الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتابُ السِّيَر
كَانَ الْجِهَادُ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَرْضَ كِفَايَةٍ، وَقِيلَ: عَيْنٍ،
===
(كتاب السير)
هو جمع سيرة، وهي الطريقة، وترجمه بذلك؛ لأن أحكامه متلقاة من سير النبي صلى الله عليه وسلم في غزواته.
والأصل فيه قبل الإجماع: قوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ} ، {انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا} ، {إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} ، والسنن الصحيحة طافحة به، وبالحث عليه، وبيان فضله.
(كان الجهاد في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فرض كفاية)، أما كونه فرضًا. . فبالإجماع، وأما كونه على الكفاية. . فلقوله تعالى:{لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} . . . إلى قوله: {وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى} ، فذكر فضل المجاهدين، ووعد القاعدين بالحسنى أيضًا، والعاصي لا يوعد بالحسنى. وهذا كان بعد الهجرة، أما قبلها. . فكان ممنوعًا منه، بل كان مأمورًا صلى الله عليه وسلم بالتبليغ والإنذار والصبر على أذى الكفار، ثم بعد الهجرة أذن الله سبحانه في القتال للمسلمين إذا ابتدأهم الكفار، ثم أبيح الابتداء في غير الأشهر الحرم، ثم أمر به مطلقًا (1).
(وقيل: عين) لعموم الآيات السابقة، وقائله قال: كان القاعدون حراسًا للمدينة، وهو نوع من الجهاد، والقائل بالأول قال: الوعيد في الآية إنما كان في حالة قلة المسلمين وكثرة المشركين، أو يحمل على من عيّنه صلى الله عليه وسلم للجهاد؛ فإنه تتعين عليه الإجابة.
وقال الماوردي: كان فرضَ عينٍ على المهاجرين؛ لأنهم انقطعوا لنصرته صلى الله عليه وسلم؛ ولهذا كان سراياه قبل بدر بالمهاجرين، وفرضَ كفايةٍ على غيرهم؛ لأنهم إنما جاهدوا ببدر فما بعدها (2).
(1) بلغ مقابلة على أصله. اهـ هامش (أ).
(2)
الحاوي الكبير (18/ 122).
وَأَمَّا بَعْدَهُ. . فَلِلْكُفَّارِ حَالَانِ: أَحَدُهُمَا: يَكُونُونَ ببلَادِهِمْ؛ فَفَرْضُ كِفَايَةٍ، إِذَا فَعَلَهُ مَنْ فِيهِمْ كِفَايَةٌ. . سَقَطَ الْحَرَجُ عَنِ الْبَاقِينَ. وَمِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَات: الْقِيَامُ بِإِقَامَةِ الْحُجَجِ
===
وقال السهيلي: كان فرضَ عينٍ في حق الأنصار، وكفايةٍ في حق غيرهم؛ لأنهم بايعوا عليه، قال شاعرهم:[من الرجز]
نَحْنُ الَّذِينَ بَايَعُوا مُحَمَّدا
…
عَلَى الْجِهَادِ مَا بَقِينَا أَبَدا (1)
(وأما بعده. . فللكفار حالان: أحدهما: يكونون ببلادهم؛ ففرض كفاية) كما دل عليه سير الخلفاء الراشدين، ولو فرض على الأعيان. . لتعطلت المعايش والمكاسب، وخربت البلاد.
(إذا فعله من فيهم كفاية. . سقط الحرج عن الباقين) لأن هذا شأن فروض الكفايات. والكفاية تحصل بشيئين: أحدهما: أن يشحن الإمام الثغور بجماعة يكافئون من بإزائهم من الكفار، والثاني: أن يدخل دار الكفار غازيًا بنفسه، أو يبعث جيشًا يؤمِّر عليهم من يصلح لذلك.
وأقله: مرة واحدة في كل سنة؛ لأن الجزية تجب بدلًا عنه، وهي واجبة في كل سنة فكذلك مبدلها (2)، فإن زاد. . فهو أفضل، ويستحب: أن يبدأ بالقتال من يلي دار الإسلام منهم، إلا أن يكون الخوف من الأبعدين أكثر؛ فإنه يبدأ بهم، هذا ما نصّ عليه الشافعي والأصحاب (3).
