المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب موجبات الدية والعاقلة والكفارة - بداية المحتاج في شرح المنهاج - جـ ٤

[بدر الدين ابن قاضي شهبة]

فهرس الكتاب

- ‌كتابُ الجراح

- ‌فَصْلٌ [في اجتماع مباشرتين]

- ‌فَصْلٌ [في شروط القود]

- ‌فَصْلٌ [في تغير حال المجروح بحرية أو عصمة أو إهدار أو بمقدار للمضمون به]

- ‌فَصْلٌ [في شروط القصاص في الأطراف والجراحات والمعاني]

- ‌بابُ كيفيَّة القصاص ومستوفيه والاختلاف فيه

- ‌فَصْلٌ [في اختلاف مستحق الدم والجاني]

- ‌فَصْلٌ [في مستحق القود ومستوفيه وما يتعلق بهما]

- ‌فَصْلٌ [في موجب العمد وفي العفو]

- ‌كتابُ الدِّيات

- ‌فَصْلٌ [في موجب ما دون النفس من جرح أو نحوه]

- ‌فَرْعٌ [في موجب إزالة المنافع]

- ‌فَرْعٌ [في اجتماع جنايات على شخص]

- ‌فَصْلٌ [في الجناية التي لا تقدير لأرشها والجناية على الرقيق]

- ‌‌‌بابُ موجبات الدِّية والعاقلة والكفَّارة

- ‌بابُ موجبات الدِّية والعاقلة والكفَّارة

- ‌فَصْلٌ [في الاصطدام ونحوه مما يوجب الاشتراك في الضمان وما يذكر مع ذلك]

- ‌فَصْلٌ [في العاقلة وكيفية تأجيل ما تحمله]

- ‌فَصْلٌ [في جناية الرقيق]

- ‌فَصْلٌ [في الغرة]

- ‌فَصْلٌ [في كفارة القتل]

- ‌كتابُ دعوى الدَّم والقسامة

- ‌فَصْلٌ [فيما يثبت به موجب القود وموجب المال بسبب الجناية من إقرار وشهادة]

- ‌كتابُ البُغاة

- ‌فَصْلٌ [في شروط الإمام الأعظم وبيان طرق الإمامة]

- ‌كتابُ الرِّدَّة

- ‌كتابُ الزِّنا

- ‌كتابُ حد القذف

- ‌كتابُ قطع السرقة

- ‌فصلٌ [فيما يمنع القطع وما لا يمنعه]

- ‌ باب

- ‌فصلٌ [في شروط السارق الذي يقطع]

- ‌بابُ قاطع الطريق

- ‌فَصْلٌ [في اجتماع عقوبات على شخص واحد]

- ‌كتابُ الأشربة

- ‌فَصْلٌ [في التعزير]

- ‌كتابُ الصِّيال وضمان الولاة

- ‌فَصْلٌ [في حكم إتلاف البهائم]

- ‌كتابُ السِّيَر

- ‌فَصْلٌ [في مكروهات ومحرمات ومندوبات في الجهاد وما يتبعها]

- ‌فَصْلٌ [في حكم الأسر وأموال أهل الحرب]

- ‌فَصْلٌ [في أمان الكفار]

- ‌كتابُ الِجزْيَة

- ‌فَصْلٌ [في مقدار الجزية]

- ‌باب

- ‌فَصْلٌ [في أحكام عقد الجزية]

- ‌بابُ الهدنة

- ‌كتابُ الصَّيد والذَّبائح

- ‌فَصْلٌ [في آلة الذبح والصيد]

- ‌فَصْلٌ [فيما يملك به الصيد وما يذكر معه]

- ‌كتاب الأضحية

- ‌فَصْلٌ [في العقيقة]

- ‌كتاب الأطعمة

- ‌كتاب المسابقة والمناضلة

- ‌كتابُ الأيمان

- ‌فصلٌ [في صفة الكفارة]

- ‌فصلٌ [في الحلف على السكنى والمساكنة وغيرهما]

- ‌فصلٌ [في الحلف على أكل وشرب مع بيان ما يتناوله]

- ‌فصلٌ [في مسائل منثورة ليقاس بها غيرها]

- ‌فصلٌ [في الحلف على ألا يفعل كذا]

- ‌كتاب النَّذر

- ‌فصلٌ [في نذر النسك والصدقة والصلاة وغيرها]

