المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌كتابُ الأيمان لَا تنعَقِدُ إلَّا بِذَاتِ اللهِ تَعَالَى أَوْ صِفَةٍ لَهُ؛ - بداية المحتاج في شرح المنهاج - جـ ٤

[بدر الدين ابن قاضي شهبة]

فهرس الكتاب

- ‌كتابُ الجراح

- ‌فَصْلٌ [في اجتماع مباشرتين]

- ‌فَصْلٌ [في شروط القود]

- ‌فَصْلٌ [في تغير حال المجروح بحرية أو عصمة أو إهدار أو بمقدار للمضمون به]

- ‌فَصْلٌ [في شروط القصاص في الأطراف والجراحات والمعاني]

- ‌بابُ كيفيَّة القصاص ومستوفيه والاختلاف فيه

- ‌فَصْلٌ [في اختلاف مستحق الدم والجاني]

- ‌فَصْلٌ [في مستحق القود ومستوفيه وما يتعلق بهما]

- ‌فَصْلٌ [في موجب العمد وفي العفو]

- ‌كتابُ الدِّيات

- ‌فَصْلٌ [في موجب ما دون النفس من جرح أو نحوه]

- ‌فَرْعٌ [في موجب إزالة المنافع]

- ‌فَرْعٌ [في اجتماع جنايات على شخص]

- ‌فَصْلٌ [في الجناية التي لا تقدير لأرشها والجناية على الرقيق]

- ‌‌‌بابُ موجبات الدِّية والعاقلة والكفَّارة

- ‌بابُ موجبات الدِّية والعاقلة والكفَّارة

- ‌فَصْلٌ [في الاصطدام ونحوه مما يوجب الاشتراك في الضمان وما يذكر مع ذلك]

- ‌فَصْلٌ [في العاقلة وكيفية تأجيل ما تحمله]

- ‌فَصْلٌ [في جناية الرقيق]

- ‌فَصْلٌ [في الغرة]

- ‌فَصْلٌ [في كفارة القتل]

- ‌كتابُ دعوى الدَّم والقسامة

- ‌فَصْلٌ [فيما يثبت به موجب القود وموجب المال بسبب الجناية من إقرار وشهادة]

- ‌كتابُ البُغاة

- ‌فَصْلٌ [في شروط الإمام الأعظم وبيان طرق الإمامة]

- ‌كتابُ الرِّدَّة

- ‌كتابُ الزِّنا

- ‌كتابُ حد القذف

- ‌كتابُ قطع السرقة

- ‌فصلٌ [فيما يمنع القطع وما لا يمنعه]

- ‌ باب

- ‌فصلٌ [في شروط السارق الذي يقطع]

- ‌بابُ قاطع الطريق

- ‌فَصْلٌ [في اجتماع عقوبات على شخص واحد]

- ‌كتابُ الأشربة

- ‌فَصْلٌ [في التعزير]

- ‌كتابُ الصِّيال وضمان الولاة

- ‌فَصْلٌ [في حكم إتلاف البهائم]

- ‌كتابُ السِّيَر

- ‌فَصْلٌ [في مكروهات ومحرمات ومندوبات في الجهاد وما يتبعها]

- ‌فَصْلٌ [في حكم الأسر وأموال أهل الحرب]

- ‌فَصْلٌ [في أمان الكفار]

- ‌كتابُ الِجزْيَة

- ‌فَصْلٌ [في مقدار الجزية]

- ‌باب

- ‌فَصْلٌ [في أحكام عقد الجزية]

- ‌بابُ الهدنة

- ‌كتابُ الصَّيد والذَّبائح

- ‌فَصْلٌ [في آلة الذبح والصيد]

- ‌فَصْلٌ [فيما يملك به الصيد وما يذكر معه]

- ‌كتاب الأضحية

- ‌فَصْلٌ [في العقيقة]

