المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب كيفية القصاص ومستوفيه والاختلاف فيه - بداية المحتاج في شرح المنهاج - جـ ٤

[بدر الدين ابن قاضي شهبة]

فهرس الكتاب

- ‌كتابُ الجراح

- ‌فَصْلٌ [في اجتماع مباشرتين]

- ‌فَصْلٌ [في شروط القود]

- ‌فَصْلٌ [في تغير حال المجروح بحرية أو عصمة أو إهدار أو بمقدار للمضمون به]

- ‌فَصْلٌ [في شروط القصاص في الأطراف والجراحات والمعاني]

- ‌بابُ كيفيَّة القصاص ومستوفيه والاختلاف فيه

- ‌فَصْلٌ [في اختلاف مستحق الدم والجاني]

- ‌فَصْلٌ [في مستحق القود ومستوفيه وما يتعلق بهما]

- ‌فَصْلٌ [في موجب العمد وفي العفو]

- ‌كتابُ الدِّيات

- ‌فَصْلٌ [في موجب ما دون النفس من جرح أو نحوه]

- ‌فَرْعٌ [في موجب إزالة المنافع]

- ‌فَرْعٌ [في اجتماع جنايات على شخص]

- ‌فَصْلٌ [في الجناية التي لا تقدير لأرشها والجناية على الرقيق]

- ‌‌‌بابُ موجبات الدِّية والعاقلة والكفَّارة

- ‌بابُ موجبات الدِّية والعاقلة والكفَّارة

- ‌فَصْلٌ [في الاصطدام ونحوه مما يوجب الاشتراك في الضمان وما يذكر مع ذلك]

- ‌فَصْلٌ [في العاقلة وكيفية تأجيل ما تحمله]

- ‌فَصْلٌ [في جناية الرقيق]

- ‌فَصْلٌ [في الغرة]

- ‌فَصْلٌ [في كفارة القتل]

- ‌كتابُ دعوى الدَّم والقسامة

- ‌فَصْلٌ [فيما يثبت به موجب القود وموجب المال بسبب الجناية من إقرار وشهادة]

- ‌كتابُ البُغاة

- ‌فَصْلٌ [في شروط الإمام الأعظم وبيان طرق الإمامة]

- ‌كتابُ الرِّدَّة

- ‌كتابُ الزِّنا

- ‌كتابُ حد القذف

- ‌كتابُ قطع السرقة

- ‌فصلٌ [فيما يمنع القطع وما لا يمنعه]

- ‌ باب

- ‌فصلٌ [في شروط السارق الذي يقطع]

- ‌بابُ قاطع الطريق

- ‌فَصْلٌ [في اجتماع عقوبات على شخص واحد]

- ‌كتابُ الأشربة

- ‌فَصْلٌ [في التعزير]

- ‌كتابُ الصِّيال وضمان الولاة

- ‌فَصْلٌ [في حكم إتلاف البهائم]

- ‌كتابُ السِّيَر

- ‌فَصْلٌ [في مكروهات ومحرمات ومندوبات في الجهاد وما يتبعها]

- ‌فَصْلٌ [في حكم الأسر وأموال أهل الحرب]

- ‌فَصْلٌ [في أمان الكفار]

- ‌كتابُ الِجزْيَة

- ‌فَصْلٌ [في مقدار الجزية]

- ‌باب

- ‌فَصْلٌ [في أحكام عقد الجزية]

- ‌بابُ الهدنة

- ‌كتابُ الصَّيد والذَّبائح

- ‌فَصْلٌ [في آلة الذبح والصيد]

- ‌فَصْلٌ [فيما يملك به الصيد وما يذكر معه]

- ‌كتاب الأضحية

- ‌فَصْلٌ [في العقيقة]

- ‌كتاب الأطعمة

- ‌كتاب المسابقة والمناضلة

- ‌كتابُ الأيمان

- ‌فصلٌ [في صفة الكفارة]

- ‌فصلٌ [في الحلف على السكنى والمساكنة وغيرهما]

- ‌فصلٌ [في الحلف على أكل وشرب مع بيان ما يتناوله]

- ‌فصلٌ [في مسائل منثورة ليقاس بها غيرها]

- ‌فصلٌ [في الحلف على ألا يفعل كذا]

- ‌كتاب النَّذر

- ‌فصلٌ [في نذر النسك والصدقة والصلاة وغيرها]

- ‌كتابُ القضاء

- ‌فصلٌ [فيما يقتضي انعزال القاضي أو عزله وما يذكر معه]

