الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وذكر ابن أبي العوام الحافظ بسنده: أن مالك بن أنس قال يومًا وعنده أصحاب الحديث: "ما يأتينا من ناحية المشرق أحد فيه معنى"، وكان في الجماعة محمد بن الحسن، فوقعت عينه عليه فقال: إلا هذا الفتى. ا. هـ.
وأنت تعلم أنه أتاه ابن المبارك، ووكيع، وعبد الرحمن بن مهدي، وهو فضله بهذا اللفظ عليهم، وذكر بسنده: أن الشافعي قال: "ما رأيتُ أعلم بكتاب الله عز وجل من محمد بن الحسن كأنه عليه نزل".
تصانيف الإمام محمد بن الحسن:
لم يصل إلينا من أي عالم في طبقته كتب في الفقه قدر ما وصل إلينا من محمد بن الحسن، بل كتبه هي العماد للكتب المدونة في فقه المذاهب، فكم رأينا بين المحاميين الباحثين فضلًا عن قضاة الشرع الفقهاء من يرغب رغبة صادقة في نشر كتب محمد بن الحسن اعترافًا منهم بأن كتبه هي أسس الكتب المدونة في فقه المذاهب، ولا يخفى مبلغ استمداد الكتب المدونة في المذاهب من كتب محمد بن الحسن، فـ (الأسدية) التي هي أصل (المدونة في مذهب مالك) إنما أُلِّفَت تحت ضوء كتب محمد والشافعي، إنما ألف (قديمه) و (جديده) بعد أن تفقه على محمد وكتب كتبه وحفظ منها ما حفظ، وابن حنبل كان يجاوب في المسائل من كتب محمد، وهكذا من بعدهم من الفقهاء، فأكبر ما وصل إلينا من كتبه هو كتاب الأصل المعروف بـ (المبسوط)، وهو الذي يُقال عنه أن الشافعي كان حفظه، وألَّف (الأم) محاكاة الأصل، وأسلم حكيم من أهل الكتاب بسبب مطالعته قائلًا:"هذا كتاب محمدكم الأصغر، فكيف كتاب محمدكم الأكبر؟) "، وهو في ستة مجلدات، كل مجلد منها نحو خمسمائة ورقة يرويه جماعة من أصحابه، مثل: أبي سليمان الجوزجاني، ومحمد بن سلمة التميمي، ومحمد بن سماعة، وأبو حفص الكبير أحمد بن حفص البخاري، وقد قدر الله سبحانه ذيوعًا عظيمًا لهذا الكتاب يحتوي على فروع تبلغ عشرات الألوف من المسائل في الحلال والحرام لا يسع الناس جهلها، وتوجد عدة نسخ كاملة منه في خزانات الأستانة، منها ما هو في ستة
مجلدات وهي نسخة فيض الله، ومنها ما هو في أربعة مجلدات، وهي نسخ مكتبات عاطف وجار الله.
ومما وصل إلينا من كتبه (الجامع الصغير)، وهو كتاب مبارك، مشتمل على نحو ألف وخمسمائة واثنتين وثلاثين مسألة، قد ذكر فيه الاختلاف في مائة وسبعين مسألة، ولم يذكر القياس والاستحسان إلا في مسألتين، وقدر الله سبحانه الذيوع البالغ له أيضًا حتى شرحه أئمة أجلاء استقصى الشيخ عبد الحي اللكنوي في (النافع الكبير لمن يطالع الجامع الصغير)، ذكر شراحه، ومن جملة رواته في إثبات الشيوخ: الجوزجاني، وأبو حفص، وعلي بن معبد، وبوبه: أبو طاهر الدباس، والزعفراني، وليس فيه غير سرد المسائل.
وكان سبب تأليفه: أن أبا يوسف طلب من محمد بعد فراغه من تأليف (المبسوط) أن يؤلف كتابًا يجمع فيه ما حفظه عنه مما رواه له عن أبي حنيفة، فجمع هذا الكتاب، ثم عرضه فقال: نعما حفظ عني أبو عبد الله إلا أنه أخطأ في ثلاث مسائل، فقال محمد: ما أخطأت ولكن نسي الرواية، ويقال: إن أبا يوسف مع جلالة قدره كان لا يفارق هذا الكتاب في حضر ولا سفر.