- ‌كتاب الأطعمة

- ‌كتاب المسابقة والمناضلة

- ‌كتابُ الأيمان

- ‌فصلٌ [في صفة الكفارة]

- ‌فصلٌ [في الحلف على السكنى والمساكنة وغيرهما]

- ‌فصلٌ [في الحلف على أكل وشرب مع بيان ما يتناوله]

- ‌فصلٌ [في مسائل منثورة ليقاس بها غيرها]

- ‌فصلٌ [في الحلف على ألا يفعل كذا]

- ‌كتاب النَّذر

- ‌فصلٌ [في نذر النسك والصدقة والصلاة وغيرها]

- ‌كتابُ القضاء

- ‌فصلٌ [فيما يقتضي انعزال القاضي أو عزله وما يذكر معه]

- ‌(باب

- ‌فصلٌ [في آداب القضاء وغيرها]

- ‌فصلٌ [في التسوية وما يتبعها]

- ‌بابُ القضاء على الغائب

- ‌فصلٌ [في بيان الدعوى بعين غائبة]

- ‌فصلٌ [في بيان من يحكم عليه في غيبته وما يذكر معه]

- ‌بابُ القِسْمَة

- ‌كتابُ الشهادات

- ‌فصلٌ [فيما يعتبر فيه شهادة الرجال]

- ‌فصلٌ [في تحمل الشهادة وأدائها]

- ‌فصلٌ [في الشهادة على الشهادة]

- ‌فصلٌ [في الرجوع عن الشهادة]

- ‌كتابُ الدعوى والبيّنات

- ‌فصلٌ [فيما يتعلق بجواب المدعى عليه]

- ‌فصلٌ [في كيفية الحلف والتغليظ فيه]

- ‌فصلٌ [في تعارض البينتين]

- ‌فصلٌ [في اختلاف المتداعيين في العقود]

- ‌فصلٌ [في شروط القائف]

- ‌كتابُ العتِق

- ‌فصلٌ [في العتق بالبعضية]

- ‌فصلٌ [في الإعتاق في مرض الموت وبيان القرعة في العتق]

- ‌فصلٌ [في الولاء]

- ‌كتابُ التَّدبير

- ‌فصلٌ [في حكم حمل المدبرة]

- ‌كتابُ الكِتابة

- ‌فَصْلٌ [فيما يلزم السيد بعد الكتابة]

- ‌فَصْلٌ [في بيان لزوم الكتابة وجوازها]

- ‌فَصْلٌ [في مشاركة الكتابة الفاسدة الصحيحة]

- ‌كتابُ أمّهات الأولاد

- ‌أهمّ مصادر ومراجع التّحقيق

الفصل: ‌ ‌كتابُ الأيمان لَا تنعَقِدُ إلَّا بِذَاتِ اللهِ تَعَالَى أَوْ صِفَةٍ لَهُ؛

‌كتابُ الأيمان

لَا تنعَقِدُ إلَّا بِذَاتِ اللهِ تَعَالَى أَوْ صِفَةٍ لَهُ؛ كَقَوْلهِ: (وَاللهِ)، (وَرَبِّ الْعَالَمِينَ)، (وَالْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ)، (وَمَنْ نَفْسِي بِيَدِهِ)، وَكُلِّ اسْمٍ مُخْتَصٍّ بِهِ سبحانه وتعالى،

===

(كتاب الأيمان)

هي بالفتح: جمع يمين، مأخوذة من اليمين الذي هو العضو؛ لأنهم كانوا إذا حلفوا .. وضع أحدهم يمينه في يمين صاحبه، وهي في الشرع -كما قاله الإمام-: تحقيق الشيء وتقريره باسم الله تعالى أو صفته، نفيًا كان أو إثباتًا (1).

والأصل في الباب: قوله تعالى: {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ} ، وقوله عليه السلام:"وَالله لأَغْزُوَنَّ قُرَيْشًا"(2) إلى غير ذلك من الأحاديث الشهيرة، وأجمعت الأمة على انعقاد اليمين وتعلق الكفارة بالحنث فيها.