- ‌(باب

- ‌فصلٌ [في آداب القضاء وغيرها]

- ‌فصلٌ [في التسوية وما يتبعها]

- ‌بابُ القضاء على الغائب

- ‌فصلٌ [في بيان الدعوى بعين غائبة]

- ‌فصلٌ [في بيان من يحكم عليه في غيبته وما يذكر معه]

- ‌بابُ القِسْمَة

- ‌كتابُ الشهادات

- ‌فصلٌ [فيما يعتبر فيه شهادة الرجال]

- ‌فصلٌ [في تحمل الشهادة وأدائها]

- ‌فصلٌ [في الشهادة على الشهادة]

- ‌فصلٌ [في الرجوع عن الشهادة]

- ‌كتابُ الدعوى والبيّنات

- ‌فصلٌ [فيما يتعلق بجواب المدعى عليه]

- ‌فصلٌ [في كيفية الحلف والتغليظ فيه]

- ‌فصلٌ [في تعارض البينتين]

- ‌فصلٌ [في اختلاف المتداعيين في العقود]

- ‌فصلٌ [في شروط القائف]

- ‌كتابُ العتِق

- ‌فصلٌ [في العتق بالبعضية]

- ‌فصلٌ [في الإعتاق في مرض الموت وبيان القرعة في العتق]

- ‌فصلٌ [في الولاء]

- ‌كتابُ التَّدبير

- ‌فصلٌ [في حكم حمل المدبرة]

- ‌كتابُ الكِتابة

- ‌فَصْلٌ [فيما يلزم السيد بعد الكتابة]

- ‌فَصْلٌ [في بيان لزوم الكتابة وجوازها]

- ‌فَصْلٌ [في مشاركة الكتابة الفاسدة الصحيحة]

- ‌كتابُ أمّهات الأولاد

- ‌أهمّ مصادر ومراجع التّحقيق

الفصل: ‌باب كيفية القصاص ومستوفيه والاختلاف فيه

‌بابُ كيفيَّة القصاص ومستوفيه والاختلاف فيه

لَا تُقْطَعُ يَسَارٌ بِيَمِينٍ، وَلَا شَفَةٌ سُفْلَى بِعُلْيَا وَلَا عَكْسُهُ، وَلَا أَنْمُلَةٌ بِأُخرَى، وَلَا زَائِدٌ بِزَائِدٍ فِي مَحَلٍّ آخَرَ. وَلَا يَضُرّ تَفَاوُتُ كِبَرٍ وَطُولٍ وَقُوَّةِ بَطْشٍ فِي أَصْلِيٍّ،

===

(باب: كيفية القصاص ومستوفيه والاختلاف فيه) والعفو عنه

(لا تقطع يسار بيمين) سواء اليد والرجل والجفن والأذن وغيرها.

(ولا شفة سفلى بعليا وعكسه) لاختلاف المنافع، واختلاف تأثير المحال بالجراحات؛ كما لا يقطع الإبهام بالسبابة، والخنصر بالبنصر.

وقوله: (لا يقطع) فيه قصور، ولو قال:(لا يؤخذ) .. لكان أحسن؛ ليدخل فيه فقء إحدى العينين، وإذهاب ضوئها وغير ذلك.

(ولا أنملة بأخرى) أي: لا يقطع أصبع بأنملة أخرى من تلك الإصبع؛ لاختلاف المنافع.

(ولا زائد بزائد في محل آخر) بأن كانت زائدة المجني عليه بجنب الخنصر، وزائدة الجاني بجنب الإبهام؛ كما لا تقطع أصلية بأصلية؛ كالسبابة والوسطى، بل تؤخذ في الزائد الحكومة.

وأفهم كلامه: أنه يقطع الزائد بالزائد عند اتحاد المحل، وهو كذلك، لكن يستثنى: ما لو كانت زائدة الجاني أتمّ؛ بأن كان لإصبعه الزائدة مثلًا ثلاث مفاصل، ولزائدة المجني عليه مفصلان .. فلا قطع بها، نقله الأصحاب عن النص؛ لأن هذا أعظم من تفاوت المحل.

(ولا يضرّ تفاوت كبر وطول ودوَّة بطش في أصليٍّ) قطعًا؛ لإطلاق قوله تعالى: {وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ} وكما لا تعتبر مماثلة النفوس في هذه الأمور حتى يؤخذ العالم بالجاهل، والصغير بالكبير، فتقطع اليد الصغيرة بالكبيرة نظرًا إلى الصورة الخلقية؛ فإن المماثلة في ذلك لا تكاد تتفق، فلو اعتبرت .. لتعطلت حكمة القصاص غالبًا.

