المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فصل [في موجب ما دون النفس من جرح أو نحوه] - بداية المحتاج في شرح المنهاج - جـ ٤

[بدر الدين ابن قاضي شهبة]

فهرس الكتاب

- ‌كتابُ الجراح

- ‌فَصْلٌ [في اجتماع مباشرتين]

- ‌فَصْلٌ [في شروط القود]

- ‌فَصْلٌ [في تغير حال المجروح بحرية أو عصمة أو إهدار أو بمقدار للمضمون به]

- ‌فَصْلٌ [في شروط القصاص في الأطراف والجراحات والمعاني]

- ‌بابُ كيفيَّة القصاص ومستوفيه والاختلاف فيه

- ‌فَصْلٌ [في اختلاف مستحق الدم والجاني]

- ‌فَصْلٌ [في مستحق القود ومستوفيه وما يتعلق بهما]

- ‌فَصْلٌ [في موجب العمد وفي العفو]

- ‌كتابُ الدِّيات

- ‌فَصْلٌ [في موجب ما دون النفس من جرح أو نحوه]

- ‌فَرْعٌ [في موجب إزالة المنافع]

- ‌فَرْعٌ [في اجتماع جنايات على شخص]

- ‌فَصْلٌ [في الجناية التي لا تقدير لأرشها والجناية على الرقيق]

- ‌‌‌بابُ موجبات الدِّية والعاقلة والكفَّارة

- ‌بابُ موجبات الدِّية والعاقلة والكفَّارة

- ‌فَصْلٌ [في الاصطدام ونحوه مما يوجب الاشتراك في الضمان وما يذكر مع ذلك]

- ‌فَصْلٌ [في العاقلة وكيفية تأجيل ما تحمله]

- ‌فَصْلٌ [في جناية الرقيق]

- ‌فَصْلٌ [في الغرة]

- ‌فَصْلٌ [في كفارة القتل]

- ‌كتابُ دعوى الدَّم والقسامة

- ‌فَصْلٌ [فيما يثبت به موجب القود وموجب المال بسبب الجناية من إقرار وشهادة]

- ‌كتابُ البُغاة

- ‌فَصْلٌ [في شروط الإمام الأعظم وبيان طرق الإمامة]

- ‌كتابُ الرِّدَّة

- ‌كتابُ الزِّنا

- ‌كتابُ حد القذف

- ‌كتابُ قطع السرقة

- ‌فصلٌ [فيما يمنع القطع وما لا يمنعه]

- ‌ باب

- ‌فصلٌ [في شروط السارق الذي يقطع]

- ‌بابُ قاطع الطريق

- ‌فَصْلٌ [في اجتماع عقوبات على شخص واحد]

- ‌كتابُ الأشربة

- ‌فَصْلٌ [في التعزير]

- ‌كتابُ الصِّيال وضمان الولاة

- ‌فَصْلٌ [في حكم إتلاف البهائم]

- ‌كتابُ السِّيَر

- ‌فَصْلٌ [في مكروهات ومحرمات ومندوبات في الجهاد وما يتبعها]

- ‌فَصْلٌ [في حكم الأسر وأموال أهل الحرب]

- ‌فَصْلٌ [في أمان الكفار]

- ‌كتابُ الِجزْيَة

- ‌فَصْلٌ [في مقدار الجزية]

- ‌باب

- ‌فَصْلٌ [في أحكام عقد الجزية]

- ‌بابُ الهدنة

- ‌كتابُ الصَّيد والذَّبائح

- ‌فَصْلٌ [في آلة الذبح والصيد]

- ‌فَصْلٌ [فيما يملك به الصيد وما يذكر معه]

- ‌كتاب الأضحية

- ‌فَصْلٌ [في العقيقة]

- ‌كتاب الأطعمة

- ‌كتاب المسابقة والمناضلة

- ‌كتابُ الأيمان

- ‌فصلٌ [في صفة الكفارة]

- ‌فصلٌ [في الحلف على السكنى والمساكنة وغيرهما]

- ‌فصلٌ [في الحلف على أكل وشرب مع بيان ما يتناوله]

- ‌فصلٌ [في مسائل منثورة ليقاس بها غيرها]

- ‌فصلٌ [في الحلف على ألا يفعل كذا]

- ‌كتاب النَّذر

- ‌فصلٌ [في نذر النسك والصدقة والصلاة وغيرها]

- ‌كتابُ القضاء

- ‌فصلٌ [فيما يقتضي انعزال القاضي أو عزله وما يذكر معه]

- ‌(باب

- ‌فصلٌ [في آداب القضاء وغيرها]

- ‌فصلٌ [في التسوية وما يتبعها]

- ‌بابُ القضاء على الغائب

- ‌فصلٌ [في بيان الدعوى بعين غائبة]

- ‌فصلٌ [في بيان من يحكم عليه في غيبته وما يذكر معه]

- ‌بابُ القِسْمَة

- ‌كتابُ الشهادات

- ‌فصلٌ [فيما يعتبر فيه شهادة الرجال]

- ‌فصلٌ [في تحمل الشهادة وأدائها]

- ‌فصلٌ [في الشهادة على الشهادة]

- ‌فصلٌ [في الرجوع عن الشهادة]

- ‌كتابُ الدعوى والبيّنات

- ‌فصلٌ [فيما يتعلق بجواب المدعى عليه]

- ‌فصلٌ [في كيفية الحلف والتغليظ فيه]

- ‌فصلٌ [في تعارض البينتين]

- ‌فصلٌ [في اختلاف المتداعيين في العقود]

- ‌فصلٌ [في شروط القائف]

- ‌كتابُ العتِق

- ‌فصلٌ [في العتق بالبعضية]

- ‌فصلٌ [في الإعتاق في مرض الموت وبيان القرعة في العتق]

