المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب السهو في الصلاة - المهيأ في كشف أسرار الموطأ - جـ ١

[عثمان الكماخي]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة المحقق

- ‌موطأ محمد وما يمتاز به

- ‌ترجمة الشارح

- ‌من آثاره:

- ‌وفاته:

- ‌ترجمة محمد بن الحسن

- ‌شيوخه:

- ‌جملة من أصحابه وتلاميذه:

- ‌ثناء الأئمة على محمد:

- ‌تصانيف الإمام محمد بن الحسن:

- ‌وفاة الإمام محمد بن الحسن - رضى الله عنه

- ‌أبواب الصلاة

- ‌باب في بيان أحكام وقت الصلاة

- ‌باب ابتداء الوضوء

- ‌باب غسل اليدين في الوضوء

- ‌باب الوضوء في الاستنجاء

- ‌ باب الوضوء من مس الذكر

- ‌باب في بيان الأحاديث التي تدل على عدم لزوم الوضوء مما أي: من أجل أكل الطعام الذي غيرت، أي: مسته النار

- ‌باب في بيان حكم حال الرجل والمرأة يتوضآن من إناء واحد

- ‌باب في بيان الوضوء من الرُّعاف

- ‌باب في بيان الغسل، أي: غسل الثوب من بول الصبي

- ‌باب في الوضوء من المذي

- ‌باب في بيان عدم جواز الوضوء من ماء قليل يشرب منه السباع وتلغ فيه السباع

- ‌باب في بيان جواز الوضوء بماء البحر

- ‌باب في بيان أحكام المسح على الخفين

- ‌باب في بيان أحكام المسح على العمامة والخمار

- ‌باب في بيان أحكام الاغتسال من الجنابة

- ‌باب في بيان الأحكام التي تتعلق إلى الرجل الذي تصيبه الجنابة من الليل أي: بعض أجزاء الليل

- ‌باب في بيان أحكام الاغتسال يوم الجمعة

- ‌باب في بيان أحكام الاغتسال في يوم العيدين

- ‌باب في بيان أحكام التيمم بالصعيد

- ‌باب في بيان حكم حال الرجل الذي يصيب، أي: يقبل امرأته، وهي حائض

- ‌باب في بيان إذا التقى الختانان، هل يجب الغسل

- ‌باب في بيان حال الرجل ينام هل ينقض ذلك - أي: النوم - وضوءه؟ الرجل والمرأة في هذا الحكم سواء