واختار الإمام في هذا مسلكَ الأصوليين؛ فإنهم قالوا: الجهاد دعوة قهرية، فتجب إقامته بحسب الإمكان حتى لا يبقى إلا مسلم أو مسالم، ولا يختص بمرة في السنة، ولا يعطل إذا أمكنت الزيادة، قال: وما ذكره الفقهاء حملوه على العادة الغالبة، وهي أن الأموال والعُدَد لا تتأتى لتجهيز الجنود في السنة أكثر من مرة (4).
(ومن فروض الكفايات: القيام بإقامة الحجج) العلمية والبراهين القاطعة على
(1) الروض الأنف (7/ 405 - 406).
(2)
في (ز): (فكذلك بدلها).
(3)
الأم (5/ 386).
(4)
نهاية المطلب (17/ 397).
وَحَلِّ الْمُشْكِلَاتِ فِي الدِّينِ، وَبِعُلُومِ الشَّرْعِ كَتَفْسِيرٍ وَحَدِيثٍ، وَالْفُرُوعِ بِحَيْثُ يَصْلُحُ لِلْقَضَاءِ، وَالأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ،
===
إثبات الصانع سبحانه وتعالى، وما يجب له من الصفات وما يستحيل عليه، وكذا إثبات النبوات، وإثبات نبوة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وصدقِه فيما جاء به، (وحلِّ المشكلات في الدين)، كما لا بدّ من إقامة الحجج القهرية بالسيف حتى لا تخلو خِطّة من خِطَط الإسلام عن ذلك، والمراد بالخِطّة: مسافة القصر.
وفرض الكفاية: كل فهم ديني أو دنيوي طلب الشارع حصوله، ولا يطلب تكليف واحد فواحد به، بخلاف فرض العين؛ فإن كل واحد مكلف بتحصيله.
(وبعلوم الشرع؛ كتفسير، وحديث، والفروعِ بحيث يصلح للقضاء) والإفتاء؛ لشدة الحاجة إلى ذلك.
ومن فرض الكفاية: معرفة أصول الفقه، والنحو، واللغة، والتصريف، وأسماء الرواة، والجرح والتعديل، واختلاف العلماء واتفاقهم؛ كما ذكره في "الروضة"(1)، وكذا الطب، وتعلم الحساب المحتاج إليه في المعاملة وقسمة الوصايا والمواريث.
وكون علم الفروع فرضَ كفاية: إنما هو في غير القدر المحتاج إليه، أمَّا ما يحتاج إليه في مفروضات الدين؛ كالطهارة، والصلاة، والصيام، وغيرها. . فتعلمه فرض عين؛ فإنّ من لا يعلم أركان العبادة وشروطها. . لا يمكنه إقامتها.
وإن كان له مال زكوي. . لزمه تعلم ظواهر أحكام الزكاة، ومن يتجر. . يتعين عليه معرفة أحكام التجارات، وكذا ما يحتاج إليه صاحب كل حرفة؛ يتعين عليه تعلمه، والمراد: الأحكام الظاهرة، دون الفروع النادرة والمسائل الدقيقة وما لا تعم به البلوى.
(والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) بالإجماع، قالا: والمراد منه: الأمرُ بواجبات الشرع، والنهيُ عن محرماته، لكن تصحيحه في "زيادة الروضة" بعدُ: بأنه يجب على المحتسب الأمر بصلاة العيد وإن قلنا: إنها سنة. . قد يخالفه، قالا: ولو
(1) روضة الطالبين (10/ 224).
وَإِحْيَاءُ الْكَعْبَةِ كُلَّ سَنَةٍ بِالزِّيَارَةِ، وَدَفْعُ ضَرَرِ المُسْلِمِينَ كَكِسْوَةِ عَارٍ وَإِطْعَامِ جَائِعٍ إِذَا لَمْ يَنْدَفِعْ بِزَكَاةٍ وَبَيْتِ مَالٍ، وَتَحَمُّلُ الشَّهَادَةِ، وَأَدَاؤُهَا، وَالْحِرَفُ، وَالصِّنَائِعُ، وَمَا تَتِمُّ بِهِ الْمَعَايِشُ،
===
نُصِّب لذلك رجل. . تعين عليه بحكم الولاية، وهو المحتسب (1).
(وإحياءُ الكعبة كلَّ سنة بالزيارة) لأن ذلك من شعائر الإسلام.
