الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَصْلٌ [في كفارة القتل]
تَجِبُ بِالْقَتْلِ كَفَّارَةٌ وَإِنْ كَانَ الْقَاتِلُ صَبِيًّا، وَمَجْنُونًا، وَعَبْدًا، وَذِمِّيًّا، وَعَامِدًا، وَمُخْطِئًا، وَمُتْسَبِّبًا بِقَتْلِ مُسْلِمٍ - وَلَوْ بِدَارِ حَرْبٍ - وَذِمِّيٍّ
===
(فصل: تجب بالقتل كفارة) لقوله تعالى: {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} .
وخرج بـ (القتل): الأطراف، والجراحات، فلا كفارة فيها؛ لعدم الورود.
(وإن كان القاتل صبيًّا ومجنونًا) لأن الكفارة من باب الضمان، ويفارق وقاعهما في رمضان؛ فإنه لا كفارة عليهما؛ لعدم التعدي منهما، والتعدي شرط في وجوب تلك الكفارة، وللولي الإعتاق عنهما من مالهما؛ كما يخرج الزكاة والفطرة منه، فلو أعتق الولي من مال نفسه عنهما .. قال البغوي: إن كان أبًا أو جدًّا .. جاز، وكأنه ملكهما ثم ناب عنهما في الإعتاق، وإن كان وصيًّا أو قيّمًا .. لم يجز حتى يقبل القاضي لهما التمليك، وأقراه (1)، ولا يصوم الولي عنهما بحال، فلو صام الصبي في صباه .. أجزأه على الأصحِّ.
(وعبدًا وذميًّا) كما يتعلق بفعلهما القصاص والضمان، ويتصور إعتاق الذمي للمسلم؛ بأن يسلم في ملكه، أو يقول لمسلم:(أعتق عبدك عن كفارتي)، فإنه يصح على الأصحِّ.
(وعامدًا) كالمخطئ، وأولى، لأن الكفارة للجبر، والعامد أحوج إليها، ومثله شبه العمد، (ومخطئًا) بالإجماع.
(ومتسببًا) لأنه كالمباشر في الضمان، فكذا في الكفارة (بقتل مسلم ولو بدار حرب) وإن لم يجب فيه القصاص ولا الدية؛ لقوله تعالى:{فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ} ، وسواء ظن كفره، أو تترس به العدو.
(وذمي) لأنه آدمي مضمون، وفي معناه: كل معصوم بأمان أو عهد.
(1) التهذيب (7/ 252)، الشرح الكبير (10/ 536)، روضة الطالبين (9/ 381).
وَجَنِينٍ وَعَبْدِ نَفْسِهِ وَنَفْسِهِ، وَفِي نَفْسِهِ وَجْهٌ، لَا امْرَأَةٍ وَصَبِيٍّ حَرْبِيَّيْنِ وَبَاغٍ وَصَائِلٍ وَمُقْتَصٍّ مِنْهُ،
===
(وجنين) لقضاء عمر رضي الله عنه بذلك (1)، قال ابن المنذر: ولا أعلم فيه خلافًا.
(وعبد نفسه) لعموم الآية وإن كانت القيمة لا تجب؛ لأنها لو وجبت .. لوجبت عليه له، بخلاف الكفارة، فإنها حق لله تعالى.
(ونفسه) أي: وتجب الكفارة على قاتل نفسه؛ لحق الله تعالى، وتخرج من تركته، ويحرم عليه قتل نفسه، كما يحرم على غيره قتله، (وفي نفسه وجه) أنها لا تجب عليه إذا فعل ذلك؛ كما لا يجب الضمان بالمال.
ويستثنى من إطلاقه وجوب الكفارة بالقتل: الجلاد القاتل بأمر الإمام إذا جرى على يده قتل غير مستحق، وهو جاهل به .. فإنه لا كفارة عليه؛ لأنه سيف الإمام، وآلة سياسته، ذكراه في الاستيفاء من الحامل (2).