- ‌باب المرأة ترى في منامها ما يرى الرجل

- ‌باب المستحاضة

- ‌باب المرأة ترى الصفرة أو الكدرة

- ‌باب المرأة تغسل بعض أعضاء الرجل وهي حائض

- ‌باب الرجل يغتسل ويتوضأ بسؤر المرأة

- ‌باب الوضوء بسؤر الهرة

- ‌باب في بيان أحكام الأذان والتثويب

- ‌باب في بيان فضل المشي إلى الصلاة وفضل المساجد

- ‌باب الرجل يصلي وقد أخذ المؤذن في الإقامة

- ‌باب تسوية الصفوف

- ‌باب افتتاح الصلاة

- ‌باب القراءة في الصلاة خلف الإمام

- ‌باب الرجل يسبق ببعض الصلاة

- ‌باب الرجل يقرأ بالسور في الركعة من الفريضة

- ‌باب الجهر بالقراءة في الصلاة وما يستحب من ذلك

- ‌باب التأمين في الصلاة

- ‌باب السهو في الصلاة

- ‌باب العبث بالحصا في الصلاة وما يكره من تسويته

- ‌باب التشهد فى الصلاة

- ‌باب السنة في السجود

- ‌باب الجلوس في الصلاة

- ‌باب صلاة القاعد

- ‌باب الصلاة في الثوب الواحد

- ‌باب صلاة الليل

- ‌باب الحدَثِ في الصلاة

- ‌باب فضل القرآن وما يُسْتَحَبُّ من ذكر الله عز وجل

- ‌باب الرجل يُسَلَّم عليه وهو يصلي

- ‌باب الرجلان يصليان جماعة

- ‌باب الصلاة في مَرَابِض الغنم

- ‌باب الصلاة عند طلوع الشمس وعند غروبها

- ‌باب الصلاة في شدة الحر

- ‌باب الرجل ينسى الصلاة أو يفوته وقتها

- ‌باب الصلاة في الليلة المطيرة وفضل الجماعة

- ‌باب قَصْرِ الصلاة في السفر

- ‌باب المسافر يدخل المِصْرَ أو غيره متى يُتِمُّ الصلاة

- ‌باب القراءة في الصلاة في السفر

- ‌باب الجمع بين الصلاتين في السفر والمطر

- ‌باب الصلاة على الدابة في السفر

- ‌باب الرجل يصلي فيذكر عليه صلاة فائتة

- ‌باب الرجل يصلي المكتوبة في بيته ثم يدرك الصلاة

- ‌باب الرجل تحضره الصلاة والطعام، بأيهما يبدأ

- ‌باب فضل العصر والصلاة بعد العصر

- ‌باب وقت الجمعة وما يستحب من الطيب والدهان

- ‌باب القراءة في صلاة الجمعة وما يستحب من الصمت

- ‌باب في بيان أحكام صلاة العيدين وبيان أمر الخطبة

- ‌باب في بيان حكم صلاة التطوع قبل صلاة العيد أو بعده

- ‌باب في حكم القراءة في صلاة العيدين

- ‌باب في بيان كمية التكبير وكيفيته في العيدين

- ‌باب قيام شهر رمضان وما فيه من الفضل

- ‌باب في بيان حكم دعاء القنوت في صلاة الفجر

- ‌باب في بيان فضل صلاة الفجر في الجماعة

- ‌باب طول القراءة في الصلاة وما يستحب من التخفيف

- ‌باب بيان حكم صلاة المغرب وتر صلاة النهار

- ‌باب في بيان أحكام صلاة الوَتْر

- ‌باب الوتر على الدابة

- ‌باب تأخير الوتر

- ‌باب في بيان حكم السلام في أثناء الوتر

الفصل: ‌باب السهو في الصلاة

‌باب السهو في الصلاة

بيان أحكام السهو، أي: سهو المصلي في الصلاة، فيه مضاف محذوف هو أحكام إضافية إلى السهو، من قبيل إضافة الحكم إلى السبب، والسهو غفلة القلب عن الشيء المعلوم، فيستأنف تحصيله لكن الفقهاء لا يفرقون بينهما، وكذا لا يفرقون بينه وبين الشك.

والأدباء عرَّفوا الشك بأنه: تساوي الأمرين، لا مزية لأحدهما على الآخر، والظن تساويهما وجه الصواب راجح، والوهم تساويهما وجه الخطأ أرجح، كما بيناه في (سلم الفلاح).

136 -

أخبرنا مالك، أخبرنا الزهري، عن أبي سَلَمَة بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن أحدكم إذا قام في الصلاة جاءَه الشيطان فَلَبَس عَلَيْه، حتى لا يَدري كم صلَّى، فإذا وَجَد أحدُكم ذلك فليسجدْ سجدتين وهو جالس".

• أخبرنا مالك، وفي نسخة: محمد قال: ثنا، رمزًا إلى حدثنا، وفي نسخة أخرى: ثنا، وفي نسخة أخرى: محمد، أخبرنا مالك، أي: ابن أنس بن عمير، بن أبي عامر الأصبحي، من أتباع التابعين، من الطبقة السابعة من أهل المدينة، عن الزهري، وهو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب، بن عبد الله بن الحارث بن زهرة بن كلاب، القرشي، وهو من الطبقة الرابعة من طبقات التابعين أهل المدينة، لقي عشرًا من الصحابة، مات سنة خمس وعشرين، وقيل: قبلها سنة أو اثنتين بعد المائة، عن أبي سَلَمَة بن عبد الرحمن، أي: ابن عوف، التابعي ابن الصحابي، كما قاله الزرقاني (1).

عن أبي هريرة، رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن أحدكم إذا قام في الصلاة، أي: في الصلاة التي دخل فيها، سواء كانت فريضة أو نافلة، جاءَه الشيطان عليه فَتلَبَس بفتح الباء الموحدة وبكسر في مضارعه.

(136) أخرجه: مسلم (389)، والنسائي في المجتبى (1252)، ومالك (224)، والنسائي في الكبرى (591)، (592)، (1175)، والدارقطني في العلل (1378)، والربيع في مسنده (246).

(1)

انظر: شرح الزرقاني (1/ 293).

ص: 273

قال الله تعالى في سورة الأنعام: {وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُون} [الأنعام: 9]، أي: خلط عَلَيْه، أي: على أحدكم أمر صلاته، حتى لا يَدري أي: لا يعلم أحدكم كم صلَّى، أي: من عدد الركعات، ولم يغلب له ظن اعتبر بالأقل، وقعد وتشهد بعد كل ركعة ظنها آخر صلاته؛ لئلا يصير تاركًا فرض القعدة، أو تاركًا واجبة القعدة، لقوله صلى الله عليه وسلم:"إذا نسي أحدكم في صلاته، فلم يدر واحدة صلى أو اثنتين، فليبن على واحدة، فإن لم يدر ثنتين صلى أو ثلاثًا، فليبن على ثنتين؛ فإن لم يدر ثلاثًا صلى أو أربعًا، فليبن على ثلاث؛ ويسجد سجدتين بعد السلام، ثم يقعد ويتشهد، ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم يمينًا ويسارًا"، كما نقلناه في (سلم الفلاح) من (فتح القدير).