(لا تنعقد إلا بذات الله تعالى، أو صفة له؛ كقوله:"والله"، "وربِّ العالمين"، "والحيِّ الذي لا يموت"، "ومن نفسي بيده"، وكل اسم مختص به سبحانه وتعالى كالإله، وملك يوم الدين؛ لأن الأيمان معقودة بمن عظمت حرمته، ولزمت طاعته.

وإطلاق هذا مختص بالله تعالى؛ فلا ينعقد بالمخلوقات، كـ:(وحقِّ النبي)، و (جبريل)، و (الملائكة)، و (الكعبة) لما في "الصحيحين":"إِنَّ الله يَنْهَاكُمْ أَنْ تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ، فَمَنْ كَانَ حَالِفًا .. فَلْيَحْلِفْ بِالله أَوْ لِيَصْمُتْ"(3).

قال الشافعي: وأخشى أن يكون الحلف بغير الله معصية (4).

(1) نهاية المطلب (18/ 291).

(2)

أخرجه ابن حبان (4343)، وأبو داوود (3285)، والبيهقي (10/ 47) عن ابن عباس رضي الله عنهما.

(3)

صحيح البخاري (6108)، صحيح مسلم (1646/ 3) عن ابن عمر رضي الله عنهما.

(4)

الأم (8/ 150).

ص: 389

وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ: (لَمْ أُرِدْ بِهِ الْيَمِينَ). وَمَا انْصَرَفَ إِلَيْهِ سبحانه وتعالى عِنْدَ الإِطْلَاقِ كـ (الرَّحِيمِ)، وَ (الْخَالِقِ)، وَ (الرَّازِقِ)، وَ (الرَّبِّ) .. تنعَقِدُ بِهِ الْيَمِينُ، إلَّا أَنْ يُرِيدَ غَيْرَهُ، وَمَا اسْتُعْمِلَ فِيهِ وَفِي غَيْرِهِ سَوَاءٌ كَالشَّيْءِ وَالْمَوْجُودِ وَالْعَالِمِ وَالْحَيِّ .. لَيْسَ بِيَمِينٍ إلَّا بِنِيةٍ. وَالصِّفَةُ؛ كـ (وَعَظَمَةِ اللهِ)، (وَعِزَّتِهِ)، (وَكِبْرِيَائِهِ)، (وَكَلَامِهِ)،

===

وما صرح به المصنف من أن (الله) اسم للذات هو الصحيح؛ ولهذا تجري الصفات عليه فيقول: اللهُ الرحمنُ الرحيمُ.

وقيل: هو اسم للذات مع جملة الصفات، فإذا قلت:(الله) .. فقد ذكرت جملة صفات الله تعالى.

و(العالم) بفتح اللام: كلُّ المخلوقات.

(ولا يقبل قوله: "لم أرد به اليمين") لأنها صريحة في اليمين.

(وما انصرف إليه سبحانه وتعالى عند الإطلاق) وينصرف إلى غيره بالتقييد (كـ"الرحيم"، و"الخالق"، و"الرازق"، و"الربّ" .. تنعقد به اليمين) وإن أطلق؛ لأن الإطلاق ينصرف إليه سبحانه وتعالى (إلا أن يريد غيره) فيقبل، ولا يكون يمينًا؛ لأنه قد يستعمل في حقّ غيره؛ كرحيم القلب، وخالق الكذب، ورازق الجيش، وربّ الدار، قال تعالى:{وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا} ، وقال:{فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ} .

(وما استعمل فيه وفي غيره سواء؛ كالشيء والموجود والعالم والحي .. ليس بيمين) لأنه ليس باسم معظم (إلا بنيَّةٍ) لأنها لما استعملت فيه وفي غيره سواء .. أشبهت كنايات الطلاق.