وما أطلقه من أنه لا يضر التفاوت في الأصل شامل لما إذا كان النقص بآفة سماوية

ص: 48

وَكَذَا زَائِدٌ فِي الأَصَحِّ. وَيُعْتَبَرُ قَدْرُ الْمُوضِحَةِ طُولًا وَعَرْضًا

===

أو بجناية، لكن ذكرا بعدُ بنحو ورقتين عن الإمام: أنه لو كان النقص بجناية؛ بأن ضرب رجل يده فنقص بطشها وألزمناه الحكومة، ثم قطع تلك اليد كامل البطش .. أنه لا قصاص، ولا تجب دية كاملة على الأصحِّ، وأقرّاه، لكن حكى الإمام عن الأصحاب في (باب الديات) الوجوب، وبسط الكلام (1)، قال الزركشي: وهو الصواب، وحينئذٍ: فإطلاق "الكتاب" صحيح على ذلك.

(وكذا زائد) كالإصبع والسن الزائدتين (في الأصح) كما في الأصلية، والثاني: يضر، ونقله في "البيان" عن أكثر الأصحاب؛ لأن القصاص إنما يجب في العضو الزائد بالاجتهاد، فإن كان عضو الجاني أزيد .. كانت حكومته أكثر؛ فلا يجب أخذه بالذي هو أنقص منه، بخلاف الأصلي؛ فإن القصاص ثبت فيه بالنص، فلا يعتبر التساوي فيه، وهذا هو المنصوص (2). انتهى، قال الأَذْرَعي: فإذًا هو المذهب لا ما رجحاه.

فعلى هذا: إن كانت زائدة الجاني أكبر .. لم يقتص منه، وإن كانت زائدة المجني عليه أكبر .. اقتص، وأخذ حكومة قدر النقصان، قال الشيخان: ثم الخلاف فيما رأى الإمام فيما إذا لم يؤثر تفاوت الحجم في الحكومة، فإن أثر .. فلا قصاص (3)، قال الأَذْرَعي: وجرى عليه في "البسيط"، وقال: إنه مقطوع به.

وأطلق المصنف الزائد، وصور الرافعي وصاحب "البيان" مسألة الوجهين بالإصبع والسن الزائدتين، ثم قال الرافعي: ومنهم من خصّ الخلاف بالسن وسكت عنه في الإصبع (4).

(ويعتبر قدر الموضحة طولًا وعرضًا) لأجل المماثلة؛ فلا تقابل ضيقة بواسعة، ولا يقنع بضيقة عن واسعة، بل يوضح من رأس الجاني بقدر ما أوضح من رأس المجني عليه.

(1) الشرح الكبير (10/ 228)، روضة الطالبين (9/ 194).

(2)

البيان (11/ 376).

(3)

الشرح الكبير (10/ 222)، روضة الطالبين (9/ 189).

(4)

الشرح الكبير (10/ 222)، البيان (11/ 376، 382).

ص: 49

وَلَا يَضُرُّ تَفَاوُتُ غِلَظِ لَحْمٍ وَجِلْدٍ. وَلَوْ أَوْضَحَ كُلَّ رَأْسِهِ وَرَأْسُ الشَّاجِّ أَصْغَرُ .. اسْتَوْعَبْنَاهُ وَلَا نُتِمُّهُ مِنَ الْوَجْهِ وَالْقَفَا، بَلْ نَأْخُذُ قِسْطَ الْبَاقِي مِنْ أَرْشِ الْمُوضِحَةِ لَوْ وُزِّعَ عَلَى جَمِيعِهَا. وَإِنْ كَانَ رَأْسُ الشَّاجِّ أَكْبَرَ .. أُخِذَ قَدْرُ رَأْسِ الْمَشْجُوجِ فَقَطْ، وَالصَّحِيحُ: أَنَّ الاخْتِيَارَ فِي مَوْضِعِهِ إِلَى الْجَانِي

===

(ولا يضر تفاوت غلظ لحم وجلد) لأن اسم الموضحة يتعلق بانتهاء الجراحة إلى العظم، والتساوي في قدر العوض قلّ ما يتفق فيقطع النظر عنه؛ كما يقطع النظر عن الصغر والكبر في الأطراف.

(ولو أوضح كل رأسه ورأس الشاج أصغر .. استوعبناه) لقوله تعالى: {وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} ولا يكتفى به.