ومن كتب محمد أيضًا: (السير الصغير): يرويه عن أبي حنيفة، وحاول الأوزاعي الرد على أبي حنيفة فجاوبه أبو يوسف، وكتابه هذا أصل (للسير الصغير)، ومنها:(الجامع الكبير)، وهو كتاب جامع لجلائل السائل، مشتمل على عيون الروايات ومتون الدرايات بحيث كاد أن يكون معجزًا كما يقول الأكمل في شرحه على تلخيص الخلاطي لـ (الجامع الكبير)، وقال الإِمام المجتهد أبو بكر الرازي في شرحه على (الجامع الكبير): كنتُ أقرأ بعض مسائل الجامع الكبير على بعض المبرزين في النحو، يعني أبا علي الفارسي، فكان يتعجب من تغلغل واضح في هذا الكتاب في النحو، وقد أقر جماهير أهل العلم باستبحار واضعه في العربية، وبأنه حجة في اللغة، كما أنه حجة في الفقه، وقد أقر بذلك ابن تيمية في مواضع على انحرافه من أهل الرأي، وقد شرح هذا الكتاب عشرات من الأئمة.
ومنها (الزيادات) و (زيادات الزيادات): ألفهما بعد (الجامع الكبير) استدراكًا لما فاته فيه من المسائل، ويعدان من أبدع ما كتبه، وقد اعتنى أهل العلم بشرحهما، ويقال في سبب تأليفه للزيادات: أن أبا يوسف فرع فروعًا دقيقة في أحد مجالس إملائه، ثم قال: يشق تفريع هذه الفروع على محمد بن الحسن، ولما بلغه ذلك ألَّف الزيادات لتكون حجة على أن أمثال تلك الفروع وما هو أدق منها لا يشق عليه تفريعها، والله أعلم.
ومنها (السير الكبير) وهو من أواخر مؤلفاته، ألَّفه محمد بعد أن انصرف أبو حفص الكبير إلى بخارى فانحصرت روايته في البغداديين مثل: الجوزجاني، وإسماعيل بن توبة القزويني.
وتلك الكتب الستة - أعني المبسوط، والصغيرين، والكبيرين، والزيادات - يعد ما حوته من الروايات ظاهر الرواية في المذهب، من حيث إنها مروية بطريق الشهرة أو التواتر، ويعد باقي كتب محمد في الفقه غير ظاهر الرواية لورودها بطريق الآحاد دون الشهرة والتواتر، فمنها (الرقيات): وهي المسائل التي فرغها محمد حيثما كان قاضيًا بالرقة، رواها عنه محمد بن سماعة، ومنها (الكيسانيات): رواها عنه شعيب بن سليمان الكيساني، ويقال لها:(الأمالي)، ومنها (الجرجانيات): يرويها علي بن محمد الجرجاني عنه، ومنها:(الهارونيات)، وله كتاب (النوادر): رواية ابن رستم، وآخر رواية ابن سماعة، وآخر رواية هشام بن عبيد الله الرازي، وآخر رواية أبي سليمان الجوزجاني، وآخر رواية داود بن رشيد، وآخر رواية علي بن يزيد الطبري، وله كتاب:(الكسب) مات قبل أن يتمه، وشرحه السرخسي فى آخر (مبسوطه).
وأما التي تغلب فيها رواية الحديث من كتبه، فبين أيدينا منها (الموطأ) تدوين محمد من روايته عن مالك، وفيه ما يزيد على ألف حديث وأثر من مرفوع وموقوف، ما رواه عن مالك، وفيه نحو (مائة وخمسة وسبعين حديثًا) عن نحو (أربعين) شيخًا سوى مالك، وشرحه علي القاري، والبيري شارح الأشباه،