- ‌كتابُ القضاء

- ‌فصلٌ [فيما يقتضي انعزال القاضي أو عزله وما يذكر معه]

- ‌(باب

- ‌فصلٌ [في آداب القضاء وغيرها]

- ‌فصلٌ [في التسوية وما يتبعها]

- ‌بابُ القضاء على الغائب

- ‌فصلٌ [في بيان الدعوى بعين غائبة]

- ‌فصلٌ [في بيان من يحكم عليه في غيبته وما يذكر معه]

- ‌بابُ القِسْمَة

- ‌كتابُ الشهادات

- ‌فصلٌ [فيما يعتبر فيه شهادة الرجال]

- ‌فصلٌ [في تحمل الشهادة وأدائها]

- ‌فصلٌ [في الشهادة على الشهادة]

- ‌فصلٌ [في الرجوع عن الشهادة]

- ‌كتابُ الدعوى والبيّنات

- ‌فصلٌ [فيما يتعلق بجواب المدعى عليه]

- ‌فصلٌ [في كيفية الحلف والتغليظ فيه]

- ‌فصلٌ [في تعارض البينتين]

- ‌فصلٌ [في اختلاف المتداعيين في العقود]

- ‌فصلٌ [في شروط القائف]

- ‌كتابُ العتِق

- ‌فصلٌ [في العتق بالبعضية]

- ‌فصلٌ [في الإعتاق في مرض الموت وبيان القرعة في العتق]

- ‌فصلٌ [في الولاء]

- ‌كتابُ التَّدبير

- ‌فصلٌ [في حكم حمل المدبرة]

- ‌كتابُ الكِتابة

- ‌فَصْلٌ [فيما يلزم السيد بعد الكتابة]

- ‌فَصْلٌ [في بيان لزوم الكتابة وجوازها]

- ‌فَصْلٌ [في مشاركة الكتابة الفاسدة الصحيحة]

- ‌كتابُ أمّهات الأولاد

- ‌أهمّ مصادر ومراجع التّحقيق

الفصل: ‌باب موجبات الدية والعاقلة والكفارة

‌‌

‌بابُ موجبات الدِّية والعاقلة والكفَّارة

صَاحَ عَلَى صَبِيٍّ لَا يُمَيزُ عَلَى طَرَفِ سَطْحٍ فَوَقَعَ بِذَلِكَ فَمَاتَ .. فَدِيَةٌ مُغَلَّظَةٌ عَلَى الْعَاقِلَةِ، وَفِي قَوْلٍ: قِصَاصٌ. وَلَوْ كَانَ بِأَرْضٍ، أَوْ صَاحَ عَلَى بَالِغٍ

===

[باب موجبات الدية والعاقلة والكفارة]

تقدم الكلام على لفظ الدية في الباب قبله.

والعاقلة: سموا بذلك؛ لأنهم يعقلون الإبل بفناء دار القتيل، وقيل: لأنهم يمنعون عنه، والعقل: المنع، وقيل: لإعطائها العقل الذي هو الدية.

والكفارة: تقدم الكلام عليها في بابها، وأراد بالكفارة كفارة القتل، وكان ينبغي أن يزيد: وجناية العبد والغرة؛ فإنهما من فصول الباب.

(صاح على صبي لا يميز) وكذا ضعيف التمييز؛ كما قاله الإمام (1) على طرف سطح) أو شفير بئر، أو نهر صيحة منكرة (فوقع بذلك فمات) منه ( .. فدية مغلظة على العاقلة) لأنه يتأثر بالصيحة الشديدة كثيرًا، فأحيل الهلاك عليها، ولم يتعرض الجمهور للارتعاد، وتعرض له الإمام والغزالي والرافعي (2)، قال الأَذْرَعي: وكأنه ملازم لهذه الحالة.

والمجنون، والمعتوه، والذي يعتريه الوسواس، والنائم، والمرأة الضعيفة .. كالصبي الذي لا يميز.

(وفي قول: قصاص) لأن التأثير بها غالب، والأصحُّ: المنع؛ فإنه لا يهلك غالبًا، قال الرافعي:(وقياس من يوجب القصاص: أن يوجب الدية مغلظة على الجاني) انتهى (3)، ونقل ابن الرفعة هذا عن تصريح البَنْدَنيجي.

(ولو كان) الصبي الذي لا يميز (بأرض) ومات من الصيحة (أو صاح على بالغ

(1) نهاية المطلب (16/ 447).