(ولا نتمه من الوِجه والقفا) لأنهما غير محل الجناية (بل نأخذ قسط الباقي من أرش الموضحة لو وزِّع على جميعها) لتعيّنه طريقًا، فيمسح رأس المشجوج والشاج؛ فإذا كانت بقدر الثلثين .. أوجبنا عند إيضاح المشجوج جميع رأس الشاج ثلث أرش الموضحة.

والفرق بين الموضحة واليد ونحوها حيث يكتفي فيها بالصغيرة عن الكبيرة: أن المرعي في اليد ونحوها الاسم، وهنا المساحة؛ ولهذا لو كانت يد الجاني أكبر .. قطعت، ولو كان رأسه أكبر .. لا يستوعب قطعًا.

(وإن كان رأس الشاج أكبر .. أُخذ قدر رأس المشجوج فقط) لحصول المساواة.

(والصحيح: أن الاختيار في موضعه إلى الجاني) لأن جميع رأسه محل الجناية، كذا علله الرافعي وحكياه عن الأكثرين (1)، والثاني: إلى المجني عليه، ونقله الماوردي عن جمهور الأصحاب (2)، قال الأَذْرَعي وغيره: وهو الذي أورده العراقيون والمراوزة خلا الإمام ومن تبعه، ونص عليه في "الأم" نصًّا صريحًا، وهو الصواب نقلًا ومعنى؛ أما النقل .. فما سبق، وأما المعنى .. فما علل به الرافعي بأن جميع رأسه محل الجناية؛ فإنه يقتضي تخيير المشجوج لا الشاج؛ إذ المرعي جانب

(1) الشرح الكبير (10/ 224)، روضة الطالبين (9/ 190).

(2)

الحاوي الكبير (15/ 307).

ص: 50

وَلَوْ أَوْضَحَ نَاصِيَةً وَنَاصِيَتُهُ أَصْغَرُ .. تُمِّمَ مِنْ بَاقِي الرَّأْسِ. وَلَوْ زَادَ الْمُقْتَصُّ فِي مُوضِحَةٍ عَلَى حَقِّهِ .. لَزِمَهُ قِصَاصُ الزِّيَادَةِ، فَإِنْ كَانَ خَطَأً أَوْ عَفَا عَلَى مَال .. وَجَبَ أَرْشٌ كَامِلٌ، وَقِيلَ: قِسْطٌ

===

المستحق في القود، وهو الذي جميع رأسه محل الجناية، فأيّ موضع طلبه من رأس الشاج فقد جنى على مثله من رأسه، فلا وجه لمنعه أصلًا؛ إذ لم يطلب أزيد من حقه، وليست هذه كالدين (1)؛ لأنه مسترسل في الذمة، والحق هنا متعلق بمحل معين، وفي ثبوت ما رجحه المصنف وجهًا شاذًا نظر. انتهى.

وفي وجه ثالث: أنه يبتدئ من حيث ابتدأ الجاني، ويذهب في الجهة التي ذهب إلى استكمال قدر جنايته.

(ولو أوضح ناصيةً وناصيتُه) يعني: الجاني (أصغر .. تُمِّم من باقي الرأس) لأن الرأس كله عضو واحد، فلا فرق بين مقدمه -وهو الناصية- ومؤخره، ويخالف ما سبق في الوجه والرأس، فإنهما عضوان.

(ولو زاد المقتص في موضحة على حقه) أي: عمدًا حيث صار له الاستيفاء بنفسه برضا المجني عليه، وإلا .. فالمستحق ليس له استيفاء الطرف بغير رضا المجني عليه ( .. لزمه قصاص الزيادة) (ويكون بعد اندمال الموضحة التي جنى عليهما الجاني، وحكمها حكم موضحة منفردة، وإلا .. فسيأتي أن المستحق لا يمكّن من استيفاء الطرف بنفسه.

(فإن كان خطأ) بأن اضطربت يده (أو عفا على مال .. وجب أرش كامل) لأن حكم الزيادة يخالف حكم الأصل، فالأصل عمد ومستحق، والزيادة خطأ وغير مستحقة، وتغاير الحكم كتعدد الجاني، (وقيل: قسط) للزيادة بعد توزيع الأرش عليهما؛ لاتحاد الجارح والجراحة، وهذا كما ذكرنا أنه يجب القسط فيما إذا كان رأس الشاج أصغر، ومحل الضمان: ما إذا لم تكن الزيادة باضطراب الجاني، فإن كانت باضطرابه .. فلا ضمان، فلو قال:(تولدت باضطرابك) (وأنكر .. ففي

(1) في جميع النسخ: (وليس هذه كالدين).

