الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَصْلٌ [في آلة الذبح والصيد]
يَحِلُّ ذَبْحُ مَقْدُورٍ عَلَيْهِ وَجَرْحُ غَيْرِهِ بكُلِّ مُحَدَّدٍ يَجْرَحُ كَحَدِيدٍ وَنُحَاسٍ وَذَهَبٍ وَخَشَبٍ وَقَصَبٍ وَحَجَرٍ وَزُجَاجٍ، إِلَّا ظُفْرًا وَسِنًّا وَسَائِرَ الْعِظَامِ، فَلَوْ قَتَلَ بِمُثَقَّلٍ أَوْ ثِقَلِ مُحَدَّدٍ، كَبُنْدُقَةٍ وَسَوْطٍ وَسَهْمٍ بِلَا نَصْلٍ وَلَا حَدٍّ، أَوْ سَهْمٍ وَبُنْدُقَةٍ، أَوْ جَرَحَهُ نَصْلٌ وَأَثَّرَ فِيهِ عُرْضُ السَّهْمِ فِي مُرُورِهِ وَمَاتَ بِهِمَا، أَوِ انْخَنَقَ بِأُحْبُولَةٍ، أَوْ أَصَابَهُ سَهْمٌ فَوَقَعَ بِأَرْضٍ أَوْ جَبَلٍ ثُمَّ سَقَطَ مِنْهُ .. حَرُمَ،
===
(فصل: يحل ذبح مقدور عليه، وجرح غيره بكل محدد يجرح؛ كحديد، ونحاس، وذهب) وفضة (وخشب، وقصب، وحجر، وزجاج) لأن ذلك أوحى لإزهاق الروح، (إلا ظفرًا وسنًّا وسائر العظام) لقوله عليه السلام:"مَا أَنْهَرَ الدَّمَ وَذُكِرَ اسْمُ الله عَلَيْهِ فَكُلْ، لَيْسَ السِّنَّ وَالظُّفْرَ، وَسَأُحَدِّثكُمْ عَنْ ذَلِكَ، أَمَّا السِّنُّ: فَعَظْمٌ، وَأَمَّا الظُّفُرُ: فَمُدَى الْحَبَشَةِ" متفق عليه (1).
ويستثنى من الظفر والسن: ما قتله الكلب ونحوه بظفره أو نابه؛ فإنه يحل للحاجة.
(فلو قتل بمثقل، أو ثقل محدد؛ كبندقة، وسوط، وسهم بلا نصل ولا حد، أو سهم وبندقة، أو جرحه نصل وأثر فيه عرض السهم في مروره ومات بهما، أو انخنق بأحبولة) منصوبة له (أو أصابه سهم فوقع بأرض أو جبل، ثم سقط منه .. حرم) أما في القتل بالمثقل .. فلأنه موقوذة؛ لأن الموقوذة ما قتل بحجر، أو بما لا حد له، وأما موته بالسهم، والبندقة، وما بعدها .. فلأنه مات بسببين مبيح ومحرم فغلب المحرم؛ لأنه الأصل في الميتات.
(1) صحيح البخاري (5498)، صحيح مسلم (1968) عن رافع بن خديج رضي الله عنه، اختلفوا في معنى النهي عن العظم، فقيل: تعبد، ومال إليه ابن عبد السلام، وابن الصلاح، وقال المصنف في "شرح مسلم" [13/ 124 - 125]: سببه أنها تتنجس بالدم، وثبت النهي عن الاستنجاء بها؛ لكونها زاد الجن، وقال ابن الجوزي في "مشكل الصحيحين": إن اجتناب الذبح بالعظم كان عند العرب، فأشار بذلك إليه. اهـ هامش (أ).
وَلَوْ أَصَابَهُ سَهْمٌ بِالْهَوَاءِ فَسَقَطَ بِأَرْضٍ وَمَاتَ .. حَلَّ. وَيَحِلُّ الاصْطِيَادُ بِجَوَارِحِ السِّبَاعِ وَالطَّيْرِ؛ كَكَلْبٍ وَفَهْدٍ وَبَازٍ وَشَاهِينٍ بِشَرْطِ كَوْنِهَا مُعَلَّمَةً؛ بِأَنْ تنزَجِرَ جَارِحَةُ السِّبَاعِ بِزَجْرِ صَاحِبِهِ وَتستَرْسِلَ بِإِرْسَالِهِ،
===
ومسألة الأحبولة داخلة في قوله تعالى: {وَالْمُنْخَنِقَةُ} ، وكان ينبغي للمصنف إخراجها من بين صور الموت بسببين.