- ‌فصلٌ [في الولاء]

- ‌كتابُ التَّدبير

- ‌فصلٌ [في حكم حمل المدبرة]

- ‌كتابُ الكِتابة

- ‌فَصْلٌ [فيما يلزم السيد بعد الكتابة]

- ‌فَصْلٌ [في بيان لزوم الكتابة وجوازها]

- ‌فَصْلٌ [في مشاركة الكتابة الفاسدة الصحيحة]

- ‌كتابُ أمّهات الأولاد

- ‌أهمّ مصادر ومراجع التّحقيق

الفصل: ‌فصل [في موجب ما دون النفس من جرح أو نحوه]

وَكَذَا وَثنَيٌّ لَهُ أَمَانٌ، وَالْمَذْهَبُ: أَنَّ مَنْ لَمْ يَبْلُغْهُ الإِسْلَامُ إِنْ تَمَسَّكَ بِدِينٍ لَمْ يُبَدَّلْ .. فَدِيَةُ دِينِهِ، وَإِلَّا .. فَكَمَجُوسيٍّ.

‌فَصْلٌ [في موجب ما دون النفس من جرح أو نحوه]

فِي مُوضِحَةِ الرَّأْسِ وَالْوَجْهِ لِحُرٍّ مُسْلِمٍ خَمْسَةُ أَبْعِرَةٍ،

===

(وكذا وثني له أمان) يجب فيه دية مجوسي؛ لأنه كافر لا يحل لمسلم مناكحة أهل دينه، وكذا عباد الشمس والقمر إذا دخلوا إلينا بأمان؛ كما صرح به في "المحرر"(1)، وكذا الزنديق، ودية نسائهم على النصف من دية رجالهم، ويراعى في دياتهم التغليظ والتخفيف.

(والمذهب: أن من لم يبلغه الإسلام إن تمسك بدين لم يبدل) من الدين المبدل ( .. فدية دينه) فإن كان كتابيًّا .. فدية كتابي، وإن كان مجوسيًّا .. فدية مجوسي؛ لأنه متمسك بدين منسوخ فلم يثبت له حكم الإسلام، وقيل: دية مسلم؛ لأنه ولد على الفطرة، ولم يظهر منه عناد، والنسخ لا يثبت قبل بلوغ الخبر.

(وإلا) أي: وإن لم يتمسك بدين لم يبدل، بل بدين مبدل، ولم يبلغه ما يخالفه ( .. فكمجوسي) أي: يجب بقتله دية مجوسي، وقيل: تجب دية أهل دينه، وقيل: لا يجب به شيء؛ لأنه ليس على دين حق، ولا عهد له ولا ذمة.

والسامرة والصابئة: إن كفرهما أهل ملتهما .. فهم كمن لا كتاب له، وإلا .. فكهم.

* * *

(فصل: في موضحة الرأس والوجه لحر مسلم) ذكر (خمسة أبعرة) لحديث عمرو بن حزم: "وَفِي الْمُوضِحَةِ خَمْسٌ مِنَ الإبِلِ" صححه ابن حبان والحاكم (2).

وهذا القدر هو نصف عشر ديته، فتراعى هذه النسبة في حق غيره من المرأة واليهودي وغيرهما، ففي موضحة المرأة: بعيران ونصف، واليهودي: بعير وثلثان، والمجوسي: ثلث بعير.

(1) المحرر (ص 403).

(2)

صحيح ابن حبان (6559)، المستدرك (1/ 395).

ص: 89

وَهَاشِمَةٍ مَعَ إِيضاحِ عَشَرَةٌ، وَدُونَهُ خَمْسَةٌ - وَقِيلَ: حُكُومَةٌ - وَمُنَقِّلَةٍ خَمْسَةَ عَشَرَ، وَمَأْمُومَةٍ ثُلُثُ الدِّيَةِ، وَلَوْ أَوْضحَ فَهَشَمَ آخَرُ، وَنَقَّلَ ثَالِثٌ، وَأَمَّ رَابِعٌ .. فَعَلَى كُلٍّ مِنَ الثَّلَاثَةِ خَمْسَةٌ،

===

(وهاشمة مع إيضاح عشرة) اتباعًا لزيد بن ثابت ولم يخالَف (1)، (ودونه) أي: دون إيضاح (خمسة) لأن العشرة في مقابلة الإيضاح والهشم، وأرش الموضحة خمسة، فتعين أن الخمسة الباقية في مقابلة الهشم فوجبت عند انفراده، (وقيل: حكومة) لأنه كسر عظم بلا إيضاح، فأشبه كسر سائر العظام، فعلى هذا: هل تبلغ الحكومة خمسًا من الإبل؛ فيه تردد للقاضي، وفي "أصل الروضة" عن "الرقم" للعبادي:(أن موضع الوجهين: ما إذا لم يحوج الهشم إلى بط وشق لإخراج العظم، أو تقويمه؛ فإن أحوج إليه .. فالذي أتى به هاشمة تجب فيها عشر من الإبل)(2).

قال البُلْقيني: وله وجه؛ لأن جنايته هي السبب في الإيضاح، ويحتمل أن يقال: هو من فعل المجروح، فلا يضمنه الجاني، وهذا أرجح. انتهى.

(ومنقلة) مع إيضاح (خمسة عشر) بالإجماع، كما حكاه في "الأم"(3)، أما إذا نقل من غير إيضاح .. ففيه الخلاف الذي ذكره فيما إذا هشم ولم يوضح.

(ومأمومة ثلث الدية) لحديث عمرو بن حزم، صححه ابن حبان والحاكم (4)، وتجب في الدامغة ما تجب في المأمومة على الأصحِّ، وقيل: يزاد حكومة، وقيل: تمام الدية.

