الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بالمنام فقط، كما في (عيون التفاسير) للشيخ شهاب الدين أحمد بن محمود السيد آسي: أول من أذن للصلاة جبريل في السماء الدنيا، فسمعه عمر وبلال، فسبق عمر بلالًا فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم، ثم جاء بلال فقال له:"سبقك بها عمر"، كذا قاله الزرقاني (1).
لما فرغ من بيان ثبوت الأذان ومشروعيته، شرع في بيان فضل المشي إلى الصلاة والمساجد، فقال: هذا.
* * *
باب في بيان فضل المشي إلى الصلاة وفضل المساجد
أي: مواضع الصلاة، والأذكار، وإنما فسرنا المساجد بمواضعها، على أن الألف واللام للاستغراق. لما روى البخاري مسلم (2): عن أبي هريرة رضي الله عنه، أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أحبُ البلاد إلى الله المساجد، وأبغض البلاد إلى الله الأسواق"، فالمراد من البلاد: مأوى الإِنسان، ومن المساجد: موضع الصلاة والذكر.
ومن حب الله تعالى المساجد إرادة الخير لأهلها، ومن بغضه تعالى بالأسواق عدم إرادة الخير لأهلها؛ لأن السوق موضع الغفلة عن ذكر الله، والطمع والحرص والخيانة.
هذا خلاصة ما قاله ابن الملك في شرح هذا الحديث في باب الأذان من (المصابيح): استنبط المصنف ترجمة باب المقدم عند قوله تعالى في سورة الجمعة: {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ} [الجمعة: 9]، وترجمة هذا الباب عند قوله تعالى:{فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الجمعة: 9].
وعبر الذهاب إلى الصلاة بالمشي؛ لبيان أفضلية المشي، وإلا فالمراد الإِتيان إلى أداء الصلاة بالجماعة في المسجد، ولو ركوبًا.
(1) انظر: شرح الزرقاني (1/ 198).
(2)
أخرجه: مسلم (671)، وابن حبان (1600)، وابن خزيمة (1293)، والبيهقي في الكبرى (5088).
93 -
أخبرنا مالك، حدثنا العَلَاءُ بن عبد الرحمن بن يعقوب، عن أبيه وإسحاق بن عبد الله، أنهما سمعا أبا هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا ثُوِّبَ بالصلاة فلا تأتوها وأنتم تسْعَوْنَ وَأتُوهَا وعليكم بالسكينةُ، فما أدركتم فصلُّوا وما فاتكم فأتِمُّوا، فإنَّ أحَدَكم في صلاة ما كان يَعْمِدُ إلى الصلاة".
قال محمد: لا تعجَلَنَّ بركُوع ولا افتتاح حتى تصِلَ إلى الصَّفَّ وتقومَ فيه، وهو قولُ أبي حنيفة.
• أخبرنا، وفي نسخة: محمد قال: ثنا، رمزًا إلى حدثنا، وفي نسخة أخرى: محمد أخبرنا، وفي نسخة محمد ثنا رمزًا إلى حدثنا مالك، ثنا، أي: حدثنا، وفي نسخة قال: حدثنا عَلَاءُ بن عبد الرحمن بن يعقوب، المدني، وفي نسخة: العلاء بالألف واللام، كما في نسخ (الموطأ) لمالك، عن أبيه، وهو تابعي كابنه، وإسحاق بن عبد الله، كذا في نسخة، وكما في نسخة (الموطأ)(ق 97) لمالك تحويلًا للسند تقوية للحديث، أنه، أي: عبد الرحمن بن يعقوب سمع أبا هريرة رضي الله عنه، أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا ثُوِّبَ بضم المثلثة وتشديد الواو المكسورة، أي: أقيمت بالصلاة مرفوع على أنه نائب فاعل لثوب، فالباء زائدة، كما قاله ابن هشام في (مغني اللبيب)(1)، زيادة الباء واجبة في الفاعل. انتهى.