وأما إذا أصابه سهم فوقع على جبل، ثم سقط منه .. فلأنه لا ندري من أيهما مات.
ولو عبر بدل (أرض) بسطح، كما في "المحرر" و"الشرح" و"الروضة" .. لكان أولى (1)؛ لأن المتبادر إلى الفهم منه أنه وقع بأرض، ولم ينتقل عنها، وأن قوله:(ثم سقط منه) يعود للجبل؛ لإفراده الضمير، وقد قال عقبه: إنه (لو أصابه سهم بالهواء فسقط بأرض، ومات .. حل)، فإن حمل كلامه أولًا على أنه وقع بارض عالية ثم سقط منها .. فليس في عبارته ما يدل عليه.
(ولو أصابه سهم بالهواء) أو على شجرة، أو غيرها (فسقط بأرض ومات .. حل) لأن الوقوع على الأرض لا بد منه فعفي عنه؛ كما لو كان الصيد قائمًا فوقع على جنبه لما أصابه السهم، وانصدم بالأرض، وكلامه مقيد بما إذا جرحه السهم في الهواء جرحًا مؤثرًا، فلو لم يجرحه، بل كسر جناحه فوقع فمات، أو جرحه جرحًا لا يؤثر فعطل جناحه فوقع فمات .. لم يحل؛ لعدم مبيح بحال الموت عليه.
(ويحل الاصطياد بجوارح السباع والطير؛ ككلب، وفهد، وباز، وشاهين) لقوله تعالى: {أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ} أي: وصيد ما علمتم، (بشرط كونها معلمة) فإن لم تكن معلمة .. لم يحل ما قتلته، فإن أدركه وفيه حياة مستقرة .. فلا بد من ذبحه؛ لقوله عليه السلام لأبي ثعلبة الخشني:"مَا صِدْتَ بِكَلْبِكَ الْمُعَلَّمِ فَذَكَرْتَ اسْمَ الله عَلَيْهِ .. فَكُلْ، وَمَا صِدْتَ بِكَلْبِكَ غَيْرِ الْمُعَلَّمِ فَأَدْرَكْتَ ذَكَاتَهُ .. فَكُلْ" متفق عليه (2).
(بأن تنزجر جارحة السباع) أي: يقف (بزجر صاحبه، وتسترسل بإرساله) فإذا
(1) المحرر (ص 463)، الشرح الكبير (12/ 17)، روضة الطالبين (3/ 244).
(2)
صحيح البخاري (5478)، صحيح مسلم (1930).
وَتُمْسِكَ الصَّيْدَ وَلَا تَأْكُلَ مِنْهُ، وَيُشْتَرَطُ تَرْكُ الأَكْلِ فِي جَارِحَةِ الطَّيْرِ فِي الأَظْهَرِ، وَيُشْتَرَطُ تَكَرُّرُ هَذِهِ الأُمُورِ بِحَيْثُ يُظَنُّ تأدُّبُ الْجَارِحَةِ، وَلَوْ ظَهَرَ كَوْنُهُ مُعَلَّمًا ثُمَّ أَكَلَ مِنْ لَحْمِ صَيْدٍ .. لَمْ يَحِلَّ ذَلِكَ الصَّيْدُ فِي الأَظْهَرِ، ويُشْتَرَطُ تَعْلِيمٌ جَدِيدٌ،
===
أغراه على الصيد .. هاج؛ لقوله تعالى: {مُكَلِّبِينَ} قال الشافعي: إذا أمرت الكلب فأْتمر، وإذا نهيته فانتهى .. فهو مكلب، حكاه العبادي في "طبقاته" عن رواية يونس.
(وتمسك الصيد، ولا تأكل منه) لحديث: "إِذَا أَرْسَلْتَ كَلْبَكَ الْمُعَلَّمَ، وَذَكَرْتَ اسْمَ الله عَلَيْهِ .. فَكُلْ مَا أَمْسَكَ عَلَيْكَ إِلَّا أَنْ يَأْكُلَ الْكَلْبُ .. فَلَا تَأْكُلْ، فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ يَكُونَ إِنَّمَا أَمْسَكَ عَلَى نَفْسِهِ" متفق عليه (1).