فإذا وَجَد أحدُكم ذلك أي: ما ذكر من اللبس فليسجدْ أي: سجدتين بعد السلام كمذهبنا، أو قبله كمذهب الشافعي، سجدتين ترغيمًا، أي: تذليلًا للشيطان، لما لبس عليه، وليس عليه أثقل من السجود، لما لحقه من سخط الله لامتناعه من السجود لآدم - صلوات الله على نبينا وعليه - وهو جالس، أي: والحال أن الساجد لسهوه يجلس ويتشهد ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم فليسلم.

وقد حُكِي أن أبا حنيفة - رحمه الله تعالى - رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم في منامه، يقول له: لم بالسجدة لمن صلى علي في جلوسه الأول من الصلاة الرباعية.

فقال أبو حنيفة: يا رسول الله، فإنه صلى عليك بلا قصد، فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي عنه بهذا الجواب، كما في (بحر الرائق)(1).

* * *

137 -

أخبرنا مالك، حدثنا داود بن الحُصَيْن، عن أبي سفيان مولى ابن أبي أحمد، عن أبي هريرة، قال: صَلَّى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة العصر فسلم في ركعتين، فقام ذو اليَديْن فقال: أقصُرَتِ الصلاةُ يا رسول الله أم نسيت؟ فقال:

(1) انظر: البحر (1/ 105).

(137)

أخرجه: البخاري (714)، (1228)، (6671)، ومسلم (573)، والترمذي (399)، والنسائي (1225)، (1229)، وابن ماجه (1214)، وأحمد (9181)، (16267)، ومالك (210).

ص: 274

"كل ذلك لم يكن" فقال: يا رسول الله، قدْ كان بعض ذلك، فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم على الناس فقال:"أصَدَقَ ذو الْيَدَيْنِ؟ " فقالوا: نعم، فأتمّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بقَى عليه من الصلاة، ثم سجد سجدتين وهو جالس بعد التسليم.

• أخبرنا مالك، وفي نسخة: محمد قال: ثنا رمزًا إلى حدثنا، وفي نسخة ثنا، وفي نسخة أخرى: محمد أخبرنا، حدثنا داود، وفي نسخة: ثنا رمزًا إلى حدثنا ابن الحُصَيْن (1)، بضم الحاء المهملة، والصاد المهملة المفتوحة، والياء التحتية الساكنة، والنون وهو أموي مولاهم، المدني، وثقه ابن معين، وروى له أصحاب السنة، وقال ابن حبان من أهل الحفظ والإِتقان، ورأى برأي الخوارج، ولكن لم يكن داعية.

قال أبو حاتم: لولا أن مالكًا روى عنه لترك حديثه، مات سنة خمس وثلاثين ومائة، عن ثنتين وسبعين سنة، عن أبي سفيان، اسمه وهب، قاله الدارقطني، وقال غيره: اسمه قُزمان بضم القاف، وإسكان الزاي المعجمة.

قال ابن سعد (2): ثقة قليل الحديث، روى له أصحاب السنة، مولى عبد الله بن أبي أحمد بن جحش القرشي الأسدي، الصحابي، وابنه عبد الله، ولد في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذكره جماعة في ثقات التابعين، عن أبي هريرة، رضي الله عنه، قال: صَلَّى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة العصر، قال ابن عبد البر: كذا رواه يحيى - أيضًا - أي: لم يقل لنا، ورواه ابن القاسم وابن وهب، والقعنبي والشافعي وقتيبة عن مالك (ق 131)، فقالوا: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لنا صلاة العصر، فسلم في ركعتين، كذا في جميع النسخ، وكذا في (الموطأ) لرواة مالك، وفي نسخة مصححة: في الركعتين، فقام ذو اليَديْن، واسمه الخرباق بن عمرو السلمي، بضم السين المهملة، وعلى هذا ذكره السيوطي (3)، وهو

(1) انظر: (من تكلم فيه)(ص: 28)، والسير (6/ 106)، والتاريخ الكبير (3/ 231)، وذكر أسماء التابعين ومن بعدهم (1/ 131)، والجرح والتعديل (3/ 408)، ومعرفة الثقات (1/ 340)، ومشاهير علماء الأمصار (1/ 135)، والثقات (6/ 284)، وتاريخ أسماء الثقات (ص: 81)، ولسان الميزان (7/ 211).

(2)

انظر: الطبقات الكبرى (5/ 414).

(3)

انظر: تنوير الحوالك (1/ 88).

ص: 275

بكسر الخاء المعجمة، وسكون الراء المهملة، وبالياء الموحدة، والألف والقاف ولقب بذي اليدين؛ لأنه كان في يديه طول، وقيل: كان يعمل بيديه جميعًا، كما ذكره العسقلاني (1)، وهو رجل من بني سليم غير ذي الشمالين.

