الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال محمد: أي: ابن الحسن الشيباني: وقد جاء هذا الحديث بانفراده، وجاء غيره، أي: كثيرًا على خلافه، وأحبّ إلينا أن يصلي على راحلته (ق 256) تطَوُّعًا ما بَدَا لَهُ، أي: للتسامح في أمر النوافل، فإذا بلغ الوتر أي: نويته أو وقته نزل أي: عن ظهر الدابة فأوتر، أي: صلى الوتر على الأرض، أي: وجوبًا عند أبي حنيفة، واحتياطًا عند صاحبيه، وهو أي: القول بالنزول للوتر قول عمر بن الخطاب، أي: في رواية عنه لما سبق، وقولُ أبي حنيفة والعامة من فقهائنا، أي: من أتباعه، كذا قاله علي القاري.
لما فرغ من بيان حكم صلاة الوتر على الدابة، شرع في بيان تأخير صلاة الوتر، فقال: هذا
* * *
باب تأخير الوتر
أي: باب في بيان حكم تأخير صلاة الوتر إلى طلوع الفجر.
253 -
أخبرنا مالك، أخبرنا عبد الرحمن بن القاسم، أنه سمع عبد الله بن عامر بن ربيعة يقول: إنِّي لأوتر وأنا أسمع الإِقامة - أو بعد الفجر - يشكّ عبد الرحمن أيَّ ذلك.
• أخبرنا مالك، أي: ابن أنس بن عمير بن أبي عامر الأصبحي، الإِمام، من أتباع التابعين في الطبقة السابعة من أهل المدينة، وفي نسخة: محمد قال: ثنا، رمزًا إلى حدثنا، أخبرنا عبد الرحمن بن القاسم، أي: ابن محمد بن أبي بكر الصديق، رضي الله عنه، كان في الطبقة الثانية من أهل المدينة، وفي نسخة: ثنا، أنه أي: عبد الرحمن بن القاسم سمع عبد الله بن عامر بن ربيعة وكان عبد الله تابعي جليل القدر، وأبوه حليف بني عدي، يكنى أبا محمد المدني، ولد على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ووثقه العجلي، ومات سنة بضع وثمانين، كذا قاله ابن حجر (1) عامر بن ربيعة، يكنى أبا عبد الله العنبري، هاجر
(253) إسناده صحيح.
(1)
في التقريب (1/ 349).
الهجرتين، وشهد بدرًا والمشاهد كلها، وكان أسلم قديمًا، يقول: إنِّي لأوتر أي: أصلي الوتر أحيانًا وأنا أسمع الإِقامة أي: إقامة صلاة الصبح للجماعة، أو بعد الفجر أي: بعد تحقق انشقاقه، شكّ عبد الرحمن أيَّ ذلك الشك، أو فأي بفتح الهمزة، وتشديد التحتية المفتوحة نصب على أنه مقدم لقوله:"قال"، وليحيى:"لا وتر بعد الفجر من غير شك".
* * *
254 -
أخبرنا مالك، عن عبد الرحمن بن القاسم، أنه سمع أباه يقول: إني لأوتر بعد الفجر.
• أخبرنا مالك، وفي نسخة: محمد قال: ثنا، رمزًا إلى حدثنا، عن عبد الرحمن أي: ابن القاسم، أنه سمع أباه أي: القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق رضي الله عنه، يقول: إني لأوتر بعد الفجر، أي: من غير شك في هذه الرواية، وليس المعنى أن معنى الفجر وقت أداء الوتر، بل كان يصلي قضاء له مراعاة للترتيب الواجب عندنا المستحب عند غيرنا؛ وذلك لأن وقت العشاء والوتر واحد، لما روى أبو داود (1)، والترمذي (2)، وابن ماجه (3)، عن خارجة بن حذافة، قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "إن الله أعزكم بصلاة هي خير لكم من حمر النعم، وهي الوتر، فجعلها لكم بين العشاء إلى طلوع الفجر".
* * *
255 -
أخبرنا مالك، أخبرنا هشام بن عُرْوَة، عن أبيه، عن ابن مسعود أنه كان يقول: لا أبَالِي لو أقيمت الصبح وأنا أوتر.
