الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وروى محمد في (الآثار) عن أبي حنيفة عن حماد عن إبراهيم عن الأسود بن يزيد أنه صحب عمر بن الخطاب سنتين على السفر والحضر فلم يره قانتًا في الفجر حتى فارقه.
قال إبراهيم وأهل الكوفة: إنما أخذوا القنوت عن عليّ رضي الله عنه، قنت يدعو على معاوية حين حاربه، وأهل الشام أخذوا القنوت عن معاوية قنت يدعو على عليّ رضي الله عنه. وفي (الغاية البيان): وإن نزل بالمسلمين نازلة قنت الإِمام في صلاة الجهر، وهو قول الثوري، وأحمد، وقال جمهور أهل الحديث: القنوت عن النوازل مشروع في الصلاة كلها، وبه صرح الطحاوي، وقاله علي القاري.
لما فرغ من بيان حكم دعاء القنوت في صلاة الفجر، شرع في بيان فضل صلاة الفجر في جماعة، فقال: هذا
* * *
باب في بيان فضل صلاة الفجر في الجماعة
وبيان أمر أي: شأن سنة ركعتي الفجر
أي: قبل فرض الفجر، فأمر سنتي الفجر أنهما سنة مؤكدة، وهما أقوى السنن، حتى روى الحسن بن زياد عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى، أنهما واجبتان، كذا قاله الشرنبلالي في (مراقي الفلاح)، و (نجاة الأرواح)، وهاتان الروايتان يدلان على اعتناء سنتي الفجر.
243 -
أخبرنا مالك، أخبرنا ابن شهاب، عن أبي بكر بن سليمان بن أبي حثْمة، أن عمر بن الخطاب فَقَد سليمان بن أبي حثْمة في صلاة الصبح، وأن عمر غدا إلى السوق، وكان منزل سليمان بين السوق والمسجد، فمر عمر على أم سليمان، الشِّفاء، فقال: لم أر سليمان في الصبح؟ فقالت: بات يصلي فغلبته عيناه، فقال عمر: لأنْ أشهد صلاة الصبح أحبُّ إلى من أن أقوم ليلة.
(243) إسناده صحيح، أخرجه: البخاري، كتاب الصلاة، باب الأذان بعد الفجر، ومسلم (87)، والترمذي (433)، والنسائي، وابن ماجه (1145).
• أخبرنا مالك، أي: ابن أنس بن عمير بن أبي عامر الأصبحي، الإِمام، من كبار أتباع التابعين، في الطبقة السابعة من أهل المدينة، وهي في الإِقليم الثاني من الأقاليم السبعة، وفي نسخة: محمد قال: ثنا، رمزًا إلى حدثنا، وفي نسخة أخرى: ثنا، أخبرنا ابن شهاب، أي: محمد بن مسلم بن شهاب الزهري، التابعي، كان في الطبقة الرابعة من أهل المدينة، عن أبي بكر أي: عبد الله بن سليمان بن أبي حثْمة، بفتح الحاء المهملة، وسكون الثاء المثلثة، وفتح الميم، ابن حذيفة، قرشيّ عدويّ، مدني ثقة، عارف بالنسب، وكان من فضلاء المسلمين وهو معدود من كبار التابعين، أن عمر بن الخطاب فَقَد أي: لم يجد أباه سليمان بن أبي حثْمة في صلاة الصبح، حيث لم يحضر الجماعة، وأن عمر غدا أي: ذهب إلى السوق، وكان منزل سليمان بين السوق والمسجد، أي: مسجد المدينة جملة معترضة، فمر عمر على أم سليمان، قوله: الشِّفاء، بالجر بدل من اللام، وهو بكسر الشين المعجمة، وبالفاء والمد بنت عبد الله القرشية العدوية.
قال أحمد بن صالح المصري: اسمها ليلى، والشفاء لقب غلب عليها، أسلمت قبل الهجرة، وكانت من عقلاء النساء وفضلائهن، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتيها ويزورها ويقيل عندها، واتخذت لرسول الله صلى الله عليه وسلم فراشًا وإزارًا ينام فيه، فلم يزل عندها حتى أخذه منهم مروان بن الحكم، وقال لها صلى الله عليه وسلم:"علمي حفصة رقية النملة"، وأعطاها دارًا عند الحكاكين بالمدينة فنزلتها مع ابنها سليمان؛ ولأن عمر يقدمها في الرأي ويرعاها ويفضلها، وربما ولاها شيئًا من أمر السوق، روى عنها ابنها سليمان، وابناه: أبو بكر وعثمان، وحفصة أم المؤمنين وغيرهم، فقال: أي: عمر لم أر سليمان في الصبح؟ أي: في صلات، فقالت أي: الشفاء: بات أي: سليمان يصلي فغلبته عيناه، أي: بالنوم ففاته الجماعة، فقال عمر: لأن أي: أقسم بالله أشهد أي: أحضر صلاة الصبح أي: بالجماعة أحبُّ إلى من أن أقوم ليلة، لما في ذلك من الفضل الكبير، وروى عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن سليمان بن أبي حثمة عن أمه الشفاء أنها قالت: دخل عليَّ عمر وعندي رجلان نائمان تعني ابنها وزوجها سليمان، فقال: أما صليا الصبح؟ قلت: لم يزالا يصليان حتى أصبحنا فصلينا الصبح وناما، فقال: لأن أشهد الصبح في جماعة أحب إليَّ من قيام ليلة، كذا قاله الزرقاني.