(ولو أوضح فهشم آخر) في محل الإيضاح (ونقل ثالث، وأم رابع .. فعلى كل من الثلاثه خمسة) ما مر فيما إذا اتحد الجاني، فإن تعدد كالمثال المذكور .. فعلى الأول: القصاص، أو خمس من الإبل، وعلى الثاني: خمس من الإبل؛ لأنه الزائد عليها من دية الهاشمة، وعلى الثالث: خمسة؛ لأنه الزائد عليها من وجه المنقلة.

(1) أخرجه البيهقي (8/ 82).

(2)

روضة الطالبين (9/ 264).

(3)

الأم (7/ 192).

(4)

سبق تخريجه قبل قليل.

ص: 90

وَالرَّابِعِ تَمَامُ الثُّلُثِ. وَالشِّجَاجُ قَبْلَ الْمُوضِحَةِ إِنْ عُرِفَتْ نِسْبَتُهَا مِنْهَا .. وَجَبَ قِسْطٌ مِنْ أَرْشِهَا، وَإِلَّا .. فَحُكُومَةٌ كَجُرْحِ سَائِرِ الْبَدَنِ. وَفِي جَائِفَةٍ ثُلُثُ دِيَةٍ، وَهِيَ:

===

(والرابع تمام الثلث) وهو ثمانية عشر بعيرًا وثلث بعير، وهو ما بين المنقلة والمأمومة.

(والشجاج) بكسر الشين (قبل الموضحة)(وهي الحارصة، والدامية، والباضعة، والمتلاحمة، والسمحاق (إن عرفت نسبتها منها) بأن كان على رأسه موضحة إذا قيس بها الباضعة مثلًا .. عرف أن المقطوع ئك أو نصف في عمق اللحم ( .. وجب قسط من أرشها) أي: الموضحة بالنسبة؛ فإن شككنا في قدرها من الموضحة .. أوجبنا اليقين، قال الأصحاب: ويعتبر مع ذلك الحكومة، فيجب أكئر الأمرين من الحكومة وما يقتضيه التقسيط؛ لأنه وجد سبب كل واحد منهما، كذا قاله في "أصل الروضة"(1)، وهو خلاف ما يقتضيه إطلاق "الكتاب".

(وإلا) أي: وإن لم تعرف نسبتها منها ( .. فحكومة) لا تبلغ أرش موضحة، وهذا التفصيل قال الرافعي: هو قول الأكثرين، قال: ومنهم من أطلق أن الواجب فيها الحكومة؛ أي: لأن التقدير يعتمد التوقيف ولا توقيف (2)، قال ابن الملقن:(وهذا ما نسبه الماوردي إلى ظاهر النص، وإلى الجمهور، فاختلف النقل إذن عن الجمهور)(3)(كجرح سائر البدن (فإنه ليس في إيضاح عظامه ولا هشمها ولا نقلها أرش مقدر، بل فيها الحكومة فقط نص عليه (4)؛ لأنه لم يرد فيها توقيف، مع أن الجراحات في البدن أكثر منها في الرأس والوجه، فلو كانت مقدرة .. لكان الاعتناء بذكرها أولى، والفرق: أن الخطر فيهما أعظم، وشينهما أفحش.

(وفي جائفة ثلث دية) لثبوت ذلك في حديث عمرو بن حزم (5)(وهي) يعني:

(1) روضة الطالبين (9/ 265).

(2)

الشرح الكبير (12/ 336).

(3)

عجالة المحتاج (4/ 1557).

(4)

الأم (7/ 197).

(5)

سبق تخريجه في (ص 87).

ص: 91

جُرْحٌ يَنْفُذُ إِلَى جَوْفٍ كَبَطْنٍ وَصدْرٍ وَثُغْرَةِ نَحْرٍ وَجَبينٍ وَخَاصرَةٍ، وَلَا يَخْتَلِفُ أَرْشُ مُوضحَةٍ بِكِبَرِهَا. وَلَوْ أَوْضحَ مَوْضِعَيْنِ بَيْنَهُمَا لَحْمٌ وَجِلْدٌ، قِيلَ: أَوْ أَحَدُهُمَا .. فَمُوضِحَتَانِ،

===

الجائفة (جرح ينفذ إلى جوف) قوته محيلة للغذاء والدواء (كبطن، وصدر، وثغرة نحر، وجبين وخاصرة) بخلاف جوف الذكر، وداخل الفم والأنف بهشم الخد والقصبة وغيرهما، أو إلى بيضة العين من الجفن، فليس بجائفة في الأصحِّ.

وظاهر كلامه: الاقتصار على ثلث الدية.

ويستثنى منه: ما إذا لذع الحديد كبده أو طحاله، وما إذا نفذت الجراحة من غير الضلع وكسرت الضلع .. فتجب الحكومة مع الئلث، فلو نفذت من نفس الضلع .. دخلت حكومته في دية الجائفة، قاله الماوردي (1)، واعتمده البُلْقيني، وكذا لو وضع السكين على الكتف أو الفخذ، وجرها حتى بلغ البطن فأجاف .. فإنه تجب الحكومة مع الثلث أيضًا؛ بخلاف ما لو وضعها على الصدر وجرها حتى أجاف في البطن، أو ثغرة النحر .. فإنه يجب الثلث بلا حكومة؛ لأن جميعه محل الجائفة، قاله في "أصل الروضة"(2).

(ولا يختلف أرش موضحة بكبرها) (ولا بصغرها لاتباع الاسم، والجائفة كذلك، حتى لو غرز فيه إبرة فوصلت الجوف .. فهي جائفة.

(ولو أوضح موضعين بينهما لحم وجلد، قيل: أو أحدهما .. فموضحتان) لتعدد الاسم، فلو عاد الجاني فرفع الحاجز بين موضحتيه قبل الاندمال .. عاد الأرشان إلى واحد على الأصحِّ، وكان كما لو أوضح في الابتداء موضحة واسعة، ولو تآكل الحاجز بينهما .. فكذلك.