وقضيته: أن الحج لا يتعين في إسقاط الفرض، وعبارة "الروضة" و"أصلها": بالحج، قال الرافعي: كذا أطلقوه، وينبغي أن تكون العمرة كالحج، بل الاعتكاف والصلاة في المسجد الحرام؛ فإن التعظيم وإحياء البقعة يحصل بكل ذلك، وردّه في "زيادة الروضة": بأنه لا يحصل مقصود الحج بما ذكر؛ فإنه مشتمل على الوقوف والرمي والمبيت بمزدلفة ومنى، وإحياء تلك البقاع بالطاعات، وغير ذلك (2).
قال في "المهمات": وهذا غير ملاق لكلام الرافعي؛ فإنه يسلم أنه لا يحصل مقصود الحج، لكن الكلام في إحياءِ الكعبة لا إحياءِ هذه الأماكن.
نعم؛ المتجه في الصلاة والاعتكاف: ما ذكره؛ فإنه ليس فيهما إحياء الكعبة بالكلية ولو كان داخل الكعبة؛ لعدم اختصاص الصلاة والاعتكاف بمسجد معين، وأما العمرة. . فإلحاقها بالحج قريب، والمتجه: أن الطواف كالعمرة (3).
(ودفعُ ضرر المسلمين) وأهل الذمة على أهل الثروة والقدرة. . (ككسوة عار وإطعام جائع إذا لم يندفع بزكاة وبيت مال) ونذر وكفارة ووقف؛ صيانة للنفوس، والمراد: إزالة فاقته وسد ضرورته.
(وتحملُ الشهادة، وأداؤها) على ما نفصله في بابه، وكذا إعانة القضاة على استيفاء الحقوق، وكتجهيز الموتى غسلًا وتكفينًا ودفنًا؛ لأن هذه الأمور تتعلق بشعائر الدين، وبها ينتظم أمور المعايش.
(والحرفُ، والصنائعُ، وما تتم به المعايش) كالبيع، والشراء، والحراثة،
(1) الشرح الكبير (11/ 352)، روضة الطالبين (10/ 217).
(2)
روضة الطالبين (10/ 221)، الشرح الكبير (11/ 353 - 354).
(3)
المهمات (8/ 390 - 391).
وَجَوَابُ سَلَامٍ عَلَى جَمَاعَةٍ -وَيُسَنُّ ابْتِدَاؤُهُ- لَا عَلَى قَاضِي حَاجَةٍ وَآكِلٍ وَفِي حَمَّامٍ، وَلَا جَوَابَ عَلَيهِمْ.
===
والحجامة؛ لأن قيام الدنيا بهذه الأسباب، وقيام الدين متوقف على أمر الدنيا، ومعلومٌ عجزُ كلِّ فرد من الأفراد عن القيام بكل ما ينوبه من أمر دنياه.
قال الإمام وجماعات: والقيام بفرض الكفاية أفضل من فرض العين؛ لأنه ساع في صيانة الأمة عن الإثم، بخلاف الثاني.
(وجوابُ سلام على جماعة) لقوله تعالى: {وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا} ، فإن أجاب واحد منهم. . سقط الفرض عن الباقين، قال في "البحر": والراد منهم هو المختص بالثواب، وإن أجاب الجميع. . كانوا مؤدين للفرض (1).
واحترز بالجماعة: عن الواحد، فإن الرد فرض عين عليه.
(ويسن ابتداؤه) لحديث: "إِنَ أَوْلَى النَّاسِ بِاللهِ مَنْ بَدَأَهُمْ بِالسَّلَامِ"، رواه أبو داوود بإسناد حسن (2).
قال القفال في "فتاويه": وابتداء السلام أفضل من الرد، وحكى القاضي فيه خلافًا، وهو سنة على الكفاية، فإذا سلم واحد من الجماعة. . تأدت السنة، قال القاضي الحسين والشاشي: وليس لنا سنة على الكفاية غيره، ورُدّ بصور؛ منها: التسمية على الأكل، والتشميت، والأضحية، والأذان، والإقامة.
ومحل استحباب الابتداء: في المسلم، أما الذمي. . فلا يجوز ابتداؤه على الصحيح.
(لا على قاضي حاجة) أي: حاجة البول والغائط، والجماع، لأن مكالمته بعيدة عن الأدب، (وآكل) لشغله به، (وفي حمام) لاشتغاله بالاغتسال، وهو مأوى الشياطين، وليس موضعَ التحية، (ولا جوابَ عليهم) لوضعه السلامَ في غير محله.