وما جزم به من كونه يمينًا عند النية هو الأصح في "زوائد الروضة"، لكن الأظهر في "الشرحين": أنه ليس بيمين (1)؛ لفقد التصريح بالاسم المعظم؛ فإن ما ينطلق على الله وعلى غيره انطلاقًا واحدًا ليس له حرمة.

ومنع المصنف قولهم: ليس له حرمة.

(والصفة؛ كـ: "وعظمة الله"، "وعزته"، "وكبريائه"، "وكلامه"،

(1) روضة الطالبين (11/ 11)، الشرح الكبير (12/ 242).

ص: 390

(وَعِلْمِهِ)، (وَقُدْرَته)، (وَمَشِيئَتِهِ) .. يَمِينٌ، إلَّا أَنْ يَنْوِيَ بِالْعِلْمِ الْمَعْلُومَ، وَبِالْقُدْرَةِ الْمَقْدُورَ. وَلَوْ قَالَ:(وَحَقِّ اللهِ) .. فَيَمِينٌ، إِلَّا أَنْ يُرِيدَ الْعِبَادَاتِ. وَحُرُوفُ الْقَسَمِ:(بَاءٌ) وَ (وَاوٌ) وَ (تَاءٌ)، كـ (بِاللهِ) وَ (وَاللهِ) وَ (تاللهِ)، وَتَخْتَصُّ التَّاءُ بِاللهِ.

===

"وعلمه"، "وقدرته"، "ومشيئته" .. يمين) لأنها صفات لم يزل سبحانه موصوفًا بها، فأشبهت الأسماء المختصة به، فتنعقد يمينه بها ولو أطلق.

(إلا أن ينوي بالعلم المعلوم، وبالقدرة المقدور) فلا تكون يمينًا، ويكون كأنه قال:(ومعلوم الله)، (ومقدور الله).

وقضية كلامه: تخصيص الاستثناء بصفتي العلم والقدرة دون ما قبلهما من الصفات، وهو وجه جزم به كثيرون، لكن الأصح في "الشرحين" و"الروضة": عدم الفرق؛ لأنه قد يقال: (عاينت عظمة الله وكبرياءه)، ويشار إلى أفعاله سبحانه وتعالى (1).

(ولو قال: "وحقِّ الله") لأفعلن كذا ( .. فيمين) إن نوى اليمين، وكذا إن أطلق في الأصح؛ لغلبة استعماله في اليمين (إلا أن يريد العبادات) فلا تكون يمينًا قطعًا؛ لأن العبادات حق الله تعالى علينا، وليس صفة لله تعالى.

(وحروف القسم: "باء"، و"واو"، و"تاء"؛ كـ: "بالله"، و"والله"، و"تالله") والأصل في القسم عند أهل اللسان: هي (الباء)، ثم أبدلوا منها (الواو) لقربها منها في المخرج وفي المعنى، ثم أبدلوا من (الواو)(التاء) لقرب مخرجها منها.

(وتختص "التاء" بالله) لأنها لمّا كانت بدلًا من بدل .. ضاق تصرفها عن البدل والمبدل منه؛ فلم تدخل على شيء ممّا يدخلان عليه سوى اسم الله تعالى، فيقول:(تالله)، ولا يقول:(تربك) ولا غيره.

وكان صواب العبارة: (ويختص الله بـ "التاء")؛ لأن (الباء) مع فعل

(1) الشرح الكبير (12/ 243)، روضة الطالبين (1/ 12 - 13).