وأشار بقوله: (قيل: أو أحدهما) إلى أنه إذا وجد الحاجز باللحم دون الجلد أو

(1) الحاوي (16/ 39). وقع في "نكت" شيخنا بعد ذكره كلام الماوردي: (وخالف في "الروضة" و"أصلها" في الصور الثلاث، وقال شيخنا الإمام البُلْقيني: ما ذكره الماوردي أرجح). انتهى، وراجعت "الروضة" هنا فلم أجده ذكر ذلك بالكلية، فليحرر. اهـ هامش (أ).

(2)

روضة الطالبين (9/ 266).

ص: 92

وَلَوِ انْقَسَمَتْ مُوضِحَتُهُ عَمْدًا وَخَطَأً أَوْ شَمِلَتْ رَأْسًا وَوَجْهًا .. فَمُوضِحَتَانِ، وَقِيلَ: مُوضِحَةٌ. وَلَوْ وَسَّعَ مُوضِحَتَهُ .. فَوَاحِدَةٌ عَلَى الصَّحِيحِ، أَوْ غَيْرُهُ .. فَثِنْتَانِ. وَالْجَائِفَةُ كَمُوضِحَةٍ فِي التَّعَدُّدِ،

===

عكسه .. فقيل: يتعدد أيضًا؛ اتباعًا للصورة، والأصحُّ: عدم التعدد؛ لأنه بإزالة أحدهما أثبت الجناية على الموضع كله.

(ولو انقسمت موضحته عمدًا وخطأً، أو شملت رأسًا ووجهًا .. فموضحتان) أما الأولى .. فلاختلاف الحكم، وأما في الثانية .. فلاختلاف المحل، (وقيل: موضحة) أما في الأولى .. فلاتحاد الصورة والجاني والمحل، وأما في الثانية .. فلأن الجبهة والرأس محل الإيضاح.

(ولو وسع موضحته .. فواحدة على الصحيح) كما لو أوضح أولًا كذلك، والثاني: ثنتان؛ لأن التوسيع إيضاح ثانٍ، وكما لو وسع غيره، (أو غيره .. فثنتان) فيجب على الثاني أرش كامل قطعًا وإن كانت الموضحة واحدة في الصورة؛ لأن فعل غير الجاني لا ينبني على فعل الجاني؛ كما إذا قطع يديه، وحز رقبته آخر قبل الاندمال .. وجبت ديتان.

وقوله: (غيره) هو بفتح الراء، وكسرها؛ كما ضبطه المصنف بخطه، والتقدير فيهما: وسع موضحة غيره، لكن على الكسر أبقي المضاف إليه على حاله، وعلى الفتح حذف المضاف، وأقيم المضاف إليه مقامه، ويجوز فيها الرفع أيضًا على تقدير وسعها غيره.

(والجائفة كموضحة في التعدد) أي: يتعدد الأرش بعددها، حتى لو أجاف ثنتين ثم رفع الحاجز بينهما، أو تآكل ما بينهما، أو رفعه آخر .. فعلى ما سبق في الصور التي ذكرها في الإيضاح.

وقضية إطلاقه: أنه إذا وسعها غيره .. إيجاب جائفتين مطلقًا، وفيه تفصيل ذكره الأصحاب، فقالوا: إن أدخل السكين في جائفة غيره ولم يقطع شيئًا .. فلا ضمان عليه، ويعزر، وإن قطع شيئًا من الظاهر دون الباطن، أو بالعكس .. فعليه حكومة؛ لأنه جرح لم يكمل جائفة، وإن قطع من جانب بعض الظاهر، ومن جانب بعض

ص: 93

وَلَوْ نَفَذَتْ فِي بَطْنٍ وَخَرَجَتْ مِنْ ظَهْرٍ .. فَجَائِفَتَانِ فِي الأَصَحِّ، وَلَوْ أَوْصَلَ جَوْفَهُ سِنَانًا لَهُ طَرَفَانِ .. فَثِنْتَانِ، وَلَا يَسْقُطُ الأَرْشُ بِالْتِحَامِ مُوضِحَةٍ وَجَائِفَةٍ. وَالْمَذْهَبُ: أَنَّ فِي الأُذُنَيْنِ دِيَةً لَا حُكُومَةً،

===

الباطن .. ففي "التتمة": أنه ينظر في ثخانة اللحم والجلد، ويقسط أرش الجناية على المقطوع من الجانبين، وقد يقتضي التقسيط تمام الأرش؛ بأن يقطع نصف الظاهر من جانب، ونصف الباطن من جانب، ولو لم يقطع من أطراف الجائفة شيئًا، ولكن زاد في غورها، أو كان قد ظهر عضو باطن، كالكبد فغرز السكين فيه .. فعليه الحكومة.

(ولو نفذت في بطن وخرجت من ظهر .. فجائفتان في الأصح) لأنه جرحه جراحتين نافذتين إلى الجوف، والثاني: واحدة، لأن الثانية نفذت إلى الظاهر من الباطن، والجائفة عكس ذلك، لكن تجب معها حكومة على الأصحِّ، لأجل النفوذ من الجانب الآخر.

(ولو أوصل جوفه سنانًا له طرفان) والحاجز بينهما سليم ( .. فثنتان) لأن كل طرف منه واصل إلى الجوف، فيصدق اسم الجائفة على كل واحد منهما.

وكان ينبغي أن يقول: (ولو طعن جوفه بسنان له طرفان) لأن عبارته تصدق بما إذا أوصله من منفذ مفتوح.

(ولا يسقط الأرش بالتحام موضحة وجائفة) لأن مبنى الباب على اتباع الاسم وقد وجد، وسواء بقي شين أم لا على الصحيح.