وقال تعالى في سورة الفتح: {وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا} [الفتح: 28]، أي: كفى بالله، ويؤيدها ما رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة بلفظ:"إذا أقيمت الصلاة"، بترك الباء، وسمى الإِقامة تثويبًا؛ لأنها دعاء إِلى الصلاة بعد الدعاء بالأذان، من ثاب إذا رجع، فلا تأتوها، أي: لا تحضروها وأنتم تسْعَوْنَ، أي: حالكم تسرعونها، وهو حال من فاعل فلا تؤتوها، والنهي عن الإِسراع إليها؛ لأنه يحصل به الخشوع عند الشروع بها، وهو المقصود.
(93) أخرجه: مسلم (602)، وأحمد (9230)، ومالك (150)، وابن حبان (2148)، والطبراني في الأوسط (952)، وأبو يعلى (6497)، وأبو نعيم في الحلية (6/ 274)، والبيهقي في الكبرى (3723)، وأبو عوانة (1273).
(1)
انظر: مغني اللبيب (ص 144).
قال تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ} [المؤمنون: 1، 2]، وَأتُوهَا، أي: واحضروا إلى الصلاة وعليكم السكينةُ، ضبطه القرطبي بالنصب على الإِعراب، والنووي: بالرفع على أنها جملة في موضع الحال، وزاد غيره: أو السكينة مبتدأ، وعليكم خبره.
وذكر الحافظ العراقي في (شرح الترمذي): المشهور في الرواية.
ووقع في رواية الحافظ أبي ذر الهروي للبخاري، بالسكينة، بالباء، واستشكل بأنه متعدٍ بنفسه: عليكم أنفسكم، وفيه نظر الثبوت زيادتها في أحاديث صحيحة، كحديث:"عليكم برخصة الله"(1)، وحديث:"وعليكم بالصوم فإنه وجاء"(2)، وحديث:"عليك بالمرأة"(3) قاله لأبي طلحة في قصة صفية، وحديث:"عليكم بقيام الليل"(4)، وحديث:"بخويصة نفسك"(5)، وغير ذلك، وتعليل هذا المعترض لا يوافي بمقصوده، أن لا يلزم من تعديه بنفسه امتناع تعديه بالياء إذا ثبت ذلك، فيدل على أن فيه لغتين، كذا قاله الزرقاني (6).
(1) أخرجه: مسلم (1115)، والنسائي في المجتبى (2259)، والنسائي في الكبرى (2566)(2568)، وابن حبان (355).
(2)
أخرجه: البخاري (1806)، ومسلم (1400).
(3)
أخرجه: البخاري (2919).
(4)
أخرجه: البخاري (3549) عن بلال، وابن خزيمة (1135)، والحاكم (1156)، والطبراني في الأوسط (3265) عن أبي أمامة، والبيهقي في الكبرى (4753) عن أبي أمامة، (4754)، والشعب (3087) عن بلال (3089) عن سلمان.
وقال الترمذي: هذا حديث غريب لا نعرفه من حديث بلال إلا من هذا الوجه من قبل إسناده، قال: سمعتُ محمد بن إسماعيل يقول: محمد القرشي هو محمد بن سعيد الشامي، وهو ابن أبي قيس، وهو ابن حسان، وقد ترك حديثه.
(5)
أخرجه: أبو داود (4341)، والترمذي (3058)، وابن ماجه (4041)، وابن حبان (385)، والحاكم (7912)، والطبراني في الكبير (22/ 220)، حديث (587)، والبيهقي في الكبرى (20773)، والشعب (7553).
وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب.
(6)
انظر: شرح الزرقاني (1/ 205).