فقد قال ابن منده: ذو اليدين رجل من أهل وادي القرى أسلم في آخر زمن النبي صلى الله عليه وسلم والسهو كان بعد أُحد وقد شهد أبو هريرة، وأبو هريرة شهد من زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم أربع سنين، وذو اليدين من بني سليم، وذو الشمالين من أهل مكة، قتل يوم بدر، قبل السهو بست سنين، وهو رجل من خزاعة حليف بني أمية. قال: ووهم فيه الزهري، وجعل مكان ذو اليدين ذا الشمالين.

وقال العسقلاني (2): ذو الشمالين هو عمير بن عبد الله بن عمرو، صحابي استشهد ببدر، وهو غير ذي اليدين، وذو الشهادتين: خزيمة بن ثابت الأنصاري، وذو اليدين اثنان نفيل بن حبيب، دليل الحبشة إلى الكعبة مع الفيل، والثاني: صحابي اسمه خرباق، وقيل: عمير، والأول هو الصواب، وعمير هو ذو الشهادتين الماضي، وقيل: إن ذا الشهادتين يقال له: ذو اليدين أيضًا، فهم على هذا ثلاثة، فقال: أي: ذو اليدين: أقصُرَتِ الصلاةُ بفتح القاف وضم الصاد، يا رسول الله أم نسيت؟ بفتح النون والسين، ويجوز أن يكون بضم النون، وكسر السين المشددة، فقال: أي: رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كل ذلك لم يكن" أي: لم يكن ذاك ولا ذا، في ظني أني أكملت الصلاة أربعًا، يدل عليه ما جاز في روايات البخاري (3) في هذا الحديث: أنه صلى الله عليه وسلم قال: "لم تقصر، ولم أنس"، فنفى الأمرين، ذكره السيوطي (4).

فقال ابن الملك: فإن قلت: لم يكن خبر صادق لا محالة، أو ليس مطابقًا للواقع، قلت: لم يكن مجازًا من لم يشعر؛ لأن عدم كون الشيء يستلزم عدم الشعور، ففيه ذكر الملزوم وإرادة اللازم، كما قاله علي القاري.

(1) انظر: الفتح (3/ 97 - 100).

(2)

انظر: الفتح (3/ 97 - 100).

(3)

أخرجه: البخاري (482)، (1229)، (6051).

(4)

انظر: تنوير الحوالك (1/ 89).

ص: 276

أو يُقال: كل ذلك لم يكن، أي: لم أنس، ولم تقصر، كما في أكثر طرق حديث أبي هريرة، وهو يؤيد قول أصحاب المعاني: لفظ كل إذا تقدم على النفي كان نفيًا لكل فرد للمجموع؛ لأنه من باب تقوية الحكم؛ فيفيد التأكيد في المسند والمسند إليه، ولا يصح أن يقال فيه: بل كان بعضه بخلاف ما إذا تأخر.

كما إذا قيل: لم يكن كل ذلك إذ لا تأكيد فيه. فيصح أن يقال: بل كان بعضه، ولذا أجابه ذو اليدين، فقال: يا رسول الله، قدْ كان بعض ذلك، أي: القصر عمدًا، أو النسيان سهوًا، وأجابه، وفي رواية أخرى: يقول: بل قد نسيت؛ لأنه لما نفى الأمرين وكان مقررًا عند الصحابي، أن السهو لا يجوز عليه في الأمور البلاغية جزم بوقوع النسيان، لا القصر، وهو حجة لمن قال: لا يجوز السهو على الأنبياء عليهم السلام فيما طريقه التشريع، وإن كان عياض حكى الإِجماع على عدم جواز دخول السهو في الأقوال البليغية، وخص الخلاف بالأفعال، لكنهم تعقبوه، نعم اتفق من جوز ذلك على أنه لا يقر عليه، بل يقع له بيان ذلك إما متصلًا بالفعل، كما في هذه القصة، وإما غير متصلًا، كذا قاله الزرقاني (1).

فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم على الناس أي: على المأمومين، فقال:"أصَدَقَ ذو الْيَدَيْنِ؟ "، أي: فيما أخبره من القصر، فقالوا: نعم، أي: صدق، فأتمّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بقَى عليه من الصلاة، وهو الركعتان، ثم سجد سجدتين، أي: للسهو مثل سجوده للصلاة، أو أطول كما في السجدة الصلبية، وهو أي: الحال أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس، قوله: بعد التسليم تأكيد لما قبله.

قيل: كيف تكلم ذو اليدين، والقوم وهم بعد في الصلاة؟ وأجيب بأنهم لم يكونوا على يقين من البقاء في الصلاة؛ لأنهم كانوا مجوزين لنسخ الصلاة من أربع إلى ركعتين.