ص: 51

وَلَوْ أَوْضَحَهُ جَمْعٌ .. أَوْضحَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِثْلَهَا، وَقِيلَ: قِسْطُهُ. وَلَا تُقْطَعُ صَحِيحَةٌ بِشَلَّاءَ وَإِنْ رَضِيَ الْجَانِي،

===

المصدق منهما وجهان بلا ترجيح في "الروضة"(1)، ورجح البُلْقيني تصديق المقتص منه، ورجح الأَذْرَعي تصديق الجاني وعلّله بأنه منكر العمدية.

(ولو أوضحه جمع) بأن تحاملوا على الآلة وجرّوها معًا ( .. أوضح من كل واحد مثلها) أي: مثل جميعها؛ كالشركاء في القطع، (وقيل: قسطه) فيوزع عليهم ويوضح من كل واحد قدر حصته، لإمكان التجزئة، كإتلاف المال، بخلاف الطرف.

واعلم: أن هذا وما قبله أبداهما الإمام احتمالين لنفسه، وحكياهما عنه في "الشرح" و"الروضة" بلا ترجيح، ونقلا عن البغوي القطع بالأول (2)، قال الزركشي: وهو ما جزم به الماوردي، وصاحب "البيان"، ونص عليه في "الأم"، وقال الإمام: إنه الأقرب، وقال الجاجرمي: الأصحُّ.

وقد يوهم كلام المصنف: ترجيح وجوب دية موضحة كاملة على كل واحد إذا آل الأمر إلى الدية، وهو الأقرب عند الإمام، وقطع البغوي بإيجاب القسط (3)، وصوبه البُلْقيني وحكاه عن قطع الماوردي، وقال: إنه مقتضى نص "الأم"؛ فإنه جعله كالنفس، والنفس لا تتعدد ديتها، فكذلك الموضحة، وقال الأَذْرَعي: إنه المذهب.

(ولا تقطع صحيحة بشلاء وإن رضي الجاني) لأن الشلاء مسلوبة المنفعة، فلا يؤخذ بها كاملة، كما لا تؤخذ العين البصيرة بالعمياء وإن رضي الجاني.

وما أطلقه محمول على اليد والرجل، أما الذكر .. فقد صرح به بعد ذلك، وأما الأنف والأذن .. فالأظهر: أنه يؤخذ الصحيح منهما بالمستحشف -وهو الأشل-؛ لبقاء منفعتهما من جمع الصوت والريح، وقد صرح بذلك في "التنبيه"، وأقرّه في

(1) روضة الطالبين (9/ 191).

(2)

نهاية المطلب (16/ 201 - 202)، الشرح الكبير (10/ 226)، روضة الطالبين (9/ 191).

(3)

نهاية المطلب (16/ 202).

ص: 52

فَلَوْ فَعَلَ .. لَمْ يَقَعْ قِصَاصًا، بَلْ عَلَيْهِ دِيَتُهَا، فَلَوْ سَرَى .. فَعَلَيْهِ قِصَاصُ النَّفْسِ. وَتُقْطَعُ الشَّلَّاءُ بِالصَّحِيحَةِ، إِلَّا أَنْ يَقُولَ أَهْلُ الْخِبْرَةِ:(لَا يَنْقَطِعُ الدَّمُ)، وَيَقْنَعُ بِهَا مُسْتَوْفِيهَا

===

"التصحيح"، وصرح به أيضًا في "أصل الروضة"(1) لكن في الأذن خاصة.

وما ذكره المصنف من منع القطع وإن رضي الجاني محله: عند وقوف القطع، فإن سرى إلى النفس .. فالأظهر عند الأكثرين: قطعها بها، ذكراه في (الطرف الثالث في كيفية المماثلة).

(فلو فعل) أي: خالف وقطع الصحيحة ( .. لم يقع قصاصًا) لأنها غير مستحقة له (بل عليه ديتها، فلو سرى .. فعليه قصاص النفس) لتفويتها بغير حق، هذا إذا لم يأذن الجاني، فإن أذن في قطعها فسرى إلى النفس .. فلا قصاص في النفس، قالا: ثم ينظر فإن قال الجاني: (اقطع يدي)(وأطلق .. جعل المجني عليه مستوفيًا لحقه ولم يلزمه شيء، وإن قال: (اقطعها عوضًا عن يدك أو قصاصًا) .. فوجهان: أحدهما: وبه أجاب البغوي أن على المجني عليه نصف الدية، وعلى الجاني الحكومة؛ لأنه لم يبذلها مجانًا، والثاني: لا شيء على المجني عليه، وكأنّ الجاني أدى الجيد عن الرديء وقبضه المستحق (2).