ص: 391

وَلَوْ قَالَ: (الله) وَرَفَعَ أَوْ نَصَبَ أَوْ جَرَّ .. فَلَيْسَ بِيَمِينٍ إلَّا بِنِيَّةٍ. وَلَوْ قَالَ: (أَقْسَمْتُ) أَوْ (أُقْسِمُ) أَوْ (حَلَفْتُ) أَوْ (أَحْلِفُ بِاللهِ لأَفْعَلَنَّ) .. فَيَمِينٌ إِنْ نَوَاهَا أَوْ أَطْلَقَ، وَإِنْ قَالَ: قَصَدْتُ خَبَرًا مَاضِيًا أَوْ مُسْتَقْبَلًا .. صُدِّقَ بَاطِنًا، وَكَذَا ظَاهِرًا عَلَى الْمَذْهَبِ

===

الاختصاص إنما تدخل على المقصور، وذلك في (التاء) لا في (الله)؛ لأنه يدخل عليه (الباء) و (الواو).

(ولو قال: "الله" ورفعَ، أو نصبَ، أو جَرَّ .. فليس بيمين إلا بنيَّةٍ) لأنه لا يعرفه إلا الخواصُّ من الناس.

(ولو قال: "أقسمت"، أو "أقسم"، أو "حلفت"، أو "أحلف بالله لأفعلن" .. فيمين إن نواها أو أطلق) لكثرته في الاستعمال، قال تعالى:{وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ} ، {فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ} .

(وإن قال: "قصدت) بما ذكرت (خبرًا ماضيًا، أو مستقبلًا" .. صُدِّق باطنًا) جزمًا؛ فلا تلزمه الكفارة فيما بينه وبين الله تعالى؛ لاحتمال ما يدّعيه.

(وكذا ظاهرًا على المذهب) لأن (أقسمت) تصلح للماضي حقيقة، و (أقسم) تصلح للمستقبل حقيقة، فقبل تفسيره به، كذا نصّ عليه (1)، ونص في (الإيلاء): أنه إذا قال: (أقسمت بالله لا وطئتك)، ثم قال:(أردت يمينًا ماضيًا) .. أنه لا يقبل (2)، وللأصحاب ثلاث طرق: أظهرها: حكاية قولين فيهما، أظهرهما: القبول؛ لما ذكرناه، والثاني: المنع؛ لظهوره في الإنشاء، والطريق الثاني: القطع بالمنع، وحمل ما ذكره هنا على القبول باطنًا، والثالث: تقرير النصين.

والفرق: أن حق الله تعالى مبني على المسامحة، بخلاف حق الآدمي.

ومحل الخلاف: ما إذا لم يُعلم له يمين ماضية، فإن عُلم .. قبل قوله في إرادتها بـ (أقسمت) قطعًا.

(1) الأم (8/ 151).

(2)

الأم (6/ 671).

ص: 392

وَلَوْ قَالَ لِغَيْرِهِ: (أُقْسِمُ عَلَيْكَ بِاللهِ) أَوْ (أَسْأَلُكَ بِاللهِ لَتفعَلَنَّ) وَأَرَادَ يَمِينَ نَفْسِهِ .. فَيَمِينٌ، وإلَّا .. فَلَا. وَلَوْ قَالَ:(إِنْ فَعَلْتُ كَذَا .. فَأَنَا يَهُودِيٌّ أَوْ بَرِيءٌ مِنَ الإِسْلَامِ) .. فَلَيْسَ بِيَمِينٍ، وَمَنْ سَبَقَ لِسَانُهُ إِلَى لَفْظِهَا بِلَا قَصْدٍ .. لَمْ تنعَقِدْ

===

(ولو قال لغيره: "أقسم عليك بالله"، أو "أسألك بالله لتفعلن" وأراد يمين نفسه .. فيمين) لصلاحية اللفظ، ويقدّر في قوله:(أسألك) أنه قال: أسألك ثم ابتدأ الحلف.

(وإلا .. فلا) فشمل ثلاث صور: قصد يمين المخاطب، أو لا يقصد يمينا أصلًا بل الشفاعة، أو يطلق، وفي الثلاثة لا تنعقد؛ لأنه لم يحلف لا هو ولا المخاطب.