(254) إسناده صحيح.
(1)
أبو داود (1418).
(2)
الترمذي (452).
(3)
ابن ماجه (1168).
(255)
إسناده صحيح.
• أخبرنا مالك، وفي نسخة: بنا، رمزًا إلى أخبرنا، وفي نسخة أخرى: محمد قال: ثنا، رمزًا إلى حدثنا، أخبرنا هشام بن عُرْوَة، عن أبيه، أي: عروة بن الزبير بن العوام، كان في الطبقة الثانية من أهل المدينة، ومن التابعين. وقد مرّ بيان منقبته في باب قصر الصلاة في السفر، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، أنه كان يقول: لا أبَالِي لو أقيمت الصبح، وفي نسخة: لو أقيمت الصلاة وأنا أوتر، جملة حالية، والمعنى: إذا وقع ابتداء الوتر قبل طلوع الفجر، فلا أتركه بل أتمه فإنه يقع أداءً على أنه يصح الأداء بنية القضاء وبالعكس، لا سيما في الغرض العملي.
* * *
256 -
أخبرنا مالك، أخبرنا عبد الكريم بن أبي المُخَارِق، عن سعيد بن جُبَيْر، عن ابن عباس؛ أنه رَقَدَ ثم استيقظ، فقال لخادمه: انظر ماذا صنع الناس - وقد ذهب بصره - فذهب ثم رجع؛ فقال: قد انصرف الناس من الصبح، فقام ابن عباس فأوتر، ثم صلى الصبح.
• أخبرنا مالك، وفي نسخة: بنا، رمزًا إلى أخبرنا، وفي نسخة أخرى: محمد قال: ثنا، رمزًا إلى حدثنا، أخبرنا عبد الكريم بن أبي المُخَارِق، بضم الميم وبالخاء المعجمة فألف فراء فقاف، أبو أمية المعلم البصري، وهي في الإِقليم الثالث من الأقاليم السبعة، من الطبقة السادسة من أهل مكة، فإن عبد الكريم نزل مكة، وبها لقيه مالك، واسم أبيه قيس، وقيل: طارق وأنه مات سنة ست أو سبع وعشرين ومائة.
وروى البخاري من رواية سفيان عن عبد الكريم هذا في الذكر عند القيام من الليل، وروى له مسلم في مقدمة صحيحه، وأخرج له أصحاب السنن، إلا أن النسائي إنما روى له قليلًا، كما قال الزرقاني، عن سعيد بن جُبَيْر، الأسدي، مولاهم، الكوفي، وهي في الإِقليم الثالث من الأقاليم السبعة، ثقة، فقيه، تابعي في الطبقة الثانية من أهل الكوفة، روايته عن عائشة وأبي موسى الأشعري ونحوهما مرسلة، وهو ابن سبع وخمسين، وقيل: تسع وأربعين، قتل بين يدي الحجاج بن يوسف، وسبب قتله بين يديه روى أنه قال
(256) إسناده ضعيف، فيه عبد الكريم بن أبي المخارق، ضعفه الحافظ في التقريب (1/ 361).
له: ما سمعت ما قال الله في سورة المطففين: {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ (1) الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ (2) وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ} [المطففين: 1 - 3]، أي: ينقصون شيئًا حقيرًا من حقوق الناس، أراد تعالى هذا الوعيد للتجار، وقصد المطففين بما يفعلون الوعيد الأعظم الذي سمعت به فما ظنك بنفسك، وأنت تأخذ أموال الناس بلا كيل، وتقتلهم، هلا تخاف يومًا يقوم الناس لرب العالمين، فقتله سنة خمس وتسعين، ثم مات الحجاج، فرآه رجل في منامه فسأله عن حاله، وأجاب قال: إني قد قبضت روحي على الإِيمان، والحمد لله الملك المنان، ولكن قتلوني مرة لأجل كل رجل قتلته، وقتلوني سبعين مرة بسبب قتل سعيد بن جبير، فالآن أنا مترقب إلى عفوه تعالى، فعلم عن هذا كرامة سعيد بن جبير عند ربه، وذلك إذا قام كأنه وتد، وكان يبكي الليل حتى غشي عليه، وسمع يردد هذه الآية بضعًا وعشرين مرة:{وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ} [البقرة: 281]، وكان يختم في كل ليلتين، وكان يخرج في كل سنة مرتين: مرة للحج، ومرة للعمرة، قال: لدغتني عقرب، فأقسمت أمي عليَّ أن أسترقي فأعطيت الراقي يدي التي لم تُلدغ، وكرهتُ أن أحنثها، وكان له ديك يقوم من الليل بصياحه، فلم يصح ليلة حتى أصبح، فلم يصل تلك الليلة، فشق عليه، فقال: ما له قطع الله صوته، فلم يُسمع له صوت بعدها، فقالت له أمه: يا بني لا تدع على شيء بعدها، قال: إن الخشية أن تخشى الله، حتى تحول خشيتك بينك وبين معصيتك، فتلك الخشية، والذكر طاعة الله، فمن أطاع الله فقد ذكره، ومن لم يطعه فليس بذاكر.