واستثنى الإمام من الأكل: ما إذا سلم بعد الابتلاع وقبل وضع لقمة أخرى،
(1) بحر المذهب (13/ 209).
(2)
سنن أبي داوود (5197) بلفظه، وأخرجه الترمذي (2694) عن أبي أمامة رضي الله عنه.
وَلَا جِهَادَ عَلَى صَبِيٍّ، وَمَجْنُونٍ، وَامْرَأَةٍ، وَمَرِيضٍ، وَذِي عَرَجٍ بَيِّنٍ، وَأَقْطَعَ، وَأَشَلَّ، وَعَبْدٍ، وَعَادِمِ أُهْبَةِ قِتَالٍ. وَكُلُّ عُذْرٍ مَنَعَ وُجُوبَ حَجٍّ مَنَعَ الْجهَادَ، إلَّا خَوْفَ طَرِيقٍ مِنْ كُفَّارٍ، وَكَذَا مِنْ لُصُوصٍ مُسْلِمِينَ عَلَى الصَّحِيحِ. وَالدَّيْنُ الْحَالُّ يُحَرِّمُ سَفَرَ جِهَادٍ وَغَيْرِهِ إِلَّا بِإِذْنِ غَرِيمِهِ،
===
وقال: إنه لا يتوجه في هذه الحالة الامتناع، وأقراه، وجزم به المصنف في "الأذكار"(1).
(ولا جهادَ على صبي ومجنون) لرفع القلم عنهما، (وامرأةٍ) لما جُبِلت عليه من الضعف، والخنثى كالأنثى، (ومريضٍ) لا يقدر على القتال والركوب، أو يلحقه به مشقة شديدة، وعلى الأعمى، لقوله تعالى:{لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ} الآية، (وذي عرج بيّن) ولو من رجل واحدة، للآية، ولا عبرة بعرج يسير لا يمنع المشي، (وأقطعَ) وفاقد معظم الأصابع، (وأشلَّ) لأنه لا يتمكن من الضرب والاتقاء، (وعبدٍ) ولو مبعضًا ومكاتبًا، رعايةً لحق السيد، وسواء أذن له السيد فيه أو أمره به؛ لأنه ليس من أهله، فلا يلزمه طاعة السيد فيه، وكذا لا يجب على الذمي، (وعادمِ أهبة قتال) من سلاح ومركوب إن كان سفره مسافة قصر، ونفقةِ طريقه ذهابًا وإيابًا إن احتاج إلى السفر؛ لقوله تعالى:{وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ} ، ويشترط: كون جميع ذلك فاضلًا عن نفقة من تلزمه نفقته وسائرِ ما ذُكر في (الحج).
(وكلُّ عذر منع وجوب حج منع الجهاد، إلا خوفَ طريق من كفار) لأن الغزو مبني على المخاوف، (وكذا من لصوص مسلمين على الصحيح) لأن الخوف يحتمل في هذا السفر، وقتال اللصوص أهم وأولى، والثاني: يمنع؛ كالحج.
(والدين الحال يحرم سفر جهاد وغيره) لأنه متعين عليه، والجهاد على الكفاية، وفرض العين مقدم على فرض الكفاية، (إلا بإذن غريمه) لرضاه بإسقاط حقه، وكذا لو استناب من يقضي دينه من مال حاضر لا غائب.
وقضية كلامه: أن للغريم منعَه ولو كان معسرًا، وهو قضية إطلاق "الروضة"
(1) نهاية المطلب (17/ 421)، الشرح الكبير (11/ 371 - 372)، روضة الطالبين (10/ 232)، الأذكار (ص 412).
وَالْمُؤَجَّلُ لَا، وَقِيلَ: يَمْنَعُ سَفَرًا مَخُوفًا. وَيَحْرُمُ جِهَادٌ إِلَّا بِإِذْنِ أَبَوَيْهِ إِنْ كَانَا مُسْلِمَيْنِ، لَا سَفَرُ تَعَلُّمِ فَرْضِ عَيْنٍ، وَكَذَا كِفَايَةٌ فِي الأَصَحِّ، فَإِنْ أَذِنَ أَبَوَاهُ وَالْغَرِيمُ ثُمَّ رَجَعُوا. . وَجَبَ الرُّجُوعُ إِنْ لَمْ يَحْضُرِ الصَّفَّ،
===
و"أصلها" في (التفليس)، ونقله في "الكفاية" عن الأصحاب، لكن الصحيح في "أصل الروضة" هنا: أنه ليس له منعه، وحكى الرافعي عن ابن كَجّ: أنه المذهب (1).