(2)

نهاية المطلب (16/ 447)، الوجيز (ص 474)، الشرح الكبير (10/ 415).

(3)

الشرح الكبير (10/ 416).

ص: 119

بِطَرَفِ سَطْحٍ .. فَلَا دِيَةَ فِي الأَصَحِّ. وَشَهْرُ سِلَاحٍ كَصِيَاحٍ، وَمُرَاهِقٌ مُتَيَقِّظٌ كَبَالِغٍ. وَلَوْ صَاحَ عَلَى صَيْدٍ فَاضْطَرَبَ صَبِيٌّ وَسَقَطَ .. فَدِيَةٌ مُخَفَّفَةٌ عَلَى الْعَاقِلَةِ. وَلَوْ طَلَبَ سُلْطَانٌ مَنْ ذُكِرَتْ بِسُوءٍ فَاَجْهَضَتْ .. ضُمِنَ الْجَنِينُ. وَلَوْ وَضَعَ صَبِيًّا فِي مَسْبَعَةٍ فَأَكَلَة سَبُعٌ .. فَلَا ضَمَانَ، وَقِيلَ: إِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ انْتِقَالٌ .. ضَمِنَ

===

بطرف سطح) فسقط، ومات ( .. فلا دية في الأصح) لندور الموت بذلك والحالة هذه، فيحمل موته على موافقة قدر، والثاني: تجب، أما في الصبي .. فكما لو سقط من سطح، وأما في البالغ .. فلأنه مع الغفلة كالصبي.

(وشهر سلاح) على بصير يراه (كصياح) فيما تقدم، والتهديد الشديد كذلك.

(ومراهق متيقظ كبالغ) فلا دية على الأصحِّ؛ لعدم تأثره بذلك غالبًا.

(ولو صاح على صيد فاضطرب صبي وسقط .. فدية مخففة على العاقلة) لأنه لم يقصده، فهو خطأ.

(ولو طلب سلطان من ذكرت بسوء فأجهضت) أي: ألقت الجنين فزعًا ( .. ضمن الجنين) لأن عليًّا أشار على عمر رضي الله عنهما بذلك في هذه الحالة، فرجعوا إليه؛ كما أخرجه البيهقي، فكان إجماعًا (1).

واحترز بقوله: (أجهضت): عما لو ماتت فزعًا من الطلب .. فلا ضمان؛ لأن مثله لا يفضي إلى الموت، ولو هدد غير الإمام حاملًا وأجهضت فزعًا .. قال الرافعي: فليكن كالإمام؛ لأن إكراهه كإكراهه (2).

نعم؛ إن ماتت بالإجهاض .. ضمن عاقلته ديتها؛ لأن الإجهاض قد يحصل منه موت الأم، قاله البُلْقيني.

(ولو وضع صبيًّا في مسبعة فأكله سبع .. فلا ضمان) لأن الوضع ليس بإهلاك، ولم يوجد منه ما يلجئ السبع إليه، بل الغالب أن السبع ينفر من الإنسان في المكان الواسمع، (وقيل: إن لم يمكنه انتقال) يخلص به ( .. ضمن) لأنه إهلاك عرفًا؛ فإن أمكنه الانتقال فلم ينتقل .. فلا ضمان قطعًا؛ كما لو فتح عِرْقه فلم يعصبه حتى مات.

(1) سنن البيهقي (6/ 123).

(2)

الشرح الكبير (10/ 417).

ص: 120

وَلَوْ تَبِعَ بِسَيْفٍ هَارِبًا مِنْهُ فَرَمَى نَفْسَهُ بِمَاءٍ أَوْ نَارٍ أَوْ مِنْ سَطْحٍ .. فَلَا ضَمَانَ، وَلَوْ وَقَعَ جَاهِلًا لِعَمَىً أَوْ ظُلْمَةٍ .. ضَمِنَ، وَكَذَا لَوِ انْخَسَفَ بِهِ سَقْفٌ فِي هَرَبِهِ فِي الأَصَحِّ. وَلَوْ سُلِّمَ صَبِيٌّ إِلَى سَبَّاح لِيُعَلِّمَهُ فَغَرِقَ .. وَجَبَتْ دِيَتُهُ

===

وخرج بالصبي: البالغ فإنه لا يجب الضمان قطعًا؛ كما قاله في "أصل الروضة"(1) والرافعي إنما ذكره عن مفهوم كلام الغزالي، ثم قال: ويشبه أن يقال: الحكم منوط بالقوة والضعف، لا بالصغر والكبر (2)، وهذا الذي بحثه يرشد إليه قول الماوردي، والروياني، والشيخ في "المهذب": لو ربط يدي رجل ورجليه، وألقاه في مسبعة .. فهو شبه عمد (3).