(ولو قال: "إن فعلت كذا .. فأنا يهودي أو بريء من الإسلام" .. فليس بيمين) لانتفاء الاسم والصفة، والحلف بذلك معصية، والتلفظ به حرام؛ كما صرح به الماوردي والدارمي، والمصنف في "الأذكار"(1).

ثم إن قصد بذلك تبعيد نفسه عن الفعل .. لم يكفر، أو الرضا به إذا فعله .. كفر في الحال، وإذا لم نكفره .. استحب له أن يستغفر الله ويقول:(لا إله إلا الله، محمد رسول الله) قاله في "زيادة الروضة"(2) نقلًا عن الأصحاب، وقال صاحب "الاستقصاء": يجب ذلك.

(ومن سبق لسانه إلى لفظها) أي: لفظ اليمين (بلا قصد) كقوله في حال غضبه، أو لجاج، أو عجلة، أو صلة كلام:(لا والله)، و (بلى والله) ( .. لم تنعقد) بل هو لغو اليمين؛ كما قالت عائشة رضي الله عنها في قوله تعالى:{لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ} ، ورواه أبو داوود مرفوعًا، وصححه ابن حبان (3).

ولو كان يحلف على شيء فسبق لسانه إلى غيره .. فهو من لغو اليمين.

والمراد من تصويرهم اللغو بـ (لا والله)، و (بلى والله): على البدل لا الجمع، أما لو قال:(لا والله وبلى والله) في وقت واحد .. قال الماوردي: كانت الأولى

(1) الحاوي الكبير (19/ 309)، الأذكار (ص 576).

(2)

روضة الطالبين (11/ 7).

(3)

سنن أبي داوود (3254)، صحيح ابن حبان (4333)، وأخرجه البخاري (6663).

ص: 393

وَتَصِحُّ عَلَى مَاضٍ وَمُسْتَقْبَلٍ، وَهِيَ مَكْرُوهَةٌ إلَّا فِي طَاعَةٍ، فَإِنْ حَلَفَ عَلَى تَرْكِ وَاجِبٍ أَوْ فِعْلِ حَرَامٍ .. عَصَى وَلَزِمَهُ الْحِنْثُ وَكَفَّارَةٌ، أَوْ تَرْكِ مَنْدُوبٍ، أَوْ فِعْلِ

===

لغوًا، والثانية منعقدة؛ لأنها استدراك فصارت مقصودة (1)، فلو حلف وقال:(لم أقصد اليمين) .. صدق بيمينه في الحلف بالله تعالى إن لم تدل قرينة على قصد اليمين، ولا يصدق ظاهرًا في الطلاق والعتق؛ لتعلق حق الآدمي.

(وتصح) اليمين (على ماض) بالإجماع (ومستقبل) لقوله عليه السلام: "وَالله لأَغْزُوَنَّ قُرَيْشًا"(2).

ويستثنى: ممتنع الحنث لذاته؛ كقوله: (لا أصعد السماء)، أو (لا أقتل ميتًا)، فالأصح: عدم الانعقاد؛ لامتناع الحنث، بخلاف ممتنع البر؛ كقوله:(لأصعدن السماء)، فإن يمينه تنعقد وتجب الكفارة في الحال؛ لإخلاله بتعظيم الاسم وهتك الحرمة، بخلاف ممتنع الحنث.

(وهي مكروهة) في الجملة؛ لقوله تعالى: {وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ} ، ولأنه ربما عجز عن الوفاء بما حلف عليه، قال الشافعي رضي الله عنه: ما حلفت بالله صادقًا ولا كاذبًا قط (3)(إلا في طاعة) كالجهاد؛ لحديث: "وَالله لأَغْزُوَنَّ قُرَيْشًا"(4).

ويستثنى أيضًا: الأيمان الواقعة في الدعاوي إذا كان صادقًا .. فإنها لا تكره، وكذا إذا دعت إليها حاجة؛ كتوكيد وتعظيم أمر؛ كما في "الصحيحين":"فَوَالله لَا يَمَلُّ الله حَتَّى تَمَلُّوا"(5)، وضابطه: الحاجة إلى اليمين.