(والمؤجّلُ لا) يمنع السفر مطلقًا وإن قرب الأجل؛ لأنه لا يتوجه عليه الطلب به إلا بعد حلوله، (وقيل: يمنع سفرًا مخُوفًا) كجهاد وركوب بحر؛ صيانةً لحق الغريم، اللهم؛ إلا أن يقيم كفيلًا بالدين، أما غير المخوف. . فلا يمنع منه قطعًا.
(ويحرم جهاد) بسفر وغيره (إلا بإذن أبويه إن كانا مسلمين) لأن الجهاد فرض كفاية، وبرَّهما فرض عين، فقدم عليه، وللحديث الصحيح فيه (2)، فإن كانا كافرين. . لم يلزمه استئذانهما؛ لأنهما يمنعانه.
والأجداد والجدات كالأبوين عند عدمهما، وكذا مع وجودهما على الأصحِّ؛ لوجوب برهما، والأبُ الرقيق كالحر على الصحيح.
(لا سفر تعلم فرض عين) لاضطراره إليه (3)؛ كالحج، وأولى؛ لأن الحج على التراخي، (وكذا كفاية في الأصح) بأن خرج طالبًا لدرجة الفتوى، وفي الناحية من يستقل بها؛ لأن الحجر على المكلف وحبسه بعيد، وقيل: لهما المنع؛ كالجهاد.
والسفر المباح كالتجارة؛ إن قصر. . فلا منع منه بحال، وإن طال وغلب الخوف. . فكالجهاد، وإلا. . جاز على الصحيح بلا استئذان.
(فإن أذن أبواه والغريم ثم رجعوا. . وجب الرجوع إن لم يحضر الصف) لأن عدم الإذن عذر يمنع وجوب الحج، فكذا طريانه؛ كالعمى والمرض، وكذا الحكم لو كان أبواه كافرين فأسلما بعد خروجه ولم يأذنا.
(1) روضة الطالبين (4/ 136، 10/ 210)، الشرح الكبير (5/ 17، 11/ 358)، كفاية النبيه (16/ 364).
(2)
أخرجه البخاري (3004)، ومسلم (2549) عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما.
(3)
في (ز): (حيث لا يجد من يعلمه إياه؛ لاضطراره إليه).
فَإِنْ شَرَعَ فِي الْقِتَالِ. . حَرُمَ الانْصِرَافُ فِي الأَظْهَرِ. الثَّانِي: يَدْخُلُونَ بَلْدَةً لَنَا فَيَلْزَمُ أَهْلَهَا الدَّفع بِالْمُمْكِنِ، فَإِنْ أَمْكَنَ تَأَهُّبٌ لِقِتَالٍ. . وَجَبَ الْمُمْكِنُ حَتَّى عَلَى فَقِيرٍ وَوَلَدٍ وَمَدِينٍ وَعَبْدٍ بِلَا إِذْنٍ، وَقِيلَ: إِنْ حَصَلَتْ مُقَاوَمَةٌ بِأَحْرَارٍ. . اشْتُرِطَ إِذْنُ سَيِّدِهِ،
===
ويستثنى: ما لو خاف على نفسه أو ماله. . فلا يلزمه الانصراف، وإذا أمكنه أن يقيم في قرية في الطريق إلى أن يرجع الجيش ويرجع معهم. . لزمه الإقامة على الأصحِّ، وما لو خاف انكسار قلوب المسلمين، بل يحرم عليه الرجوع، وما لو كان خروجه بجُعْل من السلطان. . فلا يرجع، كما حكاه في "الكفاية" عن الماوردي، وحكاه البُلْقيني عن نصّ "الأم"(1).
(فإن شرع في القتال) ثم رجع من سبق ذكره (. . حرم الانصراف في الأظهر)(2) لأن الانصراف يشوش أمر القتال ويكسر القلوب، والثاني: لا يحرم؛ رعايةً لحق الآدمي الذي بناؤه على الضيق.
وعلى الأول: لا يقف موقف طلب الشهادة، بل في آخر الصفوف يحرس، قاله القاضي أبو الطيب.