قال معاوية بن إسحاق: لقيته فرأيته ثقيل اللسان، فقلت له في ذلك، فقال: قرأتُ القرآن البارحة مرتين ونصفه وقرأ القرآن في ركعة في الكعبة، وقرأ في الثانية (ق 258) بـ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} ، وطلع عليه ابنه عبد الله، وكان به من الفقه، فقال: إني لأعلم خير حاله، قيل: وما هي: قال: أن تموت فأحتسبه، وقيل: من أعبد الناس؟ قال: رجل اجترع من الذنوب، فكلما ذكر ذنوبه احتقر عمله.
ولما أخذه الحجاج قال: لا أرى إلا مقتولًا وسأجزكم كنت وصاحبان لي دعونا حين وجدنا حلاوة الذكر، ثم سأل الله الشهادة فكلا صاحباي رزقنا، وإني أنتظرها، فكأنه رأى أن الإِجابة عند حلاوة الدعاء، ودعا ابنه ليقتل فجعل ابنه يبكي، فقال لابنه: ما يبكيك ما بقاء أبيك بعد سبع وخمسين سنة، ولما أَتى به الحجاج قال: أنت الشقي بن
كسير، قال: بل أنا سعيد بن جبير، قال: بل الشقي بن كسير، قال: كانت أمي أعرف باسمي، قال: ما تقول في محمد، يعني النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم، خير ولد بني آدم عليه السلام، المصطفى خير من بقي، وخير من مضى، قال: فما تقول في أبي بكر؟ قال: الصديق، خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورضي الله عنه ثاني اثنين أعز الله به الدين، وجمع به الفرقة، ومضى حميدًا، وعاش سعيدًا، ومضى على منهاج نبيه صلى الله عليه وسلم، قال: فما تقول في حق عمر؟ قال: الفاروق، خيرة الله، وخيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، مضى حميدًا، وعاش سعيدًا، ومضى على منهاج صاحبيه، قال: فما تقول في عثمان بن عفان؟ قال: المقتول ظلمًا، قال: فما تقول في علي؟ قال: ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم وأول من أسلم، زوج فاطمة، وأبو الحسن والحسين، قال: فما تقول في حقي؟ قال: أنت أعلم بنفسك، قال: بث بعلمك، قال: اعفني، قال: لا عفى الله عني إن أعفيتك، قال سعيد بن جبير للحجاج: إني أعلم أنك مخالف لكتاب الله، ترى من نفسك أمورًا تريد بها الهيبة وهي تقحمك الهلاك، قال: أما والله لأقتلنك قتلة لم أقتلها أحد قبلك، ولا أقتل أحد بعدك، قال: إذن تفسد عليَّ دنياي، وأفسد عليك آخرتك، فأمر الحجاج لغلام بقتله، فضحك سعيد بن جبير، فقال له: فماذا أضحكك عند القتل، قال: من جرأتك على الله، ومن حلم الله عنك، فقال: يا غلام اقتله، فذبحه من قفاه، فلما أبين رأسه الشريف، قال: لا إله إلا الله ثلاثًا، فبلغ ذلك الحسن البصري رحمه الله، فقال: اللهم قاصم الجبابرة، اقصم الحجاج، فما بقي إلا ثلاثة أيام، حتى وقع في جوفة الدود فمات، وكان الحجاج يقول: ما لي ولسعيد بن جبير، وكلما أردتُ النوم أخذ برجلي، ولقد مات سعيد بن جبير وما على الأرض أحد إلا ويحتاج إلى علمه، كذا قاله عبد الرحمن بن الجوزي من علماء الحنبلية في (طبقاته). عن ابن عباس؛ رضي الله عنهما أنه رَقَدَ أي: نام ليلة قبل أداء الوتر، ثم استيقظ أي: من نومه، فقال لخادمه: أي: لم يسم انظر ماذا صنع الناس أي: هل صلوا صلاة الفجر أم لا؟ وقد ذهب بصره، أي: والحال يومئذٍ زال نور عينيه، ولم يدرك أثر الصبح، فذهب أي: الخادم، ثم رجع؛ فقال: قد انصرف الناس من الصبح، أي: من صلاته أو من المسجد، فقام ابن عباس فأوتر، أي: أولًا قضاء، ثم صلى الصبح، ففي هذا أن الوتر يصلى بعد طلوع الفجر (ق 259) ما لم يصل الصبح رعاية للترتيب.
* * *
257 -
أخبرنا مالك، أخبرنا يحيى بن سعيد، أن عُبَادَة بن الصَّامِت كان يؤمّ قومًا، فخرج يومًا للصبح، فأقام المؤذِّن الصلاة، فأسكته حتى أوتر ثم صلي بهم.
قال محمد: أحبّ إلينا أن يُوتِرَ قبل أن يطلع الفجر، ولا يؤخره إلى طلوعه. فإن طلع قبل أن يُوتِر فَلْيُوتِرْ ولا يتعمد ذلك، وهو قولُ أبي حنيفة.
• أخبرنا مالك، وفي نسخة: محمد قال: ثنا، رمزًا إلى حدثنا، وفي نسخة أخرى: بنا، رمزًا إلى أخبرنا، أخبرنا يحيى بن سعيد، أي: ابن قيس الأنصاري المدني، أبو سعيد القاضي، ثقة، ثبت في الطبقة الخامسة، مات سنة أربع وأربعين، أو بعدها، كذا قاله ابن حجر (1)، أن عُبَادَة بن الصَّامِت رضي الله عنه بضم العين، وتخفيف الموحدة، وهو أبو الوليد الأنصاري، كان نقيبًا وشهد العقبة الأولى والثانية والثالثة، وشهد بدرًا والمشاهد كلها، ثم وجهه عمر إلى الشام قاضيًا ومعلمًا، فأقام بحمص ثم انتقل إلى فلسطين، ومات بها في الرملة، وقيل: ببيت المقدس سنة أربع وثلاثين، روى عنه جماعة من الصحابة والتابعين، كان يؤمّ قومًا، فخرج يومًا للصبح، أي: لملاقه فأقام المؤذِّن الصلاة، أي: صلاة الصبح كما في (الموطأ) لمالك فأسكته أي: عبادة بن الصامت، جعل المؤذن ساكنًا حتى أوتر ثم صلي بهم الصبح، كذا في نسخة، فكأنه تذكر به بعد خروجه، وأراد الترتيب حال القضاء في وقوعه.
قال مالك: وإنما يوتر بعد الفجر من نام عن الوتر، فلا ينبغي لأحد أن يعتمد لذلك حتى يقع وتره بعد الفجر، يعني: يكره له ذلك، وفي صحيح ابن خزيمة عن أبي سعيد مرفوعًا:"من أدرك الصبح ولم يوتر فلا وتر له"، وهذا محمول على المعتمد أي: لا وتر له كاملًا لتفويته وقته الاختياري حتى أوقعه في الضروري، لما رواه أبو داود عن أبي سعيد أيضًا مرفوعًا:"من نسي الوتر أو نام عنه فليصله إذا ذكره ما لم يصل الصبح"، وشذت طائفة منهم طاوس فقالوا: يقض بعد طلوع الشمس.
(257) إسناده صحيح.
(1)
التقريب (1/ 591).