلتين.
وقال الأوزاعي: في مرحلة.
وقال داود الطائي: يجوز القصر في طويل السفر وقصره، كذا قاله علي القاري، وقال الزرقاني (1): ما بين خيبر والمدينة ستة وتسعون ميلًا.
* * *
191 -
أخبرنا مالك، أخبرنا نافع، أن ابن عمر كان إذا خرج حاجّا أو مُعْتَمِرًا قَصَرَ الصلاة بذي الحُلَيْفَة.
• أخبرنا مالك، وفي نسخة محمد قال: ثنا، وفي نسخة أخرى: محمد أخبرنا مالك بن أنس، وفي نسخة: أخرى: ثنا، أخبرنا نافع، وفي نسخة أخرى: ثنا، وفي نسخة أخرى:"عن" موضع "أخبرنا"، أن عبد الله بن عمر كان إذا خرج من المدينة حاجّا أو مُعْتَمِرًا قيد أن اتفاقيات واقعات قَصَرَ الصلاة أي: ابتدأ في قصرها بذي الحُلَيْفَة، بضم الحاء المهملة وفتح اللام وسكون الياء التحتية وفتح الفاء والهاء، مكان على أربعة أميال من المدينة، وعلى مائة ميل من مكة، والجمهور على أنه لا يجوز القصر إلا بعد مفارقة بنيان
(190) صحيح، أخرجه: البيهقي في الكبرى (5492).
(1)
انظر: شرح الزرقاني (1/ 433).
(191)
أخرجه: مالك (328)، وعبد الرزاق في مصنفه (4324).
بلده، وفي رواية عن مالك: لا بد أن يكون على المصر على ثلاثة أميال.
قال سعيد بن زيد الباجي: خص ابن عمر سفره بالحج والعمرة؛ لأنهما لا خلاف في القصر فيه.
وقال أبو عمر: وكان ابن عمر يتبرك بالمواضع التي كان صلى الله عليه وسلم ينزلها ويتمثل فعله بكل ما يمكنه، ولما علم أنه صلى الله عليه وسلم قصر العصر بذي الحليفة حين خرج في حجة الوداع فعل مثله، وإنما سفر ابن عمر في غير الحج والعمرة، فكان (ق 199) يقصر إذا خرج من بيوت المدينة، ويقصر إذا رجع حتى يدخل بيوتها، كما رواه عنه نافع، كذا قاله الزرقاني (1).
* * *
192 -
أخبرنا مالك، أخبرني ابن شهاب الزُّهْريِّ، عن سالم بن عبد الله، أن ابن عمر خرج إلى رِيم، فقصر الصلاة في مسيرة ذلك.
• أخبرنا مالك، أي: ابن أنس بن عمير بن أبي عامر الأصبحي، من أتباع التابعين من الطبقة السابعة من أهل المدينة، وفي نسخة: ثنا، وفي نسخة أخرى: محمد قال، وفي نسخة: محمد أخبرنا، أخبرني ابن شهاب، وهو محمد بن مسلم بن شهاب الزُّهْرِيّ، من التابعين من الطبقة الرابعة، من الطبقات السبعة من أهل المدينة، عن سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، كان تابعيًا من الطبقة الثانية، من أهل المدينة المنورة، كان سالم أشبه أولاده به، وكان يحبه حبًا شديدًا، فإذا قيل له في ذلك أنشد: يلومونني في سالم والوهن في جلده بين العين والأنف سالم، وكان سالم يخرج إلى السوق فيشتري حوائج نفسه، وزحمه رجل فقال له: بعض هذا يكفي، فقال الرجل: ما أراك إلا رجل سوء، فقال: ما أحسبك أبعدت، ولم يكن أحد في زمانه أشبه عن معنى من الصالحين منه في الزهد والفضل والعيش، كان يلبس الثوب بدرهمين.
وقال له سليمان بن عبد الملك - رآه حسن السحنة - أي شيء تأكل؟ قال: الخبز والزيت، وإذا وجدت اللحم أكلته. قال: أو تشتهيه، قال: إذا لم أشتهه تركته حتى أشتهيه.
(1) انظر: شرح الزرقاني (1/ 423).
(192)
إسناده صحيح.
ودخل هشام بن عبد الملك الكعبة، فإذا هو بسالم، فقال: سلني حاجة، قال: إني لأستحي أن أسأل في بيته غيره، فلما خرج في أثره، فقال: الآن قد خرجت فسلني، قال: من حوائج الدنيا أم الآخرة؟ قال: من حوائج الدنيا، قال سالم: ما سألت من يملكها، فكيف أسأل من لا يملكها؟
ودخل مكة فصلى العشاء، ثم قام إلى ناحية من باب بني شيبة، فلم يزل يميل يمينًا ويسارًا، حتى طلع الفجر، ثم جلس فاجتنب غيره، كذا قاله أبو الفرج عبد الرحمن بن الجوزي من الحنبلية في (طبقاته).
أن ابن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما خرج إلى رِيم، بكسر الراء، منصرف وغير منصرف، موضع قريبة من المدينة، ذكره في (النهاية)، فقصر الصلاة في مسيرة ذلك، أي: أثناء سيره هنالك.
* * *
193 -
أخبرنا مالك، حدثنا نافع، أنه كان يسافر مع ابن عمر البَريدَ فلا يَقْصُرُ الصلاة.
قال محمد: إذا خرج المسافر أتمّ الصلاة، إلا أن يريد مسيرة ثلاثة أيام كَوَامِل بسير الإِبل، ومشى الأقدم، فإذا أراد ذلك قصر الصلاة حين يخرج من مصره، ويجعل البيوت خلف ظهره، وهو قولُ أبي حنيفة.
• أخبرنا مالك، وفي نسخة: محمد أخبرنا، وفي نسخة أخرى: محمد قال: ثنا رمزًا إلى حدثنا، وفي نسخة أخرى: ثنا، حدثنا نافع، أنه كان يسافر مع ابن عمر البَريدَ، محل ثلاثون ميلًا من المدينة، كما قاله الزرقاني.
وقال الشمني: أربع فراسخ من المدينة، فلا يَقْصُرُ الصلاة، لعدم تحقق المسافة الشرعية في قصر الصلاة.
(193) صحيح، أخرجه: مالك (344)، وعبد الرزاق في مصنفه (4295)، والشافعي في المسند (97)، والبيهقي في الكبرى (5502).