والمقصود بالسكينة السكون والوقار، وإذا نهى عن إتيانها سعيًا في حال الإِقامة، مع خوف فوت بعضها، فقيل: الإِقامة الأولى، ثم أكده بقوله فيما أي: في فعل الذي، فالفاء جواب شرط محذوف، وما يحدث عن العمل بقرينة لفظ تَسْعَوْنَ نحو:{وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} [النجم: 39]، تقديره: إذا فعلتم ما أمِرتم به من السكينة، فما أدركتم به من الصلاة مع الإِمام فملُّوا إياها معه، وما، أي: الفعل الذي فاتكم منها معه: فأتِمُّوا، أي: أكملوا بعد سلام الإِمام، وفي نسخة: فاقضوا؛ لأن القضاء، وإن كان يطلق على الغائب - غالبًا - لكنه يطلق على الأداء أيضًا، ويرد بمعنى الفراغ، كقوله تعالى في سورة الجمعة:{فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ} [الجمعة: 10].
وعنه يكون قاضيًا فيهما، وبه قال أبو حنيفة، وفي هذا تنبيه لدفع توهم أن النهي؛ إنما هي لمن لم يخف فوات الصلاة، وطرح بالنهي وإن فات من الصلاة ما فات، وبين ما يفعل فيما فات بقوله: فما. . . إلخ.
قال ابن عبد البر (1): الواجب؛ أي: المطلوب إتيان الصلاة بالسكينة، ولو خاف فواتها، لأمره صلى الله عليه وسلم وهو الحجة، خلافًا من جوز السعي لخوف الفوات، وقد أكَّد ذلك بيان العلة بقوله: فإنَّ أحَدَكم في صلاة أي: حكمًا، ما كان أي: مدة كونه يَعْمِدُ بكسر الميم، أي: يقصد إلى الصلاة؛ فإن الأعمال بالنيات، ونية المؤمن خيرٌ من عمله.
قال محمد: لا تعجَلَنَّ أي: يا مخاطب، البتة البتة بركُوع ولا افتتاح، أي: بنية مع (ق 98) تكبير حتى تصِلَ إلى الصَّفِّ، أي: يسعك وتقومَ فيه مطمئنًا، وهو قولُ أبي حنيفة رحمه الله. وقد ورد:"إذا سمعتَ النداء فأجب، وعليك السكينة، فإن أصبتَ فُرجة، وإلا فلا تضيق على أخيك، واقرأ ما تسمع أذنك، ولا تؤذي جارك، وصل صلاة مودع"(2) رواه أبو نصر السجزي في (أماليه) وابن عساكر عن أنس بن مالك رضي الله عنه.
* * *
(1) انظر: التمهيد (6/ 415).
(2)
أخرجه: أبو نعيم في الحلية (6/ 307)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (21/ 171)، وحسنه السخاوي في المقاصد.
94 -
أخبرنا مالك، حدثنا نافع، أن ابن عمر سمع الإِقامةَ وهو بالبَقِيع فأسرعَ المشيَ.
قال محمد: وهذا لا بأس به، ما لم يُجْهِدْ نَفْسَه.
• أخبرنا، وفي نسخة محمد: قال: ثنا، رمزًا إلى حدثنا، وفي أخرى: محمد أخبرنا مالك، حدثنا، وفي نسخة قال: ثنا، رمزًا إلى حدثنا نافع، أن ابن عمر رضي الله عنهما، أنه سمع الإِقامةَ أي: بأحد المساجد حواليه، ولا يبعد أن يكون مسجد المدينة، وهو أي: والحال أن ابن عمر كان بالبَقِيع وهو مقابر المدينة، فأسرعَ المشيَ، أي: إلى المسجد، كذا في (الموطأ) لمالك، يعني: جواز إسراع المشي إلى المسجد بدون جري؛ لأن الإِسراع المنهي عنه بقوله صلى الله عليه وسلم فلا تأتوها وأنتم تسعون، هو الجري، لأنه ينافي الوقار المشروع في الصلاة في قصدها، وأما ما لا ينافي الوقار فجائز، وكذا قول مالك بجواز تحريك الفرس، لمن سمع الأذان، ليدرك الصلاة، يريد تحريكه للإِسراع في المشي دون جري ولا خروج عن حد الوقار، كما قاله الباجي من علماء المالكية.