(وتقطع الشلاء بالصحيحة) لأنها دون حقه (إلا أن يقول أهل الخبرة: "لا ينقطع الدم") بل تنفتح أفواه العروق ولا تنسد بحسم النار ولا غيره؛ فلا تقطع بها وإن رضي الجاني؛ لما فيه من تفويت النفس بالطرف، وللمجني عليه دية يده، فإن قال أهل الخبرة:(تنقطع) .. فله قطعها قصاصًا؛ كقتل الذمي بالمسلم، والعبد بالحر.

(ويقنع بها مستوفيها) (وليس له أن يطلب بسبب الشلل أرشًا؛ لأنهما استويا في الجرم، وإنما اختلفا في الصفة، والصفة المجردة لا تقابل بالمال، وكذلك إذا قتل الذمي بالمسلم، والعبد بالحر .. لم يجب لفضيلة الإسلام والحرية شيء.

(1) التنبيه (ص 133)، روضة الطالبين (9/ 196).

(2)

الشرح الكبير (10/ 227)، روضة الطالبين (9/ 193).

ص: 53

وَيُقْطَعُ سَلِيمٌ بِأَعْسَمَ وَأَعْرَجَ، وَلَا أَثَرَ لِخُضْرَةِ أَظْفَارٍ وَسَوَادِهَا، وَالصَّحِيحُ: قَطْعُ ذَاهِبَةِ الأَظْفَارِ بِسَلِيمَتِهَا دُونَ عَكْسِهِ

===

وتقطع الشلاء بالشلاء في الأصحِّ إن استويا في الشلل، أو كان شلل يد القاطع أكثر ولم يخف نزف الدم.

والمراد بالشلل في اليد والرجل: زوال الحس والحركة، قاله الشيخ أبو محمد، وقال الإمام: لا يشترط زوال الحس بالكلية، وإنما الشلل بطلان العمل، ورجحه ابن الرفعة (1).

(ويقطع سليم باعسم وأعرج) لأنه لا خلل في اليد والرجل. و (الأعسم) بالعين والسين المهملتين هو: يبس مفصل الرسغ حتى يعوج الكف والقدم، قاله الجوهري (2).

(ولا أثر لخضرة أظفار وسوادها) فتقطع ذات الأظفار البيض بذات الأظفار السود أو الخضر؛ فإن هذه الأحوال علة ومرض في الظفر، والظفر السليم يستوفى بالعليل.

(والصحيح: قطع ذاهبة الأظفار بسليمتها دون عكسه) أما الأولى .. فلأنها بعض حقه، وأما عكسه .. فلأنها نقصان خلقة، فلا يؤخذ الكامل بالناقص.

وقد انتقد كلام المصنف من وجهين:

أحدهما: اقتضاؤه: أن في المسألتين وجهين، وليس كذلك؛ فإن الأولى: لا خلاف فيها، والثانية: فيها احتمال للإمام لا وجه (3).

(1) نهاية المطلب (16/ 217)، كفاية النبيه (15/ 400).

(2)

الصحاح (4/ 1609)، وما ذكرناه من كلام الجوهري ظاهر في أن العسم يكون في اليدين والرجلين، وكلام جمهور اللغة ظاهر في تخصيص العسم باليدين؛ فإنهم فسروه باعوجاج في اليدين ليبس في المرفقين أو الرسغ ونحوه، قول الرافعي: تشنج في المرفق أو قصر في الساعد أو العضد، وقال الشيخ أبو حامد: الأعسم: هو الذي يبطش بيساره أكثر، وقال صاحب "الشامل": هو اعوجاج في رسغ اليد، والرسغ: موضع الكف والذراع، وموصل القدم في الساق؛ كما نقله ابن دريد عن الجمهور. اهـ هامش (أ).

(3)

نهاية المطلب (16/ 254).