(ولو تبع بسيف هاربًا منه فرمى نفسه بماء أو نار أو من سطح .. فلا ضمان) لأنه باشر إهلاك نفسه قصدًا، والمباشرة مقدمة على السبب، فصار كما لو حفر بئرًا فجاء آخر وردى نفسه فيها.

(ولو وقع) في المهلك المذكور ونحوه (جاهلًا لعمى أو ظلمة .. ضمن) المتبع؛ لأنه لا يقصد إهلاك نفسه، وقد ألجأه المتبع إلى الهرب المفضي إلى المهلك.

(وكذا لو انخسف به سقف في هربه في الأصح) لأنه حمله على الهرب، وألجأه إليه، فأشبه ما إذا وقع في بئر مغطاة، وهذا ما نص عليه في "الأم"، والثاني: لا ضمان؛ لأن المعنى المهلك لم يشعر به واحد منهما، فأشبه ما إذا عرض سبع فافترسه.

ومحل الخلاف: ما إذا كان سبب الانخساف ضعف السقف، ولم يشعر به المطلوب، أما إذا ألقى نفسه عليه من علو فانخسف لثقله .. فالحكم: كما لو ألقى نفسه في ماء أو نار.

(ولو سلم صبي إلى سباح ليعلمه فغرق .. وجبت ديته) لأنه غرق بإهماله، وتكون دية شبه عمد؛ كما لو ضرب الصبي للتأديب فهلك.

(1) روضة الطالبين (9/ 315).

(2)

الشرح الكبير (10/ 419).

(3)

الحاوي الكبير (16/ 155)، بحر المذهب (12/ 312)، المهذب (2/ 246).

ص: 121

وَيَضْمَنُ بِحَفْرِ بِئْرٍ عُدْوَانًا، لَا فِي مِلْكِهِ وَمَوَاتٍ، وَلَوْ حَفَرَ بِدِهْلِيزِهِ بِئْرًا وَدَعَا رَجُلًا فَسَقَطَ .. فَالأَظْهَرُ: ضَمَانُهُ، أَوْ بِمِلْكِ غَيْرِهِ أَوْ مُشْتَرَكٍ بِلَا إِذْنٍ .. فَمَضْمُونٌ،

===

واحترز بالصبي: عن البالغ، فإنه إذا سلم نفسه ليعلمه السباحة .. ففي "الوسيط": أنه إن خاض معه اعتمادًا على يده فأهمله .. احتمل أن يجب الضمان (1)، والذي ذكره العراقيون، والبغوي: أنه لا ضمان؛ لأنه مستقل، وعليه أن يحتاط لنفسه، قال في "الشرح الصغير": وهو المشهور.

(ويضمن بحفر بئر عدوانًا) بأن حفرها في ملك غيره بغير إذنه، أو في شارع ضيق؛ لتعديه بذلك، ويشترط أن يستمر العدوان إلى السقوط فيها، فلو رضي المالك بإبقائها .. زال الضمان في الأصحِّ، وكذا لو ملك المتعدي تلك البقعة من مالكها.

(لا في ملكه، وموات) للتملك أو للارتفاق، لعدم التعدي، وعلى الموات حمل الحديث الصحيح:"الْبئْرُ جُبَارٌ"(2).

ويستثنى: ما لو حفر بالحرم بئرًا في ملكه، أو في موات .. فإنه يضمن المحب الواقع فيه على الأصحِّ، ذكره الرافعي في (باب محرمات الإحرام)، ونقل الإمام فيه الإجماع (3).

(ولو حفر بدهليزه بئرًا، ودعا رجلًا فسقط .. فالأظهر: ضمانه) لأنه غره، ولم يقصد هو إهلاك نفسه، فإحالته على السبب الظاهر أولى، والثاني: لا؛ لأنه غير ملجأ فهو المباشر لإهلاك نفسه باختياره.

ويشترط في الضمان: ألا يعلمه بالبئر، ولا يرى أثرًا يدل عليها؛ لظلمة، أو تغطية، أو كان أعمى، والمراد بالضمان: إيجاب الدية، أما القصاص .. فلا يجب في الأظهر؛ كما ذكراه في أول (الجراح)(4).