(ويشترط: ترك الأكل في جارحة الطير في الأظهر) قياسًا على جوارح السباع، والثاني: لا؛ لأن تركه يكون بالضرب، وهي لا تحمله، واقتصاره على هذا الشرط يقتضي أنه لا يشترط فيها غير ذلك، وليس كذلك، فقد اعتبر الرافعي الشرط الثاني، وهو استرسالها بالإرسال (2)، قال الإمام: ولا مطمع في انزجار جوارح الطير بعد الطيران (3).
(ويشترط: تكرر هذه الأمور بحيث يظن تأدب الجارحة) والرجوع في عدد ذلك إلى أهل الخبرة بالجوارح، وقيل: يشترط تكرره ثلاث مرات، وقيل: مرتين.
(ولو ظهر كونه معلمًا، ثم أكل من لحم صيد) قبل قتله، أو بعده ( .. لم يحل ذلك الصيد في الأظهر) لأن عدم الأكل شرط في التعلم ابتداءً، فكذا دوامًا، والثاني: يحل، لأن الأصل بقاؤه على التأديب، والأكل يحتمل أن يكون لشدة جوع، أو غيظ على الصيد إذا أتعبه.
وفصل جماعة فقالوا: إن أكل عقب القتل .. فالقولان، وإلا .. فيحل قطعًا.
(ويشترط تعليم جديد) إذا قلنا بالتحريم؛ لفساد التعليم الأول، ولا ينعطف
(1) صحيح البخاري (175)، صحيح مسلم (1929/ 2) عن عدي بن حاتم رضي الله عنه.
(2)
الشرح الكبير (12/ 20).
(3)
نهاية المطلب (18/ 105).
وَلَا أَثَرَ لِلَعْقِ الدَّمِ، وَمَعَضُّ الْكَلْبِ مِنَ الصَّيْدِ نَجِسٌ، وَالأَصَحُّ: أَنَّهُ لَا يُعْفَى عَنْهُ، وَأَنَّهُ يَكْفِي غَسْلُهُ بِمَاءٍ وَتُرَابٍ، وَلَا يَجِبُ أَنْ يُقَوَّرَ وَيُطْرَحَ. وَلَوْ تَحَامَلَتِ الْجَارِحَةُ عَلَى صَيْدٍ فَقَتَلَتْهُ بِثِقَلِهَا .. حَلَّ فِي الأَظْهَرِ. وَلَوْ كَانَ بِيَدِهِ سِكِّينٌ فَسَقَطَ وَانْجَرَحَ بِهِ صَيْدٌ أَوِ احْتكَّتْ بِهِ شَاةٌ وَهُوَ فِي يَدِهِ فَانْقَطَعَ حُلْقُومُهَا وَمَرِيئُهَا أَوِ أسْتَرْسَلَ كَلْبٌ بِنَفْسِهِ فَقَتَلَ .. لَمْ يَحِلَّ، وَكَذَا لَوِ اسْتَرْسَلَ فَأَغْرَاهُ صَاحِبُهُ فَزَادَ عَدْوُهُ فِي الأَصَحِّ،
===
التحريم على ما اصطاده من قبل خلافًا لأبي حنيفة.
(ولا أثر للعق الدم) لأنه لا يقصد للصائد، والمنع منوط في الحديث بالأكل ولم يوجد.
(ومعض الكلب من الصيد نجس) كغير ما ينجسه الكلب، (والأصح: أنه لا يعفى عنه) كولوغه، والثاني: نعم؛ لعسر الاحتراز.
(وأنه يكفي غسله بماء وتراب) سبعًا كغيره (ولا يجب أن يقور ويطرح) لأنه لم يرد، والثاني: يجب؛ لأن الموضع تشَرَّب لعابه، فلا يتخلله الماء.
(ولو تحاملت الجارحة على صيد .. فقتلته بثقلها .. حل في الأظهر) لعموم قوله تعالى: {فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ} ، ولأنه يعز تعليمه ألا يقتل إلا جرحًا، والثاني: لا؛ لأنه آلة فلم يحل بثقله.؛ كالسلاح، ولأن الله تعالى سماها جوارح فينبغي أن تجرح، والأول قال: الجوارح الكواسب.