(فإن حلف على ترك واجب أو فعل حرام .. عصى) باليمين (ولزمه الحنث وكفارةٌ) لأن الإقامة على هذه الحالة معصية، (أو تركِ مندوب) كالنوافل (أو فعل

(1) الحاوي الكبير (19/ 341).

(2)

سبق تخريجه في (ص 389).

(3)

ذكره أبو نعيم في "الحلية"(9/ 128) عن الربيع رحمه الله تعالى، والذهبي في "السير"(10/ 36) عن حرملة رحمه الله تعالى.

(4)

سبق تخريجه في (ص 389).

(5)

صحيح البخاري (43)، صحيح مسلم (782/ 215) عن عائشة رضي الله عنها.

ص: 394

مَكْرُوهٍ .. سُنَّ حِنْثُهُ وَعَلَيْهِ كَفَّارَةٌ، أَوْ تَرْكِ مُبَاحٍ أَوْ فِعْلِهِ .. فَالأَفْضَلُ: تَرْكُهُ، وَقِيلَ: الْحِنْثُ. وَلَهُ تَقْدِيمُ كَفَّارَةٍ بِغَيْرِ صَوْمٍ عَلَى حِنْثٍ جَائِزٍ، قِيلَ: وَحَرَامٍ. قُلْتُ: هَذَا أَصَحُّ، وَاللهُ أَعْلَمُ

===

مكروه) كالتفاتٍ في الصلاة ( .. سن حنثه وعليه كفارة) لقوله عليه السلام لعبد الرحمن بن سمرة: "وَإِذَا حَلَفْتَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَيْتَ غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا .. فَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ وَكَفِّرْ عَنْ يَمِينكَ" متفق عليه (1).

واليمين على فعل المكروه مكروهة.

(أو تركِ مباح أو فعلِه) كدخول دار، وأكل طعام ( .. فالأفضل: تركه) لقوله تعالى: {وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا} ، (وقيل: الحنث) أفضل؛ لأن في المقام تغييرًا لموجب الشرع، ولينتفع المساكين بالكفارة.

(وله) أي: للحالف بعد اليمين (تقديم كفارة بغير صوم على حنث جائز) لحديث: "فَكَفِّرْ عَنْ يَمِينكَ ثُمَّ أْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ" رواه أبو داوود والنسائي بإسناد صحيح (2)، وهو في "الصحيحين" بالواو؛ كما مر (3)، ولأنه حق مالي وجب بسببين، فجاز تعجيله بعد وجود أحدهما؛ كالزكاة قبل الحول.

نعم؛ الأولى ألّا يكفر حتى يحنث خروجًا من خلاف أبي حنيفة.

أما الصوم: فيمتنع تقديمه على الحنث على الصحيح؛ لأنه عبادة بدنية، فلم يجز تقديمها على وقت وجوبها بغير حاجة؛ كصوم رمضان، ولا خلاف في امتناع تقديمها على اليمين.

(قيل: وحرامٍ، قلت: هذا أصح، والله أعلم) أي: إذا كان الحنث بارتكاب حرام؛ كما لو حلف لا يزني .. فهل له التكفير بالمال قبله؟ وجهان: صحح في "المحرر": المنع؛ لأنه يتطرق به لارتكاب محظور، والتعجيل رخصة؛ فلا تليق بالعاصي، وصحح المصنف هنا، وفي "الروضة": الجواز، وصححه الرافعي في

(1) صحيح البخاري (6722)، صحيح مسلم (1652).

(2)

سنن أبي داوود (3277)، سنن النسائي (7/ 10) عن عبد الرحمن بن سمرة رضي الله عنه.

(3)

لقد مر قبل قليل، ورواية مسلم المارة هي بالفاء، ولعلها من اختلاف الروايات.

ص: 395