قال ابن الملك: وفيه ضعف؛ لأن قول ذي اليدين بعض ذلك قد كان، وقولهم: نعم، إنما كان بعد قوله صلى الله عليه وسلم:"كل ذلك لم يكن"، فكيف جوزوا النسخ، وأجاب بعضهم بأن هذا كان خطابًا للنبي صلى الله عليه وسلم وجوابًا له، وذلك لا يبطل الصلاة عندنا، وفي رواية

(1) انظر: شرح الزرقاني (1/ 287).

ص: 277

لأبي داود (1)، بإسناد صحيح، أن الجماعة أومؤوا: نعم، فعلى هذه الرواية لم يتكلموا.

قال ابن الملك: وفيه أنه يمكن الجمع بين الروايتين بأن كان فعل ذلك بعضهم، إيماء وبعضهم كلامًا، أو اجتمع الأمران في بعضهم، قال السيوطي (2): فإن قيل: كيف رجع النبي صلى الله عليه وسلم إلى قول الجماعة، وعندكم لا يجوز للمصلي الرجوع، في قدر من صلاته إلى غيره إمامًا كان أو مأمومًا، ولا يعمل إلا على اليقين نفسه؟

وأجيب عنه بأنه صلى الله عليه وسلم سألهم ليذكر، فلما ذكروه تذكر فعلم السهو فبنى عليه؛ لأنه رجع إلى مجرد قولهم، كذا قاله النووي، وأما ما قيل من أن حديث ذي اليدين منسوخ، وكان في الابتداء حين كان الكلام فيها صباحًا ممنوع، لأنه برواية أبي هريرة وهو متأخر الإِسلام، وأما ما قيل: مع أنه يجوز أن يرويه من غيره، ولم يكن حاضرًا فغير صحيح.

لما في مسلم عنه: بينا أنا أصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وساق الواقعة، وهو صحيح في حصوره، ولم أر عنه جوابًا شافيًا يكون في المدعي كافيًا، كذا قاله علي القاري.

* * *

138 -

أخبرنا مالك، حدثنا زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"إذا شك أحدكم في صلاته فلا يَدْري كم صلى؛ ثلاثًا أم أربعًا، فليُصل ركعةً ويسجد سجدتين. وهو جالسٌ قبل التسليم، فإن كانت الركعةُ التي صلى خامسةً شفعها بهاتين السجدتين، وإن كانت رابعةً فالسجدتان ترْغِيمٌ للشيطان".

(1) أخرجه: أبو داود (1008)، والدارقطني (1/ 366)، والبيهقي في الكبرى (3721)، والمدخل للسنن (6).

(2)

انظر: تنوير الحوالك (1/ 88).

(138)

أخرجه: مسلم (571)، وأبو داود (1024)، والنسائي (1238)، وابن ماجه (1210)، وأحمد (11292)، (11373)، (27735)، من حديث عطاء بن يسار عن أبي سعيد، ومالك (214).

ص: 278

• أخبرنا مالك، وفي نسخة: محمد قال: ثنا، رمزًا إلى حدثنا، وفي نسخة: محمد أخبرنا، حدثنا زيد بن أسلم، يُكنى أبا أسامة، مولى عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، مدني كان في الطبقة الثالثة من أكابر التابعين، عن عطاء بن يسار، مولى ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم كان في الطبقة الثالثة من طبقات التابعين المشهورين بالمدينة، كان كثير الرواية مرسلًا عند جميع الرواة، وتابع مالكًا على إرساله، والثوري، وجعفر بن ميسرة، ومحمد بن جعفر، وداود بن قيس، في رواية، كما قاله علي القاري.

والحديث المرسل: أن يستوي صدقه وكذبه؛ بأن لا يكون في متنه ولا في روايته خلل بيّن، لكن جهل بعض رواته بعينه، فإن كان (ق 133) هو الصحابي يسمى مرسلًا، وإن كان عيره يسمى منقطعًا.

وقيل: المرسل ما رواه التابعي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (1). وهذا الحديث كذلك؛ لأن عطاء بن يسار تابعي، وقد أرسله.

وقال: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا شك أحدكم في صلاته فلا يَدْري كم صلى؛ ثلاثًا أم أربعًا، أي: مثلًا ليبني على الأقل، وفي رواية مسلم: "فليطرح الشك، وليبن على ما استيقن"، فليُصل ركعةً أي: قل: احتياطًا ويسجد سجدتين، أي: وجوبًا يعني ردها إلى الشفع.

قال الباجي (2) - من علماء المالكية: يحتمل أن الصلاة مبنية على الشفع فإذا عليه ما يوترها من زيادة، وجب إصلاح ذلك بما يشفع بها، وهو جالسٌ قبل التسليم، أي: قبل التسليم الثاني، وقيل: قبل التسليم الأول، وبه تعلق الشافعي، فإذا كانت الركعةُ التي صلى بعد الشك خامسةً أي: نفس الأمر شفعها أي: ردها إلى الشفع بهاتين السجدتين، وإن كانت رابعةً أي: وقد تمت الصلاة بها؛ فالسجدتان ترْغِيمٌ للشيطان، أي: تذليل وتحقير له، وجبر لنقصان المصلي في حاله.