(والمذهب: أن في الأذنين) قطعًا وقلعًا (دية لا حكومة) لحديث عمرو بن حزم: "وفِي الأُذُنِ خَمْسُونَ مِنَ الإبِلِ" رواه الدارقطني والبيهقي (1).

ولأنهما عضوان فيهما جمال ومنفعة، فوجب أن تكمل فيهما الدية كاليدين، وفي وجه أو قول مخرج: تجب فيهما الحكومة كالشعور.

ومحل الاقتصار على الدية: إذا لم يحصل مع استئصالهما إيضاح، فلو أوضح العظم .. وجب مع الدية أرش موضحة.

(1) سنن الدارقطني (3/ 209)، سنن البيهقي (8/ 85).

ص: 94

وَبَعْضٌ بقِسْطِهِ، وَلَوْ أَيْبَسَهُمَا .. فَدِيَةٌ، وَفِي قَوْلٍ: حُكُومَةٌ، وَلَوْ قَطَعَ يَابِسَتَيْنِ .. فَحُكُومَةٌ، وَفِي قَوْلٍ: دِيَةٌ. وَفِي كُلِّ عَيْنٍ نِصْفُ دِيَةٍ وَلَوْ عَيْنَ أَحْوَلَ وَأَعْمَشَ وَأَعْوَرَ، وَكَذَا مَنْ بِعَيْنِهِ بَيَاضٌ لَا يَنْقُصُ الضَّوْءَ،

===

(وبعض بقسطه) لأن ما وجبت فيه الدية وجب في بعضه بالقسط كالإصبع، ويقدر بالمساحة.

وشمل قوله: (بعض) ما لو قطع إحداهما، وما لو قطع البعض من إحداهما، فلهذا لم يحتج أن يقول: وفي إحداهما نصفها؛ كما قاله في "المحرر"(1).

(ولو أيبسهما) بالجناية عليهما ( .. فدية) كما لو ضرب يده فشلت، (وفي قول: حكومة) لأنه ليست المنفعة في حركة الأذن كالمنفعة في حركة اليد، وإنما منفعتها جمع الصوت، ومنع دخول الماء والهوام، وهي باقية.

(ولو قطع يابستين .. فحكومة، وفي قول: دية) هذا مبني على الخلاف قبلها؛ فإن قلنا هناك: تجب الدية [ .. وجب الحكومة، كقطع اليد الشلاء، وإن قلنا: تجب الحكومة .. وجب هنا الدية](2)، لأن المنفعة المرعية إنما بطلت بالقطع.

(وفي كل عين نصف دية) لحديث عمرو بن حزم، صححه ابن حبان والحاكم (3)، وحكى ابن المنذر فيه الإجماع (4)(ولو عين أحول، وأعمش، وأعور) ونحوها؛ كأخفش، وأجهر، لشمول الخبر، ولبقاء المنفعة، ولا نظر إلى تفاوتها؛ كما لا نظر إلى قوة البطش والمشي، وضعفهما.

وقوله: (وأعور) قد يوهم أن العين العوراء فيها نصف الدية، وليس كذلك، وإنما هو في الأخرى السليمة، واحترز بذلك: عمن يقول: في عين الأعور كل الدية.

(وكذا من بعينه بياض لا ينقص الضوء) في كل عين له نصف دية، ويكون كالثآليل

(1) المحرر (ص 404).

(2)

ما بين المعقوفين زيادة من غير (أ).

(3)

صحيح ابن حبان (6559)، المستدرك (1/ 395)، وأخرجه النسائي (8/ 57)، ومالك (2/ 849).

(4)

الإجماع (ص 168).

ص: 95

فَإِنْ نَقَصَ .. فَقِسْطٌ، فَإِنْ لَمْ يَنْضَبطْ .. فَحُكُومَةٌ. وَفِي كُلِّ جَفْنٍ رُبعٌ دِيَةٍ وَلَوْ لِأعْمَى، وَمَارِنٍ دِيَةٌ. وَفِي كُلٍّ مِنْ طَرَفَيْهِ والْحَاجِزِ ثُلُثٌ، وَقِيلَ: فِي الْحَاجِزِ حُكُومَةٌ، وَفِيهِمَا دِيَةٌ

===

في اليد والرجل، وسواء على بياض الحدقة وسوادها، (فإن نقص) الضوء وأمكن ضبط النقص بالاعتبار بالصحيحة التي لا بياض فيها ( .. فقسط) أي: يجب من الدية بقسط ما بقي، (فإن لم ينضبط .. فحكومة) بخلاف عين الأعمش.

والفرق: أن البياض نقص الضوء الذي كان في أصل الخلقة، وعين الأعمش لم ينقص ضوؤها عما كان في الأصل.

(وفي كل جفن ربع دية) لأن في الكل الدية؛ لأن فيها جمالًا ومنفعة؛ لصيانة العين عما يؤذيها، ففي الواحد ربعها (ولو لأعمى) لأن له بها منفعة وجمالًا وإن كانت منفعة البصير بها أعم.

(ومارن دية) لحديث عمرو بن حزم: "وَفِي الأَنْفِ إِذَا أُوعِبَ جَدْعُهُ .. الدِّيَةُ" صححه ابن حبان والحاكم (1)، وحمل على المارن؛ لما روى الشافعي عن طاووس أنه قال: عندي كتاب النبي صلى الله عليه وسلم، وفيه:"وَفِي الأَنْفِ إِذَا قُطِعَ مَارِنُهُ .. مِئَةٌ مِنَ الإبِلِ"(2)، والمارن: ما لان من الأنف وخلا من العظم، فيشمل الطرفين والحاجز بينهما.