(ولو كان بيده سكين فسقط وانجرح به صيد، أو احتكت به شاة وهو في يده فانقطع حلقومها ومريئها، أو استرسل كلب بنفسه فقتل .. لم يحل) أما في الأولى والثانية .. فلأن القصد يعتبر في الذبح ولم يوجد، وفي الثالثة: لم يرسل، وقد قيد عليه السلام جواز الأكل بالإرسال، فقال:"إِذَا أَرْسَلْتَ كَلْبَكَ الْمُعَلَّمَ .. فَكُلْ"(1).
(وكذا لو استرسل فأغراه صاحبه فزاد عدوه في الأصح) لاجتماع المحرم والمبيح فغلب المحرم، والثاني: يحل؛ لظهور أثر الإغراء بالعدو، فانقطع به الاسترسال، وصار كأنه جرح بإغراء صاحبه.
(1) سبق تخريجه (ص 338).
وَلَوْ أَصَابَهُ سَهْمٌ بِإِعَانَةِ رِيحٍ .. حَلَّ. وَلَوْ أَرْسَلَ سَهْمًا لاخْتِبَارِ قُوَّتهِ أَوْ إِلَى غَرَضٍ فَاعْتَرَضَ صَيْدٌ فَقَتَلَهُ .. حَرُمَ فِي الأَصَحِّ، وَلَوْ رَمَى صَيْدًا ظَنَّهُ حَجَرًا أَوْ سِرْبَ ظِبَاءٍ فَأَصَابَ وَاحِدَة .. حَلَّتْ، وَإِنْ قَصَدَ وَاحِدَة فَأَصَابَ غَيْرَهَا .. حَلَّتْ فِي الأَصَحِّ. وَلَوْ غَابَ عَنْهُ الْكَلْبُ وَالصَّيْدُ ثُمَّ وَجَدَهُ مَيْتًا .. حَرُمَ،
===
واحترز بقوله: (فزاد عدوه): عما إذا لم يزد .. فإنه يحرم جزمًا، وبقوله:(فأغراه) عما إذا زجره .. فإنه إن وقف ثم أغراه وقتل .. يحل جزما، وإن لم ينزجر ومضى على وجهه .. يحرم جزمًا.
وقوله: (صاحبه) يفهم: أنه لو أغراه أجنبي .. لا يكون الحكم كذلك، وليس كذلك، فقد قال الشافعي في "المختصر": وسواء استشلاه - أي: أرسله - صاحبه، أو غيره (1)، قال في "البحر": ولا فرق بين أن يستشليه الأجنبي بإذن صاحبه، أو بغير إذنه إذا كان ممن تحل ذكاته.
(ولو أصابه) أي: الصيد (سهم بإعانة ريح) وكان يقصر عنه لولا الريح ( .. حل) لأن الاحتراز عن هبوبها لا يمكن، فلا يتغير به حكم الإرسال.
(ولو أرسل سهمًا لاختبار قوته، أو إلى غرض فاعترض صيد فقتله .. حرم في الأصح) لانتفاء قصده، والثاني: يحل، لوجود قصد الفعل، وكذا لو أرسله على ما لا يؤكل كذئب، فأصاب صيدًا لم يحل في الأصح.
(ولو رمى صيدًا ظنه حجرًا، أو سرب ظباء فأصاب واحدة .. حلت) أما في الأولى .. فلأنه قتله بفعله ولا اعتبار بظنه، وأما في الثانية .. فلأنه قصدَ السرب، وهذا منه.
(وإن قصد واحدة) من السرب (فأصاب غيرها) من ذلك السرب أو غيره ( .. حلت في الأصح) لوجود قصد الصيد، والثاني: المنع؛ لإصابته غير ما قصده.
(ولو غاب عنه الكلب والصيد) قبل أن يجرحه الكلب (ثم وجده ميتًا .. حرم) لاحتمال موته بسبب آخر، ولا أثر لتضمخه بدمه فربما جرحه الكلب، وأصابته جراحة أخرى.
(1) مختصر المزني (ص 282).