قال النووي: والمعنى أن الشيطان لبس؛ أي: خلط عليه صلاته، وتدارك ما لبس

(1) وهذا هو الصواب.

(2)

انظر: المنتقى (2/ 103).

ص: 279

عليه، فأرغم الشيطان ورده خاسئًا مبعدًا، عن مراده، وكملت صلاة ابن آدم، متمثل بأمر الله تعالى الذي عصى به إبليس من امتناعه من السجود (1).

قال السيوطي (2): هذا الحديث موصول، وصله مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه من طرق، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن أبي سعيد الخدري، رضي الله عنه، فلا يضره تقصير من قصر في وصله.

* * *

139 -

أخبرنا مالك، أخبرنا ابن شهاب الزهري، عن عبد الرحمن الأعرج عن ابن بُحَيْنة أنه قال: صلى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتين، ثم قام ولم يجلس، فقام الناس، فلما قضى صلاته ونظرْنا تسْليمه كبّر وسجد سجدتين وهو جالس قبل التسْليم، ثم سلم.

• أخبرنا مالك، وفي نسخة: محمد قال: ثنا، رمزًا إلى حدثنا، وفي نسخة أخرى: أنا رمزًا إلى أخبرنا، وفي نسخة: محمد أخبرنا مالك، أي: ابن أنس بن عمير بن أبي عامر الأصبحي، يعني كان منسوبًا إلى ملك ذي أصبح من ملوك اليمن، كان في الطبقة السابعة من كبار أتباع التابعين، من أهل المدينة، أخبرنا ابن شهاب، في نسخة: أخبرني بالإِفراد، وفي نسخة: عن ابن شهاب، أي: الزهري، كما في نسخة، وهو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب، بن عبد الله بن الحارث بن زهرة، بن كلاب القرشي، الزهري: أبو بكر الفقيه الحافظ، المتفق على جلالته وإتقانه، وهو من الطبقة الرابعة من طبقات التابعين، من أهل المدينة، لقي عشرًا من الصحابة، مات سنة خمس وعشرين ومائة، وقيل: قبلها سنة أو اثنتين، كذا قاله أبو الفرج بن الجوزي في (طبقاته)(3)، عن عبد الرحمن، أي:

(1) انظر: شرح الزرقاني (1/ 285).

(2)

انظر: تنوير الحوالك (1/ 90).

(139)

أخرجه: مسلم (570)، وأبو داود (1034)، والنسائي (1222)، وأحمد (22421)، ومالك (218).

(3)

تقدم.

ص: 280

ابن هرمز الأعرج، هو المدني من مشاهير التابعين وثقاتهم، يروي عن: أبي هريرة رضي الله عنه، واشتهر بالرواية عنه، وروى عنه: الزهري: مولى ربيعة بن الحارث، ثقة ثبت، عالم، كان في الطبقة الثالثة من طبقات التابعين، من أهل المدينة، مات بالأسكندرية سنة عشر ومائة، عن عبد الله بن بُحَيْنة، بضم الموحدة، وفتح حاء مهملة، وسكون تحتية، فنون فهاء، هي أم عبيد الله، واسم أبيه: مالك بن المغيث الأزدي، أبي محمد حليف بني المطلب، صحابي، مات بعد الخمسين، أنه قال:(ق 134) صلى بنا، وفي نسخة (الموطأ) لمالك، لنا أي: لأجلنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتين، ثم قام ولم يجلس، فقام الناس، أي: تبعًا على حسب عادتهم في عادتهم، فلما قضى صلاته أي: أداها وأتمها، ونظرنا أي: انتظرنا تسْليمه كبّر وسجد سجدتين وهو أي: والحال أن النبي صلى الله عليه وسلم جالس، أي: السجود جالسًا.

وفي رواية الليث عن ابن شهاب، وسجدهما الناس معه، مكان ماض من الجلوس. رواه البخاري ومسلم بلفظ: أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الظهر، فقام في الركعتين الأوليين، ولم يجلس وقام الناس معه، حتى إذا قضى الصلاة، وانتظرنا تسليمه، كبر وهو جالس فسجد سجدتين قبل التسْليم، ثم سلم، أي: بعد ذلك، وفيه مشروعية سجود السهو، أنه سجدتان؛ وأنه يكبر لهما كما يكبر لغيرهما من السجود، وفيه دليل على أن المأموم يسجد مع إمامه إذا سهى إمامه، وفيه دليل للإِمام الشافعي والإِمام مالك، حيث قال الشافعي - رحمه الله تعالى: يلزم على الساهي أن يسجد سجدتين قبل التسليم، سواء كان السهو بإدخال زيادة فيها، أي: في الصلاة، أو نقصان منها.