(لا امرأة وصبي حربيين) وإن كان يحرم قتلهما؛ لأن المنع من قتلهما ليس لحرمتهما ورعاية مصلحتهما، ولذلك لا يتعلق به ضمان، وإنما هو لمصلحة المسلمين حتى لا يفوتهم الارتفاق بهم.
(وباغ وصائل) قتلا دفعًا؛ لأنهما لا يضمنان فأشبها الحربي، وكذا لا يجب على الباغي بقتله العادل على الأصحِّ.
(ومقتص منه) إذا قتله المستحق للقود؛ لأنه مباح الدم بالنسبة إليه، ولا يجب أيضًا بقتل المرتد، وقاطع الطريق، والزاني المحصن، ولا على من أصاب غيره بالعين، واعترف أنه قتله بالعين؛ كما لا قصاص ولا دية عليه؛ لأن ذلك لا يعد مهلكًا وإن كانت العين حقًّا، والفاعل لذلك التأثير هو الله تعالى، ثم قيل: تنبعث جواهر لطيفة غير مرئية فتخلل المسام، فيخلق الله تعالى الهلاك عندها، وقد أمر صلى الله عليه وسلم العائن أن يتوضأ، وفسره مالك بأن يغسل وجهه ويديه ومرفقيه
(1) أخرجه البيهقي (8/ 116).
(2)
الشرح الكبير (10/ 274)، روضة الطالبين (9/ 228).
وَعَلَى كُلٍّ مِنَ الشُّرَكَاءِ كَفَّارَةٌ فِي الأَصَحِّ، وَهِيَ كَظِهَارٍ لكِنْ لَا إِطْعَامَ فِي الأَظْهَرِ.
===
وركبتيه وأطراف رجليه وداخل إزاره؛ أي: ما يلي جسده من الإزار، وقيل: وركه، وقيل: مذاكيره، قيل: ويصب على رأس الذي أصيب بالعين.
ورجح الماوردي إيجاب ذلك، وبه قال بعض العلماء.
قيل: وينبغي للسلطان: منع من عرف بذلك من مخالطة الناس، ويأمره بلزوم بيته، ويرزقه ما يكفيه إن كان فقيرًا؛ فإن ضرره أشد من ضرر المجذوم الذي منعه عمر رضي الله عنه من مخالطة الناس، ويندب للعائن أن يدعو له بالبركة، فيقول:(اللهم؛ بارك فيه ولا تضره)، وأن يقول:(لا قوة إلا بالله، ما شاء الله).
(وعلى كل من الشركاء كفارة في الأصح) أما العمد .. فكالقصاص، وأما في غيره .. فلأن فيها معنى العبادة، وهي لا توزع، وفارق الدية؛ لأنها تتبعض، والثاني: على الجميع كفارة واحدة؛ كقتل الصيد.
(وهي كظهار) في الترتيب فيعتق أولًا؛ فإن لم يجد .. فيصوم شهرين متتابعين؛ للآية (لكن لا إطعام) عند العجز عن الصوم (في الأظهر) إذ لا نص فيه، والمتبع في الكفارة النص لا القياس، ولم يذكر الله تعالى في كفارة القتل غير العتق والصيام.
ولا يحمل المطلق على المقيد في الظهار؛ لأن المطلق إنما يحمل على المقيد في الأوصاف دون الأصل؛ بدليل أن اليد المطلقة في التيمم حملت على المقيد بالمرافق في الوضوء؛ لأنه كالوضوء، ولم يحمل إغفال ترك الرأس والرجلين في التيمم على ذكرهما في الوضوء؛ لأنهما أصل، والثاني: تجب، قياسًا على كفارة الظهار.
ومحل عدم جواز الإطعام: في الحياة، فلو مات قبل الصوم .. أخرج من تركته لكل يوم مد لا بطريق البدلية، بل كمن فاته صوم شيء من رمضان، والقول في صفة الرقبة والصيام والإطعام إن أوجبناه .. على ما سبق في (الكفارات).
* * *