(الثاني: يدخلون بلدة لنا، فيلزم أهلَها الدفعُ بالممكن، فإن أمكن تأهب لقتال. . وجب الممكن، حتى على فقير وولد ومدين وعبد بلا إذن)، وينحل الحجر عنهم في هذه الحال؛ لأن دخولهم دارَ الإسلام خطبٌ عظيمٌ لا سبيل إلى إهماله، فلا بدّ من الجد في في فعه بما يمكن، (وقيل: إن حصلت مقاومة بأحرار. . اشترط إذن سيده) لأَن في الأحرار غنيةً عنهم، والأصحُّ: الأول؛ لتقوى القلوب وتعظمَ الشوكة وتشتد النكاية في الكفار، انتقامًا من هجومهم.
والنساء كالعبيد إن كان فيهن دفاع، وإلا. . فلا يحضرن، قال الرافعي: ويجوز ألا يحتاج إلى إذن الزوج (3).
(1) كفاية النبيه (16/ 369).
(2)
في (ز): (في الأصح).
(3)
الشرح الكبير (11/ 366)، وليس فيه التطرق لإذن الزوج، وإنما هو كلام النووي في "الروضة"(10/ 214) والله تعالى أعلم.
وَإِلَّا؛ فَمَنْ قُصِدَ. . دَفَعَ عَنْ نَفْسِهِ بِالْمُمْكِنِ إِنْ عَلِمَ أَنَّهُ إِنْ أُخِذَ قُتِلَ، وَإِنْ جَوَّزَ الأَسْرَ. . فَلَهُ أَنْ يَسْتَسْلِمَ. وَمَنْ هُوَ دُونَ مَسَافَةِ القَصْرِ مِنَ الْبَلْدِ كَأَهْلِهَا، وَمَنْ عَلَى الْمَسَافَةِ. . يَلْزَمُهُمُ الْمُوَافَقَةُ بقَدْرِ الْكِفَايَةِ إِنْ لَمْ يَكْفِ أَهْلُهَا وَمَنْ يَلِيهِمْ، قِيلَ: وَإِنْ كَفَوْا. وَلَوْ أَسَرُوا مُسْلِمًا. . فَالأَصَحُّ: وُجُوبُ النُّهُوضِ إِلَيْهِمْ لِخَلَاصِهِ إِنْ تَوَقَّعْنَاهُ.
===
(وإلا) أي: وإن لم يكن تأهب لقتال؛ بأن هجم الكفار بغتة (. . فمن قصد. . دفع عن نفسه بالممكن) وجوبًا (إن علم أنه إن أخذ قتل)، سواء الحر والعبد، والرجل والمرأة، والسليم وغيره، ولا تكليف على الصبيان والمجانين.
(وإن جوز الأسر. . فله أن يستسلم) لأن المكافحة حينئذ استعجال للقتل، والأسر يحتمل الخلاص.
هذا في الرجل، أما المرأة إذا علمت امتداد الأيدي إليها بالفاحشة في الحال. . فعليها الدفع وإن قتلت.
(ومن هو دون مسافة القصر من البلد كأهلها)، فيجب عليهم أن يَطِيرُوا إليهم إذا لم يكن فيهم كفاية، وكذا إن كان فيهم كفاية على الأصحِّ؛ لأن الواقعة عظيمة.
هذا إذا وجدوا الزاد؛ إذ لا استقلال بدونه، ولا يعتبر الركوب.
(ومن على المسافة) فما فوقها (يلزمهم الموافقة بقدر الكفاية إن لم يكف أهلها ومن يليهم) الذين هم على دون مسافة القصر؛ دفعًا عنهم وإنقاذًا لهم.
وأشار بقوله: (بقدر الكفاية): إلى أنه لا يجب على الجميع الخروج، بل إذا صار إليهم قوم فيهم كفاية. . سقط الحرج عن الباقين.
(قيل: وإن كفوا) لعظم الواقعة، والأصحُّ: المنع، لأنه يؤدي إلى الإيجاب على جميع الأمة، وفيه حرج من غير حاجة.
(ولو أسروا مسلمًا. . فالأصح: وجوب النهوض إليهم لخلاصه إن توقعناه)، ويكون فرضَ عين؛ كدخولهم الدارَ؛ لأن حرمة دار الإسلام كحرمة المسلمين، فالاستيلاء عليهم أعظم من الاستيلاء على دارهم، والثاني: المنع؛ لأن تحريك الجنود لواحد يقع في الأسر بعيدٌ مخالفٌ لما نقل في السير.
* * *