(أو بملك غيره أو مشترك بلا إذن .. فمضمون) لتعديه؛ فإن كان بالإذن .. فهو

(1) الوسيط (6/ 357).

(2)

أخرجه البخاري (6912)، ومسلم (1710) عن أبي هريرة رضي الله عنه.

(3)

الشرح الكبير (3/ 497)، نهاية المطلب (16/ 562 - 563).

(4)

الشرح الكبير (10/ 131)، روضة الطالبين (9/ 130).

ص: 122

أَوْ بِطَرِيقٍ ضَيِّقٍ يَضُرُّ الْمَارَّةَ .. فَكَذَا، أَوْ لَا يَضُرُّ وَأَذِنَ الإِمَامُ .. فَلَا ضَمَانَ، وَإِلَّا؛ فَإِنْ حَفَرَ لِمَصْلَحَتِهِ .. فالضَّمَانُ، أَوْ مَصْلَحَةٍ عَامَّةٍ .. فَلَا فِي الأَظْهَرِ. وَمَسْجِدٌ كَطَرِيقٍ، وَمَا تَوَلَّدَ مِنْ جَنَاحٍ إِلَى شَارِعٍ فَمَضْمُونٌ،

===

كحفره في ملكه، (أو بطريق ضيق يضر المارة .. فكذا) أي: فيجب ضمان ما هلك بها وإن أذن الإمام؛ إذ ليس له أن يأذن فيما يضر (أو لا يضر) لسعة الطريق، أو لانحراف البئر عن الجادة، (وأذن الإمام .. فلا ضمان) جزمًا إن كان لمصلحة عامة، وكذا إن كان لمصلحة الحافر على الأصحِّ.

(وإلا) أي: وإن لم يأذن (فإن حفر لمصلحته .. فالضمان) لافتئاته على الإمام (أو مصلحة عامة .. فلا في الأظهر) لما فيه من المصلحة العامة، وقد تعسر مراجعة الإمام في مثله، والثاني: نعم، والجواز مشروط بسلامة العاقبة.

(ومسجد كطريق) أي: الحفر فيه كهو في الطريق، كما صرح به في "المحرر"، و"الشرح الكبير"(1).

وقضيته: أنه يجوز أن يحفر فيه بئرًا لمصلحة نفسه خاصة بإذن الإمام، قال البُلْقيني: وهذا لا يقوله أحد، قال: وأما الحفر للمصلحة العامة .. فلا يجوز أيضًا؛ لأن الواقف إنما جعل المسجد للصلاة. انتهى، وفي "زيادة الروضة" في آخر (باب شروط الصلاة) نقلًا عن الصيمري: أنه يكره حفر البئر في المسجد. انتهى (2)، والظاهر: أن ذلك فيما إذا حفره في مصلحة عامة، أما لمصلحة نفسه الخاصة .. فيحرم قطعًا.

(وما تولد من جناح)(وهو الخارج من الخشب (إلى شارع فمضمون) (وإن لم يكن مضرًّا بالمارة، لأن الارتفاق بالشارع إنما يجوز بشرط سلامة العاقبة، ولم يفرقوا بين إذن الإمام وعدمه كما في الحفر.

والفرق - كما ذكره الرافعي -: أن الحاجة إلى الجناح أغلب وأكثر، والحفر في الطريق مما تقل الحاجة إليه، وإذا كثر الجناح .. كثر تولد الهلاك منه، فلا يحتمل

(1) المحرر (ص 410)، الشرح الكبير (10/ 423).

(2)

روضة الطالبين (1/ 297).

ص: 123

وَيَحِلُّ إِخْرَاجُ الْمَيَازِيبِ إِلَى الشَّارِعِ، وَالتَّالِفُ بِهَا مَضْمُونٌ فِي الْجَدِيدِ، فَإِنْ كَانَ بَعْضُهُ فِي الْجِدَارِ فَسَقَطَ الْخَارِجُ .. فَكُلُّ الضَّمَانِ، وَإِنْ سَقَطَ كُلُّهُ .. فَنِصْفُهُ فِي الأَصَحِّ. وَإِنْ بَنَى جِدَارَهُ مَائِلًا إِلَى شَارِعٍ .. فَكَجَنَاح، أَوْ مُسْتَوِيًا فَمَالَ وَسَقَطَ .. فَلَا ضَمَانَ،

===

إهداره (1)، والمراد بكونه مضمونًا: على ما سيأتي في الميزاب، فيضمن الكل بالخارج فقط، والنصف بالجميع.