(وفي كل من طرفيه والحاجز ثلث) توزيعًا للدية على المنخرين والحاجز، (وقبل: في الحاجز حكومة، وفيهما دية) لأن الجمال وكمال المنفعة فيهما دون الحاجز، وهذا ما حكياه عن النص، وابن سُريج، وأبي اسحاق، وتصحيح البغوي (3)، ولو قطع المارن وبعض القصبة .. اندرجت الحكومة في الدية على الصحيح في "الروضة"، لكن قال في "المهمات": إن الشافعي نص في "الأم" على إيجاب الحكومة، وإن الفتوى عليه (4).

(1) سبق تخريجه في (ص 87).

(2)

الأم (7/ 291).

(3)

روضة الطالبين (9/ 274)، الشرح الكبير (10/ 361).

(4)

روضة الطالبين (9/ 277)، المهمات (8/ 223 - 224).

ص: 96

وَكُلِّ شَفَةٍ نِصْفٌ، وَلِسَانٍ وَلَوْ لِألْكَنَ وَأَرَتَّ وَأَلْثَغَ وَطِفْلٍ دِيَةٌ، وَقِيلَ: شَرْطُ الطِّفْلِ ظُهُورُ أَثَرِ نُطْقٍ بِتَحْرِيكِهِ لِبُكَاءٍ وَمَصٍّ، وَلِأخرَسَ حُكُومَةٌ،

===

(وكل شفة نصف) سواء العليا والسفلى؛ لحديث عمرو بن حزم، صححه ابن حبان والحاكم (1).

وفي بعض نسخ الكتاب: (وهي في عرض الوجه إلى الشدقين، وفي طوله ما يستر اللثة على الأصحِّ)، وكذا قاله في "المحرر"(2)، وعن نسخة المصنف أنه ذكرها ثم ضرب عليها.

(ولسان) ناطق (ولو لألكن، وأرت، والثغ، وطفل دية) لإطلاق حديث عمرو بن حزم: "وَفِي اللِّسَانِ الدِّيَةُ" صححه ابن حبان والحاكم (3).

وقضيته: وجوب الدية ولو كان فاقد الذوق، لكن جزم الماوردي بالحكومة كالأخرس (4).

(وقيل: شرط الطفل ظهور أثر نطق بتحريكه لبكاء ومص) فإن لم يظهر؛ لقطعه ساعة ولادته .. فحكومة؛ لأن سلامته غير متيقنة، والأصل براءة الذمة، قال الرافعي:(وحكى الإمام قطع الأصحاب به، والذي يوجد في كتب عامة الأصحاب: وجوب الدية؛ أخذًا بظاهر السلامة؛ كما تجب الدية في يده ورجله وإن لم يكن بطش في الحال). انتهى (5)، وقد جزم الرافعي في (باب القصاص) بأنه يقطع لسان المتكلم بلسان الرضيع إن ظهر فيه أثر النطق بالتحريك عند البكاء وغيره، وإلا .. لم يقطع، قال: وإن بلغ أوان التكلم ولم يتكلم .. لم يقطع به لسان المتكلم (6).

(ولأخرس حكومة) لأن فيه جمالًا بدون منفعة يحتفل بها؛ إذ أعظم منافعه التعبير عما في القلب وهو مفقود، فأشبه اليد الشلاء، وهذا إذا لم يذهب بقطعه الذوق، أو

(1) سبق تخريجه في (ص 87).

(2)

المحرر (ص 404).

(3)

سبق تخريجه في (ص 87).

(4)

الحاوي الكبير (16/ 72).

(5)

الشرح الكبير (10/ 365).

(6)

الشرح الكبير (10/ 231).

ص: 97

وَكُلِّ سِنٍّ لِذَكَرٍ حُرٍّ مُسْلِمٍ خَمْسَةُ أَبْعِرَةٍ، سَوَاءٌ كَسَرَ الظَّاهِرَ مِنْهَا دُونَ السِّنْخِ أَوْ قَلَعَهَا بِهِ. وَفِي سِنٍّ زَائِدَةٍ حُكُومَةٌ، وَحَرَكَةُ السِّنِّ إِنْ قَلَّتْ .. فَكَصَحِيحَةٍ،

===

كان ذاهب الذوق، فأما إذا قطع لسان أخرس فذهب ذوقه .. وجبت الدية؛ لذهاب الذوق.

(وكل سن) أصلية (لذكر حر مسلم خمسة أبعرة) لحديث عمرو بن حزم: "وَفِي السِّنِّ خَمْسٌ مِنَ الإبِلِ" صححه ابن حبان والحاكم (1).

وخرج بالذكر: المرأة؛ ففي سنها بعيران ونصف، وبالحر: العبد؛ فيجب في سنه نصف عشر قيمته، وبالمسلم: الكافر، ففي سنه نصف عشر دية صاحبه.

ولو عبر المصنف بنصف عشر دية صاحبه .. لتناول جميع الصور، واستفيد به التغليظ والتخفيف.

ويستثنى من إطلاقه: ما لو انتهى صغر السن إلى الا يصلح للمضغ .. فليس فيها إلا حكومة.

(سواء كسر الظاهر منها دون السنخ، أو قلعها به) لأنه تابع فأشبه الكف مع الأصابع.

والسنخ: بكسر السين، ثم نون ساكنة، ثم خاء معجمة: أصل السن المستتر باللحم.

وقضيته: أنه لو تحركت السليمة وهي باقية في موضعها، ولكن أذهبت الجناية جميع منافعها .. عدم وجوب الدية، لكن صرح الماوردي بوجوب الدية بذلك (2)، وذهاب جميع منافعها مع بقائها مستبعد؛ فإن منفعة الجمال، وحبس الطعام والريق موجودة مع بقائها.

(وفي سن زائدة حكومة) كالإصبع الزائدة، (وحركة السن إن قلت .. فكصحيحة) في وجوب القصاص والأرش.

(1) سبق تخريجه في (ص 87).

(2)

الحاوي الكبير (16/ 75).