ص: 54

وَالذَّكَرُ صِحَّةً وَشَلَلًا كالْيَدِ، وَالأَشَلُّ: مُنْقَبضٌ لَا يَنْبَسِطُ وَعَكْسُهُ، وَلَا أَثَرَ لِلاِنْتِشَارِ وَعَدَمِهِ، فَيُقْطَعُ فَحْلٌ بِخَصِيٍّ وَعِنينٍ، وَأَنْفٌ صَحِيحٌ بِأَخْشَمَ، وَأُذُنُ سَمِيعٍ بِأَصَمَّ، لَا عَيْنٌ صَحِيحَةٌ بِحَدَقَةٍ عَمْيَاءَ، وَلَا لِسَانٌ نَاطِقٌ بِأَخْرَسَ

===

الثاني: تعبيره بـ (ذاهبة الأظفار) يقتضي زوالها بعد وجودها، والذي صوّره في "الشرح" و"الروضة" فيما إذا لم يخلق له ظفر، وفيه خرج الإمام القصاص (1)، وعليه ينطبق التعليل السابق.

(والذّكر صحة وشللًا كاليد) الصحيحة مع الشلاء فيما تقدم جميعه.

(و) الذكر (الأشل: منقبض لا يثبسط، وعكسه) أي: يلزم حالة واحدة من انتشار أو انقباض ولا يتحرك أصلًا، هذه عبارة الجمهور، وقيل: هو الذي لا يتقلص في البرد، ولا يسترسل في الحر، وهو بمعنى الأول.

(ولا أثر للانتشار وعدمه، فيقطع فحل بخصيٍّ وعنين) أما العنين .. فلأنه لا خلل في العضو، وتعذر الانتشار لضعف في القلب أو الدماغ، كذا قال الرافعي:(في القلب)، قال ابن الملقن: ولعله: (في الصلب) كما قاله أبو الطيب (2).

وأما الخصي .. فلأن الخصاء ليس آفة في الذكر؛ لسلامته وقدرته على الإيلاج، فهو آكد من ذكر العنين.

(وأنف صحيح) وهو الشامّ (بأخشم) (وهو الذي لا يشم شيئًا؛ لأن النقص في قوة الشم لا في الجِرْم، والقوة في الدماغ.

(وأذن سميع بأصم) (وكذا بالعكس؛ لأن السمع ليس في جِرْم الأذن، وإنما هي آلة السمع.

(لا عين صحيحة بحدقة عمياء) لأن النظر في العين؛ فهي أكثر من حقه، وفي العكس تؤخذ إن رضي المجني عليه؛ لأنه دون حقه، (ولا لسان ناطق بأخرس) لأنه يأخذ أكثر من حقه؛ إذ الخرس نقص في اللسان، ويجوز العكس برضا المجني عليه.

(1) الشرح الكبير (10/ 228، 229)، روضة الطالبين (9/ 194)، نهاية المطلب (16/ 252).

(2)

الشرح الكبير (10/ 230)، عجالة المحتاج (4/ 1531).

ص: 55

وَفِي قَلْعِ السِّنِّ قِصَاصٌ، لَا فِي كَسْرِهَا، وَلَوْ قَلَعَ سِنَّ صَغِيرٍ لَمْ يُثْغَرْ .. فَلَا ضَمَانَ فِي الْحَالِ، فَإِنْ جَاءَ وَقْتُ نَبَاتِهَا؛ بِأَنْ سَقَطَتِ الْبَوَاقِي وَعُدْنَ دُونَهَا، وَقَالَ أَهْلُ الْبَصَرِ:(فَسَدَ الْمَنْبِتُ) .. وَجَبَ الْقِصَاصُ، وَلَا يُسْتَوْفَى لَهُ فِي صِغَرِهِ

===

(وفي قلع السِّنِّ قصاص) للآية (لا في كسرها) بناء على ما سبق من أنه لا قصاص في كسر العظام، وفي قول: إنه يقتص إن أمكن أن يكسر من الجاني مثله، وقطع به في "المهذب"، وقال البُلْقيني: إنه المذهب، وصوّر ابن يونس الإمكان: بأن يكسر نصفه طولًا.

(ولو قلع) مثغور (سن صغير لم يثغر .. فلا ضمان في الحال) لأنه لم يتحقق إتلافها؛ لأنها تعود غالبًا فأشبه الشعر.

وقوله: (يثغر) هو بمثناة من تحت مضمومة، ثم مثلثة ساكنة، ثم غين معجمة مفتوحة، ومعناه: لم تسقط أسنانه الرواضع، فإذا نبتت بعد ذلك .. قيل: اتغر بتشديد التاء المثناة من فوق، وإن شئت .. قلت: اثّغر بالمثلثة المشددة، قاله المصنف في "التحرير"(1).