واحترز بالشارع: عن إخراجه إلى ملكه؛ فإنه لا ضمان فيه، وكذا إلى ملك غيره بإذنه، فإن كان بغير إذنه .. ضمن.

(ويحل إخراج الميازيب إلى الشارع) لما فيه من الحاجة الظاهرة، وليكن عاليًا كالجناه.

(والتالف بها مضمون في الجديد) لأنه ارتفاق بالشارع، فيكون جوازه مشروطًا بسلامة العاقبة؛ كالجناح، والقديم: لا ضمان؛ لأنه ضروري لتصريف المياه، بخلاف الجناح؛ فإنه لاتساع المنفعة، ومنع الجديد كونه ضروريًّا؛ إذ يمكنه أن يتخذ لماء السطح بئرًا في داره.

(فإن كان بعضه في الجدار فسقط الخارج) أو بعضه ( .. فكل الضمان) لأن التلف حصل من المضمون وحده، (وإن سقط كله .. فنصفه في الأصح) لأنه هلك بالداخل في ملكه وهو غير مضمون، وبالخارج وهو مضمون، فوزع على النوعين، والثاني: يوزع على الداخل والخارج، فيجب قسط الخارج، ويكون التوزيع بالوزن، وقيل: بالمساحة، وقيل: يضمن جميع الدية؛ لأن الداخل جذبه الخارج.

(وإن بنى جداره مائلًا إلى شارع .. فكجناح) فيضمن ما تلف به على ما مر.

واحترز بقوله: (إلى شارع) عما لو كان مائلًا إلى ملكه .. فلا ضمان؛ لأن له أن يبني في ملكه كيف شاء، لكن يرد عليه ما لو بناه مائلًا إلى ملك غيره بلا إذن .. فإنه كالشارع.

(أو مستويًا فمال) إلى الشارع (وسقط .. فلا ضمان) لأنه بنى في ملكه، والميل

(1) الشرح الكبير (10/ 425).

ص: 124

وَقِيلَ: إِنْ أَمْكَنَ هَدْمُهُ وَإِصْلَاحُهُ .. ضَمِنَ، وَلَوْ سَقَطَ بِالطَّرِيقِ فَعَثَرَ بِهِ شَخْصٌ أَوْ تَلِفَ بِهِ مَالٌ .. فَلَا ضَمَانَ فِي الأَصَحِّ. وَلوْ طَرَحَ قُمَامَاتٍ وَقُشُورَ بِطِّيخٍ بِطَرِيقٍ .. فَمَضْمُونٌ عَلَى الصَّحِيحِ، وَلَوْ تَعَاقَبَ سَبَبَا هَلَاكٍ .. فَعَلَى الأَوَّلِ؛ بِأَنْ حَفرَ وَوَضَعَ آخَرُ حَجَرًا عُدْوَانًا فَعَثَرَ بِهِ وَوَقَعَ بِهَا .. فَعَلَى الْوَاضِعِ، فَإِنْ لَمْ يَتَعَدَّ الْوَاضِعُ .. فَالْمَنْقُولُ: تَضْمِينُ الْحَافِرِ،

===

لم يحصل بفعله، فأشبه ما إذا سقط بلا ميل، (وقيل: إن أمكن هدمه وإصلاحه .. ضمن) لتقصيره بترك النقض والإصلاح، ورجحه جمع، والضمان في هذه المسائل على العاقلة.

(ولو سقط بالطريق، فعثر به شخص، أو تلف به مال .. فلا ضمان في الأصح) لأن الهلاك حصل بغير فعله، وسواء طالبه الوالي أو غيره بالنقض أم لا، والثاني: يضمن؛ لتقصيره.

(ولو طرح قمامات) بضم القاف، وهي الكناسة، (وقشور بطيخ بطريق .. فمضمون على الصحيح) لأن الارتفاق بالطريق مشروط بسلامة العاقبة، والثاني: لا ضمان؛ لاطراد العادة بالمسامحة به مع الحاجة، والثاك: إن القاها في متن الطريق .. ضمن، وإلا .. فلا.

واحترز بالطريق: عما إذا ألقاها في ملكه، أو موات .. فإنه لا ضمان.