ص: 98

وَإِنْ بَطَلَتِ الْمَنْفَعَةُ .. فَحُكُومَةٌ، أَوْ نَقَصَتْ .. فَالأَصَحُّ: كَصَحِيحَةٍ. وَلَوْ قَلَعَ سِنَّ صَبِيٍّ لَمْ يُثْغَرْ فَلَمْ تَعُدْ وَبَانَ فَسَادُ الْمَنْبتِ .. وَجَبَ الأَرْشُ، وَالأَظْهَرُ: أَنَّهُ لَوْ مَاتَ قَبْلَ الْبَيَانِ .. فَلَا شَيْءَ، وَأَنَّهُ لَوْ قَلَعَ سِنَّ مَثْغُورٍ فَعَادَتْ .. لَا يَسْقُطُ الأَرْشُ، وَلَوْ قُلِعَتِ الأَسْنَانُ .. فَبِحِسَابِهِ، وَفِي قَوْلٍ: لَا يَزِيدُ عَلَى دِيَةٍ إِنِ اتَّحَدَ جَانٍ وَجِنَايَةٌ

===

(وإن بطلت المنفعة .. فحكومة) فقط، للشين، ولعل المراد: منفعة المضغ لا كل منفعة؛ إذ إبطال كل المنافع مع بقائها بعيد كما مر، (أو نقصت .. فالأصح: كصحيحة) فيجب الأرش؛ لبقاء الجمال، وأصل النفع بها في المضمغ، وحفظ الطعام، ورد الريق، ولا أثر لضعفها؛ كضعف البطش والمشي، والثاني: لا، بل الواجب الحكومة؛ لنقصان المنفعة؛ كاليد الشلاء.

وكان ينبغي التعبير: بالأظهر؛ كما في "الروضة" و"أصلها"؛ فإن الخلاف قولان منصوصان في "الأم"(1).

(ولو قلع سن صبي لم يثغر فلم تعد) بعد أوان العود (وبان فساد المنبت .. وجب الأرش) كسن المثغور، فلو عادت .. لم يجب الأرش، بل الحكومة إن بقي شين، وإلا .. فلا، (والأظهر: أنه لو مات قبل البيان) أي: قبل تبين حال طلوعها وعدمه ( .. فلا شيء) لأن الأصل براءة الذمة، والظاهر: أنه لو عاش .. لعادت، والثاني: يجب الأرش؛ لتحقق الجناية، وا لأصل عدم العود، وعلى الأول: تجب الحكومة، خلافًا لما يوهمه كلام "الكتاب".

(وأنه لو قلع سن مثغور فعادت .. لا يسقط الأرش) لأن العائد نعمة جديدة، والثاني: نعم؛ لأن متعلق الأرش فساد المنبت مع القلع، وقد بأن أنه لم يفسد.

(ولو قلعت الأسنان .. فبحسابه) فيجب لكل سن خمس من الإبل؛ للحديث السابق (2)، وهي تزيد غالبًا على قدر الدية، فتجب مئة وستون بعيرًا إذا كان كامل الأسنان، وهي اثنان وثلاثون سنًّا، (وفي قول: لا يزيد على دية إن اتحد جان وجناية) لأن الأسنان جنس متعدد من الأجزاء والأطراف فأشبهت الأصابع وسائر الأعضاء.

(1) روضة الطالبين (9/ 280)، الشرح الكبير (10/ 373).

(2)

في (ص 98).

ص: 99

وَكُلِّ لَحْيٍ نِصْفُ دِيَةٍ، وَلَا يَدْخُلُ أَرْشُ الأَسْنَانِ فِي دِيَةِ اللَّحْيَيْنِ فِي الأَصَحِّ

===

وفرق الأول: بأنا إنما اعتبرنا الأسنان في أنفسها وإن زاد أرشها على الدية؛ لأنها يختلف نباتها ويتقدم ويتأخر، فاحتيج إلى اعتبارها في أنفسها، بخلاف الأصابع؛ فإنها متساوية متفقة في النبات، فقسطت الدية عليها.

واحترز بقوله: (إن اتحد) عما لو تعدد الجاني؛ بأن قلع عشرين، وقلع آخر الباقي .. لزم الأول مئة، والثاني ستون قطعًا.

وإن تعددت الجناية؛ بأن قلع البعض ثم عاد وقلع الباقي بعد الاندمال؛ أي: بأن برأت اللثة وزال الالم .. لزمه مئة وستون قطعًا، وإن قلع الباقي قبل الاندمال .. فعلى القولين.

وقضية إطلاق المصنف: أنه لو زادت الأسنان على اثنين وثلاثين .. يجب لكل سن خمس من الإبل.

وفي المسألة وجهان: أحدهما: هذا، والثاني: لا تجب للزائد إلا حكومة، ولم يرجحا شيئًا.

(وكل لحي نصف دية) أي: ففي اللحيين الدية؛ لأن فيهما جمالًا ومنفعة، فوجبت فيهما الدية، وفي أحدهما نصفها؛ كالأذنين.

واللحيان: هما العظمان اللذان ينبت عليهما الأسنان السفلى، ويجتمع مقدمهما في الذقن، ومؤخرهما في الأذن.

(ولا يدخل أرش الأسنان في دية اللحيين في الأصح) إذا كان عليهما الأسنان، بل تجب دية اللحيين وأرش الأسنان؛ لأن كل واحد من العضوين مستقل برأسه، لكل واحد منهما بدل مقدر، فلا يدخل أحدهما في الآخر؛ كالأسنان واللسان، والثاني: يدخل، كما تدخل حكومة الكف في دية الأصابع.

وفرق الأول: بأن اسم اليد يشمل الكف والأصابع، ولا يشمل اسم اللحيين الأسنان؛ ولأن اللحيين كاملان في الخلق قبل الأسنان بدليل الطفل، بخلاف الكف مع الأصابع؛ لأنهما كالعضو الواحد.