وقال مالك رحمه الله يلزم الساهي في الصلاة أن يسجد سجدتين قبل التسليم، إن كان السهو لنقصان، وبعده إن كان السهو بإدخال زيادة فيها.

وعند أبي حنيفة: يلزم على الساهي أن يسجد سجدتين بعد تسليمه، لما روي في سنن أبي داود: أنه صلى الله عليه وسلم قال: "لكل سهو سجدتان بعد السلام"، وهذا الخلاف في الأولوية حتى لو سجد قبل السلام لا يعيدوا ذلك كان مجتهدًا.

وقد كان شيخ الإسلام خواهر زاده: لا يأتي الإِمام الساهي بسجدتي السهو بعد التسليمتين، ولا ذلك بمنزلة الكلام.

وقال فخر الإِسلام علي البزدوي: يسلم تلقاء وجهه، فرقًا بين سلام القطع وسلام

ص: 281

السهو، والمنفرد مخير في سجدتين بعد التسليمتين، وبعد تسليمة واحدة، كما في (منح الغفار)، و (سلم الفلاح).

* * *

140 -

أخبرنا مالك، أخبرني عفيفُ بن عمرو بن المسيَّب السَّهْمِيُّ، عن عطاء بن يسار، قال: سألت عبد الله بن عمرو بن العاص وكعبًا عن الذي يَشُكُّ كَمْ صلى، ثلاثًا، أو أربعًا، قال: فكلاهما قال: فَلْيقُمْ فليُصَلِّ ركعة أخرى، قائمًا، ثم يسجُدُ سجدتين إذا صلَّى.

• أخبرنا مالك، وفي نسخة: محمد قال: ثنا، رمزًا إلى حدثنا، وفي نسخة: ثنا أخبرنا، وفي نسخة: ثنا، رمزًا إلى حدثنا، وفي نسخة أخرى: أخبرني بالإِفراد عفيفُ بالتصغير ابن عمرو بن المسيَّب السَّهمِيُّ (1)، أي: كان من قبيلة بني السهم، وقد فصلناه في تفسير سورة التكاثر من (نور الأفئدة)، وكان من الطبقة السادسة عن عطاء بن يسار، كما في نسخة، قال: سألت عبد الله بن عمرو بن العاص، بلا ياء، وهو الصواب، وهو: أي: عبد الله بن عمرو بن العاص، صحابي ابن صحابي، وكعبًا، أي: كعب الأحبار، بالحاء المهملة من كبار التابعين، في الطبقة الأولى من أهل الشام، كان في الإِقليم الثالث من الأقاليم السبعة، كذا في (خلاصة الهيئة)، عن الذي يَشُكُّ أي: يتردد وليس له عليه ظن غالب، كَمْ صلى، ثلاثًا، أو أربعًا، قال: أي: عطاء: فكلاهما أي: عبد الله بن عمرو وكعب الأحبار قالا: بلفظ التثنية، نظرًا إلى معنى كلا، والأفصح إفراده نظرًا إلى لفظه، ومنه قوله تعالى في سورة الكهف:{كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا} الآية [الكهف: 33]، فَلْيقُمْ أي: المصلي، الذي شك في صلاته، وَليُصَلِّ ركعة أخرى، بانيًا على ما تيقن، قائمًا، أي: حال كونه قادرًا على القيام، وفي نسخة: فليصل بالفاء كما في (الموطأ) لمالك، لرواية يحيى الليثي، ومحمد، ثم يسجُدُ سجدتين إذا صلَّى، أي: إذا أتم صلاته.

وهذا الحديث موقوفًا لفظًا، كما ترى، ومرفوع حكمًا.

(1) انظر: التقريب (1/ 404)، وقال: مقبول، قلت: بل وثَّقه النسائي، وذكره ابن حبان في الثقات، ووثَّقه ابن شاهين أيضًا.

ص: 282

كما روى أحمد، وابن ماجه، والحاكم، والبيهقي، عن عبد الرحمن بن عوف وأبي سعيد الخدري، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا شك أحدكم في الاثنين والواحدة، فليجعلها واحدة، وإذا شك في اثنتين والثلاث، فليجعلها اثنتين، وإذا شك في الثلاث والأربع فليجعلها ثلاثًا، حتى يكون الوهم في الزيادة، ثم ليتم ما بقي من صلاته، ثم يسجد سجدتين، وهو جالس، قبل التسليم"(1).

وهو قول الشافعي، ومالك، وعند أبي حنيفة: يسجد الساهي سجدتين، وهو جالس بعد السلام، كما قاله الزرقاني.

* * *

141 -

أخبرنا مالك، حدثنا نافع، عن ابن عمر، أنه كان إذا سئل عن النسيان قال: يَتَوَخَّى أحدُكُم الذي يَظُنُّ أنه نسى من صلاته.