(ولو تعاقب سببا هلاك .. فعلى الأول) لأنه المهلك إما بنفسه، وإما بواسطة الثاني، فأشبه التردية مع الحفر (بأن حفر) بئرًا عدوانًا (ووضع آخر حجرًا عدوانًا فعثر به، ووقع بها .. فعلى الواضع) لأن التعثر به هو الذي ألجأه إلى الوقوع في البئر، فكأنه أخذه فرداه فيه.

(فإن لم يتعد الواضع) بأن وضعه في ملكه، وحفر متعد هناك بئرًا فتعثر رجل به، ووقع فيها ( .. فالمنقول: تضمين الحافر) لأنه المتعدي بخلاف الواضع، قال الرافعي: وينبغي أن يقال: لا يضمن؛ كما لو حفر بئرًا عدوانًا، ووضع السيل أو سبع حجرًا فعثر به إنسان، وسقط في البئر .. فهو هدر على الصحيح (1).

(1) الشرح الكبير (10/ 431 - 432).

ص: 125

وَلَوْ وَضَعَ حَجَرًا وَآخَرَانِ حَجَرًا فَعَثَرَ بِهِمَا .. فالضَّمَانُ أَثْلَاثٌ، وَقِيلَ: نِصْفَانِ، وَلَوْ وَضَعَ حَجَرًا فَعَثَرَ بِهِ رَجُلٌ فَدَحْرَجَهُ فَعَثَرَ بِهِ آخَرُ .. ضَمِنَهُ الْمُدَحْرِجُ. وَلَوْ عَثَرَ بِقَاعِدٍ أَوْ نَائِمٍ أَوْ وَاقِفٍ بِالطَّرِيقِ، وَمَاتَا أَوْ أَحَدُهُمَا .. فَلَا ضَمَانَ إِنِ اتَّسَعَ الطَّرِيقُ، وَإِلَّا .. فَالْمَذْهَبُ: إِهْدَارُ قَاعدٍ وَنَائِمِ لَا عَاثِرٍ بِهِمَا، وَضَمَانُ وَاقِفٍ لَا عَائِرٍ بِهِ.

===

(ولو وضع حجرًا) عدوانًا (وآخران حجرًا، فعثر بهما .. فالضمان أثلاث)(وإن تفاوت فعلهم؛ نظرًا إلى عدد رؤوس الجناة؛ كما لو مات بجراحة ثلاثة، واختلفت الجراحات، (وقيل: نصفان) نصفه يتعلق بالمنفرد، ونصفه على الآخرين؛ لأن الهلاك حصل بالحجرين.

(ولو وضع حجرًا) عدوانًا (فعثر به رجل فدحرجه فعثر به آخر .. ضمنه المدحرج) لأن الحجر إنما حصل هناك بفعله.

(ولو عثر بقاعد أو نائم أو واقف بالطريق، وماتا أو أحدهما .. فلا ضمان إن اتسع الطريق) ظاهر هذا الكلام: أنه يهدر العاثر، والقاعد، والنائم، والواقف، وليس كذلك؛ فإن عاقلة العاثر تضمن دية القاعد، والنائم، والواقف؛ لأنه غير متعد، والعاثر يمكنه التحرز، وإنما يهدر العاثر؛ لأنه قتل نفسه، هكذا ذكراه في "الشرح" و"الروضة"(1)، فلو قال:(فلا ضمان على القاعد ومن بعد) .. لاستقام.

(وإلا) أي: وإن ضاق الطريق ( .. فالمذهب: إهدار قاعد ونائم) لأن الطريق للطروق، وهما بالنوم والقعود مقصران (لا عاثر بهما) بل على عاقلتهما ديته (وضمان واقف) لأن الشخص قد يحتاج إلى الوقوف؛ لكلال، أو انتظار رفيق، أو سماع كلام، فالوقوف من مرافق الطريق؛ كالمشي، بخلاف القعود والنوم؛ فإنهما ليسا من مرافقه، ففاعلهما عرض نفسه للهلاك.

(لا عاثر به) لأنه لا حركة منه، فالهلاك حصل بحركة الماشي، والطريق الثاني: وجوب دية كل واحد منهما على عاقلة الآخر مطلقًا، هذا كله إذا لم يوجد من الواقف فعل، فإن وجد؛ بأن انحرف إلى الماشي لما قرب منه فأصابه في انحرافه وماتا .. فهما كماشيين اصطدما، وسيأتي.

(1) الشرح الكبير (10/ 433)، روضة الطالبين (9/ 326).

ص: 126