وقال ابن عبد البر (1): الواجب أن يأتي الصلاة بالسكينة، خاف فوتها أو لم يخف. انتهى بقول الفقير؛ لأن الأمر والنهي إذا كانا في حكم يرجح النهي عن الأمر، كما قاله الأصوليون.
قال محمد: وهذا - أي: الإِسراع في المشي - إلى الصلاة، لا بأس به، أي: لا كراهة ما لم يُجْهِدْ من الإِجهاد، أي: ما لم يتعب نَفْسَه، أي: بهذا الإِسراع.
* * *
(94) أخرجه: مالك (154)، والشافعي في الأم (7/ 250)، وابن حجر في سلسلة الذهب (74)، وابن أبي شيبة (2/ 253)، وعبد الرزاق في مصنفه (3411)، والخطيب في الكفاية (273).
(1)
انظر: التمهيد (20/ 233).
95 -
أخبرنا مالك، أخبرنا سُمَيٌّ: أنه سمع أبا بكر: يعني ابن عبد الرحمن يقولى: مَنْ غَدَا أو رَاحَ إلى المسجد لا يريد غَيْرَهُ، لِيَتَعَلَّمَ خَيْرًا أو يُعَلِّمَه، ثم رجع إلى بيته الذي خرج منه، كان كالمجاهد في سبيل الله، رجع غانمًا.
• أخبرنا، وفي نسخة: محمد قال: ثنا، رمزًا إلى حدثنا، وفي نسخة أخرى: محمد أخبرنا مالك، وفي نسخة قال: ثنا رمزًا إلى حدثنا، وفي نسخة أخرى: قال: أخبرني، بالإِفراد، سُمَيٌّ بضم سين مهملة، وفتح ميم، وتشديد ياء، أنه، أي: سُميّا سمع أبا بكر، يعني: أي: يريد سمي بن أبي بكر بن عبد الرحمن، وهو المخزومي، اسمه كنيته، تابعي سمع: عائشة وأبا هريرة، وروى عنه الشعبي والزهري (1)، يقول: مَن غَدَا أي: ذهب في أول النهار، أو رَاحَ أي: ذهب في آخر النهار إلى المسجد أي: إلى مسجد من المساجد، وأو هنا للتنويع لا للشك، وفيه لطيف ويوسعه كما لا يخفى، وإشارة إلى تفسير قوله تعالى:{وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَى} الآية [طه: 130]، لا يريد غَيْرَهُ، أي: غير المسجد، وما يتعلق به من العبادة، دون غرض فاسد، وعمل كابد، بل ابتغاء لوجه ربه، لِيَتَعَلَّمَ خَيْرًا، أي: أنواع الخير من العلم والعمل والاعتكاف، والتنوين في لفظ خير للتنويع كالتنويع في علمًا في سورة النمل:{وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا} [النمل: 15]، أو يُعَلِّمَه، أي: خيرًا غيره، فيصير كاملًا، أو كلا كلمة "أو" هنا بمعنى الواو كما في سورة آل عمران:{لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ} [آل عمران: 128]، وفيه إشارة إلى قوله صلى الله عليه وسلم:"لا يؤمن عبدٌ حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه"(2)، رواه (ق 99) الشيخان عن أنس، رضي الله عنه، ثم، أي: بعد التعلم والتعليم لغيره ما يحتاج إليه من أمر دينه، رجع عن المسجد إلى بيته الذي خرج منه، يحصل ما يحتاج إليه، كان أي: ذلك المدة، كالمجاهد في سبيل الله، رجع من غزاته غانمًا، أي: من الثواب وابتغاء مرضاة الله تعالى.
(95) أخرجه: مالك (371).
(1)
تقدم.
(2)
أخرجه: البخاري (13)، ومسلم (45)، من حديث أنس.