* * *
244 -
أخبرنا مالك، أخبر نافع، أنَّ ابن عمر أخبره عن حَفْصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، أنها أخبرته، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا سَكَتَ المؤذِّن من صلاة الصبح، وبدأ الصبح، ركع ركعتين خفيفتين، قبل أن تقام الصلاة.
قال محمد: وبهذا نأخذ، الركعتان قبل صلاة الفجر يُخَفَّفانِ.
• أخبرنا مالك، وفي نسخة: محمد قال: ثنا، رمزًا إلى حدثنا، أخبر نافع، أي: المدني، مولى ابن عمر، ثقة ثبت، فقيه مشهور، كان في الطبقة الثالثة من طبقات التابعين، من أهل المدينة المحدثين، مات سنة سبع عشرة ومائة، أنَّ ابن عمر أخبره عن حَفْصة، قال ابن عبد البر: فيه رواية الصحابي عن الصحابية.
وقال السيوطي: فيه رواية الأخ عن أخته، زوج النبي صلى الله عليه وسلم، أنها أخبرته، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا سَكَتَ المؤذِّن من أذان صلاة الصبح، وليحيى: إن سكت المؤذن عن الأذان لصلاة الصبح، وبدأ بالألف، أي: وظهر الصبح أي: وطلع الفجر الثاني ركع أي: صلى ركعتين خفيفتين، وقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم كان يقرأ فيهما بـ {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ} ، و (الإِخلاص).
وعن مالك عن يحيى بن سعيد أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها (ق 247) قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليخفف ركعتي الفجر حتى إني لأقول: أقرأ بأم القرآن أم لا، رواه يحيى في (موطئه).
قال ابن عبد البر: هكذا هذا الحديث عند رواة (الموطأ)، وقد رواه ابن عيينة وغيره عن يحيى بن سعيد عن محمد بن عبد الرحمن عن عجرة عن عائشة، ذكره السيوطي.
قبل أن تقام الصلاة، أي: فرض الصبح.
قال محمد: أي: المصنف ابن الحسن بن فرقد الشيباني، وبهذا أي: بقول ابن عمر، نأخذ، أي: نعمل ونفتي، الركعتان قبل صلاة الفجر يُخَفَّفانِ، بصيغة التثنية المؤنثة المجهولة للمضارع، يعني على طريق السنة.
* * *
245 -
أخبرنا مالك، أخبرنا نافع، عن عبد الله بن عمر، أنَّه رأى رجلًا ركع ركعتي الفجر ثم اضطجع، فقال ابن عمر: ما شأنه؟ فقال نافع: فقلت: يَفصل بَيْنَ صلاته، قال ابن عمر: وأيُّ فَصْل أفضل من السلام.
قال محمد: وبقول ابن عمر نأخذ، وهو قولُ أبي حنيفة.
• أخبرنا مالك، وفي نسخة: محمد قال: ثنا، أخبرنا نافع، عن عبد الله بن عمر، وفي نسخة:"عن" بدل "أخبرنا" أنَّه رأى رجلًا ركع أي: صلى ركعتي الفجر أي: سنته، ثم اضطجع، أي: على جنبه، فقال ابن عمر: ما شأنه؟ أي: ما سبب صنعه؟ فقال نافع: فقلت: يَفصل بَيْنَ صلاته، أي: بين صلاة سنة الفجر وبين فرضه، قال ابن عمر: وأيُّ فَصْل أي: فارق بين سنة الفجر وفرضه أفضل من السلام، هذا في الأصل بالضاد المعجمة؛ وذلك لأن الكلام إنما ورد للفصل وهو لكونه واجبًا أفضل من سائر ما يخرج من الصلاة من الفعل والكلام، ولا يبعد أن يكون أفصل بالصاد المهملة، أي: أفرق، والمعنى أن السلام فارق فلا يحتاج إلى فارق آخر بين السنة والفرض، وهذا لا ينافي فيما سبق من أنه صلى الله عليه وسلم كان يضطجع في آخر التهجد تارة وأخرى بعد ركعتي الفجر في بيته للاستراحة.
قال محمد: وبقول ابن عمر نأخذ، وهو أي: قول ابن عمر، قولُ أبي حنيفة.
قال ابن حجر المكي في (شرح الشمائل): روى الشيخان (1) أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا صلى ركعتي الفجر اضطجع على شقه الأيمن، فتسن هذه الضجعة بين سنة الفجر وفرضه لذلك، أو لأمره صلى الله عليه وسلم بها كما رواه أبو داود (2) وغيره بسند لا بأس به خلافًا لمن نازع فيها، وهو صريح في ندبها لمن بالمسجد وغيره، خلافًا لمن خص ندبها بالبيت وقول ابن عمر: إنها بدعة، وقول النخعي: إنها ضجعة الشيطان، وإنكار ابن مسعود لها، فهؤلاء لم يبلغهم ذلك، وقد أفرط ابن حزم في قوله بوجوبها، وأنها شرط لصحة الصبح. انتهى.
ولا يخفى أن عدم البلوغ إلى هؤلاء الأكابر، الذين بلغوا مبلغ الأعلى لا سيما ابن
(245) إسناده صحيح.
(1)
أخرجه: البخاري (600)، ومسلم (736).
(2)
أبو داود (2/ 39).