(فإن جاء وقت نباتها؛ بأن سقطت البواقي وعدن دونها، وقال أهل البصر: "فسد المنبت" .. وجب القصاص) لأنه بان بالآخر أنه أفسد المنبت، فيقابل بمثله، أما إذا قالوا: يتوقع نباتها إلى وقت كذا .. توقعناه، فإن مضت ولم تنبت .. وجب القصاص.

(ولا يستوفى له في صغره) بل ينتظر بلوغه فيستوفى، فإن مات قبل البلوغ .. اقتص وارثه في الحال أو أخذ الأرش، وإن مات قبل حصول اليأس وقبل تبين الحال .. فلا قصاص، وفي الأرش وجهان يأتيان في (الديات).

وسكت المصنف عما إذا نبتت لوضوحه؛ فإنه لا قصاص ولا دية.

نعم؛ إن نبتت وبها شين أو نقص .. فعليه الحكومة، فإن لم يكن بها شين ولا نقصان منفعة .. ففي إيجاب الحكومة وجهان.

(1) تحرير ألفاظ التنبيه (ص 299).

ص: 56

وَلَوْ قَلَعَ سِنَّ مَثْغُورٍ فَنَبَتَتْ .. لَمْ يَسْقُطِ الْقِصَاصُ فِي الأَظْهَرِ. وَلَوْ نَقَصَتْ يَدُهُ إِصْبَعًا فَقَطَعَ كَامِلَة .. قُطِعَ وَعَلَيْهِ أَرْشُ إِصْبَعٍ، وَلَوْ قَطَعَ كَامِلٌ نَاقِصَةً، فَإِنْ شَاءَ الْمَقْطُوعُ .. أَخَذ دِيَةَ أَصَابِعِهِ الأَرْبَعِ، وَإِنْ شَاءَ .. لَقَطَهَا، وَالأَصَحُّ: أَنَّ حُكُومَةَ مَنَابِتِهِنَّ تَجِبُ إِنْ لَقَطَ لَا إِنْ أَخَذَ دِيَتَهُنَّ، وَأَنَّهُ تَجِبُ فِي الْحَالَيْنِ حُكُومَةُ خُمُسِ الْكَفِّ

===

(ولو قلع) مثغور (سنّ مثغور فنبتت .. لم يسقط القصاص في الأظهر) لأن عودها نادر، والنابت نعمة جديدة، والثاني: يسقط؛ كالصغير إذا عادت سنهُ، وعلى القولين: لا ينتظر العود، بل للمجني عليه أن يقتص أو يأخذ الدية في الحال.

(ولو نقصت يده إصبعًا فقطع كاملة .. قطع وعليه أرش إصبع) لأنه قد قطع منه إصبعًا لم يستوف قصاصها، وله أن يأخذ دية اليد ولا يقطع.

(ولو قطع كامل ناقصة؛ فإن شاء المقطوع .. أخذ دية أصابعه الأربع، وإن شاء .. لقطها) لأنها داخلة في الجناية، ويمكن استيفاء القصاص فيها، وليس للمجني عليه قطع اليد الكاملة، لما فيه من استيفاء الزيادة.

(والأصح: أن حكومة منابتهن تجب إن لقط) أي: إذا لقط الأصابع الأربع .. فقد استبقى كف الجاني مع استيفائه كفه، فهل يجب له حكومة أربعة أخماس الكف التي هي منبت ما استوفاه من الأصابع؟ فيه وجهان:

أحدهما: لا تجب وتدخل تحت قصاص الأصابع؛ كما تدخل في ديتها؛ فإنه أحد موجبي الجناية، وأصحهما: الوجوب؛ لأن الحكومة من جنس الدية؛ فلا يبعد دخولها فيها، بخلاف القصاص.

(لا إن أخذ ديتهن) بل تدخل تحت دية الأصابع؛ كما أن حكومة جميع الكف تندرج تحت دية الأصابع، فإن الواجب في لقط الخمس خمسون من الإبل، وفي القطع من الكوع لا يجب إلا ذلك، وإذا كان كذلك .. وجب تبعية البعض للبعض؛ إلحاقًا للبعض بالكل، وقيل: لا تدخل وتختص قوة الاستتباع بالكل.

(وأنه تجب في الحالين) أي: في حالة أخذ الدية، وحالة لقط الأصابع (حكومة خمس الكف) وهي: ما يقابل منبت إصبعه الباقية؛ أما في حالة لقط الأصابع ..

ص: 57