قال محمد: وبهذا نأخُذُ، إذا نَاءَ لِلْقيَامِ وتَغَيَّرت حالُه عن القعود وجب عليه كذلك سجدتَا السهو، وكلُّ سهوِ وجبت فيه سجدتان من زيادةٍ أو نقصانٍ، فسجدتا السهو فيه بعدَ التسليم، ومَنْ أدْخَلَ عليه الشيطانُ الشكَّ في صلاته فلم يدرِ أثلاثًا صلى أم أربعًا، فإن كان ذلك أول مَا لَقِيَ، تكلَّمَ واسْتَقْبَلَ صلاته، وإن كان يُبْتلَى بذلك كثيرًا مضى على أكثر ظنه ورَأيِه، ولم يَمْضِ على اليقين، فإنه إن فَعَلَ ذلك لَمْ ينْجُ فيما يَرى من السهوِ الذي يُدْخِلُ عليه الشَّيْطَانُ، وفي ذلك آثار كثيرة.

• أخبرنا مالك، وفي نسخة: محمد قال: ثنا، رمزًا إلى حدثنا، وفي نسخة: ثنا، حدثنا، وفي نسخة: عن بدل حدثنا نافع، عن ابن عمر، رضي الله عنهما أنه، أي: ابن عمر، كان إذا سُئِل عن النسيان، أي: عن عدد الركعات في الصلاة، قال: يَتَوَخَّى

(1) أخرجه: ابن ماجه (1209).

(141)

أخرجه ابن أبي شيبة (1/ 384)، عن ابن علية عن أيوب عن نافع.

ص: 283

بتشديد الخاء المعجمة، أي: يتحرك أحدُكُم الذي أي: القدر الذي يَظُنُّ أنه نسى من صلاته، أي: فليصلها ثم ليسجد أي: يسجد كما في نسخة سجدتين.

قال محمد: أي: المُصَنِّف، وبهذا أي: بالتحريك عند النسيان من الصلاة نأخُذُ، أي: نعمل ونُفتي بما ذكر بمضمون الأحاديث في الجملة مع قطع النظر عن كون السجدتين قبل التسليم أو بعده، إذا نَاءَ المصلي وقام لِلْقيَامِ، وشرع فيه سهوًا، وتَغَيَّرَ حالُه عن القعود، بأن يكون أقرب إلى القيام، وجب عليه لذلك، أي: النوء وهو البعد، فلذلك فسرنا ناء بقام؛ لأن القيام معنى لازم للبعد عن القعود، وفي هذا اللفظ، إشعار بأن الساهي، إذا لم يبعد عن العود، ولم يقرب إلى حد القيام، وهو: أي عدم القرب إلى حد القيام، أن لا يستوي النصف الأسفل، فحينئذٍ لا يجب عليه سجدتا السهو، فإن قرب إلى القيام بأن استوى النصف الأسفل مع انحناء الظهر، يجب سجدتا السهو، كما قال المصنف رحمه الله تعالى: سجدتَا السهو، وكلُّ سهوٍ ويؤول الكل إلى ترك واجب، وجبت فيه أي: لأجل ذلك السهو، سجدتان يستويان من زيادةٍ أو نقصانٍ، بيان لكل سهو، فسجدتا السهو فيه بعدَ التسليم، خلافًا لمالك، فإنه قال: كل نقصان من الصلاة؛ فإن سجوده قبل السلام، وكل سهو كان بزيادة في الصلاة؟ فإن سجوده بعد السلام كما فصلناه في شرح حديث عبد الرحمن الأعرج عن ابن بحينة، ومَنْ أي: المصلي أدْخَلَ عليه الشيطانُ الشكَّ، أي: التردد، وهو فساد الأمرين لا مزية لأحدهما على الآخر، في صلاته، فلم يدرِ أثلاثًا صلى أم أربعًا، فإن كان ذلك أي: الشك أول مَا لَقِيَ، أي: دفع قليلًا نادرًا، تكلَّمَ أي: خرج من صلاته بتكلم ينافي لها واسْتَقْبَلَ صلاته، أي: استأنفها لتكمل أدائها، وإن كان يُبتلَى على صيغة المضارع المجهول بذلك أي: الشك كثيرًا مضى أي: عمل على أكثر ظنه ورَأيِه، وفي نسخة: رأيه مقدم على ظنه، ولم يَمْضِ على اليقين، وهو تفسير لما قبله أو تأكيد له، فإنه إن فَعَلَ ذلك، أي: المضي على اليقين، لَمْ ينْجُ بضم الجيم، أي: يخلص فيما يَرَى أي: فيما يذهب إليه من اليقين، من السهوِ الذي يُدْخِلُ عليه الشَّيْطَانُ، فيقع في حرج عظيم، وفي ذلك، أي: فيما ذكرناه من السجدتين بعد التسليم آثار كثيرة، أي: أخبار شهيرة من غير طرق (الموطأ).

* * *

ص: 284