ص: 100

وَكُلِّ يَدٍ نِصْفُ دِيَةٍ إِنْ قَطَعَ مِنْ كَفٍّ، وَإِنْ قَطَعَ فَوْقَهُ .. فَحُكُومَةٌ أَيْضًا، وَكُلِّ إِصبَعٍ عَشَرَةُ أَبْعِرَةٍ، وَأَنْمُلَةٍ ثُلُثُ الْعَشَرَةِ، وَأَنْمُلَةِ إِبْهَامٍ نِصْفُهَا، وَالرِّجْلَانِ كَالْيَدَيْنِ. وَفِي حَلَمَتَيْهَا دِيَتُهَا،

===

(وكل يد نصف دية إن قطع من كف) لحديث عمرو بن حزم: "وَفِي الْيَدِ خَمْسُونَ" رواه أبو داوود (1)، ونقل ابن المنذر فيه الإجماع (2)، وإنما حملنا اليد في الخبر على الكف؛ لقوله تعالى:{فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} ، وقطع عليه الصلاة والسلام من مفصل الكف، فدل على أنها اليد لغة وشرعًا.

(وإن قطع فوقه) أي: الكف ( .. فحكومة أيضًا) مع دية اليد؛ لأنه تجاوز القدر فيضمن بدله؛ كما لو انفرد بالقطع؛ ولأن ما فوق الكف ليس بتابع، وليس فيه أرش مقدر، بخلاف الكف مع الأصابع؛ لأنهما كالعضو الواحد.

(وكل إصبع) من اليد من صاحب الدية الكاملة (عشرة أبعرة) لحديث عمرو بن حزم، صححه ابن حبان والحاكم (3).

(وأنملة ثلث العشرة) بالإجماع؛ كما نقله ابن المنذر (4)، (وأنملة إبهام نصفها) عملًا بالتقسيط.

(والرجلان كاليدين) فيما سبق، ففيهما كمال الدية، وفي أحدهما: نصفها؛ لحديث عمرو بن حزم، صححه ابن حبان والحاكم (5).

وتكمل ديتهما بالتقاط أصابعهما، والقدم كالكف، والساق كالساعد، والفخذ كالعضد، وأناملهما كأنامل أصابع اليدين.

(وفي حلمتيها) وهما رأس ثدييها (ديتها) وفي إحداهما نصفها؛ لما فيهما من منفعة الإرضاع وجمال الثدي؛ كما أن منفعة اليد بالأصابع، وسواء ذهبت منفعة الإرضاع أم بقيت.

(1) في "المراسيل"(246).

(2)

الإجماع (ص 169).

(3)

سبق تخريجه في (ص 87).

(4)

الإجماع (ص 169).

(5)

سبق تخريجه في (ص 87).

ص: 101

وَحَلَمَتَيْهِ حُكُومَةٌ، وَفِي قَوْلٍ: دِيَةٌ، وَفِي أُنْثَيَيْنِ دِيَةٌ، وَكَذَا ذَكَرٌ وَلَوْ لِصَغِيرٍ وَشَيْخٍ وَعِنِّينٍ. وَحَشَفَةٌ كَذَكَرٍ، وَبَعْضُهَا بِقِسْطِهِ مِنْهَا، وَقِيلَ: مِنَ الذَّكَرِ،

===

(وحلمتيه حكومة) لأنه ليس فيه منفعة الرضاع، فهو إتلاف جمال فقط، (وفي قول: دية) أي: دية رجل، للقاعدة: أن كل ما وجب فيه الدية من المرأة .. وجبت فيه من الرجل؛ كاليدين، قال الروياني: وليس للرجل ثدي وإنما هي قطعة لحم من صدره.

(وفي أنثيين دية، وكذا ذكر) لحديث عمرو بن حزم: "وَفِي الْبَيْضَتَيْنِ الدِّيَةُ، وَفِي الذَّكَرِ الدِّيَةُ" صححه ابن حبان والحاكم (1).

(ولو لصغير، وشيخ، وعنين) وخصي، لإطلاق الخبر المذكور، ولأن ذكر الخصي سليم، وهو قادر على الإيلاج، وإنما الفائت الإيلاد، وأيضًا العنة عيب في غير الذكر، لأن الشهوة في القلب، والمني في الصلب، وليس الذكر بمحل لأحدهما، فكان سليمًا من العيب، بخلاف الأشل.

(وحشفة كذكر) فتجب فيها دية، لأن ما عداها من الذكر تابع لها، كالكف مع الأصابع، فمعظم منافع الذكر وهو لذة المباشرة تتعلق بها، وأحكام الوطء تدور عليها، (وبعضها بقسطه منها) لأن الدية تكمل بقطعها، فقسطت على أبعاضها، (وقيل: من الذكر) لأنه المقصود بكمال الدية، فإن كان المقطوع نصفها وهو سدس الذكر .. وجب نصف الدية على الأول، وسدسها على الثاني.

هذا إذا لم يختل مجرى البول، فإن اختل .. فعليه أكثر الأمرين من قسط الدية وحكومة فساد المجرى، نقلاه عن المتولي، وأقراه (2)، وقاله البَنْدَنيجي أيضًا، قال الأَذْرَعي: وفي "البيان" عن النص ما يوافقه، ونقله الزركشي عن نص "الأم"، وتعقبه البُلْقيني بأن القطعة من الحشفة التي لها الحصة المعلومة لا تدخل في الحكومة، بل يجب أرشها بالنسبة على ما سبق، وتجب لفساد المجرى حكومة.

(1) سبق تخريجه في (ص 87).

(2)

الشرح الكبير (10/ 383)، روضة الطالبين (9/ 287).

ص: 102